بعد أن وصلت الأمور إلى الخطوبة، لم يعد من الممكن لداجون أن تتهرب من أصدقاء تشا شين إلى الأبد. وإن كان لا بد من خوض هذا الاختبار الاجتماعي يوماً ما، فلا داعي لتأجيله.
“إلى أين يجب أن أذهب؟”
ما إن أجابت حتى تلألأت عينا تشا شين. ولمحت في وجهه أيضاً شيءٌ من الارتياح.
“هم شبانٌ مشاغبون بعض الشيء، فأنا قلق…..هل ستكونين بخير؟”
صوته كان مزيجاً من الفرح والقلق. ولم تكره داجون طريقة تعامله المهذبة والحذرة معها.
“أنتَ ستكون بجانبي يا تشا شين.”
فارتسمت ابتسامةٌ هادئة على وجهه الوسيم جواباً لكلامها.
***
عندما أوشكت الخطوبة على نهايتها، بدا الاستغراب على وجوه عائلتها حين أخبرتهم بأنها ستذهب قليلاً مع تشا شين إلى مكانٍ ما.
حتى جي وون، الذي لم يكن يُظهر أي مشاعر بين أفراد العائلة، بدا عليه بعض الاضطراب.
“يبدو أنه يريد أن يعرّفها على أصدقائه.”
“أصدقاؤه؟”
“نعم.”
عند أول ردة فعل من يوهي، بدأ الجميع يتقبل الأمر تدريجياً.
لم تكن تلك المسألة مما يحتاج إلى إذن أصلاً. والآن بعد أن وعدت تشا شين بالذهاب، لم يكن مناسباً أن تطلب الإذن.
فاستدارت داجون لتعود إلى تشا شين الذي كان ينتظرها. و في تلك اللحظة، خرج جي وون بهدوءٍ يتبعها.
“أين المكان؟”
تفاجأت داجون عندما رأت أنه خرج وراءها.
“ماذا؟”
“المكان.”
ولأنه ظن أنها لم تسمعه جيداً، كرر السؤال. وفكرت داجون للحظة أنها لم تسأل أصلاً عن المكان.
“آه….لم أسأل عن ذلك!”
فتجعد وجه جي وون بتعبيرٍ ساخط.
“ألا تملكين أي حذر.”
عند كلماته، حكّت داجون رأسها وكأنها تعترف بذلك.
“حسناً…..إنه خطيبي.”
توقّف جي وون للحظة عند سماعها. لقد كانت تقول الحقيقة ليس إلا، لكن يبدو أن كلامها كان غير متوقعٍ له.
“هل أصبحتِ قريبةً منه لهذه الدرجة، أم أن هذا هو طبعكِ أصلاً؟”
كان كلامه أشبه بتفكيرٍ بصوتٍ مسموع أكثر منه سؤالاً موجهاً لها. فترددت داجون هل ينبغي أن تجيب أم لا.
أما إن كان السؤال عن شخصيتها الحذرة، فهي لم تكن من النوع الحساس. علاقتها مع تشا شين مليئة بالأكاذيب، لذا فهي فقط تتحرك بحذر.
أما عن قربهما، فالأمر ملتبس. صحيحٌ أنهما أصبحا أقل رسميةً من قبل، لكن التوتر بينهما كان موجوداً بلا شك، ولعل طبيعة ارتباط العائلتين لعبت دوراً في هذا.
فقررت داجون أن عليها قول شيءٍ يعكس الواقع.
“سيتوجب علينا أن نصبح قريبين…..فنحن سنعيش معاً.”
وبنظرةٍ جانبية، تحدّث وكأنه يعترف بالأمر،
“هذا صحيح.”
“سأتصل إن حدث شيء.”
“حسناً.”
ومع إيماءةٍ خفيفة، تقدم جي وون بخطواته، لكنه قال جملةً أخيرة قبل أن يستدير تماماً،
“كنتِ جميلةً حقاً اليوم.”
‘هاه؟’
قال ذلك وهو يدير ظهره، و لم تسمعه داجون جيداً، فتوقفت. وحاولت أن تتأكد بعينيها من حقيقة ما سمعت، لكنها لم تجد له أثراً.
‘لابد أنني سمعت خطأ.’
حسمت الأمر في رأسها وعادت إلى طريقها.
وجهتها كانت غرفة تبديل الملابس. فلم يكن مقبولاً أن تذهب للقاء أصدقاء تشا شين بفستان الخطوبة. حتى لو كان يوم الخطوبة، فالفستان لافتٌ جداً.
وفي الغرفة، بينما كانت تخلع الفستان وترتدي ثياباً أخرى، رأت انعكاسها في المرآة وتوقفت تنظر مطولاً.
الوجه المزين بعناية، الشعر المصقول، والملابس التي وإن كانت مريحةً قليلاً، إلا أنها لا تزال رسمية.
لم يكن هذا مظهراً كانت تتخيله يوماً. بدا وكأنها لم تعد نا داجون، بل أصبحت كيم سايو بالكامل.
“سايو لم تهرب، لكنها قاومت بشدة.”
الزواج الذي رفضته سايو بشدة، كانت داجون الآن تنفّذه بدلاً منها.
هل كان هذا صحيحاً؟ هل كان يجوز لها أن تعبث بهذا الشكل بحياة أختها؟
شعرت بندمٍ متأخر وارتباكٍ موجع.
عندما تستيقظ سايو، كم سيكون الأمر صادماً لها؟
‘أنا آسفة….حقاً آسفة.…’
لو كان الوضع طبيعياً، ولو لم تُحشَر بهذا الشكل، لما كانت لتتخذ هذا القرار أبداً. ومع ذلك، فهذا لا يمنحها أي صك غفران.
في تلك اللحظة شعرت داجون بوحدةٍ خانقة. قلبها، الذي صمد بصعوبةٍ حين تحملت كل شيء وحدها بعد حادث لي سوك، بدا وكأنه سيتحطم.
“كنتِ جميلةً حقاً اليوم.”
تذكرت فجأة كلمات جي وون. في الحقيقة، كانت قد سمعتها بوضوح، لكنها أقصتها عن ذهنها لأنها ظنت أنه لا معنى لها.
ذلك الرجل، الذي كان يواجهها دائماً ببرود قاسٍ، كان يربكها كلما أظهر لها جانباً متفهماً أو اعتنى بها برفق.
شاءت أم أبت، كانت تعتمد عليه، وتشعر بأنه الأقرب إليها من بين جميع أفراد البيت.
لم يكن حولها الآن من يمكن أن تسميه “في صفها”.
وعندما كانت الوحدة تشتد عليها كهذه اللحظة، أو عندما تتوق إلى سندٍ تتكئ عليه، كان مجرد ابتسامة أو يدٍ ممتدة من جي وون يجعلها ترغب بشدة في الإمساك بها.
لكن هذا الشعور…..خطر. فجي وون لم يمد يده إليها إلا لحاجة، وهي لم تكن مختلفةً كثيراً عنه. لا يجب أن تخلط بين الأمور.
ربّتت داجون على نفسها محاولةً استعادة توازنها. عندها وقع بصرها على الساعة المعلقة على الحائط. فهزت رأسها بقوة لتطرد أفكارها وغادرت الغرفة.
***
تبين أن مكان اللقاء هو الفندق نفسه الذي أُقيمت فيه الخطوبة. وأنهم حجزوا حتى جناحاً فخماً بانتظارهم….فتجمدت داجون من الدهشة.
كانت تتصور سهرةً بسيطة أو عشاءً خفيفاً، لا شيئاً بهذه الضخامة.
و لم تدرِ إن كان يجب أن تفرح لكون المكان قريباً أم لا.
دخلت المصعد مع تشا شين الذي أمسك بيدها، وسرعان ما صمتت تماماً. و حدقت فقط في لوحة الأرقام، غير مدركة أن تشا شين ينظر إليها وكأنه يجد ارتباكها لطيفاً.
“هل أنتِ متوترة؟”
“مهما يكن الأمر….فالبدايات دائماً توتر.”
وفوق ذلك، فقد سمعت أن أصدقاءه “مشاغبون”.
“كم عددهم؟”
فأجاب تشا شين بوجهٍ يقول: لماذا تسألين الآن فقط؟
“ثلاثة.”
“ثلاثة؟!”
“ومعي نصبح أربعة.”
“ولماذا تضيف نفسكَ إليهم؟ نحن في الفريق نفسه!”
عندها لم يستطع تشا شين كتم ضحكته.
“هل نحن ذاهبون إلى معركة؟”
عندما ضحك، شعرت داجون بقواها تنهار فجأة.
ربما كانت شديدة التوتر. فأسندت ظهرها إلى جدار المصعد، وتبعها تشا شين بوضع يديه في جيبيه واتخاذ وضعيةٍ أكثر استرخاءً.
“الذهاب إلى معركة سيكون أقل رعباً…..بالفعل، المعركة قد تكون أسهل.”
و رفع تشا شين حاجباً وكأنه لا يفهم ما تعنيه. فضحكت داجون،
“على الأقل….أنا جيدة في القتال.”
“حقاً؟ هذا غير متوقع.”
“ولماذا تعتقد أنني لا أجيد القتال؟”
“بصراحة، لا يبدون عليكِ هيئة من تُحسن القتال.”
‘أذلك صحيح؟’
و عبر باب المصعد اللامع كالمِرآة، رأت نفسها وفهمت مقصده.
على خلاف أيامها حين كانت تعيش مع لي سوك، لم تعد بشرتها تتعرض لأشعة الشمس، فازدادت بياضًا عما مضى. وفوق ذلك، بدا جسمها أنحف من قبل، لعل سببه ما تقاسيه من عناءٍ نفسي وجسدي في حياتها الراهنة التي تحاول التكيّف معها.
حتى في نظرها هي، بدا جسدها النحيل بعيدًا كل البعد عن صورة من يخوض عراكًا.
وليس ذلك فحسب، فشعرها المهذّب، ومكياجها المرتّب، بل وحتى أظافرها المشذبة بعناية، كلها جعلت مظهرها مختلفًا تمامًا عمّا كان.
فحوّلت داجون بصرها عن باب المصعد نحو تشا شين.
“هل القتال يكون بالقوة وحسب؟ إنه يكون بالجرأة.”
فاتّسعت عينا تشا شين فجأة. وبدت في عينيه لمعة فضولٍ أضاءت بشيء من الاهتمام.
“هل جرأتكِ عاليةٌ إذاً؟”
“نعم، ولولاها لما أقدمتُ على هذا الزواج أصلًا.”
ورغم أن كلامها حمل معنى عميقًا، فإنه بطبيعة الحال لم يدركه.
“أهو زواجٌ يحتاج إلى الجرأة؟”
“إنه زواجٌ يتوقف عليه ليس مستقبلي وحدي….بل مستقبل أُمـ….أعني….عائلتي كلها.”
كان تشا شين ينظر إلى داجون نظرةً صافية مستقيمة.
كانت نظرته هادئة، غير أن ملامحه كانت مشبعةً بصدقٍ واضح. وما لبثت ابتسامةٌ خفيفة، لها وقعٌ غريب، أن ارتسمت على شفتيه، قبل أن يقرّب المسافة بينه وبين داجون دفعةً واحدة.
“إذاً فلتُلوّحي بتلك الجرأة في وجه أصدقائي أيضًا.”
اتّسعت عينا داجون دهشةً من قربه المفاجئ.
“ماذا؟”
وفجأة، جذب تشا شين يدها نحوه.
“وصلنا. هيا.”
لم تدرك داجون ذلك إلا بعد لحظات، فقد كانت قد انجرفت خلفه، ثم تبيّن لها أن المصعد وصل بالفعل إلى الطابق المقصود.
كان طبيعيًا جدًا في طريقة سيره وهو ممسكٌ بيدها، حتى إن داجون لم تنتبه إلى أنها أول مرة يمسك فيها بيدها، وظلت تمشي خلفه بلا وعي.
وما لبثا أن وقفا أمام الباب، فالتفت إليها تشا شين هامسًا بصوتٍ منخفض.
“لا تتوتري كثيرًا.”
فابتلعت ريقها وأومأت برأسها.
“كما قالت سايو…..نحن في صفٍّ واحد.”
“هذا يبعث على الاطمئنان.”
و ابتسم تشا شين وقد انحنت عيناه بلطف.
“ثقي بي.”
ثم سحبها قليلًا ليجعلها تقف خلفه مباشرة و ضغط زر الجرس. وما زال ممسكًا بيدها.
عندها فقط أدركت داجون أن يدها في يده. فنظرت إلى يده التي تحيط بيدها نظرةً غريبة لا تعرف معناها، وداخلها شعورٌ غامض اجتاحها.
أخذت تتأمل كتفه وملامح وجهه الجانبية، وشعرت –على نحوٍ مفاجئ– أنها بدأت تستوعب حقيقة أنهما اليوم قد أعلنا خطوبتهما.
لقد أصبحا رسميًا زوجين في نظر الجميع.
وبينما كانت ترتجف من وقع الحقيقة التي ضربت رأسها، فُتح الباب فجأة. و كان الرجل الذي فتح الباب يحدّق في تشا شين بابتسامةٍ شقيّة.
“يا لهذا…..انظروا من جاء.”
كانت عينا الرجل ممتلئتين بخبثٍ مرحٍ، كأنه كان ينتظر هذه اللحظة مترقبًا شيئًا بعينه. أما تشا شين، فهزّ رأسه ساخرًا قبل أن يقف أمام داجون حاجزًا نظرات الرجل عنها.
“هل تدعوني ثم تبدأ بالكلام الفارغ؟”
“قلتُ إن القرار لكَ. ومعه طبعًا….مسؤولية ما بعد القرار.”
“إن حاولتم مضايقتي، فلتستعدّوا لعاقبة ذلك.”
ضحك الرجل خافتًا وكأنه راضٍ عن هذا التحدي.
“ولِم لا؟ نحن مستعدون جميعًا.”
وما إن أنهى عبارته حتى مال برأسه جانبًا ونظر إلى داجون مباشرة.
“تشرفنا، سايو!”
“نـ-نعم، وأنا أيضًا.”
ناداها باسم سايو بألفة أثارت فيها اضطرابًا، وظنّت للحظة أنه يعرف سايو أيضًا، ثم تخلّت عن ذلك الظنّ سريعًا حين رأت نظرة عينيه الخالية من أي معرفة سابقة.
فتح الرجل الباب على مصراعيه بمرح، فظهر خلفه رجلان آخران. و كان كلاهما يحمل الملامح الشقية ذاتها—بل لعلها أشد—وهما يستقبلانها بنظراتٍ ماكرة.
“هان تشا شين، لماذا تأخرتَ هكذا؟”
“انتظرناكَ بينما شرب كلٌ منا كأسًا بالفعل.”
ثم ما لبث أحدهما أن التقت عيناه بعيني سايو—أو داجون—فتحدّث معتذرًا بلا أي صدق،
“عذرًا….بدأنا من دونكما.”
فرمقهم تشا شين بنظرات باردة كقطع الثلج، قبل أن يأخذ داجون ويدخل بها الغرفة. ثم أُغلِق الباب خلفهم.
___________________
شكل اخوياه فلاوين حتى هو استانس عشانها وافقت يضحك🤏🏻
جي وون يارب مب هو الي حرق البيت ابيه يقعد اخوها بس😔
صح ودي بعد يعلمونا من الي حب سايو وخانها عشان افقع وجهه
المهم محادثتهم في المصعد حلوه متى يتزوجون عشان يكثرون منها هااااهاهاعاها
التعليقات لهذا الفصل " 22"