تجاوز جي وون دهشة داجون وابتعد عنها متجهاً إلى الثلاجة، ثم أخرج زجاجة ماء معدني. و فتح الغطاء وناولها لها.
“لقد تعبتِ من الكلام، اشربي.”
“لستُ عطشانة.”
كانت تعلم بدورها أنه حتى لو أفرغت ما بداخلها من ارتباك ومشاعر، فلن يمكن الرجوع عمّا حصل.
شعرت داجون بأنها مكبّلةٌ وكأن قيوداً أُغلقت على أطرافها، فاجتاحها العجز. ثم جلس جي وون قبالتها مرة أخرى وقدم الماء من جديد.
كان عنيداً بشكلٍ غريب في بعض الأمور. فتناولت داجون الزجاجة بعصبية وشربت منها بسرعة كما لو أرادت تحدّيه.
مسحت الماء عن شفتيها بكمّها ونظرت إليه بحدة.
“هل انتهينا الآن؟”
بدلاً من الرد، أخذ جي وون الزجاجة التي شربت منها وجرع منها هو أيضاً.
‘إنه الماء الذي كنتُ أشربه…….’
عادةً لا يشرب شخصان من الزجاجة نفسها إلا إن كانت بينهما علاقةٌ قريبة. ورغم أنها فوجئت بتصرفه التلقائي، لم تُظهر شيئاً.
ثم أغلق جي وون الغطاء ووضع الزجاجة على الطاولة بلا اكتراث.
“من الآن فصاعداً سأُعين من يلازمكِ. يجب ألا يتكرر ما حدث اليوم.”
لم يكن هذا الجواب الذي أرادته، فسرعان ما ظهر الانزعاج على وجهها.
وقبل أن تنهض لأنها لم ترُق لها كلماته، تابع جي وون حديثه.
“ما قلتِه….ليس خاطئاً تماماً…….”
فتوقفت داجون عند كلماته.
“…….”
“سايو لم تهرب، لكنها قاومت بشراسة.”
كان الجواب متوقعاً، لكن سماعه مباشرةً ترك في نفسها فراغاً.
جلست من جديد، فأكمل جي وون حديثه بنبرةٍ هادئة.
“كانت بينها وبين الرئيس خلافاتٍ كبيرة، ولم يكن هناك من يساعدها. صحة الرئيس وجدّتكِ كانت متدهورة، وخالتكِ بعدما خرجت من دائرة رضاه فقدت نفوذها في الشركة والبيت، لذا لم تستطع تقديم عون يذكر. أمّا والدي وأنا……فلم نكن قادرين على التدخّل.”
أخذ نفساً خفيفاً ثم صحّح قوله،
“لا، الأصح أننا لم نملك خياراً سوى الوقوف مع الرئيس.”
“……والرجل الذي أحبّته أختي؟ ماذا حدث له؟”
نظر إليها بلا أي تعبير، ثم ابتسم ابتسامةً قصيرة ساخرة.
“أرجو ألا تكوني تظنين أن العائلة…..فعلت به شيئاً، صحيح؟”
“…….”
“لا أعرف ما الذي تتخيلينه، لكن العائلة لم تضغط عليه أبداً.”
“هذا مطمئنٌ إذاً.”
اتّسعت عينا جي وون بدهشة قبل أن يطلق ضحكةً قصيرة.
“ها! حقاً كنتِ تعتقدين ذلك؟”
شعرت داجون بالحرج لأنها سمحت لخيالها بالذهاب بعيداً.
“توقف عن الضحك. كنتُ….فقط فكرتُ ربما……أعطوه ظرفاً به بعض المال، شيء من هذا القبيل.”
هزّ جي وون رأسه ضاحكاً وكأنه ما زال يجد الفكرة سخيفة. فاحمرّ وجه داجون بسرعة.
“حـ-حسناً…..وماذا حدث إذاً؟”
عندما حاولت تحويل الحديث، اختفت الضحكة من وجهه. و ألقى نظرةً جانبية نحو النافذة التي غشاها الظلام و تحدّث بصوتٍ منخفض يشبه الهمس،
“سايو اختارت الشخص الخاطئ. لم تتوقع منه أن يتغير بهذه السرعة.”
“…….”
كانت القصة بعدها مطابقةً تقريباً لما توقعته.
قيل إن سايو تلقت صدمةً أكبر بسبب تخلّي الرجل عنها. أمّا ما يتعلق بالحادثة التي تعرضت لها سايو، فلم يجبها جي وون مهما حاولت السؤال.
“هذا كل ما يمكنني قوله.”
وبنبرة قاطعة أنهى حديثه، فلم تواصل داجون السؤال.
شعرت أن هناك أموراً أخرى تُخفى عنها، لكنها قررت ألا تبحث أكثر. فكلما عرفت أكثر، ازداد اضطرابها.
و أرادت فقط أن تتعافى لي سوك وتعود حياتها إلى طبيعتها.
أنهى جي وون الحديث واستدعى الطبيب المسؤول عن لي سوك. وشرح الطبيب لداجون—بل في الحقيقة شرح لجي وون—تفاصيل العلاج وحالة التقدم.
استمعت داجون بجانبه بينما كانت تحاول كبح فضولها المتزايد مرة أخرى. فبالنسبة لها، لم يكن المهم أسرار العائلة التي اكتشفتها، بل علاج لي سوك.
***
بعد ذلك، مرّت فترة الخطوبة بسرعة. وبالنظر إلى أن الحديث عنها بدأ منذ وقتٍ قريبٍ نسبياً، كانت وتيرتها سريعة.
وتوافق الطرفان على أن تكون مراسم الخطوبة بسيطةً لأن حفل الزواج قريب.
لكن الخطوبة كانت أبعد ما تكون عن البساطة التي تخيلتها داجون. بل كانت بعض تفاصيلها مبالغاً فيها بالنسبة لها، غير أن الأمر لم يكن ضمن ما تستطيع الاعتراض عليه.
كانت حفلة الخطوبة سلسةً في كل جوانبها. ارتدت فستاناً زهرياً يذكّر بالجنيات، ورأت داجون نفسها جميلةً على غير عادتها.
وما إن اكتمل المظهر بمكياجٍ خفيف جعل هيئتها غامرةً بالجاذبية، حتى بدا لها أنها شخصٌ آخر تماماً.
لم تتوقف جاهي عن مديحها حتى جفّ حلقها. هي نفسها المرأة التي أظهرت منذ مدة قصيرة وجهاً عنيفاً، لكن ما إن علمت أن داجون من دمها ولحمها حتى انقلبت معاملتها 180 درجة.
أما أمّها البيولوجية يوهي فكان بينها وبين داجون قليلٌ من المسافة.
كانت تبتسم لها بودّ حين تلتقي نظراتهما، لكن كلما شعرت داجون بنظراتها والتفتت نحوها، وجدتها تحدّق بها بنظرة يصعب تفسيرها. وما إن تلتقي عيناهما حقاً حتى تعود يوهي لتبتسم بتوتر.
على أية حال، كانت حفلة خطوبةٍ هادئة بلا أحداث خاصة.
لكن ما أثار انتباه داجون أكثر من أي شيء آخر كان مظهر تشا شين بزيّه الرسمي.
لأول مرة أدركت أنها قد تكون شخصاً يسهل عليه الافتتان بالمظاهر. فانسيابية خطوط بذلته المحكمة على جسده النحتي بدت خلابةً حدّ الإرباك.
وفي اللحظة التي وقع بصرها عليه، شعرت بصدمةٍ تهوي بقلبها إلى الأسفل. و لم تستطع حتى النظر إلى وجهه المبتسم لها من شدة نبض قلبها.
‘هل جُننتُ؟’
اضطرت لبذل جهدٍ كبير لتهدئة قلبها الذي كاد ينفجر. وتذكرت فجأةً استقامته حين قال أنه حتى لو كان الزواج مدبّراً فلن يخون العهد.
كان ذلك مفاجئاً لها. فمنذ ذلك اليوم لم يأتِ تشا شين على ذكر الرجل الذي واجهها بسببه، تماماً كما وعد. وتعامل معها منذ البداية بإتيكيتٍ واضحٍ وثابت.
ولكن……كانت استقامته تلك تضغط على صدرها بثقل.
ماذا لو اكتشف أن خطيبته قد تبدلت؟ ماذا لو عرف أن شخصاً لا علاقة له أصبح فجأةً خطيبته؟ هل سيتمكن من تقبّل الحقيقة؟
وبدون قصد، استرجعت داجون الحديث الذي دار بينها وبين جي وون في الليلة السابقة للخطوبة.
“إلى متى يجب أن يستمر هذا الزواج؟”
“لأقصر مدة…..نصف سنة؟ أو ربما أطول قليلاً، لكن تقريباً بهذه الحدود.”
كانت مفاجأةً لها أن يذكر جي وون مدةً محددة على خلاف المعتاد، حين سألته كم عليها أن تستمر بدور سايو.
“لو حافظتِ على زواجكِ من نائب المدير لمدة ستة أشهر تقريباً، فكل شيءٍ سيبدأ بالاستقرار.”
وعندما سألته عمّا الذي سيستقر تحديداً، أطلق جي وون ضحكةً مبهمة.
“شركة شين كيميكال تعيش حربها الأعنف الآن. من الخارج…..ومن الداخل أكثر.”
و عندما سألتْه عمّن يحاربون، جاء جوابه مبهماً،
“سأخبركِ عندما أكون واثقاً أنكِ في صفي.”
‘في صفه؟’
وسط كل الغموض، ركزت داجون على كلماته “في صفي”. كان وكأنه يتحدث عن حرب هو نفسه أحد أطرافها.
“كل ما عليكِ هو التفكير في نا لي سوك.”
“أنا بالفعل أفعل ذلك.”
“جيد. أحسنتِ.”
“…….”
لم يكن يبدو عليه أي نيةٍ للكشف عن أمور أعمق من ذلك.
لا بأس. لم تكن داجون تريد معرفة المزيد أصلاً. ورغم تحذير جاهي لها من عائلة جي وون، كانت قد عقدت عزمها مسبقاً.
لم تكن تنوي البقاء في هذا البيت. كان الشوق لرؤية أمها وأختها قد خمد سريعاً بعد تجرِبة العلاقة المتخشّبة مع يوهي. و لم تعد تشعر بأي رباطٍ عاطفي تجاههما.
شعرت بالأسى على سايو، الممددة بلا وعي، لكن ذلك كان مختلفاً تماماً عن مشاعرها تجاه لي سوك.
كانت تشعر تجاه سايو بالشفقة، لكن دون ذلك الألم الخانق الذي كان يصيبها كلما رأت لي سوك. ربما لأنها لم ترَ سايو حقاً أو تعرفها.
أما الجد يونغ غيل، الذي كانت تقضي معه أطول وقتٍ في البيت الفارغ، فقد بدأت تكنّ له بعض الودّ.
لكن تجاه يوهي وجاهي…..لم يكن هناك شيء. كانت تشعر تجاههما بالمسافة. كانتا تبدوان غريبتين، و وجودهما يربكها ويجعلها تشعر بالتوتر.
وبالتالي لم يكن لتحذير جاهي بشأن جي وون وأبيه معنى واضح لديها.
ماذا يعني أن تحذر منهما؟ ألّا تمنحهما مشاعر؟ أم ألا تثق؟
لم تكن مشاعرها متجهةً نحو أحد أصلاً. والثقة؟ لم تكن تعرف أساساً بمن يمكنها أن تثق.
لكن إن وُجد شيء اسمه الثقة، فكان موجهاً إلى جي وون.
إيمانٌ بأنها إن تصرفت كما يريد فستنال المكافأة يقيناً. إن كان يمكن اعتبار شيء كهذا ثقة، بالطبع.
وحين رفعت عينيها المضطربتين بذكريات الأمس نحو جي وون، التقت عيناهما وهو جالس بوجهٍ خالٍ من أي تعبير.
‘ذلك الوجه مجدداً…..’
حين يكون جي وون بين أفراد عائلته، يكون وجهه جافاً إلى هذا الحد.
أحياناً يصعب تصديق أنه في الثانية والثلاثين، لكن إذا رأته جالساً هكذا فسيبدو بالفعل في ذلك العمر.
لم يتجنب جي وون نظرات داجون حين التقت بعينيه للحظة، لكنه ما لبث أن صرف بصره أولاً.
“….هل….يمكن؟”
في تلك اللحظة أفاقت داجون على صوت تشا شين وهو يخاطبها.
“نعم؟ ماذا قلتَ؟”
“سألتُ إن كان بإمكانكِ اليوم.”
“اليوم؟ وقتٌ لماذا؟”
يسألها إن كان لديها وقتٌ في يوم الخطوبة نفسه.
نظرت إليه بوجهٍ يحمل شيئاً من الارتباك، فابتسم بخفة.
“أصدقائي يريدون معرفتكِ.”
“نعم؟”
‘أصدقاؤه؟’
رمشت داجون بعينيها لأنها لم تفهم ما قاله للحظة. ويبدو أن تشا شين فسّر تعبيرها المرتبك على نحوٍ ما، إذ بدا عليه الحرج.
“حاولتُ أن أمنع الأمر، لكن كلما أجلته سيزداد تعقيداً لاحقاً.”
عند سماعها أنه لم يعد قادراً على منع ذلك، عبست داجون قليلاً.
الزواج بتشا شين أصبح واقعاً لا مفر منه، ومن حياته لا يمكنها إلا أن تتوغل أعمق فأعمق.
سواءً انفصلا بعد نصف عام أو وقع الأسوأ، لم يكن أمام داجون خيارٌ سوى الدخول في دائرة علاقاته.
رؤيته يتحدث بنبرةٍ يعتريها شيء من الاعتذار وضعها في موقفٍ صعب، لكن القول بأنه لم يعد قادراً على التأجيل جعل الرفض صعباً عليها.
“….أصدقاؤكَ، أتعني.…؟”
“أصدقاءٌ رافقوني منذ الطفولة.”
ثم أضاف تشا شين،
“هل الأمر صعبٌ عليكِ؟”
ولأنها لم توافق مباشرة، قال ذلك بلهجة فيها استسلام خفيف.
إن كانوا أصدقاء طفولة فلا شك أن علاقتهم قوية.
و فكرت داجون للحظة في ما إن كان عليها أن تسأل جي وون، لكنها اتخذت قرارها أخيراً.
_____________________
جي وون طلع ثلاثيني! يضحك انا ليه كنت احسبه اصغر في بدايك الفصول؟ 😭 ما استوعبت الا يوم قالت له داجون اوبا بس ترجمتها اخي تنرفزني أوبا
المهم وناسه انخطبوا مبررووووووووك راعي الجنتلة بيطلع كثير يعني✨
اما يوهي بخليها مع جي وون مدري احبهم ولا اكرهم
وجاهي تجنننننننننن بس خساره شكل داجون ماتحبها مره؟😔
التعليقات لهذا الفصل " 21"