2
حين ظلت داجون صامتة، نظر إليها جي وون بنظرةٍ متفحّصة قبل أن يتحدّث،
“لقد مر وقتٌ طويل منذ وفاته.”
“…….”
“والدتكِ تزوّجت مرةً أخرى أيضًا.”
“تزوجت؟!”
‘لم يكفِ أن يكون لي أمٌّ أخرى وأبٌ ميت، بل تزوجت الأم أيضًا؟!’
ضحكت داجون بخفةٍ خاليةٍ من أي فرح.
“لقد مضى وقتٌ طويل كما قلتُ. زواجها الثاني بلغ عامه العاشر الآن.”
كان الأمر يفوق التصوّر. لم يكن غريبًا أن تشعر بالذهول وهي تكتشف أن لديها والدين بيولوجيين لم تكن تعلم بوجودهما، لكن أن يكون الأب قد مات، والأم قد تزوجت وأنشأت عائلة جديدة….
ذلك كان أكثر مما يمكن استيعابه. فرمقته بعينين غارقتين في الحيرة.
“الآن ازدادت الأمور غموضًا. لا أستطيع حتى تخمين سبب حاجتكم إليّ.”
ضيّق جي وون عينيه قليلًا، مترددًا في مدى ما يمكن أن يكشفه. لكن بدا أنه لا فائدة من الإخفاء بعد الآن.
“البيت الأصلي..…”
“البيت الأصلي؟”
تلعثم للحظة قبل أن يختار الكلمة، كما لو أنه لم يجد وصفًا أنسب. فقد كان يعلم أن كلمة “عائلة” قد تبدو ثقيلةً عليها.
“نعم، لنسميه هكذا على الأقل.”
“…….”
‘البيت الأصلي؟’
تمتمت داجون ساخرةً في نفسها من غرابة الموقف، ثم أطلقت ضحكةً قصيرة يائسة.
“البيت الأصلية يمرّون بظروفٍ صعبة. رئيس العائلة، أي جدّكِ، مصابٌ بمرض ألزهايمر.”
“ألزهايمر..…”
كلما اعتقدت أن الصدمات بلغت ذروتها، جاء ما هو أدهى.
كانت الأحداث تتلاحق بسرعةٍ تجعلها بالكاد تلتقط أنفاسها. ومع ذلك، حاولت أن تتمالك نفسها.
‘اهدئي يا داجون، ركّزي الآن. المهم ليس مرض الجد، بل—’
“هل قلتَ….أن لدي جدًّا؟”
لطالما اعتقدت أن لا أحد لها تحت هذه السماء سوى أمها، وها هي تكتشف فجأة أن لديها جدًّا أيضًا.
“نعم. و حتى الأمس، كانت لديكِ جدة أيضًا.”
“حتى الأمس؟”
تابع حديثه وهو يلقي نظرةً متكررة على ساعته.
“نعم، هذا ما عنيته حين قلت أن الوقت يداهمنا.”
حدّقت فيه بعينين مليئتين بالأسئلة، بينما اكمل بهدوء،
“لقد توفيت فجر اليوم.”
بعد سماع خبر وفاة الجدة، فوق وفاة الأب، لم تجد ما تقوله.
“يجب أن تحضري جنازة جدتكِ.”
ثم أضاف كمن يقدّم تفصيلًا جانبيًا،
“وهي من ناحية النَسَب تعتبر جدتكِ من جهة الأم.”
‘جدّةٌ من جهة الأم؟!’
لم تكن قد رأتها في حياتها، لكنها مع ذلك كانت من دمها. فشعرت فجأة بضعفٍ في صدرها، نوعٌ من الحنين لم تعرفه من قبل.
في الفترة الأخيرة كانت حياتها سلسلة من الكوارث: أمها في المستشفى بعد حادثٍ مروع، غائبةٌ عن الوعي منذ أسابيع، والآن حقيقة ميلادها المخبأة طوال عمرها، وفوق كل ذلك موت أقارب لم تكن تعلم بوجودهم أصلًا.
“و أختكِ التوأم-”
فقاطعت حديثه بسرعة،
“ما اسمها؟ اسميها، أريد أن أعرف.”
تلك الأخت التي تحمل وجهها وجسدها ذاته، لم تثر فضولها من قبل، لكنها الآن كانت مشتعلةً بالرغبة في رؤيتها. فلم تعد الصورة كافية.
هل هي حقًا نسخةٌ مطابقة؟ ما الذي يجعلهما متشابهتين أو مختلفتين؟ لم تستطع أن تتصور الأمر بوضوح.
“اسمها كيم سايو.”
“كيم سايو..…”
رددت الاسم بصوتٍ خافت، وكأنها تحفظه في قلبها.
إذاً، والدها يحمل لقب “كيم”، ولو كانت قد نشأت معه، لكانت الآن كيم داجون لا نا داجون. بل وربما لم يكن اسمها حتى داجون.
مرّت أفكارٌ عابرة وسخيفة في ذهنها.
“إذاً، سأراها في جنازة الجدة، أليس كذلك؟”
قطّب جي وون حاجبيه للحظة ثم عاد إلى هدوئه.
“لا، لن تتمكني من رؤيتها.”
رفعت نظرها إليه في حيرةٍ تامة.
هل يمكن أن يكون هناك ما هو أعقد من كل ما سمعته حتى الآن؟
“ولماذا؟”
ثى انطلقت من فمه كلماتٌ جديدة كانت أثقل من أن تُحتمل،
“لأن السيدة نا داجون يجب أن تحضر الجنازة بصفتها أختها التوأم، سايو.”
“ماذا؟!”
حدّقت فيه بدهشةٍ فارغة لا تصدق ما تسمعه، فكرّر بوضوحٍ قاطع، كما لو أنه يثبّت الحقيقة في الأرض،
“يجب أن تذهبي إلى الجنازة بصفتكِ كيم سايو، أختكِ التوأم.”
“أختي.…؟!”
تجمّدت أفكارها تمامًا، وكأن عقلها توقف عن العمل.
فيما كان جي وون ينظر مجددًا إلى الساعة المعلقة خلفها، يحسب الدقائق المتبقية وكأن كل شيءٍ قد تحدد سلفًا.
“أختي سايو اختفت.”
لم تستطع داجون أن تخفي دهشتها من كون أن ما زال هناك المزيد من القنابل المتفجرة في هذا الحديث.
لحرّكت شفتيها بصوتٍ خافتٍ مفعم بالذهول.
“اختفت؟ ماذا تعني باختفت…..لا، تمهّل، قبل ذلك، ما معنى (أختي)؟ أختي من أين جاءت الآن؟”
ردّ جي وون بهدوءٍ متزن، كما لو أنه يتفهّم صدمتها، بصوتٍ يخلو من أي زوائد،
“دعيني أقدّم نفسي بشكلٍ أدق.”
شعرت بالانقباض في صدرها، إذ ساورها حدسٌ غير مريحٍ عما ستسمعه لاحقًا، لكنها رفعت رأسها تنظر إليه على أمل أن تكون مخطئة.
“لقد سمعتِ قبل قليل أن والدتكِ تزوجت مرةً ثانية، أليس كذلك؟”
‘يا إلهي، لا تقل أنك….’
“أنا الأخ غير الشقيق لسايو. أي، أنا أيضًا الأخ غير الشقيق لنا داجون.”
***
لو أتيح له الوقت، لفضّل جي وون أن يتأنّى قليلًا، و أن يلتفّ حولها رويدًا، حتى يكتسب ثقتها ويجد اللحظة المناسبة ليكشف الحقيقة.
لو لم تسرِ الأمور بهذه السرعة العاصفة، لكان قادرًا على تجهيز كل شيءٍ بدقّة، بحيث لا يثير انتحال داجون لهوية سايو أدنى شكٍّ لدى أحد.
لكنه لم يتمكن من ذلك، وكان هذا يؤلمه قليلًا.
ومع ذلك، فكر في أن “لو” لا تفيد شيئًا الآن.
فالمفاجئ أن داجون، التي توقّع أن تنهار تحت وطأة الصدمة، قبلت عرضه على الفور.
ربما كان السبب في استعجالها هو حالة أمها نا لي سوك الحرجة وحاجتها العاجلة إلى الجراحة.
لكن، حتى مع ذلك، كانت داجون امرأةً مدهشةً بحق.
ربما لأن حياتها نشأت في بيئةٍ مختلفة تمامًا عن أختها التوأم، فقد بدا سلوكها مغايرًا كليًا، رغم تطابق الوجوه. و كان هناك شعورٌ غريبٌ بالازدواجية في رؤية وجهٍ واحدٍ يحمل روحين مختلفتين.
كانت الأخت التوأم سايو أكثر هشاشةً واعتمادًا على الآخرين، طبيعتها الضعيفة تلك ربما كانت موروثةً من الأم.
فكما قال، التوأمان تشبهان والدتهما البيولوجية إلى حدٍّ مذهل في الملامح، لكن شخصية داجون لم تكن تشبهها على الإطلاق.
“لنذهب.”
بمجرد أن وافقت داجون، تحرّك جي وون بسرعةٍ مذهلة.
تم تحديد موعدٍ لعملية أمها أخيرًا، ووصلت ثياب الحداد التي ستلبسها، ثم فجأة بدأ يخاطبها بلهجةٍ مختلفة.
“يجب أن نسرع.”
تفاجأت بنبرته غير الرسمية، و اتسعت عيناها وهي تلتفت إليه، فأكمل على الفور بنبرةٍ حاسمة،
“…..أختي سايو.”
كان واضحًا ما يريد. ما يحتاجه ليس نا داجون، بل بديلةٌ عن كيم سايو. ناداها باسم أختها عمداً، ليؤكد عليها ألا تنسى الدور الذي ستلعبه.
نظرت إليه لحظةً بارتباك، لكنها سرعان ما بدا عليها أنها استوعبت المقصود.
ربما شعرت بالراحة لأنها، مهما حدث لاحقًا، ستحظى بفرصة إنقاذ أمها. وربما قررت أن تؤجل التفكير في العواقب لما بعد ذلك.
أعطاها جي وون مجموعةً بسيطة من التعليمات. لم تكن صعبةً على الإطلاق.
ولحسن الحظ، أو لسوئه، كانت سايو شخصًا قليل الكلام، منطويًا، لا يتواصل كثيرًا مع العالم الخارجي. و لم يكن أحدٌ يعرفها عن قرب، ولم يكن لها تقريبًا أي أصدقاء يزورونها أو يتحدثون إليها.
لذا، لم يكن على داجون سوى أن تتحدث بهدوءٍ قليل، وتبدو متحفظةً في كل شيء.
أومأت برأسها بصمت. ثم رفعت رأسها فجأةً كما لو أن سؤالًا صغيرًا ألحّ عليها.
كانت من النوع الذي لا يرتاح حتى يجد لكل شيءٍ تفسيرًا. و لم تكن تشبه أختها في هذا أيضًا.
أدار جي وون وجهه إلى نافذة السيارة متظاهرًا باللامبالاة، لكنه كان منتبهًا لأدق حركاتها.
“أريد أن أعرف السبب.”
تحولت نظرته إليها، بعينيه الخاليتين من أي انفعال.
“أي سبب؟”
رغم نبرته العادية، جعلتها لهجته المباشرة ترتجف قليلًا، لكنها تمسكت بسؤالها.
“السبب في أنني يجب أن.…”
كانت داجون على وشك أن تتكلم، لكنها توقفت، وألقت نظرةً جانبية نحو الرجل الذي يقود السيارة. و لاحظ جي وون نظرتها المترددة فابتسم بخفة.
“لا بأس، إنه شخصٌ موثوق. يمكنكِ الكلام.”
بما أنها نالت إذنًا واضحًا بالكلام، لم يبقَ ما يدعو للتردد، فطرحت داجون سؤالها مباشرة،
“حسنًا، سأطرح سؤالي.”
“تفضّلي.”
رمقها جي وون بنظرةٍ يختلط فيها الفضول بالدهشة.
كان وجهها ينبض بالحياة، على عكس تمامًا من كانت تمثلها الآن. بدا وكأن الشخصية الهادئة الخافتة الوجود، سايو، قد تحولت فجأةً إلى إنسانةٍ مختلفةٍ تمامًا، وهذا التباين الغريب جعله يشعر بشيءٍ يصعب تفسيره.
رغم أن داجون كانت تمرّ بوقتٍ عصيب بعد حادث والدتها، إلا أن ملامحها لم تحمل أي ظلّ للكآبة؛ كانت نقيّة، يفيض منها النور والحيوية.
استعاد جي وون في ذهنه صورة سايو. الأخت غير الشقيقة التي لم تربطه بها قطرة دم واحدة، والتي لم يعرفها إلا بعد أن أصبحت بالغة.
كان حينها مراهقًا في أولى سنوات المرحلة المتوسطة، وهي فتاةٌ هادئة ومتحفظة إلى حدٍّ مبالغ فيه.
طوال تلك السنوات، لم يتبادلا حتى نظرةً كاملة. وكذلك هي، لم تنظر إليه إلا كما يُنظر إلى شخصٍ غريبٍ في المنزل ذاته.
كان جي وون نادرًا ما يقيم في بيت العائلة. لم يكن يزورهم إلا حين تستدعيه يوهي، زوجة أبيه، ولم يكن يمكث هناك سوى أيامٍ معدودة، يقضي معظمها في الجناح المنفصل، فلا يلتقي أحدًا إلا على مائدة الطعام.
ومع ذلك، وهو ينظر الآن إلى داجون، تسللت إلى ذهنه فكرةٌ عجيبة
هل كانت سايو بهذا القدر من الحيوية في ملامحها؟
كانت ملامح داجون متألقة، تتقد فيها شرارات الفضول والحذر في آنٍ واحد، وجهٌ مألوف….لكنه غريبٌ في الوقت نفسه.
“لماذا يجب أن أُقلّد…..أختي؟”
أختٌ ظهرت في حياتها فجأة، طبيعيٌ أن يكون النداء بها ثقيلًا على لسانها.
بدا واضحًا أن لفظ كلمة “أختي” أزعجها، فتلعثمت قليلًا في نطقها. لكن جي وون لم يُبدِ أي انفعال، وردّ بنبرةٍ هادئة وثابتة،
“كما قلتُ سابقًا، وضع العائلة ليس جيدًا.”
الجد مصابٌ بمرض الزهايمر، والجدة توفيت فجر اليوم، والأخت التوأم اختفت.
هذا ما فهمته داجون من مجمل كلامه. ومع ذلك، شعرت أن وراء كل هذا سببًا آخر، سببًا يجعله يطلب منها أن تحلّ محل أختها. فلا معنى لإخفاء وجود ابنةٍ أخرى دون دافعٍ خفي.
لاحظ جي وون كيف أن نظرتها، رغم الارتباك، بقيت حادةً ومنطقية، فأعجب برباطة جأشها.
“نعم، قلتَ ذلك من قبل، لكن هذا وحده لا يُقنعني.”
“لا يُقنعكِ؟”
“بالطبع لا. بدلًا من أن تبحثوا عن بديلة، عليكم أن تجدوا صاحبة الشأن الحقيقية. ثم إن مرض الجد..…”
كانت تشير إلى نفسها كـ”بديلة”، لكن في صوتها ما يكشف عن امتعاضٍ عميق من هذا الدور.
رآها جي وون على تلك الحال، فبدأ يشرح بهدوءٍ أكبر،
“صحيح، في الواقع، مرض الجد لم يكن سرًا محكمًا. هو ما زال على رأس مجلس الإدارة، لكن لا يمكن ضمان بقاء الأمر طي الكتمان إلى الأبد. ففي الحقيقة، بدأت الأخبار تتسرب بالفعل..…”
ثم تابع وهو يلمح إلى ما فكّرت به داجون،
“أن يُقام عزاءٌ لامرأةٍ دون وجود زوجها بجانبها، هذا وحده كافٍ لإثارة الشكوك. سيحضر كثيرون إلى الجنازة، سيرون الكثير، وسينشرون الكثير من الأحاديث. إنها مناسبةٌ محفوفة بالمخاطر والخطر فيها لا يُستهان به.”
كان من الغريب بالنسبة لداجون أن يُفكّر الناس في المظاهر والسياسة العائلية وسط المآتم، بدلًا من التفكير في الحزن نفسه.
لكنها بدأت تدرك أن العالم الذي دخلته لم يكن يشبه عالمها في شيء؛ عالمٌ يُحسب فيه كل نَفَسٍ وكل كلمةٍ بحذر، حيث حتى الميّت لا يُبكي الشخص عليه إلا في الخفاء.
____________________
ويت حسبت جي وون اخوها من امها طلع لا الام تزوجت ابوه وهو جا بكج مع ابوه
بس واضح انه اصغر من داجون وسايو دامه قال اختي الي هي نونا بس منب مترجمتها نونا 😘
الي يضحك هي ليه ما سألت عائلتكم وش بالضبط؟😭 هو شركة ولا سياسيين ولا وش؟
يوم انها متضايقه يوجع طبيعي مفروض تروح بصفتها بنتهم الضايعه ودموع وحضن بس الحين بتروح وهي تمثل😔
على الاقل واضح تحب امها الثانيه الي في المستشفى
Dana
Chapters
Comments
- 5 - سأتوقف عن هذا منذ يومين
- 4 - أول لقاء مع ذلك الرجل منذ يومين
- 3 - جاء لرؤيتكِ منذ يومين
- 2 - لأنكِ يجب أن تحضري كأختكِ منذ يومين
- 1 - جنازة الجدة منذ يومين
التعليقات لهذا الفصل " 2"