خالتها جاهي، التي بدت وكأنها ستفجر قنبلةً في أي لحظة من شدة تهديدها، كانت تقضي وقتًا خارج المنزل أكثر مما تقضيه داخله.
أما موهان فكان يصعب التمييز إن كان زوجًا أم سكرتيرًا، إذ كان يقوم بدور ظلٍ يرافق يويهي أينما ذهبت، وتبيّن لاحقًا أنه كان بالفعل سكرتيرها سابقًا.
وقد علمت داجون هذا من كلمات جاهي الساخرة ومن أحاديث الخدم.
“ابن خادم ومع ذلك ناجحٌ بشكل غير طبيعي وذكي بشكلٍ غير طبيعي. شيءٌ مزعج!”
قالت جاهي ذلك وهي تحدّق في جي وون الذي انحنى لها بأدب، ورغم أنه لا بد أنه سمع كلامها، مضى دون أن يُظهر أنه سمع شيئًا.
“سمعت أن الزوجين، الرئيس وزوجته، كتبا عقد ما قبل الزواج. هل هذا صحيح؟”
“بالطبع! فهذه الثروة الهائلة قد تُطمع أي أحد، أليس طبيعيًا؟”
“يا إلهي! يا إلهي! يبدو أنه صحيحٌ فعلًا.”
“هس! إن سمعكِ أحدٌ فسيكون أمرًا بالغ الخطورة، اخفضي صوتكِ!”
وهكذا سمعت داجون كلامًا لم يكن يُفترض أن تسمعه.
لكنها فعلت كما فعل جي وون وتظاهرت بأنها لم تسمع شيئًا. إلا أنها لم تستطع أبدًا الاعتياد على الطريقة الفجة التي كانت بها جاهي تهين جي وون وموهان علنًا.
في الحقيقة، وظيفة السكرتير في شركةٍ كبرى تعد من نخبة النخبة، وليست منصبًا يُحتقر كما تفعل جاهي. لكن يبدو أنها لا تكترث لذلك.
كانت يويهي تبدو غير مهتمةٍ كثيرًا بأمور الشركة، لكنها كانت تقضي القليل من الوقت في المنزل بسبب العمل، وكان ذلك يشمل موهان أيضًا.
ولهذا فإن من بقي في المنزل كانوا الخدم، وداجون، والجد يونغ غيل الذي يعتني به السكرتير تشوي والممرضة كو. وهكذا وجدت داجون نفسها تقضي وقتًا أطول مع يونغ غيل.
“إلى أين تذهبين؟”
سأل يونغ غيل بلهفة عندما نهضت داجون.
“أخي جي وون قال أن نأكل العشاء معًا.”
“لذلك تخرجين؟”
“نعم، هكذا سيكون اليوم.”
“أنا أشعر بالملل.”
“أعرف، لذلك يجب أن أفعل شيئًا.”
“و ماذا ستفعلين؟”
كانت عينا يونغ غيل صافيتين كعيني طفل. فارتسمت على وجه داجون ابتسامةٌ حزينة للحظة ثم اختفت، فهي لن ترى جدها كما كان قبل مرضه، كما لم تستطع رؤية جدتها الراحلة من قبل.
“تمارين. خصوصًا السباحة.”
“السباحة؟”
“نعم، أنا أجيد السباحة كثيرًا.”
ثم اقتربت هامسةً بصوتٍ لا يسمعه إلا هو.
“المكان الذي كنت أعيش فيه فيه بحر. وتقول أمي إأني كنت أجيد السباحة من البداية دون أن يعلمني أحد. غريب، أليس كذلك؟”
“غريب.”
“هل تجيد السباحة يا جدي؟”
“لا أعرف.”
ضحكت داجون برقةٍ أمام ملامحه الطفولية.
“أنا متأكدة أنكَ كنت جيدًا في كل شيء. تبدو هكذا.”
“أنا؟”
“نعم! ما رأيكَ أن نذهب إلى المسبح لاحقًا معًا؟”
“حسنًا.”
“إذاً وعد؟”
“نعم، وعد!”
وبينما كانت داجون تهمّ بالذهاب، ظهر السكرتير تشوي، في أوائل الستينيات من عمره، كأنه يتسلم المهمة.
كان قد خدم يونغ غيل لسنواتٍ طويلة، وبقي ملازمًا له حتى بعد أن مرض.
“ستخرجين؟”
كانت داجون قد وجدت من الصعب في البداية التعامل مع احترامه البالغ لها رغم صغر سنها، لكنها الآن اعتادت الأمر.
“نعم، أشعر ببعض الملل.”
“عودي بخير.”
“أرجوكَ اعتني بجدي.”
ابتسمت ليونغ غيل مغادرةً المنزل. ولم تكن تعلم أنها ستلتقي اليوم بشخصٍ لم تتوقع رؤيته أبدًا.
***
اضطر تشا شين إلى القدوم إلى مزاد اللوحات الفنية تحت ضغط والدته شين أي.
فبما أن الأمور لم تتقدم مع شركة شين كيميكال، بدأت تبحث عن مرشحين جُدد للزواج.
كان تشا شين ينوي منح سايو مزيدًا من الوقت، لكنه فوجئ برفض والدته واستعجالها، إذ كانت تقول أن الموعد محدد منذ مدة، فدفعت ظهره دفعًا.
لم يكن المكان مزعجًا كثيرًا، لكنها أوصته بأن يحيي الجميع جيدًا، لذلك لم يكن أمامه سوى الذهاب. كان ذلك نوعًا من “التعارف المتنكر” تحت مسمى لقاءٍ طبيعي.
النجم الصاعد في ساحة الفن الكوري، أعمال الفنانة الشابة لي يي هيون، كانت مدرجةً بأعداد كبيرة في هذا المزاد الضخم.
وقد كان المكان من اختيار الابنة الصغرى لفندق دوريم، المعروفة بذوقها الرفيع في الفن.
“القطعة رقم 32. يبدأ المزاد على هذا العمل من مليارين وستمائة مليون وون، ويُرفع السعر عشرين مليونًا في كل مرة.”
لم يكن تشا شين مهتمًا كثيرًا باللوحات، لذلك انشغل بمراقبة المشاركين في المزاد، ومن بينهم سيري.
وبينما كانت سيري تمسح بنظرها منافسيها توقفت عيناها عند تشا شين. ويبدو أنها تلقت تلميحًا مسبقًا، إذ لم تُبدِ أي دهشة، واكتفت بتحيةٍ صغيرة بالعين. فبادلها تشا شين التحية بالمثل، حتى لا يربك مشاركتها في المزاد.
“أربعة مليارات ومئتا مليون! أعلى سعر! هل من أربعة مليارات وأربعمئة؟ إن لم يوجد، نختتم!”
طن! هبط مطرقة المُزايد، وتمكنت سيري أخيرًا من الحصول على اللوحة التي رغبت بها. وعندما نهضت من مقعدها، نهض تشا شين أيضًا بعد خطواتٍ قليلة خلفها.
“كنت أعرفكَ من خلال الأحاديث فقط، وهذه أول مرة أراكَ فيها شخصيًا يا سيد هان. ويبدو أن الشائعات لا يمكن الوثوق بها بالفعل.”
“أظن أن الشائعات كانت مبالغًا فيها إذًا؟”
قال تشا شين ذلك بنبرةٍ خفيفة، فضحكت هي بخفة.
“أبدًا. بل إن الشائعات كانت متواضعةً مقارنة بروعتكَ الحقيقية.”
فضحك تشا شين هو الآخر.
“هذا بالضبط ما كان عليّ قوله. على أي حال، لقد رأيتكِ من قبل من بعيد في حفل الذكرى السنوية لفندق دوريم.”
“آه، صحيح؟”
“نعم. لكنني لم أكن أعلم أنكِ مهتمةٌ بالفن إلى هذا الحد.”
“لقد سبق أن لفتت نظري لوحةٌ في معرض المعاينة قبل المزاد. إنها من الفترة التي شهدت تحولًا كبيرًا في حياة الفنانة.”
“هكذا إذاً.”
واصل الاثنان حديثهما بانسيابية.
كانت سيري ذات جمالٍ أخّاذ يخطف الأنظار حتى وسط الحاضرين في المزاد، كما أن حديثها كان سلسًا بلا عوائق. لكن تشا شين شعر بملل غريب.
لم يعرف إن كان سبب ذلك قلّة اهتمامه بالفن، أم شيئًا آخر يعجز عن تحديده.
وفي النهاية، قال كلامًا لا يخلو من التهرّب، مدّعيًا أنّ أمرًا طارئًا في الشركة يفرض عليه تأجيل العشاء إلى وقت آخر. وكان ذلك، قولًا لطيفًا يخفي حقيقة الرفض، وقد فهم كلاهما ذلك دون مواربة.
لم تُظهر المرأة أي تردد، وغادرت دون تعلق، وكذلك فعل تشا شين، رغم علمه بأن والدته ستوبّخه، لكنه شعر براحةٍ غامرة.
وبما أنه عاد من هذا الموعد مبكرًا دون قصد، فقد توجه إلى مسبح الفندق ليخفف من إرهاق جسده.
***
كان تشا شين يحب ممارسة الرياضة فجراً أو في وقت الغداء، أو حتى في آخر الليل.
ورغم ممارسته لأنواعٍ كثيرة من الرياضات، إلا أن السباحة كانت ملاذه حين يتشابك رأسه بالهموم أو يثقل جسده بالتعب.
وكان يفضّل دائمًا الأوقات الهادئة الخالية من الناس، لكن شعوره بالتيبّس اليوم دفعه لاختيار وقتٍ لم يعتد المجيء فيه.
كانت أجواء المسبح في وقت العصر، قبل غروب الشمس، مغايرةً تمامًا لصفاء الفجر. فالمشهد الخارجي بدا واضحًا عبر الزجاج، وأشعة الشمس الدافئة كانت تتسلل إلى داخل المسبح بنعومةٍ آسرة. ثم—بلا تفكير—قفز تشا شين في الماء.
كان الشعور بالاختناق اللذيذ أثناء كتم النفس والسباحة بعنف يوقظ كل حواسه.
وبينما كان يشق الماء بجسده، مرّ بجانبه عددٌ من السباحين. وعندما خرج ليلتقط أنفاسه على الطرف الآخر، لاحظ أحدهم يشق الماء بقوة غير عادية باتجاهه.
“امرأة؟”
لقوة ضرباتها، لم تكن تبدو كمعظم النساء—ولا حتى معظم الرجال.
اقتربت ثم أدارت جسدها بمهارةٍ وبدأت سباحةً جديدة نحو الطرف الآخر.
وفي لحظة تنافس فورية، اندفع تشا شين إلى الماء. تعمّد البدء حين وصلت تقريبًا إلى منتصف الحوض. و خفق قلبه بشدة مع اندفاعه.
كان يتبع الموجات الصغيرة التي تركلها ساقاها الرشيقتان في الماء، كأنه يحاول الإمساك بالدوامات التي تحدثها.
ومع تسارع ضرباته، بدأ يتجاوزها، وشعورٌ دافئ بالفوز يتصاعد في صدره. كانت متعةً افتقدها منذ زمن.
ووسطهما، كان بقية السباحين ينسحبون بهدوءٍ من الحوض دون أن يدرك هو ذلك.
و عندما وصل إلى النهاية ولمس الجدار أولًا، خلع نظارته بسعادة الانتصار، مترقبًا اقترابها.
لمحها لثانيةٍ قصيرة، ورغب فجأة في رؤية وجه المرأة التي أيقظت روحه التنافسية. لكن، وعلى عكس توقعه، لم تتوقف. بل استدارت مجددًا وأكملت السباحة.
فابتسم لا إراديًا وهو يراقبها تركز فقط على الماء وكأن العالم غير موجود.
ثم أعاد ارتداء النظارة وانطلق خلفها، ونجح بسرعة في اللحاق بها ومسايرة سرعتها حتى وصلا معًا إلى الحافة.
عندها فقط رفعت رأسها، تلتقط أنفاسها، وخلعت نظارتها. فخلع تشا شين نظارته كذلك ونظر إليها—
ثم ارتبك فجأة. فقد كان الوجه مألوفًا تمامًا.
“السيدة سايو..…؟”
ما إن رآها حتى اتّسعت عينا سايو.
دائمًا ما كان يلتقي بها في أماكن غير متوقعة. فشعر تشا شين بروابط غريبة بينهما، وارتسمت ابتسامةٌ دائرية على شفتيه.
“آه؟”
مرّت على وجهها لمحة استغراب، لكنها سرعان ما تحولت إلى ابتسامةٍ لطيفة. و تغيرُ ملامحها جعله يشعر بسعادةٍ غامرة.
“نلتقي مجددًا.”
من كان يظن أن سايو تجيد السباحة إلى هذا الحد؟
كانت تستمر في إظهار جوانب غير متوقعة، وكان الأمر ممتعًا في الحقيقة.
“هل تحبين السباحة؟”
“هل تجيد السباحة هكذا دائمًا؟”
طرح تشا شين وسايو السؤال على بعضهما تقريبًا في الوقت نفسه، ثم انفجرا في الضحك معًا.
“لم أتوقع أننا سنلتقي في المسبح.”
“وأنا كذلك. يقولون أن تكرار المصادفات يصنع القدر…..فما الذي نكونه نحن؟”
“مصادفة؟”
حدّقت سايو بتعجب إلى تشا شين، ثم أدركت أن ما يقصده هو لقاؤهما في المستشفى، فأطلقت تنهيدةً قصيرة.
يبدو أن ذلك اللقاء لم يترك لديها انطباعًا جيدًا، لأن الابتسامة التي كانت ترتسم على شفتيها اختفت على الفور.
“آه…..صحيح، التقينا في المستشفى.…”
“هل المديرة بخير الآن؟”
بدت سايو متحيرةً وهي تحيد بنظرها عنه محاولة تجنب الإجابة.
“نعم.…”
تشا شين، وقد شعر أن الموضوع يزعجها، تعمّد تغيير الحديث.
“سمعتُ أنكِ اتصلتِ؟”
“نعم؟ آه!”
خرج منها نفس التعجب القصير مرة أخرى. لقد مرت فترةٌ منذ أن اتصلت به.
“هل أنجزتِ الواجب؟ أنتِ من يحدد موعد اللقاء القادم.”
“آه…..لم أكن أعرف ما الذي يعجبكَ. ولستُ معتادةً على هذا النوع من الأمور أيضًا.…”
“إذاً…..ماذا عن اليوم؟”
“اليوم؟”
لم يمنحها وقتًا للتفكير طويلاً وسأل مباشرة.
“هل لديكِ موعد؟”
“لا.”
“صعبٌ أن تخرجي اليوم؟”
“…..لا.”
فارتفع طرف شفتيه وكأنه يقول: إذاً ما المشكلة؟
“لننجز الواجب اليوم.”
“ماذا؟”
“ليس لدي موعدٌ أيضًا. والسباحة جعلتني جائعًا، ما الذي تحبينه من الطعام؟”
“لا أمانع أغلب الأطعمة، لكن…..”
بدت سايو مرتبكةً من الموعد الذي تحدد فجأة. وحتى تشا شين لم يكن يعرف لماذا يدفعها بهذا الشكل، لكنه تحدّث إليها وهي ما تزال مترددة،
“كم تحتاجين من الوقت للاستحمام؟”
هذه المرة احمرّ وجه سايو بالكامل، وتغيرت ملامحها سريعًا مع اندفاع مشاعرها الحادة.
“سأنتظر، فاخرجي.”
وحين دفع تشا شين بقدمه خارج الماء، اهتز سطحه بقوة.
_______________________
اخيرا اجتمعوا مره ثانيه هااااهاهاها وناسه
اذكر قالت بتتعشى مع جي وون؟ تم السحب عليه✨
جدها يجنن شكله عرف انها حفيدته بدون محد يقوله🤏🏻
وصح ليه محد علّق انها قصر شعرها غير تشا شين؟ حتى خالتها الفلاويه ذي ماقالت شي
التعليقات لهذا الفصل " 13"