“أنا مجرد شخصٍ أُدخل إلى هذا البيت مكرهًا بسبب عناد السيدة المديرة. ولو أردنا الدقة، فأنا لست فردًا من أهل هذا البيت أصلًا.”
استغربت داجون كلامه فعقدت حاجبيها. والآن فقط لاحظت أنه ينادي والدتها بـ “المديرة”.
“لا تتجهمي. هل ترين ذلك المبنى هناك خلف القصر؟”
التفتت داجون نحو الاتجاه الذي أشار إليه، فرأت مبنى منفصلًا خلف المبنى الرئيسي، يقع أبعد قليلًا إلى الداخل.
“أحيانًا أعيش هناك.”
فشعرت داجون بإحساسٍ غريب.
“أحيانًا؟”
ابتسم جي وون بخفة.
“نعم، أحيانًا. بيتي الحقيقي هي تلك الشقة التي ذهبنا إليه.”
كانت داجون، التي دخلت القصر لتوها، تشعر بأن كل شيءٍ غريبٌ تمامًا.
هذا القصر لا يمكن أن يبدو كبيتٍ لها، والعائلة الجديدة التي ظهرت فجأةً لا يمكن أن تبدو عائلتها.
وقد شعرت بالامتعاض تجاه الشخص الذي جرّها إلى هنا، لكنها أيضًا لم تجد أحدًا يمكن أن تعتمد عليه سواه.
وفكرة دخولها القصر وحدها دون جي وو زرعت فيها خوفًا مفاجئًا.
“إذًا……إن أردتُ رؤية……أقصد رؤية أخي، فعليّ الذهاب إلى ذلك المبنى الجانبي؟”
بدا أن قولهـا “أردتُ رؤية” كان له وقعٌ خاص، إذ ابتسم جي وون بزاوية شفتيه.
“إن فعلتِ فسيكون شرفًا لي.”
“لكن قلتَ أنك تقيم هناك أحيانًا فقط؟”
“سأبقى هناك إلى أن تعتادي على المكان. هل يجيب هذا عن سؤالك؟”
“حسنًا.”
شدّت داجون على نفسها. فقد كان عليها دخول هذا المكان الغريب دون مرافقة جي وون.
كان الوقت متأخرًا، ونوافذ القصر التي رأتها من الخارج كانت جميعها مطفأة.
وحين استدارت، شعرت بنظرة جي وون على ظهرها، لكنها لم تلتفت. و فتحت الباب ودخلت وحيدةً إلى القصر المجهول.
***
لحسن الحظ، لم تصادف أحدًا في طريقها إلى الغرفة.
صعدت إلى الطابق الثاني وفتحت باب الغرفة الأخيرة في نهاية الممر.
و تلمست الحائط بحثًا عن زر الإضاءة دون أن تعرف مكانه، فتخبطت طويلاً وحدها في غرفةٍ واسعة لم تألفها.
وانفجرت ضاحكةً بمرارة. ‘ما الذي أفعله؟’ لقد أصبح وضعها فجأةً مثيرًا للسخرية.
غرفة سايو كانت أوسع من المنزل الذي كانت تعيش فيه مع لي سوك.
كان هناك سريرٌ أبيض كبير مبالغٌ في اتساعه لا يناسب شخصًا واحدًا، وأريكةٌ أخرى غير تلك التي رأتها في غرفة الجلوس.
وكانت الغرفة متصلةً بغرفة ملابس وبحمّامٍ مستقل.
اتجهت داجون إلى غرفة الملابس بحثًا عن ملابس ترتديها، فشهقت من الكمية الهائلة من الثياب هناك. ورغم كثرتها، لم تجرؤ يدها على لمس أيٍ منها.
صحيحٌ أن جي وون قال لها أن ترتدي ثياب سايو كما تشاء، لكن استخدام أشياء صاحبة الغرفة دون إذن جعلها تشعر بالذنب.
فبقيت تحدّق مدةً طويلة دون اختيار شيء. لكن لا يمكنها النوم بفستان جي وون الذي ترتديه الآن. فاضطرت في النهاية إلى اختيار قطعةٍ يمكن ارتداؤها كملابس نوم.
وهي تخرج الثوب اختلج قلبها شعورٌ يشبه سرقة ممتلكات شخص آخر. ووعدت نفسها بأنها ستعتذر لسايو في المستقبل عن هذا.
ثم بشق الأنفس خلعت الفستان وارتدت ملابس النوم.
كان الثوب واسعًا قليلًا عليها، لكن حين ارتدت ثياب سايو، تأكدت مرةً أخرى من أن جسديهما متشابهان جدًا كالتوأمين.
والمفارقة أن الثوب بدا مناسبًا لها تمامًا. لكن حين انعكس شكلها بملابس النوم الخفيفة على مرآة غرفة الملابس، شهقت وتراجعت خطوة.
لم تكن قد لاحظت بسبب تصرفات جي وون الطبيعية جدًا، ولكن خدّها المنتفخ من ضربة رجال القروض بدا بصورةٍ شنيعة. والدم الجاف على طرف فمها اسودّ وتيبّس، وحتى شفتيها كانتا متشققتين.
وبهذا الوجه……وبهذه الملابس الهادئة؟! كأن هناك تنافرًا يثير القلق.
أبعدت نظرها بقوةٍ واستدارت عنها.
و كان عليها النوم. فأطفأت الأنوار وزحفت إلى السرير.
ورغم أن الغرفة غريبةٌ عنها، فقد غلبها النوم بسرعةٍ لكثرة تعب يومها.
***
وعندما استيقظت ونزلت بشجاعةَ إلى الطابق الأول، شهقت يوهي وصرخت قليلًا.
“سايو! وجهكِ!”
ورأت داجون في صدمتها أن يوهي لا تزال تظن أنها سايو.
“يا إلهي، انظري……هذا الوجه….”
تحدثت يوهي وهي مندهشة، ثم التفتت إلى موهان، زوجها الجالس بقربها.
ولم تجد داجون شيئًا تقوله، فقد خانتها الكلمات، وجلست بتوتر. وتلاقت عيناها مع الرجل الذي بدا أنه زوج يوهي.
وكان موهان، الذي يعرف كل شيءٍ مع جي وون، ينظر إليها بوجهٍ لا يمكن قراءة ملامحه، فلا تدري هل يعرف ما جرى أمس أم لا.
وضع فنجانه على الطاولة، ثم تحدّث بهدوءٍ ليوهي،
“سمعتُ أنها تعرضت لحادث سير.”
“حادث سير؟!”
ازداد وجه يوهي شحوبًا بدلًا من أن تهدأ، واقتربت من داجون.
“هل أنتِ بخير؟”
“نـ……نعم، بخير.”
تمتمت داجون بصعوبة وهي غير معتادةٍ على الكذب.
“لم……لم يكن حادثًا كبيرًا.”
والتقت عيناها بعيني موهان من فوق كتف يوهي.
وبينما كان يشرب ما تبقى من شايه ببرود، تسلّل شعورٌ غريب إلى داخلها.
فيوهي لا تبدو على علمٍ بهويتها. وموهان بهدوئه يشير إلى أنه بدوره يتظاهر بعدم المعرفة.
لم تعرف إن كان هذا لطفًا منهما لأجلها، أم أمرًا آخر يدبّره جي وون، لكنها لم تستطع فهم مقاصده إطلاقًا.
“أنا لا أفهم لماذا تتصرفين هكذا هذه الأيام.”
“…….”
“انتهت جنازة جدتكِ، وفورًا بعد ذلك اختفيتِ مجددًا.”
“…….”
“طوال حياتكِ لم تسببي لي المتاعب، وفجأةً الآن قررتِ أن تشغلي بالي.”
في تلك اللحظة، دوّى صوتٌ آخر من الخلف.
“وماذا يكون غير ذلك؟ إنها أول مرةٍ تتمرد فيها على أمها لأنها تريد تزويجها رغمًا عنها.”
عندما التفتت داجون، رأت امرأةً أصغر من يوهي تنزل من على السلم.
“أليس كذلك، سايو؟”
داجون مسحت سريعًا الوجوه الغريبة التي ظهرت فجأةً كعائلةٍ لها.
الجدة الراحلة، الجد المصاب بالزهايمر، الأم، الزوج الجديد للأم، الأخ غير الشقيق……إذاً من تكون هذه المرأة أمامها؟
تفكير داجون كان يعمل بأقصى سرعته. بينما انقبض وجه يوهي بغضبَ لرؤية جاهي.
“هذا ليس من شأنكِ.”
“لماذا لا يكون من شأني؟ أنا خالة سايو.”
إذاً هي خالتها.
كان وجهها مختلفًا تمامًا عن وجه يوهي، مما جعله يبدو غريبًا. فملامح جاهي كانت حادة، وهي تبدو شخصيةً حساسة ونحيلة البنية.
الأجواء بين الأختين كانت غريبة، ولم يكن بينهما أي أثر لألفة الأخوات.
جلست جاهي بجانب داجون بشكلٍ طبيعي، وحدقت مباشرةً في وجه داجون الذي بدأ لون كدمة زرقاء خفيفة يظهر عليه.
التعليقات لهذا الفصل " 11"