حتى لو كان الموعدُ كذلك، فإنّ تكاليفَ الزواج يجب أن تُقرَّر بالتشاور بين العائلتَين، وعادةً لا يرغبون في إجرائه بشكلٍ متواضع.
فحسب مقدار المصالح المُتبادَلة بينهما، يمكن معرفة مدى جديّة الزواج، كما أنّ مكانةَ العائلة تُبنى على ذلك أيضًا.
لو أقام حفلَ زواجٍ متواضعٍ وبسيطٍ لا يختلف عن العامّة، وهو من العائلة الملكيّة فضلًا عن كونه أميرًا، فماذا سيظنّ الناسُ عنه؟
لكنّه وافق على كلامها دون قيدٍ أو شرط، كما لو كان قد أتى عازمًا على ذلك.
شعرتْ آدورا بالشكّ في ما إذا كان ذلك الأميرُ قد فهم كلامَها حقًّا.
وكأنّه قرأ قلبَ آدورا، صرّح ليونيل مرّةً أخرى بحزم: “سأتّبعُ جميعَ الشروط التي ذكرتِها. إذا كان هناك أيُّ شيءٍ آخر تريدينه، فقولي بارتياح، سأُلبّي كلَّ شيء. لا تقلقي، سأتولّى أنا الأمورَ اللاحقة.”
“…نعم.”
ردّتْ آدورا بفتور. ابتسم ليونيل مُرتاحًا. يبدو أنّ الوضعَ يتّجه تدريجيًّا نحو ما يريده ذلك الأمير.
“إذًا، ما هو جوابُكِ؟”
“…أعتقدُ أنّني بحاجةٍ إلى وقتٍ للتفكير.”
ضغطت آدورا بقوّةٍ على جبهتها التي كانت تُوجِعها. وصل عقلُها الذي كان يدور بشدّةٍ إلى حدّه الآن. على أيّ حال، كانت بحاجةٍ إلى وقتٍ للتفكير.
لم تكن هذه مشكلةً يمكن الإجابة عليها في الحال على أيّ حال، لذا اختارتْ أن تتراجع خطوةً للوراء.
على إجابة آدورا هذه، أومأ ليونيل أيضًا برأسه بطواعيّة.
“أجل، الزواجُ مسألةٌ حسّاسة، لذا ستحتاجين إلى وقتٍ للتفكير. فكّري مليًّا وأجيبيني. سأنتظر.”
وبينما قال ذلك، نهض ببطء.
هل سيغادر أخيرًا؟ عادتِ البهجةُ إلى وجه آدورا. حاولتْ هي أيضًا النهوضَ لتوديعه، لكنّ ليونيل توجّه نحو آدورا وليس نحو الباب.
أمسكتْ يدُه الممتدّة يدَ آدورا بحذر.
مرّت أصابعُه الطويلة على إصبعها الصغير وقبضت على أطراف أصابعها.
أُمسِكَتْ يدُها دون أن تُدرِك. في مجال رؤيتها المُتّجه نحو يدها، انحنى ليونيل واقترب منها.
راقبته آدورا بحذرٍ دون أن تُدرِك. بدا وجهُه الذي قرأ نظرتَها كأنّه توقّف للحظة، لكنّه ابتسم بلطفٍ مجدّدًا وأدار رأسه.
مرّت شفتاه الحمراء بالكاد على خدّها واقتربتْ من أذنها كأنّها ستلمسها.
همس بصوتٍ ناعمٍ كأنّه يُغويها: “هل تعلمين، أعتقدُ أنّه بالتأكيد هناك سببٌ وراء رغبتكِ المفاجئة في الزواج. سببٌ لا يمكنكِ البوحُ به، شيءٌ من هذا القبيل.”
تجمّدَ وجهُها المُرتبِك في لحظة.
كونُها شخصًا عديمَ التعبير، لم يظهر ذلك بشدة، لكنّها لم تستطع إخفاءَ ارتجاف عينَيها.
استطالت زوايا عينَي ليونيل.
“وأنا أيضًا، لا بدّ أن يكون لديّ سببٌ لهذا الزواج.”
“إذًا…”
“لكن لا داعي للتفكير بعمقٍ كثير. مهما كان السبب، أنا تقدّمتُ للزواج لأنّني أريد الزواجَ منكِ، وأنتِ تلقّيتِ طلبَ زواجٍ منّي، هذا هو الأهمّ.”
ارتسم تعبيرٌ غريبٌ على وجه آدورا.
ابتسم ليونيل بعمقٍ أكبر ووضع شفتَيه على ظهر يدها الخشنة.
تجمّدت آدورا تمامًا بعد أن شعرتْ بملمس شفتَيه الناعمتَين وعيناها مفتوحتان.
دون أن يُبالي بمظهر آدورا هذا، رفع ليونيل رأسَه وهمس بابتسامةٍ مُشرِقة مثل تلك التي كان يحملها عندما أتى إلى هنا لأوّل مرّة.
“إذًا، إلى اللقاء، سيّدة ألفريد.”
بعد توديع الأمير الرابع، عادتْ آدورا إلى مكتبها وارتمت بلا قوّةٍ على الأريكة. شعرتْ كأنّ عاصفةً قد اجتاحتْها للتوّ.
وأحسّتْ بشعورٍ مُزعِجٍ بأنّ هذه العاصفةَ لن تنتهي بهذه المرّة الواحدة.
“كيف كان حديثُكِ مع الأمير الرابع؟”
“آه، أمم. أجل، أتى ليتقدّم للزواج.”
بينما كانتْ آدورا تُجيب على سؤال جون، حكّتْ ظهرَ يدها اليُمنى فجأةً بقوّة. بدا أنّ إحساسَ ما حدث قبل قليلٍ لا يزال باقيًا على ظهر يدها.
ليس شعورًا سيّئًا، لكنّه مُقشعِرٌّ بشكلٍ غريب.
عندما تذكّرتِ الوجهَ الذي كان يبتسم بمرحٍ حتّى اللحظة الأخيرة من رحيله، تغيّر تعبيرُ آدورا بشكلٍ غريب.
“الأميرُ الرابع شخصٌ جميلٌ كما تقول الشائعات.”
تمتم جون بهدوءٍ كأنّه يتذكّر مظهرَ الأمير الذي رآه قبل قليل.
أومأت آدورا أيضًا برأسها بعد أن نظرتْ إليه بسرعة.
كانت حقيقةً لا يمكن إنكارها. كان شخصًا جميلًا أصلًا، لكنّه أصبح أكثرَ إشراقًا خلال السنوات الستّ الماضية.
كانت طريقتُه في التعامل معها لطيفةً جدًّا، وكانتْ أسلوبُه يفيض بالرقيّ أكثر.
يبدو أنّه أصبح أكثرَ كمالًا في الوقت الذي لم تَرَه.
بمعنىً إيجابيّ، تطوّر بشكلٍ رائع، وبمعنىً سلبيّ، أصبح شخصًا لا يمكن معرفة ما بداخله، وهو أمرٌ مميّزٌ للعائلة الملكيّة.
نظرت آدورا بإمعانٍ إلى باقة الورود الحمراء الموضوعة بجانبها.
رغم أنّها تلقّت مؤخّرًا الكثيرَ من هدايا الورود الثمينة، إلّا أنّ هذه الباقةَ بالتحديد كانتْ تُشعِرها بعدم الارتياح. رغم أنّ الوردَ نفسَه لا ذنبَ له.
“إنّها غيرُ مناسبةٍ كهديّة خِطبة.”
لكنّ جون كان ينظر إلى باقة الورود بجدّيّةٍ شديدة بمعنىً آخر.
عبثت آدورا بشعرها دون سبب.
في مملكة غلوريوس، كان اللونُ الأحمر يُعتبَر نَحسًا ويتم تجنبه.
لأنّ اللونَ الأحمرَ القاني يُذكّر بالدماء.
يُقال إنّ الاقترابَ من اللون الأحمر يجلب الموت، وهذا كان نوعًا من الخرافات التي نشأت بشكلٍ طبيعيّ من أملٍ في ألّا تتكرّر مأساةٌ كتلك التي حدثتْ منذ زمنٍ بعيد، بعد التأسيس مباشرةً عندما استمرّتِ الحروبُ مع عدّة دولٍ بسبب نزاعاتٍ إقليميّة لفترةٍ طويلة.
لذلك، لم يستخدم الناسُ عمومًا الأشياءَ التي تحتوي على اللون الأحمر، إلّا إذا كانوا جنودًا أو مُرتزِقة.
وينطبق هذا على الزهور و الورود أيضًا.
هي أيضًا عانت من الإقصاء في طفولتها بسبب شعرها الأحمر الغامق.
كان هناك من يمتلك شعرًا بلون قرمزيّ أحيانًا، لكن لم يكن هناك لونٌ أحمرُ ناصعٌ مثل لونها. بسبب هذا، كان يُشار إليها بالأصابع من قِبَل الأطفال في سنّها على أنّها نَحس، ممّا أحزن أمَّها وأباها، لكنّ مشاعرها تبلّدت فيما بعد. لأنّها لم تُؤمِن بالخرافات، ولأنّها عرفت أنّه من الأحكم عدمُ الرَّدّ.
بما أنّ الشعرَ الأحمرَ كان سِمةً من سِمات عائلة ألفريد، فإنّ الخدمَ هنا لم يُؤمِنوا بمثل تلك الخرافات، لكن يبدو أنّها لم تكن مناسبةً أبدًا كهديّة خِطبة.
“لا أعتقد أنّه قصد ذلك المعنى.”
لا تعتقد آدورا أنّ الأميرَ الرابع أحضر تلك الزهورَ بنيّةٍ سيّئة.
لم يكن شخصًا غافلًا لدرجة أن يُقدّم وردةً حمراء وهو يبتسم بلطفٍ من الخارج قائلًا ‘أتمنى أن تكوني ملعونة’.
بل كان من النوع الذي يقول صراحةً ‘أحضرتُ لكِ وردةً حمراء لتكوني تعيسة’.
حدّقت آدورا بشدّةٍ في البتلات الحمراء الناصعة.
بدتِ الوردةُ المُنتعِشة رغم المسافة الطويلة التي قطعتها غريبةً.
هل غُمِسَت في دواءٍ ما؟ بينما كانتْ تشعر بفضولٍ عابر، بدأ جون الذي كان ينظر إلى آدورا بحذرٍ الحديث:
“سيّدتي، هل ربّما…؟”
“نعم؟”
عندما رفعتْ آدورا رأسَها مُستغرِبة ورأت جون بوجهٍ جادّ، هزّت رأسَها مذعورة. لا! الأمرُ ليس كذلك! لستُ على علاقةٍ مع الأمير الرابع!
“أو ربّما هناك علاقةٌ خاصّة…؟”
“حتى لو قلتَ علاقة، فالأمرُ كلُّه يقتصر على أنّني تولّيتُ حراستَه لفترةٍ قصيرة قبل ستّ سنوات. هذا حقًّا كلّ شيء. لم أتحدّث معه قطّ قبل ذلك.”
“إذًا لماذا أتى ليتقدّم لكِ بالزواج؟”
“حسنًا، أنا أيضًا لا أعرف.”
ما الذي يُخطّط له الأميرُ ليونيل حتى تقدّم لها بالزواج؟ أعترف أن لديه نيّةً ما، لكنّه لم يُخبِرها بها حتى النهاية. بل قال ‘إلى اللقاء’ بشكلٍ عابر مُبشّرًا بلقاءٍ آخر.
“أتمنّى ألّا يكون أمرًا كبيرًا.”
“أمرٌ كبير…”
…لن يكون كذلك، كانت تريد أن تؤكّد لكنّها لا تستطيع.
تنهّدت آدورا.
هل يعرف حقًّا السببَ وراء رغبتها في الزواج؟ بعد أن شعثت شعرَها بشدّة، نهضت آدورا من جسدها المُرتخي.
لتُحوّل أفكارَها، حاولتْ قراءةَ طلبات الزواج المُتبقّية، لكنّ جون ناداها.
“سيّدتي، يجب أن تكوني حذرة.”
“ماذا؟”
ما هذا الكلامُ الغريب؟ رفعتْ آدورا رأسَها مُستغرِبة. كان وجهُ جون صارمًا كما كان عندما كانتْ صغيرة.
“لا بأس بالعائلة والثروة، لكن الأختيار حسب الوجه فقط أمرٌ سيّئٌ حقًّا. رأيتُ حالاتٍ كثيرة تزوّجوا مُعتمِدين على الوجه ثمّ أثاروا ضجّةً بطلب الطلاق بسبب اختلاف الشخصيّات. حقًّا، الباطنُ هو المهمّ في الإنسان، الباطن.”
بعد أن ذكر أنّه لا بأس بالنظر إلى العائلة والثروة، صرخ جون فجأةً وهو يتحدّث عن باطن الأنسان.
بدا أنّه يقول ‘لا تنجرفي وراء وجهه!، يبدو أنّه يعتقد أنّ آدورا قد انجذبتْ بمظهر الأمير الرابع غير العاديّ.
آدورا التي ملّتْ من الحديث ذهابًا وإيابًا لوّحت بيدها وفحصتِ طلباتِ الزواج مُجدّدًا. لكنّ جون الذي غرق في القلق على سيّدته انهمرَ في جولةٍ من العِتاب.
عندما بدا أنّ العِتابَ الصاخب لن ينتهي بتاتًا، في النهاية نثرت آدورا الرسائلَ التي كانتْ تُمسِكها في كلّ الاتّجاهات، واستغلّتِ اللحظةَ التي كان فيها جون يجمع الرسائلَ بتلهّف للهروب إلى الغرفة.
* * *
كان الوضعُ مع الدولة المُعادية مُتوتّرًا كأنّه سينهار في أيّ لحظة.
لقد تجاوزوا الحدودَ منذ زمنٍ بعيد، ولم يَعُد هناك سببٌ لهذا الجانب لمُراقبة ذلك أكثر.
كانتِ الدولتان قد وصلتا لنقطة الاشتعال الأخيرة، التي ستندلع بسببها الحرب.
عزّز الملكُ الحراسةَ في جميع أنحاء المملكة، وأصدر أمرًا بتعزيز حراسة القصر الملكيّ. لهذا الغرض، تمّ اختيارُ أفرادٍ من فرقة الفرسان المُقرّبين لوظائف حراسةٍ مؤقّتة.
كانت آدورا من بينهم.
بالطبع، لم يكن ذلك أمرًا ترغب فيه آدورا.
ابتهج زميلٌ لها تمّ اختيارُه معها قائلًا إنّها فرصةٌ جيّدة لبناء علاقاتٍ مع العائلة الملكيّة، لكنّها لم تكن مُهتمّةً بذلك.
من ناحيةٍ أخرى، كان الأمرُ مُزعِجًا.
لذا ذهبت آدورا لمُقابلة كالتون، الذي كان القائدَ آنذاك.
كانت تنوي اقتراحَ أن يُوكَل هذا العملُ إلى شخصٍ أكثرَ ملاءمةً منها.
لكنّ كالتون، عندما رأى آدورا القادمةَ لمُقابلته، أكّد دون نقاشٍ أنّه لن يتراجع عن القرار.
“مؤخّرًا أنتِ مُفرِطة في تدريبكِ. حتى لو أخذنا في الاعتبار أنّنا أمام أمرٍ كبير، فإنّكِ مُبالِغة. الحماسُ أمرٌ جيّد، لكن عندما يُصبِح مُفرِطًا يتحوّل إلى سُمّ. هل تعلمين أنّ الأعضاءَ الآخرين لا يستطيعون التركيزَ على التدريب لأنّهم يُراقبونكِ؟”
كان هذا الطريقُ قد سلكته من أجل الانتقام فقط.
خلال الوقت الذي ركضت فيه دون توقّفٍ منذ ذلك اليوم المأساويّ حتى الآن، بذلتْ حقًّا جهدًا كبيرًا.
أحيانًا كان الأمرُ مؤلمًا وأرادتِ الاستسلام، لكنّ السببَ الوحيد الذي جعلها تصمد رغم ذلك كان من أجل الانتقام.
أخيرًا اقتربت تلك الفرصةُ منها.
لقد جعلتْها هذه الفكرةُ مُتعجّلة. يبدو أنّ ذلك التعجّلَ ظهر خارجيًّا.
“اعتبري هذا فرصةً للتنفّس قليلًا والعودة.”
ربّت كالتون على كتف آدورا قائلًا إنّها لن تستطيع الراحةَ لاحقًا مهما توسّلت و ستندم وقتها على هذا.
بما أنّ كالتون قال ذلك، لم تستطع آدورا أن تُصِرّ على رفضها.
في الواقع، لم يكن لديها حقُّ الرفض إذا أمرَ القائد.
عندما خرجتْ من مكتب القائد، كان تيريك ينتظرها.
كان تيريك زميلَها وصديقَها منذ أيّام تدريبهما كفارسَين مُبتدِئَين.
اقترب منها وأحاط كتفَها بذراعه.
‘لا تقلقي كثيرًا. هناك فرقُ حراسةٍ خاصّة تحمي كلَّ قصر، كما أنّ أفرادَ العائلة الملكيّة لديهم حرّاسٌ شخصيّون منفصلون، فماذا سيكون عليكِ أن تفعلي؟ ما لم تحدث مشكلة، لن يُبالي أحدٌ بالحرّاس المؤقّتين.’
وقال أيضًا إنّ طعامَ القصر لذيذ، لذا يجب أن تأكلَ منه بقدر ما تريد.
لم يبخل أيضًا بنصيحةٍ عابرةٍ تقول إنّها يجب أن تُرضي أفرادَ العائلة الملكيّة بشكلٍ سطحيّ وتعود.
من رؤيته يُلقي نُكاتًا، يبدو أنّه أدرك أنّها اختِيرَت دون رغبتها.
كانت فرق الحراسة الملكيّة مُؤلّفةً من أربع فِرَق فرسان.
الصفراء، والبيضاء، والزرقاء، والخضراء.
من بينها، تمّ اختيارُ ثلاثة أشخاصٍ بما فيهم آدورا من الفرقة الخضراء التي تنتمي إليها.
تنهّد الزملاءُ الآخرون بحسدٍ وهم يرونهم.
حرّكت آدورا خطواتِها الثقيلة وهي تسمع الصوت الذي ينادي أسمها للتقدم.
في غلوريوس، توجد أميرةٌ واحدة وأربعةُ أمراء.
ولكن من سوء حظّها، أُوكِلَ إلى آدورا حراسةُ الأمير الرابع.
التعليقات لهذا الفصل " 7"