“مَن يتملَّكها القلق عليَّ إلى هذا الحد، هي نفسُها مَن تستخفُّ بكلماتي.”
“… لم أكن أنوي تعكير مِزاجك، اعتذاري لك.”
رغم أنَّ منصبها كان مؤقتًا، إلا أنها كانت حارسته الشخصية بحق، وكان لزامًا عليها حمايته.
ومع أنها أدركت أنَّ غرفته لا تحتاج إلى حراسة، إلا أنها كانت تتبعه كظله بمجرد خروجه.
لم تكن تظن أنَّ قوله: “لا تَدعي خصلةً واحدة من شَعركِ تظهر أمامي” كان جادًّا، لكنها الآن تُدرك أنه لم يكن يمزح أبدًا.
“بما أنَّكِ تزدرينني، فلا عجب أنكِ تجاهلتِ أوامري.”
“لقد أسأتَ فهمي تمامًا.”
يبدو أنَّ سوء الفهم قد تجذَّر بينهما.
حاولت آدورا التوضيح مرة أخرى، وفي الوقت ذاته أحكمت قَبضتها على نصل السيف خشية أن يلوح به الأمير بتهور مجددًا.
ض غرس النصلُ حدَّه في كفها وسال الدم، لكنها لم تبالِ.
“للأسف، لم نَبنِ من الثقة ما يجعلني أُصدقكِ. وفوق ذلك، ليس لديَّ أدنى نية لبناء تلك الثقة معكِ مستقبلاً.”
كان صوته القاطع يفيض بالحذر والعداء.
فكرت آدورا قليلًا ثم سألت:
“ألا أعجبُ سُموَّك؟”
“وهل هناك سبب يدفعني للإعجاب بكِ؟”
لم تجد ردًّا. وأمام صمتها، افرجت شفتا الأمير عن ابتسامة عريضة وقال:
“أنا أكرهكِ.”
“…”
“أتمنى لو تختفين من أمامي تمامًا.”
“هذا طلب لا يمكنني تلبيته، أعتذر منك.”
“أتمنى أن يأتي شخصٌ ليغتالني سريعًا. حينها ستتظاهرين بحمايتي كعادتكِ لتؤدي دوركِ بإخلاص، وحتى لو أنقذتِني، سأدَّعي أنكِ فشلتِ في حمايتي بصدق و ساعدتي القاتل.
وهكذا، لن أضطر لرؤية وجهكِ الصفيق مرة أخرى. آه، هل أحتاج لكل ذلك؟ يمكنني ببساطة أن أضرب رأسي بالحائط وأُلقي باللوم عليكِ، مدَّعيًا أنكِ حاولتِ قتلي.”
“… قد يُعرضك ذلك لخطر حقيقي يا سمو الأمير.”
“ليكن، فالموت أهونُ من رؤية وجهكِ المزعج يلتصق بي كظلي.”
راقبت آدورا وجهه المبتسم بغرابة؛ فمن يراه لا يظن أبدًا أنه شخص يهدد بإنهاء حياته.
لو جاء أحد لقتله لَحمتهُ حقًا ولم تكتفِ بالتظاهر، ولو حاول الانتحار لمنعته بكل قوتها، لكن كلماته كانت تقطر سُمًّا ونوايا خبيثة.
“إن كان هذا ما ترغبين به، فسأحققه لكِ بكل سرور.”
“… ليس الأمر كذلك.”
“إذًا، إن لمحتُ وجهكِ المتغطرس هذا مرة أخرى، فستشهدين سقوط عُنقكِ بنفسكِ.”
“سأضع ذلك في حُسباني.”
طُردت آدورا حينها. وقفت خلف الباب تلمس عُنقها، مذهولة لدرجة أنها عجزت عن الكلام.
منذ لقائهما الأول حين شُدَّ شَعرها، شعرت بكرهه لها.
لم تكن تعرف خطأها، لكن عداءه كان صارخًا لدرجة لا يمكن تجاهلها.
ومن الطبيعي أن يستشيط المرء غضبًا من أتفه هفوات شخص يبغضه.
ومع ذلك…
‘يا له من مجنون.’
كان من الأفضل لو صوَّب السيف نحوها وهدد بقتلها، لا أن يهددها بحياته هو!
كانت تهديداته مبتكرة حقًّا؛ يتمنى اغتياله أو يضرب رأسه بالحائط؟ ماذا لو مات فعلاً؟
هل يكرهها إلى الحد الذي يجعله يخاطر بكل شيء؟ وماذا فعلت له أصلاً؟
نقرت آدورا بلسانها؛ كان الأمير الرابع مختلًّا بلا شك.
* * *
سُمع صوتٌ خافت.
عندما أصبح الصوت الرطب كأنّه مبلّلٌ بالدموع أكثر وضوحًا، انفتحت عيناه.
نظر إلى المساحة التي تتشكّل معالمُها تدريجيًّا في الظلام الذي لا يمكن تمييز المحيط فيه، وفكّر للحظةٍ أين هو.
ثمّ التفتَ رأسُه إلى أنينٍ مسموعٍ من الجانب.
برز شعرٌ ذو لونٍ أحمر لم يأكله الظلام حتّى في العتمة.
لم يكن بإمكانه رؤية وجهها لأنّها كانت تُعطي ظهرَها لهذا الجانب، لكن عندما لاحظ أنّ كتفيها يرتعشان قليلًا، نهض ليونيل.
“آدورا؟”
عندما أمسك كتفَها بحذرٍ مع ندائه، استدار جسدُها بطاعة.
كان وجهُها الملتفت إليه قد فتح عينيه بالفعل، كأنّها في نومٍ خفيف.
يبدو أنّها لم تستيقظ تمامًا بالنظر إلى حركة إغماض العينين وفتحهما البطيئة نوعًا ما.
لكنّ نظرتها التي لامست وجهَه تغيّرت بحدّةٍ في لحظة.
بدت كعادةٍ للاستجابة بسرعةٍ إذا تعرّضت لهجومٍ مفاجئ حتّى في نومها.
ألقى نظرةً عابرةً على إحدى يديها وهي تتلمّس طرف السرير، ثمّ نظر مجدّدًا إلى وجهها المذهول.
“هل رأيتِ كابوسًا؟”
لم يأتِ ردٌّ فوريّ.
كانت خصلات شعرها القصير ملتصقةً بجبينها.
عندما مسح جبينَها، أصبحت راحةُ يده رطبةً.
يبدو أنّها رأت كابوسًا فظيعًا نوعًا ما بالنظر إلى وجهها المذهول غير المعتاد.
ومع ذلك، يبدو أنّها أدركت أنّ الشخص أمامها ليس مَن سيؤذيها بالنظر إلى ارتخاء نظرتها قليلًا.
شعر فجأةً بدغدغةٍ في زاوية فمه.
أنزل ليونيل يدَه وغطّى عينيها. ثمّ همس بخفوتٍ حتّى يمكن للنعاس المتبقّي أن يأخذها مجدّدًا.
“إنّه مجرّد حلم.”
“…….”
لم تُبدِ آدورا ردَّ فعلٍ خاصّ. بدلًا من ذلك، بدأ صوتُ أنفاسها المتدفّق من شفتيها يستعيد استقرارَه تدريجيًّا.
لسوء الحظّ، كان ذلك يعني أنّها استيقظت.
“هل استيقظتَ بسببي؟”
بعد فترةٍ ليست طويلة، سألت آدورا بصوتٍ تخلّص من النعاس.
تلمّست يدُها مباشرةً ظهر اليد البيضاء التي تغطّي عينيها.
نظر ليونيل إليها وهي تحاول سحب يده قليلًا بإصبعها البنصر فقط، لم تكن تحاول صدّها بقوّةٍ مراعاةً للطرف الآخر، وأجاب بلا.
“أعتذر. أحيانًا، أعاني قليلًا من الأرق.”
كان صوتُها خاليًا من الحيويّة بشكلٍ خاصّ.
كان ليونيل يعلم أنّ كلامها كذبة.
يعلم أيضًا أنّ آدورا لا تعاني من الأرق أحيانًا، بل لا تستطيع النوم بشكلٍ صحيح كلَّ مرّة، وحتّى عندما تنام لا تنام نومًا عميقًا وتستيقظ كثيرًا.
مَن عانوا من الحرب يعانون عمومًا من آثار ما بعد الحرب.
كان على الجنود المشاركين في الحرب أن يعيشوا في توتّرٍ دائم، ولم يكن من الممكن أن تستعيد تلك الحياة استقرارَها في لحظةٍ واحدةٍ لمجرّد انتهاء الحرب.
وحتّى لو لم تكن حربًا بالضرورة، لدى الناس ذكرياتٌ تهيمن على عقولهم طويلًا في الحياة.
“لا بأس. أنا أيضًا أرى كوابيس أحيانًا.”
“…….”
“سيتحسّن الأمر إذا نمتِ مجدّدًا. سأوقظكِ إذا رأيتِ كابوسًا آخر.”
رفع ليونيل الملاءة حتّى نهاية رقبة آدورا لكنّه لم يرفع يدَه التي تغطّي عينيها.
شعر بارتباك اليد التي تظهر ندوبُها بوضوحٍ حتّى في الظلام، لكنّ ليونيل تظاهر بعدم المعرفة واستمرّ في تغطية عينيها.
أنزلت آدورا في النهاية يدَها واستلقت بشكلٍ مستقيم.
انتظر ليونيل بهدوءٍ حتّى تعود آدورا للنوم.
هكذا مرّ الوقت وعندما لم تعد آدورا تتحرّك، حينما أراد رفع يده ظنًّا أنّها نامت.
التعليقات لهذا الفصل " 23"