الفصل 21
كان ذلك بسبب ذراعيه اللتين طوقتا خصرها بإحكام، وكأنه يخشى أن تفلت منه.
“أشعر بسعادة غامرة.”
قبل قليل كان يشعر بالدوار، والآن يشعر بالسعادة.
كان صوته المضمخ بأثر النبيذ أعلى من المعتاد، وكذلك الهالة التي تنبعث منه.
في الحقيقة، بدا مبتهجًا منذ اللحظة التي بدأت فيها مراسم الزفاف وحتى الآن.
ورغم مشقة الرحلة إلى القصر وما صاحبها من إرهاق، إلا أن بهجته كانت معدية لدرجة أنها انتقلت إليها.
ولم يكن من الصعب على آدورا أن تخمن سبب هذا السرور.
“أيسعدك خروجك من القصر الملكي إلى هذه الدرجة؟”
“نعم، يسعدني.”
ضحك بخفة وكأن مجرد التفكير في الأمر يبهجه، وبدت ضحكاته سخية ومنطلقة.
“يسعدني جدًا.”
“أنا سعيدةٌ لأجلك.”
“أخاف أن أنام الآن، وعندما أفتح عيني أجد نفسي قد عدت إلى ما كنت عليه.. أخشى أن أجد نفسي لا أزال داخل ذلك القصر، وأن يكون كل هذا مجرد حلم.”
“لن يحدث هذا أبدًا.”
قالتها آدورا بحزم وقوة.
“سأبقى بجانبك حتى تستيقظ. عندما تفتح عينيك وتجدني أمامك، ستدرك حينها أنك لست في حلم.”
“عندما أستيقظ.. سأجدكِ.. حقًا؟”
فرك ليونيل جبهته مجددًا وهو يبتسم كالأطفال.
ولأنها أدركت أنه سيظل هكذا طوال الليل إن تركته، لم تجد بدًا من هزه برفق.
“سيكون حالك أفضل إن استلقيت على السرير. دعني أساعدك.”
اقترحت عليه بنبرة حانية، فهز ليونيل رأسه بموافقة متثاقلة.
طوقته آدورا بجسدها ونهضت معه، وحين وطئت قدماه الأرض ترنح قليلًا، مما أكد لها أنه قد ثمل تمامًا.
سندته آدورا تقريبًا وهي تتوجه به نحو السرير. أزاحت الشراشف وانحنت لتضعه، لكنه فقد توازنه بسبب السكر، مما أدى إلى سقوطها فوقه.
وحين حاولت النهوض بحذر لكي لا تضغط عليه، جذبتها يداه اللتان كانت تمسكان بذراعيها نحو الأسفل مرة أخرى.
قبّلها فجأةً و انتفضت آدورا ودفعت كتفيه لتنفصل شفتيهما.
“هل ضايقكِ ذلك؟ قُبلتي..”
وصل همسه إليها مع أنفاسه المتقاربة.
أنزلت بصرها نحو يده التي كانت تقبض على كتفها وذراعها، ورأت وجهه الصافي.
وعلى عكس آدورا المرتبكة، بدا هو هادئًا تمامًا وهو محاصر بين ذراعيها.
“… ليس الأمر كذلك تمامًا.”
كادت من فرط مفاجأتها أن تضرب ذلك الوجه الجميل.
لولا إدراكها السريع لهوية الشخص الذي هاجمها لحدثت كارثة.
في الحقيقة، كانت الصدمة من عمق القُبلة المفاجئة هي ما أربكها.
“لقد تفاجأتُ فحسب. ولكن..”
“ولكن؟”
“إذا أردت فعل ذلك، أخبرني أولًا.”
حدق ليونيل فيها بتمعن.
‘لماذا ينظر إليّ هكذا؟’
“هل يعني هذا أنني أستطيع فعل ذلك إن استأذنتُ لفظيًا؟”
“نعم.”
“ولن تحاولي الهرب؟”
“طالما لا يوجد سبب للهرب. وبما أنني أنا أيضًا فعلتُ ذلك قبل قليل.”
“ما فعلتِه أنتِ بي وما فعلتُه أنا بكِ مختلفان.”
لم تفهم ما وجه الاختلاف.
“أليس هذا سلوكًا طبيعيًا بين الزوجين؟ وأنا لم أقل إنني أكره ذلك.”
“ألم تكرهيه؟”
“… أجل.”
“وأنا أيضًا لم أكرهه.”
“فهمت.”
بعد إجابتها، غمرها خجل شديد. أنزلت عينيها ثم رفعتهما، لتصطدم بنظرته التي بدت وكأنها تنتظر هذه اللحظة، فاقترب وجهه منها مرة أخرى.
مع ميلان جسد آدورا، انزلق خيط رفيع من بين طيات رداء نومها المبعثر. وقبل أن تلمس شفتاه شفتيها، رأى الخاتم المعلق في ذلك الخيط.
“هذا.. لماذا خلعتِه؟”
كان الخاتم المعلق في الخيط مطابقًا للذي يرتديه هو في بنصره الأيسر؛ خاتم العهد الذي تبادلاه في الزفاف.
كان في إصبعها حتى وقت المأدبة.
“لم أعتد عليه بعد، فخلعتُه مؤقتًا.”
“عليكِ أن تعتادي.”
“سأحاول.”
شعرت به يضحك. لم تسمع صوت الضحكة، لكنها شعرت باهتزازه الصغير ينتقل ليلامس بشرتها.
“هذا مثير.. مثير جدًا.”
ومع ذلك، لم تستطع أن تشيح بنظرها عنه، ولم تفكر في منعه. شعرت وكأن عقلها قد تبخر، ولا بد أن وجهها قد اصطبغ باللون الأحمر القاني.
رفع جفنيه وحين التقت نظراتهما المشحونة بالحرارة، ارتسمت على عينيه نظرة ماكرة.
“آه..”
قبلها بخفة ، كانت قبلات صغيرة متلاحقة أصدرت صوتًا رقيقًا، ثم فجأةً، ضحك.
“آدورا، أنتِ متشنجة جدًا. وإن ظللتِ بهذا الجمود، سيظن الناس أن هناك خطبًا ما.”
“… سأبذل جهدي، سموك.”
“ألم أقل لكِ ناديني باسمي؟”
قطبت آدورا حاجبيها قليلًا، وحركت شفتيها بصمت وهي تحاول نطق اسمه.
ليونيل، ليونيل، ليونيل.. لم يكن الاسم يطاوع لسانها، وشعرت بعبء ثقيل وهي تحاول نطق اسم الأمير دون لقب.
وعلى عكسها، كان اسمها ينساب من بين شفتيه بسلاسة فائقة.
في الماضي، كان ليونيل يناديها دائمًا بـ “سير ألفريد” بجمود تام، أما الآن فنطقه لاسم “آدورا” يبدو طبيعيًا وكأنه تدرب عليه منذ زمن بعيد.
“وهذا أيضًا….”
“نعم، وهذا أيضًا، حاولي بجهد. ارتدي الخاتم دائمًا وتحدثي ببراحة أكبر. لم تعدي فارستي الآن.. بل أصبحتِ.. زوجتي.”
“فهمت، سأفعل.”
عند سماعه ردها، انطلقت منه ضحكة بهيجة أخرى.
انزلقت شفتاه اللتان كانتا تداعبان وجنتها لتمسكا بشفتيها.
امتلأت رؤيتها بوجهه وهي تغمض عينيها العسليتين جزئيًا.
لفت انتباهها بياض رموشه الطويلة والكثيفة، وحين لمستها بفضول، شعرت بملمسها الناعم الذي يدغدغ أناملها.
“هاها.. ماذا تفعلين؟”
ابتعدت شفتاه قليلًا ولامست ضحكته شفتيها.
أنزلت آدورا يدها بسرعة وهي مرتبكة.
“أنا آسفة.”
“لم أقصد أن تطلبي العفو.”
استمرت ضحكاته الرقيقة، وظل مغمض العينين.
“يمكنكِ الاستمرار في لمسي.”
بدلاً من العودة لمس رموشه، قبضت آدورا أصابعها، وشعرت بنسيج الشرشف يتغلغل بين مفاصل يدها.
ولما لم يجد منها رد فعل، عاد ليقبلها. أغمضت آدورا عينيها وهي تشعر بلمسات يده التي تداعب وجنتها برقة.
أشاحت نظرتها عنهُ لأنها كانت تشعرُ بالخجل.
“آدورا.”
“نعم.”
ردت باقتضاب، فناداها مرة أخرى، ثم مرة أخرى، وكأنه يتلو تعويذة باسمها. وحين نظرت إليه أخيرًا، ابتسم لها بصفاء.
“بوجودي معكِ هكذا، أشعر حقًا أننا أصبحنا زوجين. لقد تشابكت أيدينا، وتعانقنا، وقبّلنا بعضنا.. والآن، هل ننتقل للخطوة التالية؟”
“.…..”
فكرت آدورا للحظة، ثم استقامت في جلستها، فبدت في عيني ليونيل نظرة تساؤل.
بينما كانت نظراتهما ملتقطة، أزاحت آدورا رداءها المجعد عن كتفيها، ليظهر قميص نومها الرقيق.
كان القميص بفتحة صدر واسعة وأكمام قصيرة، ومن نسيج يكاد يشف عما تحته.
كـانت تظنُ أن رفضه مستحيلٌ لذا لا بأس الآن في الانتقال إلى هذه الخطوة فهما زوجان الآن.
التعليقات لهذا الفصل " 21"