ما إن دخلت الأميرة الثّانية، انتشر الدّفء في الغرفة. 

لفّت ماناها مانا الأمير الثّاني بلطف، مُذيبةً على الفور الجوّ المتجمّد في غرفة المجلس.

 

سقط النّبلاء، وهم يسعلون ويلهثون بحثًا عن الهواء، أمام طاولاتهم.

 

الذين اقتربوا من الموت الآن نظروا إلى منقذتهم بإجلال.

 

“سموّك، الأميرة الثّانية!”

 

“نحيّي سموّكِ. فليشعّ مجد الشّمس عليكِ!”

 

ما كان عادةً تحيّة شكليّة، أصبح الآن مليئًا بالصّدق.

 

وقفت الأميرة الثّانية هادئة وسط زخم التّحيّات ، كما لو كان من الطّبيعي أن ينحني لها النّبلاء.

 

على الرّغم من أنّها من عائلة نبيلة منخفضة الرّتبة، إلّا أنّها كانت تحمل كرامة شخص وُلد في العائلة المالكة.

 

واقفة إلى جانب فرانز ، مسحت الغرفة بنظرها.

 

ثمّ، استقرّت نظرتها على شخصين أبقيا أفواههما مغلقة وسط التّحيّات المتزلّفة.

 

“هل الدّوق إيليان والدّوق دانيل غير قادرين على رؤيتي؟”

 

“… فليشعّ مجد الشّمس على سموّكِ ، الأميرة الثّانية.”

 

“نحيّي سموّكِ.”

 

نظرت الأميرة الثّانية بهدوء إلى النّبلين اللذين كانا راكعين.

 

ارتجفت أجسادهما والبرد لا يزال يتسرّب في الهواء. 

عندما كانا على وشك الانهيار، تحدّثت الأميرة أخيرًا.

 

“قوما.”

 

نهضا إيليان ودانيل، والإذلال واضح على وجهيهما. لكنّ الأميرة تجاهلت مشاعرهما.

 

أمسك الأمير الثّاني يدها بلطف و قال: “ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟”

 

“سمعت أنّك اقتحمت غرفة مجلس النّبلاء بغضب.”

 

أجابت بهدوء مع تنهيدة صغيرة.

 

بدا الأمير الثّاني مضطربًا من تنهيدتها، كما لو كان يواجه أكثر القضايا إلحاحًا في العالم.

 

“من فضلكِ ، لا تقلقي.”

 

أمسك يدها بين يديه، يطلب الغفران دون تردّد. و كان جميع النّبلاء يشاهدون هذا المشهد.

 

الأمير الثّاني، الذي ظلّ صلبًا حتّى عندما توسّل النّبلاء، ذاب الآن أمام زوجته.

 

كأنّها الوحيدة التي يراها، كان متعلّقًا بكلّ عاطفة لها.

 

لم يكن هناك حاجة لتفسير أنّ شائعات عزلها كانت خاطئة—هذا المشهد كان الحقيقة الكافية.

 

كان الأمير الثّاني يحتاجها. بدونها ، كان قنبلة موقوتة.

 

الأميرة الثّانية، ويدها في يده، هدّأته بصوت لطيف.

 

“كيف لا أقلق؟ من غير اللائق أن يحضر سموّك اجتماع مجلس النّبلاء.”

 

“لكن لم أستطع البقاء ساكنًا بعد سماع جدول أعمال اليوم”

 

“وما هو؟”

 

رمشت وهي تتحدّث، وعندما اجتاحت نظرتها الطّاولة المستديرة، شحب النّبلاء الذين تقاطعت أعينهم معها بشكل واضح.

 

اختارت نبيلًا كان تعبيره صلبًا بشكل خاص.

 

“ما كان جدول أعمال اليوم، يا دوق إيليان؟”

 

“… هذا…”

 

“سموّكِ!”

 

“لم يكن شيئًا مهمًا!”

 

قبل أن يجيب إيليان، صرخت أصوات من جميع الجهات.

عند الرّد الفوضوي، ضيّقت الأميرة حاجبيها وسألت مجدّدًا.

 

“لا شيء مهم؟ هل تتجاهلون كلاً من سموّه و أنا؟ تكلّموا بوضوح.”

 

“هذا ليس شيئًا يجب أن يُقلِق سموّكِ.”

 

“أنا سأقرّر ذلك. تكلّموا.”

 

كان صوتها، الهادئ حتّى الآن، قد أصبح صلبًا. تلعثم النّبلاء قبل أن يعترفوا بالحقيقة أخيرًا.

 

“كنا نناقش عزل الأميرة الثّانية.”

 

“عزل؟”

 

“نعم، بسبب الشّائعات المنتشرة في القصر …”

 

“هه.”

 

انفلتت ضحكة من شفتيها. ضحكت الأميرة الثّانية بعدم تصديق، ممسكة ببطنها كما لو كان الأمر سخيفًا جدًا.

 

كلّما ارتفع صوت ضحكتها، تقلّص النّبلاء في أنفسهم. 

وهي تمسح الدّموع من عينيها، تحدّثت مجدّدًا.

 

“شائعات؟ هل تقولون إنّ شائعة بسيطة جُعلت بندًا في جدول أعمال اجتماع مجلس النّبلاء؟”

 

هل أنتم أغبياء؟

 

كان معناها الضّمني واضحًا، واحمرّت وجوه النّبلاء.

 

بدأوا يلقون بنظرات مليئة بالضّغينة نحو إيليان ودانيل، اللذين اقترحا الموضوع.

 

‘إذًا، فصيل إيليان ودانيل ليس قويًا بعد.’

 

استوعبت إليزيا الوضع بسرعة، مقيّمة الجوّ البارد في الغرفة.

 

بعد هذه الحادثة، لن يجرؤ إيليان ودانيل مجدّدًا على طرح موضوع عزلها. إذا فعلوا، سيُنبذون من المجتمع النّبيل.

 

‘من الجيّد أنّني تركت الشّائعة تنتشر.’

 

لم تبدأ إليزيا الشّائعة—بل غلينا. لكن إليزيا هي من اختارت استغلالها لصالحها.

 

في حياتها السّابقة، سحقتها غلينا و نيريس بجهودهما المشتركة. ليس هذه المرّة.

 

كلّ من يأتي لها سيعاني ضعف الضّربة.

 

يجب أن يُردّ الانتقام بالكامل.

 

إذا حاول أحدهم إسقاطها، ستضمن ألّا يتمكّنوا من الوقوف مجدّدًا.

 

الانتقام البسيط لن يكفي.

 

إذا كان هذا سيجلب ولو قدرًا ضئيلًا من الرّاحة لطفلها الذي فقدته—

 

أمسكت بيد فرانز بهدوء.

 

عندما لمست يدها يده الباردة، تصلّب جسده. 

 

شدّت إليزيا قبضتها وهمست: “هيّا، لنذهب الآن.”

 

أومأ فرانز برأسه بصعوبة. ثمّ، وهو يمسح الغرفة بنظرة صلبة، أعلن: “جريمة السّخرية من العائلة المالكة بناءً على شائعات بسيطة لن تمرّ دون عقاب. تحقّقوا بدقّة في مصدر الشّائعات. وأولئك الذين أهانوا الأميرة الثّانية …”

 

توقّف، ثمّ حدّق في إيليان ودانيل. 

 

جعلتهما نظرته القاتلة يرتجفان وهما يتحدّثان بسرعة.

 

“نقبل العقاب لجرأتنا على طرح مثل هذا الأمر في اجتماع النّبلاء.”

 

“سنلتزم بحكم سموّك.”

 

حوّل فرانز نظرته إلى إليزيا. 

كان تعبيره يقول بوضوح: مهما تريدين، سأفعله.

 

الآن، حدّق جميع النّبلاء إليها. كانت نظراتهم مليئة بالإجلال.

 

لم يعد أحد يجرؤ على النظر إليها بازدراء كأميرة ريفيّة.

 

لكن هذا كان تأثيرًا مؤقّتًا فقط.

 

كانوا يتفاعلون إيجابيًا فقط لأنّها سحبت مانا فرانز وهدّأته.

 

سيتلاشى ذلك الإجلال بمجرد زوال البرد.

 

لهذا كان على إليزيا أن تترك انطباعًا دائمًا—شيئًا سيظلّون يتحدّثون عنه حتّى بعد مغادرة هذه الغرفة.

 

ابتسمت بلطف.

 

“أوّلًا، يا دوق إيليان، ستعمل على تثبيت الأسعار المرتفعة بشكل غير طبيعي. سمعت أنّ حرير أسترايا يكلّف الآن ما يطلبه البائع؟”

 

“لكن، يا سموّكِ ، الحرير هو—”

 

“أليس ذلك الحرير متوفّرًا فقط من خلال مجموعتك التّجاريّة؟ أليس ذلك مريبًا؟”

 

عقدت حاجبيها، متظاهرة بعدم الفهم.

 

“لهذا يتّهمك النّاس بالاحتكار. ابتداءً من اليوم، اخفض السّعر.”

 

“…”

 

“حسنًا؟ ردّك؟”

 

صرّ إيليان على أسنانه وانحنى برأسه بعمق. 

صرّ على أسنانه، وأجبر نفسه أخيرًا على الرّد.

 

“مفهوم.”

 

أضاءت أخبار خفض الأسعار وجوه النّبلاء الآخرين على الفور. كانوا هم أيضًا منزعجين من ارتفاع سعر الحرير بشكل صاروخي.

 

“والدّوق دانيل.”

 

“نعم، يا سموّك.”

 

نظر إليها دانيل روشاناك بعيون قلقة.

 

كان من الواضح أنّه شعر بأنّه على وشك تحمّل خسارة تعادل خسارة إيليان.

 

لكن إليزيا لم تذكر الممتلكات.

 

“اقتحمت السيّدة روشاناك دون دعوة وطالبت برؤية سموّه فرانز. في الحفل الأخير، حتّى لمسته وتشبّثت به دون إذن”

 

تحوّل وجه دانيل إلى اللون الأحمر القرمزي عندما كُشف سلوك ابنته المشين أمام مجلس النّبلاء بأكمله.

 

كان دائمًا يتباهى بنيريس بفخر، ممّا جعل هذا الإذلال أسوأ.

 

وفقًا لإليزيا، كانت نيريس لا شيء سوى مبتذلة.

 

أراد دانيل الرّد عليها—لكنّه لم يستطع.

 

مهما كان مبالغًا فيه، كلّ ما قالته كان صحيحًا.

 

الجدال سيؤدّي فقط إلى حفر قبره أعمق.

 

“علاوة على ذلك …”

 

توقّفت إليزيا، وضغطت يدها على جبهتها كما لو كان من المحرج حتّى التّحدث عن ذلك.

 

“تشبّثت به أمامي، مدّعية أنّها التقت به منذ أربع سنوات.”

 

أطلقت تنهيدة طويلة. بعد إعطاء دانيل وقتًا ليتخمّر في العار، واصلت أخيرًا.

 

“لست هنا لانتقاد عادات عائلتك المتحرّرة. لكن من فضلك، تأكّد من أنّها تُظهر الاحترام المناسب للعائلة المالكة.”

 

“سأفعل.”

 

أجاب دانيل بوجه متورّد. ثمّ أضافت إليزيا بحدّة: “الشّائعات تقول إنّ ابنتك كانت تُعتبر الأميرة القادمة لسموّه. لم تكن متورّطًا في ذلك، أليس كذلك؟”

 

“بالطّبع لا! أبدًا!”

 

قبل لحظات، كان دانيل قد دعم نيريس علانية كالأميرة القادمة—الآن نفى ذلك.

 

نظر إليه النّبلاء بنفور.

 

رؤية الأعين المحيطة به، أعطت إليزيا ابتسامة لطيفة وهادئة.

 

“سأراقب. لأرى ما إذا كان ذلك صحيحًا أم لا.”

 

“من فضلك، صدّقيني، يا سموّك.”

 

صدّقيه؟

 

أعطته إليزيا نظرة باردة.

 

كيف يمكنها أن تصدّق شخصًا سيترك حتّى عائلته؟

 

كانت وقاحته تثير اشمئزازها.

 

لكن في اللحظة التّالية، غيّرت تعبيرها بالكامل. 

 

كان التّغيير سريعًا جدًا، كمرور الرّيح، بحيث لم يلاحظ أحد نظرتها اللحظيّة.

 

شدّت قبضتها على يد فرانز. عند إشارتها، تحدّث بنبرة صلبة.

 

“هذه المرّة، سنترك الأمر يمر، كما تريد الأميرة الثّانية. لكن إذا تكرّر—كلّ من ينشر شائعات عنها سيُقطع لسانه.”

 

“نعم، يا سموّك.”

 

أجاب النّبلاء جميعًا بصوت واحد. مع كلّ عين في الغرفة عليها، خرجت إليزيا من الغرفة وفرانز إلى جانبها.