عندما تتبّع فرانز عمود إليزيا الفقري بأصابعه ، انتابتها قشعريرة في جسدها.
شعورًا بتلك الحرارة المشتعلة، عضّت إليزيا شفتها.
‘ليس هنا.’
تجهّمت إليزيا. كادت جهود فرانز في هدم جدرانها العاطفيّة أن تُحطّم عقلانيّتها.
لكنّها لم تستطع أن تسمح بذلك.
كان لا يزال هناك الكثير مما يجب عليهما القيام به.
واليوم كان الخطوة الأولى المهمّة نحو ذلك.
متشبّثة بحسّها العقلانيّ الآخذ في التلاشي، لفّت إليزيا ذراعيها حول فرانز. وعندما أحاطت عنقه، تجمّد فرانز وأخذ نفسًا حادًا.
“هل أنتِ غاضبة؟”
سأل فرانز بحذر.
كبتت إليزيا ضحكة كادت أن تفلت منها.
كان لها كلّ الحقّ في أن تكون غاضبة.
كان بإمكانها حتّى أن تتّهمه بالتلاعب بها.
لكنّها لم تكن غاضبة.
“و ماذا لو كنتُ كذلك؟”
عند سؤالها، تصلّب جسد فرانز. حلّت برودة محلّ الحرارة بينهما.
بصوت هادئ محى شغف اللحظات السابقة، قال: “لن يتكرّر ذلك مجدّدًا.”
على الرّغم من طاعة كلماته، كانت الرّغبة لا تزال تتخلّل صوته.
فكّت إليزيا ذراعيها من حول عنقه ووضعت يدها على خدّه.
كانت بشرته باردة، كأنّ الحرارة السابقة كانت كذبة.
“هل ستعد بألّا ترغب بي أو تحبّني مجدّدًا؟”
اتّسعت حدقتا فرانز. ارتعشت نظرته بالحيرة.
“لن تقترب منّي بهذا الشّكل مجدّدًا؟”
“هذا …”
بينما كان يتلعثم، أطلقت إليزيا ضحكة خفيفة.
كشف وجهه القلق عن مشاعره. أمسكت إليزيا بلطف باليد التي كانت ملفوفة حول خصرها و همست: “لا تعطِ وعودًا لا يمكنك الوفاء بها.”
عندما حاولت تحرير يده، شدّ قبضته، كأنّه يقول إنّه لن يتركها أبدًا.
تنهّدت إليزيا.
نظرت عبر الفجوة في السّتارة نحو قاعة الرّقص.
في البعيد، رأت نيريس تقترب.
“بدلاً من ذلك، أعطِ وعدًا يمكنك الوفاء به.”
ثقلت نظرة فرانز، مركّزة بالكامل على إليزيا.
“ما نوع الوعد الذي تريدينه؟”
“عدّني بأنّك ستأخذ ثأري. بأنّك ستجلب النّحس لمن قتلني”
برزت عروق يد فرانز وهو يمسك بها. تلألأ ضوء غريب في عينيه الذّهبيّتين.
“أقسم أنّني سأفعل.”
اقترب وجهه من أذنها.
وعندما شعرت بنفسه الدّافئ، تدفّق صوته.
“بحياتي، أقسم بذلك.”
عند سماع قسمه، أغمضت إليزيا عينيها. ضمّته بقوّة أكبر.
أعطاها قسمه الصّادق سلامًا داخليًا.
على الرّغم من أنّهما لم يبدآ الانتقام بعد، شعرت كأنّ كلّ شيء قد تحقّق بالفعل.
أرادت أن ترتاح في راحة ذراعيه.
ارتفع صدر إليزيا وانخفض ببطء. شعرت بأنّ عقلها وقلبها منفصلان.
فتحت عينيها ببطء. وعندما حرّكت يدها لتعانق فرانز—
“ها أنتما.”
ظهر ضيف غير مدعوّ.
سقطت يد إليزيا. تحوّلت نظرتها من فرانز إلى الدّخيل غير المتوقّع.
“…السيدة روشاناك.”
أبعدت إليزيا يد فرانز من خصرها بلطف.
على مضض، تراجع خطوة ونظر إلى نيريس، نظرته خالية من أيّ عاطفة.
“ما الذي جاء بكِ إلى هنا، يا سيّدتي؟”
تجاهلت نيريس نظرة فرانز الباردة.
“كنت بحاجة إلى بعض الهواء فخرجت من قاعة الرّقص. لم أتوقّع أن أجدكما هنا.”
متظاهرة بالبراءة، وسّعت عينيها كأنّها فوجئت بوجود شخص ما هنا.
بما أنّ نيريس تركت الباب نصف مفتوح، كان بعض الأشخاص في قاعة الرّقص ينظرون الآن في اتّجاههما.
وضعت نيريس نفسها بمهارة لتحجب إليزيا عن الأنظار، كأنّها تريد إبقاءها مختفية.
رأت إليزيا من خلال هذه الحيلة الواضحة، فرفعت زاويتي شفتيها.
‘ماذا، هل تريد نشر شائعات بأنّها التقت بالأمير الثّاني بمفردها على الشّرفة؟’
فتحت إليزيا باب الشّرفة على مصراعيه. تفاجأ الأشخاص الذين كانوا يتسلّلون بالنّظر عندما رأوها.
كان من بينهم غلينا و كرايتون ، اللذان بدآ على الفور بالتّهمس و هما ينظران إلى الشّرفة.
‘ما الحيلة التي تحاول لعبها الآن؟’
تنهّدت إليزيا. لم تكن قد قضت وقتًا طويلًا في الحفل بعد، ومع ذلك شعرت بالإرهاق بالفعل.
“يا سيّدتي، استمتعي بالنّسيم. سأذهب.”
عند كلماتها، تقدّم فرانز إلى جانبها وقدّم ذراعه، متّخذًا وضعيّة المرافق.
مسحت إليزيا قاعة الرّقص بعينيها، وتقابلت نظراتها مع سارا، التي كانت تنتظر بالقرب. اقتربت سارا على الفور، حاملة شالًا.
“حسنًا إذًا.”
بينما وضعت سارا الشّال على كتفيها، تحدّثت إليزيا ببرود.
احمرّ وجه نيريس، التي تُركت الآن خلفهما، بالإحباط.
“صاحب السموّ!”
نادَت نيريس بيأس.
لكن فرانز لم ينظر إلى الوراء. تصرّف كأنّه لم يسمعها.
“الأمير فرانز!”
في حالة ذعر، أمسكت نيريس بذراعه.
توقّفت إليزيا وسارا، اللتان كانتا على وشك مغادرة الشّرفة، عند الضّجة المفاجئة.
“ألا تتذكّرني؟ أنا نيريس! ألا تعرفني؟ منذ أربع سنوات، في ناروت—التقينا!”
عبس فرانز، كأنّ شيئًا قذرًا قد لمسه. نفض يدها بحركة حادّة.
“لمس أحد أفراد العائلة المالكة دون إذن …”
عند توبيخه، شحب وجه نيريس.
فتحت فمها، لكن لم تخرج أيّ كلمات.
امتلأت عيناها الكبيرتان بالدّموع، تبدو بائسة ومأساويّة.
لكن لم يشعر أحد ممّن رآها بالشّفقة.
عندما فشلت دموعها في تحريك أحد، تشنّج تعبيرها بالإحباط. نظرت إلى فرانز بعينين مليئتين بالضّغينة.
“كيف يمكنك أن تعاملني بهذه الطريقة؟ لقد جئت إلى كاليبس فقط لرؤيتك!”
“لم أرسل لكِ دعوة.”
قال فرانز ببرود، وتجعّدت شفتاه في سخرية.
“إذا جئتِ إلى حفل عيد الميلاد، ف على الأقل قدّمي تمنيات عيد الميلاد قبل أن تغادري.”
“صاحب السموّ …!”
“كفى.”
وضعت إليزيا إصبعها على شفتيها كأنّها تُسكت نيريس.
عند الصّوت الهادئ “شش” ، تراجعت نيريس.
خفضت إليزيا يدها و ابتسمت بإغراء.
“لا تُثيري ضجّة من لا شيء، يا سيّدة نيريس.”
لأنّك إن فعلتِ، ستُطردين.
عند تحذير إليزيا اللطيف، صرّت نيريس على أسنانها بالإحباط.
بينما كانت عيناها تشتعلان تجاه إليزيا، تدخّلت سارا بينهما.
“سأرافقكِ إلى غرفتكِ، يا سموّك.”
تبعت إليزيا قيادة سارا وابتعدت.
شعرت بنظرة نيريس الحارقة على ظهرها، لكنّها لم تكترث.
لم يعد دورها أن تكون الشّخص الذي يُترك خلفه.
* * *
“كيف يمكن لسموّه أن يعاملني هكذا؟!”
غضبت نيريس. وهي جالسة في غرفة الاستقبال، استمعت غلينا إلى شكاواها بنصف أذن.
فشلت خطّتهما لجعل فرانز يلتقي بنيريس في حفل عيد ميلاد كرايتون بشكل مذهل.
لم تتمكّن من سرقة فرانز من الأميرة الثّانية، ولم يُظهر حتّى ذرّة اهتمام بها.
نيريس، التي كانت واثقة جدًا وهي متّجهة إلى الشّرفة، عادت مهزومة.
لو لم تكن ابنة الكونت روشاناك، لكانت غلينا وكرايتون قد تخلّصا منها منذ زمن.
هكذا كانت عديمة الفائدة.
“ما الذي ينقصني مقارنة بالأميرة الثّانية؟ لماذا هو دائمًا يطاردها!”
“هذه المرّة العاشرة التي تقولين فيها ذلك، يا نيريس.”
كبتت غلينا تثاؤبًا بيدها.
كان التّحدث بسوء عن الأميرة الثّانية عادةً ممتعًا، لكن نيريس كانت لديها طريقة لجعل حتّى النّميمة المثيرة مملّة.
نظرت غلينا إلى الخاتم على إصبعها. لمع الياقوت الأصفر الكبير ببريق.
“فقط اعترفي بأنّك خسرتِ. لم تتمكّني من كسب قلب الأمير الثّاني.”
“كيف يمكنني كسبه وهي دائمًا ملتصقة بجانبه؟ لم أتمكّن حتّى من جعله ينظر إليّ!”
“وتقولين ذلك كأنّه شيء تفتخرين به.”
تمتمت غلينا بجفاف، وهي تفرك الجوهرة على خاتمها.
نيريس، الغارقة في غضبها، لم تسمع السّخرية حتّى.
ولو سمعتها، لما جازفت بالتّجادل مع غلينا—الأميرة الأولى.
كانت نيريس مجرّد أداة من أدوات غلينا. حاولت غلينا مواساتها بشكل سطحي.
“لا تقلقي كثيرًا.”
“كيف لا أقلق!”
“هل كانت الأميرة الثّانية ترتدي خاتمًا مثل هذا؟”
رمشت نيريس ونظرت إلى خاتم غلينا.
درست الخاتم الذي ترتديه غلينا كلّ يوم وهزّت رأسها.
“لا، كانت ترتدي قلادة فقط. إرث عائليّ أهدته إيّاها جلالة الإمبراطورة. إنّها مصنوعة من الألماس—”
“أعرف ذلك.”
لوّحت غلينا بيدها بنفاد صبر، متضايقة.
ثمّ، بهدوء، نظرت مباشرة إلى نيريس.
“إذا لم تكن ترتدي أيّ جواهر أخرى، فلا يزال هناك فرصة. فاهدئي.”
قالت بمعنى، ثمّ أشارت إلى نيريس للاقتراب.
عندما مالت نيريس، بدأت غلينا بالهمس بهدوء في أذنها.
التعليقات لهذا الفصل " 62"