راقبت إليزيا الشمبانيا وهي تختفي في فم فرانز.
تحرّكت حنجرته صعودًا وهبوطًا، وتلألأت شفتاه الممتلئتان بالرّطوبة.
بعد أن أنهى الشمبانيا، وضع فرانز الكأس على الصّينيّة.
أومأ النّادل برأسه قليلًا وابتعد.
إليزيا، التي انتُزعت منها الشمبانيا فجأة، فتحت شفتيها بدهشة خفيفة.
نظرت إلى فرانز بعد أن شاهدت النّادل يختفي وسط الحشد.
“ماذا تعتقد أنّك تفعل؟”
“كنتِ تعانين بعد إبطال السّحر. ما زلتِ تتعافين، والكحول ليس جيّدًا لكِ.”
تحدّث فرانز بلامبالاة ومسح شفتيه.
حدّقت إليزيا به، عاجزة عن إخفاء عدم تصديقها.
‘هل يعطيني الدّاء والدّواء حقًا؟’
كان هو السّبب في أنّها اضطرّت لتحمّل ألم إبطال السّحر.
والآن يتظاهر بالقلق عليها؟
تحوّل وجه فرانز تدريجيًا إلى الشّحوب. في تلك اللحظة، خطرت فكرة ما في ذهن إليزيا فجأة.
أمسكت بذراعه العضليّ وانحنت نحوه.
“هل هذا حقًا وقت القلق عليّ؟ أنت من نزف!”
ارتجف فرانز عندما لمسته. سحب نفسًا غريزيًا و حبسه.
‘ما الآن؟’
عبست إليزيا وحدّقت به.
هل كان على وشك أن يثور مجدّدًا بشأن رائحتها السيّئة؟
‘هل يظنّ أنّني سأبكي و أهرب؟’
حدّقت به بنظرة نارية. حتّى لو ألمح إلى شيء، لن تتزعزع الآن.
اقتربت منه عمدًا و قالت: “يقال إنّ الأميرة غلينا استأجرت صانع عطور لتعطير قاعة الرّقص. يبدو أنّك لا تحبّ الرّائحة.”
هزّ فرانز رأسه بسرعة، مرتبكًا وهي تقترب.
ورغم ذلك، لم يسحب ذراعه التي كانت تمسك بها.
“هذا … ليس صحيحًا.”
“إذن ما الأمر؟”
شدّت إليزيا قبضتها على ذراعه.
“هل أنا أنتن؟ هل هذا سبب تصرّفك هكذا؟”
“لا.”
بدأت أذنا فرانز تتوهّجان بلون أحمر داكن.
إليزيا، التي كانت تضغط عليه، أمالت رأسها بحيرة.
‘ما الذي يحدث؟’
لو كانت رائحة سيّئة، لما تفاعل هكذا.
مدّت يدها ووضعتها على خدّه.
لحسن الحظّ، كانت موسيقى الرّقص لا تزال تعزف، فلم ينتبه أحد إليهما.
تجمّد فرانز مجدّدًا عندما امتدّت يدها إليه. قاومت إليزيا رغبتها في هزّه ومدّت يدها بلطف على خدّه.
‘تماسكي. هذه الأمور لم تعد تؤثّر بي.’
اتسعت عيناها وهي تشعر بوجهه.
‘إنّه يحترق؟’
كان خدّه ساخنًا. أمسكت بيده و سحبته.
لم يعد بإمكانه الوقوف بعد الآن.
عندما أمسكت بيده، انتفض فرانز وسحب يده للخلف.
“لـمَ تمسكين بيدي …؟”
“إذا انهرت من كأس شمبانيا واحدة، ماذا سيقول النّاس؟ هيّا، أنت بحاجة إلى بعض الهواء النّقيّ على الشّرفة.”
“سأدبّر أمري.”
ردّ فرانز بصوت منخفض أجشّ، محدّقًا في اليد التي أمسكتها. أفلتت إليزيا يده ببطء.
“كما تشاء.”
“يمكنكِ الاستمرار في إمساك يدي. لا، من فضلكِ … افعلي”
تلعثم وأمسك بيدها بدوره. نظرت إليزيا إليه بحيرة.
‘ما به اليوم؟’
كان فرانز يتصرّف بغرابة.
عادةً، حتّى عندما كانت تقترب منه أو تلمسه، لم يكن يتفاعل هكذا.
في الحقيقة، كان دائمًا فرانز هو من يبادر بالتّواصل.
كان يلمسها، يقبّلها، حتّى يشاركها الفراش دون تردّد.
لكن الآن، بعد أيّام قليلة فقط، أصبح مرتبكًا من مجرّد لمسها له.
لم تفهم السبب.
نظرت إليزيا إلى اليد التي كان يمسكها. كان يرتدي القفّازات السّوداء التي أعطته إيّاها.
على عكس عندما كان كاليب يرتدي القفّازات ، رؤية فرانز يرتدي قفّازاتها جعلتها تشعر بدفء داخليّ.
رفعت نظرها ببطء من أيديهما المتصلة لتنظر إليه.
كان يعضّ شفته بعصبيّة، يراقبها. كأنّه يخشى أن تترك يده وتغادر.
“قلتَ إنّك ستدبّر أمرك بنفسك…”
بينما تكلّمت، تصلّب فرانز.
كان من الواضح أنّه متوتر، يتوقّع ما ستقوله بعد ذلك.
تنهّدت إليزيا وظلّت صامتة للحظة. ثمّ، ممسكة بيده بقوّة أكبر، سحبته معها.
“هيّا. هناك عيون وآذان كثيرة هنا.”
كانت هناك أشياء كثيرة أرادت قولها، أسئلة كثيرة لتسألها.
لكن ليس هنا.
قادت إليزيا فرانز نحو الشّرفة.
خلفها، تبعها بخطوات طويلة، كجرو كبير يتبع سيّده.
أصبحت أيديهما المتصلة أكثر سخونة تدريجيًا.
* * *
على الشّرفة، كان أوّل شيء فعلته إليزيا هو سحب السّتائر عبر النّوافذ.
لن يكون جيّدًا أن يُرى من قاعة الرّقص.
بينما كانت تمدّ يدها للسّتائر، التقت عيناها بعيني نيريس من الدّاخل.
ابتسمت إليزيا لها بحلاوة و سحبت السّتائر دون تردّد.
في حياتها السّابقة، كانت فقط تراقب بينما كانت نيريس تسحب السّتائر.
لكن هذه المرّة، تبدّلت الأدوار.
مهما حدث ذلك مرّات عديدة، كان دائمًا مُرضيًا.
بمجرّد إغلاق السّتائر، استدارت إليزيا.
كان فرانز متّكئًا على الدّرابزين، يلهث بشدّة.
انتشر احمرار أحمر من أذنيه و تسلّل إلى عينيه.
اقتربت منه و سألت:
“هل هذا أثر جانبيّ لإبطال المانا؟”
أبقى فرانز شفتيه مغلقتين بإحكام.
كان صدره العريض يرتفع وهو يحاول التحكّم في تنفّسه.
تنهّدت إليزيا لصمته ومدّت يدها لإزالة القماش الشّبيه بالقناع الذي يغطّي عينيه.
انزلق القماش الأسود من أصابعها، كاشفًا عن وجهه بالكامل.
“فرانز …”
نادت اسمه بهدوء، كابحة شهقة.
كان مغمورًا بالعرق البارد، يكافح لتحمّل شيء ما.
أمسكت بيده بسرعة.
“هل تحتاج إلى إبطال مانا إضافيّ؟ هل هذا هو؟”
“لا، ليس هذا.”
حدّق فرانز في أيديهما المتصلة وابتلع ريقه بصعوبة.
باليد الأخرى، مرّر أصابعه في شعره، يبدو مضطربًا.
“هذا ليس الوقت. لم أقصد قول هذا. كنتُ سأتحدّث عن شيء آخر …”
“إذن تكلّم بوضوح.”
عبست إليزيا وهو يهذي.
بنبرتها الحازمة، لعق شفتيه الجافّتين وقال: “أنا آسف.”
“على ماذا؟”
“لأنّني … ظننتُ أنّكِ تعرفين بالفعل ما أشعر به، ولم أعد قادرًا على كبحه …”
ارتجف صوته قليلًا، واحمرّت عيناه.
“عندما أنظر إليكِ … عندما أفكّر كم أحبّكِ … أصبح من المستحيل تحمّل هذه الرّائحة بعد الآن.”
“رائحة؟”
“الرّائحة الحلوة التي لا تُطاق والتي تأتي منكِ.”
تسارعت دقّات قلب إليزيا عند اعترافه.
‘رائحة؟ منّي؟’
ليس رائحة كريهة—بل عطر؟
‘ما نوع الرّائحة؟ لم أسمع بهذا من قبل. حتّى أنا لا ألاحظها …’
لكن فرانز أصرّ أنّه يستطيع شمّها. لم تستطع كبح فضولها.
“ما نوع الرّائحة؟ هل هي قويّة لدرجة تجعلك تريد تغطية أنفك؟”
“إنّها قويّة بما يكفي لتجعلني أفقد صوابي إن لم أفعل. ليز ، منكِ … أشمّ تفّاح الصّيف الأخضر، و حلاوة تؤلم القلب، وزهرة السّوسن النّاعمة.”
عضّ فرانز شفته السّفلى وهو يصف رائحتها.
“وأكثر من ذلك—إنّها معقّدة، منعشة وحلوة. إنّها رائحة أريد أن أظلّ سكران بها.”
اتسعت عينا إليزيا.
هذا يعني أنّ فرانز كان يتحمّل رائحتها طوال هذا الوقت.
ليس نتنًا—بل عطرًا حلوًا بشكل خطير.
‘هل هذا سبب محاولته الابتعاد عنّي؟ حتّى لا يفقد السّيطرة؟’
تسلّل احمرار ببطء إلى وجه إليزيا.
لحسن الحظّ، كان القناع يغطّي نصف وجهها. و إلّا، لكان قد رأى مدى ارتباكها.
سحبت يدها من يده بتكلّف و قالت: “عن أيّ هراء تتحدّث؟ أنت تعلم أنّ هذا ليس الوقت المناسب لذلك.”
“أعلم. أعلم حقًا. أعلم لكن …”
رفع فرانز نظره. كانت عيناه العنبريّتان تتوهّجان بالحرارة.
“لا أستطيع كبح مدى رغبتي بكِ”
نظر إليها كما لو كان سيحاصرها في لهيبه.
“أريدكِ بشدّة.”
ومع ذلك، ضغطت شفتاه على شفتيها.
غمرها حرارته.
جذبها إليه من خصرها.
تناسق جسدها النّحيف تمامًا بين فخذيه.
التقت أجسادهما—صدره الصّلب بصدرها ، ساقاه العضليّتان تحاصرانها في مكانها.
احتكّت أجسادهما معًا، ناقلةً كلّ جزء من الشّغف الملتهب.
أغمضت إليزيا عينيها وقبلته. مع تعمّق القبلة، أمال فرانز رأسه.
فتحت جفنيها ببطء.
التقت أعينهما، فأمسك بذقنها، كاشفًا عن خطّ فكّه الحادّ.
انفصلت شفتاهما، اختلطت أنفاسهما، ثمّ التحمتا مجدّدًا.
أثناء تقبيلهما، تحرّكت يد فرانز خلف رأسها، مفكّكةً الشّريط الحريريّ الذي يثبّت قناعها.
بصوت ناعم، سقط قناعها على الأرض عند قدميها.
بدون قناع، أغمضت إليزيا عينيها.
لم يعد هناك عاطفة أو تعبير تودّ إخفاءه.
لفت ذراعيها حول رقبة فرانز.
تردّد أنين منخفض من حنجرته مع تعمّق القبلة.
“ليز …”
نادى فرانز اسمها بيأس. دغدغت أطراف أصابعها عند الصّوت. أصاب ركبتيها الضّعف.
بينما بدأت تنهار بين ذراعيه، أمسك بها بيديه الكبيرتين.
رفعها فرانز وأجلسها على فخذه. حتّى حينها، لم تنفصل شفتاهما.
كأنّهما كانا واحدًا دائمًا، اشتاقا لبعضهما.
“ليز ، أحبّكِ. أحبّكِ.”
تردّد اعتراف فرانز في أذنيها. اقتربت إليزيا أكثر و هي تستمع.
غمرها الشّغف، فدفن فرانز وجهه في رقبتها.
مدّ يده على ظهرها، وهربت شهقة ناعمة من شفتي إليزيا.
التعليقات لهذا الفصل " 61"