أمسكت نيريس بيد غلينّا، وذراعها متشابك مع ذراع صديقتها، وقالت بنبرة حادّة:
“صاحب السمو الأمير الأوّل أصرّ على أن أترك انطباعًا، فذهبتُ إلى قصر الأمير الثاني—وتعرّضت للإهانة. وأنتِ تضحكين؟”
رمشت غلينّا بدهشة من كلمات نيريس ، و سرعان ما فهمت ما حدث بينها وبين كرايتون ، ثمّ تنهدت.
“هذا ما حصل؟ زوجة الأمير الثاني ليست سهلة. إنّها عنيدة، متغطرسة، وبغيضة تمامًا. كان يجب أن تقتربي منها بحذر أكثر. لقد كان تصرّفًا متهوّرًا، كرايتون.”
“وكأنني فعلتُه عمدًا.”
هزّ كرايتون كتفيه بعجز تجاه توبيخ غلينّا، واتّخذ تعبيرًا متوتّرًا.
“لا تغضبي، سيدتي. كيف لي أن أعرف أنّ زوجة الأمير الثاني ستطردنا؟”
ابتسم بخبث وطبع قبلة على ظهر يد نيريس.
“فكّري فيها كهدية عيد ميلاد لي. هل يمكنكِ أن تبتسمي لي؟ رجاءً؟”
حين دغدغها الأمير الأوّل الجميل بهذا اللطف، احمرّت وجنتا نيريس بلونٍ قانٍ. تنحنحت بإحراج، واتّخذت تعبيرًا متردّدًا.
“حسنًا. لكن لا تنسَ—حين أصبح زوجة الأمير الثاني، وعدتَ أن تبني لي قصرًا منفصلًا.”
“بالطبع لن أنسى.”
أجابها كرايتون بسعادة، ثم همس في أذنها: “وفي المقابل، يجب أن تفي السيّدة روشاناك بوعدها لي أيضًا.”
رفعت نيريس ذقنها بفخر، ورفعت حاجبيها وكأنّها تقول: ‘طبيعيّ.’
إن أصبحت عشيقة فرانز، ستقنعه بمنح منزل روشاناك حقوق تعدين حجر المانا في منجم دافا.
وحين يحصلون على تلك الحقوق، ستقترح عائلة روشاناك، في مجلس النبلاء، تسمية الأمير الأوّل وليًا للعهد.
حينها، ستتّحد عائلتا روشنك و كورني ، ومعهما حلفاؤهما، لدعم كريتون.
تلك كانت الخطّة التي تآمروا عليها.
“لا تقلق. منزل روشاناك منزل شرف”
“أنا أعرف ذلك جيّدًا.”
غمز كرايتون لغلينّا.
“وكذلك عائلة زوجتي المستقبليّة.”
ابتسمت له غلينّا، ثمّ حولت نظرتها الباردة نحو زوجة الأمير الثاني.
كانت تحتسي الشمبانيا برفقة الأمير الثاني. وقف الاثنان متقاربين لكن بحذرٍ واحترام—لا بطريقة محرجَة، بل لائقة.
وكان الناس يتبادلون كلمات الإعجاب وهم يشاهدون هذا الثنائي الجذّاب.
“كم هما رائعان. يبدوان مثاليين سويًّا.”
“إنّ صاحبة السمو زوجة الأمير الثاني تبدو جميلة على نحوٍ خاصّ اليوم.”
“انظري إلى ذلك القناع. تفاصيل الرّيش فيه مذهلة. يناسب شعرها كثيرًا.”
“ربّما عليّ صبغ شعري بالأحمر. ما رأيك؟”
“خيارٌ جريء. فقط صاحبة السمو يمكنها أن تبدو بهذا الجمال. انظري إلى ذلك الفستان”
“سمعت أنّها تستخدم محل لوسيت؟ هل نذهب إليه غدًا؟”
قطّبت غلينّا حاجبيها من همسات النبيلات المارّات.
عادةً، كانت دائمًا مركز الأنظار في أيّ حفلة تنكّرية.
وما إن ترتدي شيئًا، يُباع في اليوم التالي.
لكن اليوم، سُلِبَت الأضواء منها على يد زوجة الأمير الثاني.
جدلت شعرها الأحمر على جانب واحد، وارتدت قناعًا مزيّنًا بالياقوت والألماس.
و كانت بشرتها البيضاء تتلألأ كأنّها مغلّفة بغبار اللّؤلؤ، وحول عنقها عقد ألماسيّ أهدته إيّاها الإمبراطورة.
رؤية ذلك العقد المتألّق شوّهت تعابير وجه غلينّا.
في كلّ مرّة تراه، كانت أحشاؤها تغلي.
‘تلك الحقيرة الوضيعة. لا تعرف مكانتها.’
أرادت أن تنتزع العقد وتسكب كأس شمبانيا على رأسها.
لكنّها لم تستطع. فأنبل امرأة في الإمبراطوريّة لا يمكنها أن تتصرّف بتلك الدناءة.
لذلك، بدأت غلينّا تبحث عن عيب في مظهر إليزيا.
كان فستانها أكثر امتلاءً عند التنورة من فستان غلينّا، ومزيّنًا بزخارف دوّامة مطرّزة بالجواهر بدلًا من التطريز الناعم.
ذلك الزخرف الزائد كان ليبدو مبتذلًا—لكن إليزيا لم تكن كذلك أبدًا. كانت في قمّة الأناقة.
لم يكن هناك أيّ عيب يمكن الإشارة إليه.
حتى وقفتها كانت مثاليّة.
رفعت رأسها عاليًا، كاشفة عن عنقٍ رشيق، وظهرها مستقيم، ونظرتها ثابتة.
وحين يُخاطبها أحد، كانت تردّ بأدبٍ وأناقة. بالنسبة لجميع من شاهدها، كانت هي النّجمة التي لا شكّ فيها في الحفلة.
“هل نذهب لنحيّيها مجدّدًا؟”
حتّى نيريس الآن بدت وكأنّها تتوسّل رضا زوجة الأمير الثاني.
سحبت غلينّا ذراعها وقالت ببرود: “إن لم تريدي الإحراج مجدّدًا، فانتظري حتّى يبقى سموّه وحده. حتّى أنا لا أستطيع مجابهة مكر تلك المرأة.”
بدا على نيريس الذهول للحظة من نبرة غلينّا الجليديّة، ثمّ رفعت كتفيها.
“سأنتظر حتّى يفترقا.”
وأضافت بنبرة منزعجة: “إنّها ماكرة. ظننتها دبّة، لكنّها ثعلبة. انظري إليها، ملتصقة بصاحب السمو.”
وأثناء تذمّر نيريس، نظرت غلينّا إلى الأمير الثاني.
كان وجهه كعادته—خاليًا من التعبير.
كان يضع قناعًا أسود بسيطًا، كرقعة عين، يتناقض مع شعره الذهبيّ، مانحًا إيّاه مظهرًا لافتًا.
وضعت نيريس يديها معًا وقالت بحُلم: “أريد أن أقف بجانبه. لا يزال وسيمًا للغاية. لا—بل أصبح أكثر وسامة من قبل.”
“بالفعل.”
أجابت غلينّا ببرود. لم تكن تهتمّ بمدى وسامة الأمير الثاني.
ما كانت تريده فقط هو الجائزتين: العقد الألماسيّ حول عنق زوجة الأمير الثاني، و كرايتون واقفًا إلى جانبها.
ذاك كان كافيًا بالنسبة لغلينّا.
***
كانت إليزيا تختنق من شدة الإحراج. حتى قبل بدء الحفل، كانت زيارة كاليب ونيريس المفاجئة قد أنهكتها.
وحين بدأت الحفلة بالفعل، كانت قد وصلت إلى حافّة الإنهاك.
لم تكن ترغب حتّى في لفت الأنظار—كانت تخطّط لأن تُظهر وجهها للحظات ثمّ تغادر بهدوء.
ظهورٌ سريع، ثمّ اختفاء دون ضجّة.
لكن فرانز أتى إليها.
“هل تسمحين لي بأن أكون مرافِقكِ؟”
بادرة طبيعيّة للغاية—لكنّه طلب الإذن.
دون خيار، دخلت إليزيا القاعة برفقته.
يدها على ذراعه القويّ—كان شعورًا غريبًا.
إنّه لأوّل مرّة.
لم يسبق لها أن حضرت حفلة برفقة فرانز.
في حياتها السابقة، أقيمت العديد من الحفلات بعد وليمة الزفاف. وكونها زوجة الأمير الثاني، كانت تتلقّى دعوات دائمًا.
وكانت حفلة عيد ميلاد الأمير الأوّل هي الأولى.
وكانت قد صدّقت، بغباء، أنّ فرانز سيأتي ليكون مرافِقها.
لكنّها كانت مجرّد أوهام.
فرانز لم يأتِ إليها قطّ.
لذا، انتظرت و فاتها فتأخّرت عن بداية الحفلة.
ولن تنسى نظراتهم حين اندفعت متأخّرة.
تساءل الجميع: لماذا أتت زوجة الأمير الثاني وحدها؟ دون مرافقة؟ رمقوها بنظراتهم—ثمّ التفتوا بصمت نحو فرانز.
كان يجلس، يحتسي الشمبانيا ببرود.
وحين التقت أعينهما، وضع الكأس، ومشى مبتعدًا—وكأنّ مجرّد التواجد في ذات المكان معها لا يُحتمل.
وهذا أخبر الناس بكلّ ما يحتاجون لمعرفته.
فعلى الرّغم من كونها زوجة الأمير الثاني رسميًّا، لم تُعامَل كواحدة.
ومن بعدها … كان كلّ شيء متوقّعًا.
تكرّر الأمر مرارًا، وفقد الناس الاهتمام. و استسلمت إليزيا تدريجيًّا.
كلّ السيّدات النبيلات كنّ يُرافَقن إلى الحفلات. إلّا هي.
لكنّه جاء اليوم.
و أحسّت إليزيا بالمرارة.
الليلة الماضية، اعترف لها بأمرٍ صادم.
قال إنّه أحبّها. وإنّه أبعدها عنه بيأسٍ ليحميها.
لكن إليزيا لم تستطع أن تغفر للماضي.
بل إنّ ذلك زاد من غضبها.
كان يمكنه أن يُحسن معاملتها—لكنه اختار ألا يفعل.
اختار أن يؤذيها و يُقصيها.
لو كان قد أخبرها فقط ، كانت ستفهم.
حتّى لو كانت ساذجة ، لم تكن غبيّة. لو شرح لها صراعات القوى و المنافسات ، كانت ستتقبّلها.
لكن لا—لقد أراد أن يخدعها بالكامل.
لم يكن ليقترب منها.
فضلاً عن أن يُرافقها.
‘كم من الصعب أن تعرض المرافقة؟’
نظرت إليزيا بطرف عينها نحو فرانز.
كان يراقب كرايتون بترقّب، ووجهه مشدود.
هزّت رأسها.
في مكانٍ علنيّ كهذا، لن يجرؤ كرايتون على فعل شيء يهدّدها.
ومع ذلك، كان فرانز متوتّرًا.
‘هل يظنّ حقًّا أنّ الأمير الأوّل قد يقتلني فقط لأنّه رافقني؟’
‘إذن سأموت اليوم، على الأرجح.’
قهقهت بخفّة و احتست كأس الشمبانيا دفعةً واحدة.
وقف فرانز بجانبها، وتنحنح.
“ستسكرين بسرعة إن شربتِ هكذا.”
“و ماذا في ذلك؟”
ردّت إليزيا ببرود وأشارت إلى الخادم.
التقطت كأس شمبانيا أخرى و رفعتها بتحدٍّ.
“وإن سكرتُ وتسبّبتُ بفضيحة، هل سترميني خارجًا؟”
“أنتِ تعلمين أنني لن أفعل ذلك أبدًا.”
أخذ فرانز الكأس برفق من يدها.
“أنا فقط … قلق عليكِ”
ثمّ نظر إليها بعمق و احتسى رشفة.
انزلق السائل الذهبيّ بين شفتيه.
التعليقات لهذا الفصل " 60"