أسندت إليزيا رأسها على كتف فرانز، وعقلها يدوخ وسط الذكريات المتشابكة.
حين قبّلته قبل قليل، غمرتها ذكريات مروعة-ذكريات ترتجف لمجرد تذكّرها.
لكنها كانت مشوّهة على نحو غريب.
لم تكن ذكرياتها.
كانت ذكريات فرانز.
رجلٌ أحب إليزيا بشدّة، لكنّه لم يعرف كيف يحب بطريقة صحيحة، فانتهى به الأمر إلى التسبّب في موتها.
خاطئ، وجانٍ-لكنه كان أيضًا ضحية.
رمشت إليزيا وسط ارتباكها، وكل رمشة كانت تلصق دموعها برموشها.
خرج نفس مرتجف من شفتيها.
“… ما كل هذه … هذه الذكريات؟”
“لا ترتبكي. كلّ ما حدث وقتها … كان بسببي أنا وحدي.”
عند صوت فرانز، ارتجفت إليزيا. و واصل حديثه بحذر:
“كنتُ ضعيفًا … و جبانًا. و لهذا السبب آذيتكِ”
“آذيتني؟”
ضحكت إليزيا ضحكة خاوية، والدموع تنهمر على وجنتيها.
وسحبت نفسها منه ببطء. كان رأسها يدور.
فركت صدغيها و سخرت:
“تجعله يبدو وكأنه أمر بسيط.”
“آسف-“
“تقول آسف وكأنها لا تعني شيئًا-كيف يُفترض بي أن أتقبّل ذلك؟ هل يجب أن أقول: ‘أوه، فهمت. لم يكن بيدك حيلة. لا بأس’، هكذا فقط؟”
“كنتِ عزيزة عليّ جدًّا … لم أرد المخاطرة بأيّ شيء قد يؤذيكِ.”
“هذا مجرد عذر. أنت كنتَ التهديد الأكبر لي. لم أتعذّب بسبب وليّ العهد الأوّل. كان السبب هو أنت”
وضعت إليزيا يدها على رأسها. كانت ذكريات فرانز مجزأة-
الكثير من الفجوات، وصور مبعثرة.
خصوصًا اللحظات التي تلت موتها-كانت … ضبابية تمامًا.
بعد المشهد الذي قتل فيه فرانز كرايتون ، صار كل شيء أشبه بفتيلة شمعة انطفأت.
و ما شعرت به فقط هو الألم الذي لا يُحتمل في صدرها.
أسدلت يدها و همست:
“أنت أناني.”
تلقّى فرانز الاتّهام بصمت، ممّا زاد النار المشتعلة بداخلها.
“ما الذي تريده؟ كيف تجرؤ بكل هذه الوقاحة أن تحاول استعادتي كخطيبتك؟”
“لم أختر الزمن الذي عدتُ إليه. عندما استيقظتُ ، كانت الخطبة قد تمّت بالفعل … لم يكن لي خيار.”
“إذًا لماذا لم تخبرني أنك عدت في الزمن؟ هل كنت تراقبني وأنا أتعثر؟ هل كان ممتعًا أن تراني أتخبّط؟”
“في البداية، لم أكن أعلم. ظننتُ أنني الوحيد الذي عاد. كنتُ … أريد أن أجعلكِ سعيدة هذه المرّة. أردت أن أبدأ من جديد. أنا …”
قبض فرانز يديه على ركبتيه، وانتزع اعترافه كمن يعصر الدم من قلبه.
“ظننتُ … أن السماء منحتني فرصة أخرى. فرصة لأجعلكِ سعيدة دون أن أؤذيكِ.”
“و هل أبدو سعيدة لكَ الآن؟”
عند كلماتها القاسية، أغلق فرانز فمه بإحكام.
حدّقت إليزيا إليه بنظرة باردة، وواصلت الاستجواب.
“كيف عدتَ في المقام الأوّل؟”
“… ذلك …”
فتح فرانز فمه، ثم تردّد. ولأوّل مرة، لم يكن لديه إجابة.
حدّق بها بصمت ، ثم عقد حاجبيه و تكلّم بجدّيّة: “أنتِ تسألين هذا … إذًا أنتِ حقًّا لا تتذكّرين ما حدث قبل العودة مباشرة؟”
“ذكرياتي مجزأة. ليست مكتملة”
“فهمت …”
غيّم الحزن على وجه فرانز.
“يبدو أنّ هناك تضاربًا في ذكرياتنا.”
مدّ يده بتوتر نحو وجهها. ارتجفت إليزيا وهمّت بدفعه، لكنه ابتسم بحزن.
“كنتُ فقط سأنظّف الدم.”
أنزلت يدها عند تفسيره.
وبأنامل لطيفة، مسح الدم عن زاوية شفتيها.
راقبته حتى سحب إبهامه بعيدًا.
وحين أبعد يده، سعلت إليزيا بخفّة.
“لماذا نزفت؟ هل لم تستقرّ المانا بعد؟”
“لابد أنّه أحد آثار الرجوع في الزمن. لا داعي للقلق.”
“لستُ قلقة.”
جعلها نبرتها الباردة ترتسم ابتسامة باهتة على شفتي فرانز.
كان وجهه الشاحب المريض يُضيق صدر إليزيا.
‘إنه يدفع ثمن خطاياه. لا حاجة لأن أشفق عليه.’
ألقت عليه المنديل الذي كانت تمسك به.
“امسح نفسك أيضًا. تبدو فظيعًا”
“…آسف.”
“لا تقل آسف. لا أريد سماعها.”
أنزل فرانز بصره و مسح فمه.
نظرت إليه إليزيا بنظرة متقلّبة.
لم تكن تدري كم يمكنها أن تثق به.
ذكرياتهما-ذكرياتها وذكرياته-كانت مختلفة تمامًا.
لم تستطع نسيان فرانز الذي كان ينظر إليها باشمئزاز، و الذي تفوّه بكلمات قاسية أمام الجميع، و الذي سار ممسكًا بذراع نيريس وتجاهلها.
كانت تلك الذكريات حاضرة في ذهنها، حيّة.
والآن، يُقال لها إنّ كلّ ذلك كان تمثيلًا، حيلة لحمايتها من ولي العهد الأوّل لأنه كان يحبّها؟
لم تستطع تقبّل ذلك بهذه السهولة.
إن كان ذلك صحيحًا، فهذا يعني أنّها فقدت طفلها بسبب تصرّفٍ غبيّ.
وهو لم يكن يعلم حتى أنّها كانت حاملًا.
وتلك الحقيقة أغضبتها أكثر من أيّ شيء.
‘لا يمكنني أن أسامحه.’
نظرت إلى فرانز بنظرة متجمّدة.
الأشياء التي فقدتها بسبب حبّه الأخرق-لا كلمات يمكنها أن تعيدها.
لم يعد شيء آخر مهمًّا.
الطفل.
لو لم يكن الطفل، فربّما-فقط ربّما-كانت لتفكّر في مسامحته.
ربّما كانت لتفكّر في البدء من جديد، كما أراد.
لكن ذلك لم يعد ممكنًا.
النهر بينهما كان واسعًا جدًا ، عميقًا جدًا.
لم تستطع عبوره.
كلّ شيء جرفته تلك المياه قد ضاع إلى الأبد.
حتى وإن عاد الزمن، فإنّ حقيقة أنّها فقدت طفلها لن تتغيّر.
ولا حقيقة أنّ لامبالاة فرانز كانت السبب.
“…إذًا، ما الذي تنوي فعله بشأن ولي العهد الأوّل؟”
كان صوتها جافًا.
ما زالت ترى كرايتون يموت بوضوح، مخترقًا بسهم ذهبيّ.
أرادت أن تفعل الشيء ذاته معه في هذه الحياة.
لكن لا يمكنها قتله دون مبرّر.
فإيذاء أحد أفراد العائلة المالكة يُعدّ جريمة يُعاقب عليها بإبادة ثلاث أجيال.
‘الآن بعد أن فكّرتُ في الأمر، ماذا حدث لفرانز بعد أن قتل كرايتون في الحياة السابقة؟’
أمالت رأسها.
ذكرياتها المجزّأة لم تُظهر نهاية فرانز بوضوح.
‘هل هرب من خلال الرجوع في الزمن معي؟’
ضحكت بسخرية.
لم يكن هناك جواب أوضح من كونه واقفًا أمامها الآن.
رفعت إليزيا يدها ببطء، ووضعَت راحتها بلطف على خدّ فرانز.
ارتجف عند لمسها، وارتعشت عيناه.
“ليز …”
“إن كنتَ تعني اعتذارك حقًّا، فساعدني في الانتقام من وليّ العهد الأوّل.”
ابتسمت ابتسامة باهتة وهي تنظر في عينيه المرتجفتين.
لقد استخدمها بدافع حبّه الأناني-والآن ستستخدمه هي.
لكن هذا لم يكن تخليًا عن الانتقام من فرانز.
بل كان عقابًا لمن قتلها أولًا.
“…كيف ترغبين بفعل ذلك؟”
“أريد قتله. بأبشع طريقة ممكنة.”
عند طلبها، أظلمت عينا فرانز. و سكت للحظة.
“إن لم تكن تنوي مساعدتي، فلا بأس. سأقوم بذلك بنفسي”
حين سحبت يدها، أمسك بها.
و ضغط خدّه على راحة كفّها وأغمض عينيه.
“سأفعل كلّ ما تريدينه.”
لأنّ هذا هو السبب الذي عدتُ لأجله إلى الحياة.
نظرت إليزيا إليه، وقلبها مثقل.
رأسها كان يؤلمها.
الحقيقة البشعة التي اكتشفتها جعلت الغضب وكأنّه يعصر عقلها.
“أن يفعل ولي العهد الأوّل شيئًا كهذا … لا أزال لا أصدّق. لم أفعل له شيئًا. لماذا … لماذا يصل به الأمر إلى قتلي؟”
ارتجف صوتها من الغضب، يتسرّب من بين أسنانها المشدودة.
“ما الذي فعلته؟ أيّ ذنب ارتكبته؟ هل كان حبّك جريمة لا تُغتفر؟”
“لم تفعلي شيئًا خاطئًا. أنا من كنتُ عاجزًا وجبانًا. هذا هو الخطأ.”
“أخٌ يدفع بشقيقه إلى حافة الهاوية …”
تحدثت إليزيا باستسلام مرير.
كان من الصعب تصديق أن مأساتها بدأت من كرايتون.
كان دائمًا يبتسم بلطف حين يلتقيان.
ولي العهد الأوّل المرح و الودود.
محبوب الشعب.
ذلك هو كرايتون الذي تتذكّره.
و الآن ، لتسمع أنه كان يُخفي ذلك الطمع القذر خلف ابتسامته الدافئة-
و أنه مزّق حياتها بذلك الجشع-
قبضت على قبضتيها عند مجرّد التفكير في وجهه الودود.
لو كان أمامها الآن، لأرادت أن تخدشه بأظافرها.
زفرت إليزيا زفرة طويلة وبطيئة.
“…حسنًا. فهمت”
لم يكن الوقت مناسبًا لأن تستهلكها نار الغضب.
كان عليها أن تبرد انتقامها بالعقل البارد.
وأن تتحرك، بحذر، وبدقّة.
“هل لديكَ خطة ذكيّة؟”
سألت بجديّة.
و في عينيها ، لم يبقَ سوى الانتقام-منقوشًا بوضوح.
نظر فرانز إليها بقلب مضطرب.
لم يكن يعلم إن كان عليه أن يشعر بالراحة لأنّ عينيها لم تعودا تحملان الكراهية له-
أم أنّ عليه أن يندب ذلك.
رأت إليزيا حيرته، لكنها تجاهلتها، وعيناها تتّقدان حزمًا.
بالنسبة لها، كان الحبّ أخفّ من الانتقام.
وربما، هذه الحياة الثانية التي نالتها، وهذا البقاء بعد ليلة أسوأ من الموت ، قد مُنحت لها من أجل الانتقام.
لا-بل لا شك في ذلك.
أغمض فرانز عينيه بقوّة، ثم فتحهما وتكلّم:
“بعد عودتي، عملتُ على بناء قوّة لحمايتك. بدلًا من أن أدع سوء الحظ يعزلكِ من جديد، أردتُ أن أجعلكِ سعيدة قدر الإمكان. لم أردكِ أن تكوني نقطة ضعفي-بل أردتكِ كنزي”
“وفّر عليّ الكلمات المُغلّفة بالسكر.”
سخرت إليزيا. لم يلمسها يأسه.
لم يكن هذا وقت المشاعر.
“ما أريده هو خطّتكَ.”
“لديّ واحدة.”
أجاب فرانز بحزم.
“سأتعاون مع ليندن ، و سنسقط كرايتون. سأصبح وليّ العهد ، وأطهر القصر منه”
“لن يكون الأمر سهلًا. حتى بمساعدة دوق ليندن، فإنّ الفوز بصراع الخلافة غير مضمون. هناك الكثير من المتغيّرات.”
“إذًا، لمَ لا تفعلي بكرايتون ما كنتِ تنوين فعله بي اليوم؟”
“… ماذا كنت أنوي أن أفعل؟”
ارتجفت إليزيا و سحبت يدها عن وجهه.
ابتسم فرانز ابتسامة حزينة.
“كنتِ تنوين تدمير حجر المانا خاصّتي ، أليس كذلك؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 53"