“وماذا بعد؟ هل تركتِها هناك فحسب؟ بعد أن سقطت من السلالم؟”
“قلت لك إنّ ذلك يؤلمني!”
صرخت نيريس وهي تضرب يده لتبعدها عنها.
تجاوزها وهو يزمجر دون أن ينظر إليها.
واشتدّ صداعه لحظة سمع قصّتها.
كانت جروح التعطيل بالكاد بدأت تلتئم.
والآن، ها هي تسقط من الدرج الحادّ للملحق؟
هل يمكن لجسدها الهش أن يتحمّل مثل هذا الصدمة؟
ماذا لو كانت لا تزال مستلقية أسفل تلك الدرجات؟
قبض فرانز على أسنانه. وندم بمرارة لأنّه ترك عددًا قليلًا فقط من الخدم في الملحق كي لا يُثير شكّ كرايتون.
ستكون بخير. ليز قويّة.
كان حلقه جافًا من القلق.
لقد سمح عمدًا لنيريس بأن تتصرّف بهذه الطريقة طوال الوقت.
كان الهدف نشر شائعة أنّ الأمير الثاني مهووس بعشيقته. لكن أن تستغل نيريس تلك الشائعات لإيذاء إليزيا فعليًا؟ لم يكن ذلك ضمن الخطّة.
وحين قبض على مقبض الباب، انطلق صوت حاد خلفه.
“إن تركتني هنا ، سأُبلّغ الإمبراطورة!”
توقّف فرانز واستدار ببطء.
توهّجت عيناه الذهبيّتان بالغضب وهو يحدّق في نيريس كأنّه سيفترسها.
“قولي ما شئتِ. لكنكِ ستدفعين ثمن تعريض زوجتي للخطر.”
استدار مجددًا، لكنها صرخت بصوتٍ أعلى:
“ستتخلّى عني هكذا؟ إذًا سأُخبر الأمير الأول بكلّ شيء!”
“…ماذا؟”
استدار فرانز مجددًا وقد صُدم بنبرتها الجادّة.
نظرت إليه نيريس وهي تتكلّم.
“ألن يهتمّ الأمير الأول كثيرًا إن علم بالحقيقة؟ أنّك لا تستخدمني إلا لتعطيل المانا؟ أنّني لستُ عشيقتك، ولا حتى محبوبتك؟ وأنّك مهووسٌ بشكلٍ مثير للشفقة بتلك المرأة!”
“اصمتي.”
كمّم فرانز فمها بكفّه العريضة.
وفي لحظة، قطع الغرفة بنظراتٍ مشتعلة.
فنظرت إليه بعينين دامعتين وهي تزيل يده.
“أتظنّ أنّني لن أفعل؟ سأُخبره أنّك تتسلّل كلّ ليلة إلى الملحق لتراقبها، وأنّك تجعل الخدم يُبلغونك كلّ حركة لها، وأنّك تحتفظ بملابسها القديمة في خزانتك!”
“كفى!”
صاح فرانز بصوتٍ قاسٍ ضرب نيريس.
فرفعت رأسها باكية وهي تصرخ: “أنا أحبّك! ولهذا التزمتُ الصمت وشاركتك التمثيل! ألا أستحقّ على الأقلّ بعض الصدق في المقابل؟”
“أنا لا أحبّك. وإن تجرّأتِ على إبلاغ الأمير الأول بشيء، فسأقتلك.”
“…إذًا امنحني غرفة في القصر. إن فعلت، سأصمت.”
نظر فرانز إليها دون كلمة.
ثمّ أخرج منديلًا ومسح يده التي لمستها.
“افعلي ما تشائين.”
“لا تذهب إلى الملحق. تلك المرأة لم تمت. إن ذهبت الآن، سيبدأ الأمير الأول بالارتياب.”
تجاهل فرانز نصيحتها ومضى في طريقه.
حتى إن لم توقفه، لم يكن بمقدوره الذهاب.
فمع حادثة كهذه، لا شكّ أنّ كرايتون سيُبلّغ.
ولو اندفع فرانز إلى إليزيا في اللحظة التي أُصيبت فيها، كان يعرف تمامًا ما سيحدث.
فقد حصل ذلك سابقًا—حين رأى خدشًا بسيطًا على معصمها وركض إليها.
وكان ذلك اليوم هو ذاته الذي وُضع فيه السُمّ في حسائها.
ولحسن الحظ، كان هارون يُراقب طعامها بأمرٍ من فرانز، فلاحظ الأمر في الوقت المناسب.
وإلا … مجرّد الفكرة جعلت جسده يقشعر.
لقد أُسدل الستار على الحادثة باعتبارها ‘غلطة من الخادمة’. لكن لا يمكن الاعتماد على المصادفات مرّتين.
“أعرف حتّى دون أن تقولي. لن أذهب إليها. لذا ابقي هادئة. و إن خرجتِ من هنا، سأقطع عنقك”
وبعد أن ترك لها هذا التحذير، أغلق الباب خلفه بعنف.
لم تكن لديه القوّة لحماية المرأة التي أحبّها.
ولهذا، ألقى بها في الجحيم.
هل يوجد حبّ أشدّ بؤسًا من هذا؟
كان يتمنّى الموت.
لكنّه لم يستطع.
لأنّه إن مات، فلن يستطيع أن يحبّها مجددًا.
حتى لو كان جحيمًا، حتى لو كان بائسًا—فرانز أراد أن يستمرّ في حبّها.
كان يعلم أنّه أنانيّ بشكلٍ فظيع.
لكن هذه كانت الطريقة الوحيدة التي يعرفها للحبّ.
لكنّه سرعان ما سيدرك …
مدى فداحة خطئه.
***
“إليزيا!”
ما كان على فرانز أن يفعلها.
“ليز ، افتحي عينيك!”
ما كان عليه أن يحبّ إليزيا.
صرخ فرانز وهو يحتضن إليزيا بين ذراعيه، والدماء تنزف من فمها.
وفي كلّ مرة يبكي ويشدّها إليه أكثر، ينغرس السيف في صدرها بعمق أكبر.
انهمرت دموعه وهو يصرخ باسمها.
“ليز ، أرجوكِ …”
ارتعشت جفونها على توسّله.
ثمّ، وببطء، فتحت عيناها الخضراوان الخاليتان من الحياة.
“ا … هرب …”
همست.
حتى وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، كانت قلقة عليه.
خائفة من أن يُصاب. خائفة من أن يتعرّض لهجوم.
ارتجف فرانز أمام استغاثتها. وحدّق في وجهها الشاحب بيأسٍ قاتل.
التعليقات لهذا الفصل " 51"