وفي اللّحظة الّتي التقت فيها تلك الشّفاه النّاعمة بشفتيه، بدأ قلب فرانز يخفق بعنف.
فقد عقله، وبدأ يُقبّل المرأة بشغف.
لم يَعُد مهمًّا مَن تكون، أو ما اسمها، أو مركزها الاجتماعيّ.
فرانز، بروحه ذاتها، كان يتوق إليها.
هل هذا ما يعنيه الانجذاب الرّوحيّ؟ لقد بدأ أخيرًا يُطفئ عطشًا لم يكن يدرك حتّى أنّه يحمله.
“هاه …”
تعلّقت المرأة بفرانز، وردّت قبلته. وعندما أطلقت زفرةً طويلة، بدأ الضّوء يتوهّج بين شفتيهما.
كان ضوءًا ذهبيًّا مشبعًا بطاقة فرانز السّحريّة.
ورغم إدراكه أنّ المانا خاصّته تنتقل إليها، لم يستطع التوقّف عن التّقبيل. لم يستطع فحسب.
التّوقّف بدا و كأنّه سيقتله.
وقد بدأ الضّوء المتوهّج من شفاههما يحيط بجسديهما معًا.
وبخوفٍ من أن تبتعد عنه، عانقها فرانز بقوّة أكبر.
وقد مُحي من ذهنه تمامًا أنّها هي من بدأت القبلة.
ما يهمّ الآن هو أنّها في أحضانه.
“همف …”
ومع كلّ قبلة، كانت حرارة جسدها تهدأ تدريجيًّا.
ومع برودتها، خفّ الضّوء شيئًا فشيئًا.
لفّت المرأة ذراعيها حول عنق فرانز، وسلّمت نفسها إليه.
أنّ فرانز تأوّه وهو يحتضن خصرها النّحيل.
إنّها هي.
هي الّتي اختارتها روحه — رابط روحه.
وقد أدرك ذلك في لحظته.
ذلك الفراغ المتّسع في صدره، شعر لأوّل مرّة أنّه امتلأ.
هو، الّذي لطالما شعر باللّامبالاة تجاه العالم، غمره شعورٌ جارف الآن.
أرادها.
اشتهاها.
كانت تلك أوّل مرّة في حياته يشعر فيها بهذه الرّغبة العارمة.
“آه …”
وأثناء تقبّلهما، انحنى رأس المرأة. فقد أغمي عليها وسقطت بين ذراعيه.
ظلّ فرانز يلهث وهو يحتضنها طويلًا. لم يعرف ما يصنع بهذا الإحساس الغريب بالامتلاء.
كان يريد أن يجعلها له، في تلك اللّحظة، على الفور.
أن يظلّ مخمورًا إلى الأبد برائحتها الحلوة والمُسكرَة.
***
“لقد وعدتني بإحضار غزال! وهذا أرنب!”
“هل فعلتُ؟”
أجاب فرانز ببرود وهو يُحرّك شوكته. كان يتناول وجبة رسميّة برفقة روشاناك وابنتها.
كانت رحلة الصّيد الرّبيعيّ لا تزال مستمرّة.
مما يعني أنّه كان مضطرًّا لتناول الطّعام مع نيريس في كلّ يوم.
“كنتُ متشوّقة له كثيرًا.”
ترك فرانز تذمّرها يمرّ كأنّه لم يسمعه. فبحسب قولها، كان قد وعدها بإحضار غزال.
لكنّه لم يتذكّر شيئًا من ذلك.
منذ تلك القبلة في غرفة الدّراسة، كان عقل فرانز في عالمٍ آخر. لم يعد قادرًا على التّركيز مهما قال له الآخرون.
فكيف له أن يتذكّر ما طلبته نيريس منه؟
‘هل غادرت بالفعل؟’
راح فرانز يُمعن النّظر في الطّاولة بعناية.
كانت الطّاولة ممتلئةً بالوجوه المألوفة.
الوحيدة الغائبة كانت تلك الّتي يبحث عنها بجنون.
لقد مرّ أسبوعٌ كامل على “تلك اللّيلة”.
ومنذ ذلك الحين، لم يرَ فرانز تلك المرأة.
كانت قد أغمي عليها أثناء قبلتهما، وذهب ليستدعي طبيبًا.
لكن عندما عاد، كانت قد اختفت.
ولولا عبق الرّائحة الخافت الّذي ظلّ عالقًا في غرفة الدّراسة ، لظنّ أنّ كلّ ما حدث كان مجرّد حلم.
لكنّها كانت حقيقيّة. شخصًا له حرارة جسدٍ حيّ.
كانت أوّل من أيقظ ماناه — الشّريكة الّتي اختارتها الأقدار له.
ومنذ ذلك اليوم، حضر فرانز كلّ فعاليّة صغيرة في هذا القصر، على أمل أن يعثر عليها.
حتّى هذا اللّحم الّذي تدّعي نيريس أنّه لها، كان قد اصطاده خلال إحدى جولات الصّيد، الّتي شارك فيها فقط ليجدها.
لكن، وكأنّها تسخر من كلّ جهوده، لم تظهر لها أيّ أثر — ولا حتّى خصلة شعر واحدة.
‘خصلة شعر …’
أنزل فرانز يده إلى الطّاولة، وحدّق في صحنه.
كان شعرها أحمر كالّلهيب عند الغروب. وعيناها خضراوان كمرجٍ أخضر.
كانت عيناها واسعتين وصافيتين، وملامحها الهادئة آسرة.
ويداها الشّاحبتان، الرّقيقتان، جعلت قلبه يرتجف من لمسةٍ واحدة.
عضّ فرانز شفته وهو يتخيّل وجهها للمرّة المئة.
‘أين تكون الآن؟’
بدأ يشعر باليأس. و كأنّه سيخسر رابطة روحه إلى الأبد إن استمرّ على هذا الحال.
صحيح أنّهما لم يؤدّيا طقس الارتباط الرّوحيّ بعد — لكنّ ذلك لم يعُد مهمًّا.
فرانز، في قلبه، كان قد اختارها بالفعل كرابط روحه.
وحجر المانا الخاصّ به، لن يتجاوب مع أيّ امرأةٍ أخرى.
فقط هي من تستطيع أن تُهدّئ ماناه.
وهذا هو المصير الّذي اختاره فرانز لنفسه.
***
“آه!”
قبض فرانز على صدره. فقد عادت آلام قلبه المبرّحة.
وانهار على الأرض، يتصبّب عرقًا باردًا.
وبينما كان فرانز يتلوّى من الألم، فتح هارون زجاجة دواء بهدوءٍ إلى جواره.
أسرع فرانز في شرب الجرعة الّتي ناوله إيّاها هارون.
وشعر بالحرارة تنتشر في جسده مع انزلاق السّائل في حلقه.
وبينما كان يلهث، بالكاد تمكّن من الجلوس.
عندها جاءه صوتٌ ممتعض من الجهة المقابلة.
“أحقًّا عرضتَ حجر المانا الخاصّ بك في الحفل؟!”
ناول هارون فرانز حجر المانا الّذي أعاده للتّو.
كان حجرًا كهرمانيّ اللّون، وهو ذاته الّذي عُرض في الحفل اليوم.
نظرًا لسوء حالته، لم يتمكّن فرانز من الحضور شخصيًّا، فاضطرّ لإرسال حجره بدلًا منه.
وقد كان هذا الأسلوب في اختيار زوجة وليّ العهد غير مألوفٍ أبدًا. بل كان من ابتكار فرانز نفسه.
“أيّ أميرٍ هذا الّذي يختار عروسه بهذه الطّريقة؟! يعرض حجر المانا أمام سيّدات النّبلاء؟”
قطّب هارون جبينه وهو يتأمّل حجر المانا. كان من الواضح أنّه لا يزال مستاءً من قرار الأمير الثّاني.
“عرض حجرٍ متّصلٍ بقلبك بهذه الطّريقة يشبه تمامًا وضع عنقك على المقصلة. إنّه أشبه بالانتحار.”
“أقلقك الأمر؟ لقد حميتَه جيّدًا، أليس كذلك؟”
ابتسم فرانز ابتسامة خفيفة. لكن ملامحه أظلمت وهو يُمسك بحجر المانا.
لقد مضت أربع سنوات منذ بدأت رحلة الصّيد الرّبيعيّ في ناروت.
ومنذ ذلك الحين، جرّب فرانز كلّ ما يمكنه ليعثر على المرأة الّتي قابلها في غرفة الدّراسة. لكن دون جدوى.
ففي ذلك العام، كان الكونت دانيل قد استدعى كلّ شابّةٍ نبيلة من أنحاء كاليبس تقريبًا.
ولذلك، لم يكن من المفيد أبدًا العودة إلى قائمة المدعوّين في تلك المناسبة.
كان من الأسهل تقليص الاحتمالات إلى العائلات النّبيلة في كاليبس فحسب.
وكلّ ما كان يعرفه فرانز، هو أنّها صاحبة شعرٍ أحمر وعينين خضراوين.
وهذا لم يكن كافيًا أبدًا للعثور على شخصٍ ما.
فأمضى فرانز أربع سنوات بلا أيّ تقدّم.
وخلال تلك السّنوات، كانت ماناه تزداد قوّة تدريجيًّا. حتّى وصلت إلى الحدّ الّذي بات يتعرّض فيه لنوباتٍ كالّتي حدثت اليوم.
وبما أنّه لم يعُد يستطيع تأجيل الزّواج، ابتكر خطّة يائسة.
سيعرض حجر المانا الخاصّ به، ليس على نبلاء كاليبس فحسب، بل على جميع سيّدات نبلاء إمبراطوريّة لوران.
وإن كان هذا ما يتطلّبه الأمر ليعثر عليها — فليكن.
وبالطّبع، لم يكن لدى هارون علمٌ كامل بالقصّة، فكان مذهولًا.
“سموّ الأمير يُولي ثقةً كبيرة بي، أكثر ممّا أستحقّ. ماذا لو فشلتُ في حمايته؟”
تمتم هارون بضيق وهو يُساعد فرانز على النّهوض إلى الأريكة. فابتسم له فرانز.
“أنت أكثر اعتماديّة من كرايتون”
“…عذرًا؟”
تجمّدت ملامح هارون عند كلمات فرانز. بدا حقًّا مُهانًا.
“هل تجرّأتَ وقلتَ إنّني مثلُه؟”
“كان الأمر قاسيًا قليلًا، أعترف.”
قدّم فرانز اعتذارًا فاترًا.
كان شقيقه غير الشّقيق كرايتون، الأمير الأوّل، منافسًا صريحًا له على العرش.
ومنذ زواجه من غلينّا، أصبح كرايتون أكثر عدوانيّة بكثير.
“بل كان قاسيًا جدًّا.”
نظر هارون إلى الحساء الموضوع على الطّاولة، ونقر بلسانه. كان حساءً خاصًّا أُعدّ في مطابخ القصر لتحسين صحّة فرانز.
لكنّه كان يحتوي أيضًا على سمّ — من كرايتون، طبعًا.
غمغم هارون ممتلئًا بالامتعاض مرّة أخرى.
“بصراحة، الإمبراطورة الرّاحلة خلّفت وراءها عبئًا حقيقيًّا. ظننتُ أنّك ستكون هادئ الطّبع بما أنّك ابنها، لكن لم نجد منك سوى المتاعب. إنّك أصعب من طفلٍ مدلّل”
“من يسمعك يظنّني في الخامسة من عمري”
“ألستَ كذلك؟”
لوّح هارون بيده بخفّة، فارتفع وعاء الحساء في الهواء.
ثمّ أطلق بأصابعه صوت فرقعة. فاختفى الحساء تمامًا دون أيّ أثر.
“أنت أيضًا لا يمكن تركك دون مراقبة.”
عقد هارون ذراعيه ونظر إلى فرانز بنظرة صارمة.
“فقط اقتل الأمير كرايتون. ألم تملّ من هذه التّهديدات التّافهة؟”
“إنّه ابن الإمبراطورة.”
ضحك هارون وهو يفكّ ذراعيه.
“على الأقل لم تقل: ‘إنّه أخي’. لو قلتها، لقلتُ إنّك أسوأ من طفلٍ في الخامسة.”
“كفّ عن التّذمّر. وقلتُ لك — الأمر ليس بهذه البساطة. إن قتلتُ كرايتون، فمن سيواجه العواقب؟ إنّه يملك دعم عائلتي روشاناك و كورني.”
“فلتُزلهم جميعًا إذن.”
“ولِمَ لا تقترح محو الإمبراطوريّة بأكملها وأنت في ذلك؟”
وعند تعليقه اللّاذع، اكتفى هارون بأن هزّ كتفيه بلا اهتمام.
كان يبدو كمن ضاق ذرعًا بكلّ هذه التّعقيدات السّياسيّة.
تنفّس فرانز بعمق، ومرّر يده في شعره. كان منهكًا من شرح الأمور لشخصٍ مثل هارون، لا يهتمّ بالبشر أصلًا.
ثمّ قرّر تغيير الموضوع، وسأل السّؤال الّذي كان ينوي طرحه.
“إذًا — من هي؟”
“مَن … آه. السيّدة الّتي تفاعلت مع حجر المانا؟”
رمش هارون عند تغيّر الموضوع المفاجئ، لكنّه سرعان ما أومأ برأسه وابتسم بلطف وهو يُجيب.
“هل سمعتَ بعائلة أمبروز من قبل؟”
“لا.”
قطّب فرانز جبينه.
ولم يبدُ هارون مستغربًا.
“توقّعتُ ذلك. إنّهم عائلة بارونيّة صغيرة ، لم تطأ قدمها كاليبس قطّ. على أيّ حال ، كانت ابنة البارونة أمبروز هي من تجاوبت مع حجر المانا.”
“ما اسمها؟”
“إليزيا أمبروز. يُقال إنّها في الرّابعة والعشرين من عمرها هذا العام.”
“إليزيا أمبروز …”
“هل تعرفها؟”
اعتدل فرانز في جلسته، وحدّق في هارون، وقد تلبّست نبرته توتّرًا.
“شعرٌ أحمر وعينان خضراوان، أليس كذلك؟”
اتّسعت عينا هارون بدهشة، وكأنّه يقول: “كيف علمت؟”
فاكتفى فرانز بأن ابتسم بصمت.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 49"