‘زوجة الأمير الأوّل المرتقبة، هه. لا يمكنني طردها بكلّ بساطة.’
عندما تنحنحت غلينّا، أطلق فرانز تنهيدة خفيفة.
نظر إليها على مضض، فأشرقت بابتسامة واسعة.
“سمعتُ أنّ أكثر شبّان الإمبراطوريّة وسامةً قد اجتمعوا في ناروت هذا الرّبيع. ويُقال إنّ كلّ ذلك من أجل السيّدة نيريس، ابنة الكونت دانيل بالتبنّي. هل كنتَ تعلم ذلك؟”
“لم أكن أعلم.”
“أفهم. إذن، ما الّذي جاء بكَ إلى هنا، سموّ الأمير؟! آه! هل أرسلتكَ جلالة الإمبراطورة؟”
“نعم.”
“لا بُدّ أنّ جلالتها تهتمّ كثيرًا بنيريس. فهي ابنة أختها في النّهاية. هل التقيتَ بها؟”
“لا، ليس بعد.”
أجاب فرانز ببرود. وكان واضحًا من نبرته أنّه يجيب لمجرّد اللّياقة فقط.
ومع كلّ إجابةٍ مقتضبة منه، ازداد احمرار وجه غلينّا غيظًا.
ولوّحت بمروحتها بسرعة ورفعت ذقنها.
“إذن، أتمنّى لكَ إقامة طيّبة هنا.”
تشنّج جبين فرانز قليلاً عند إنهائها الحديث بهذا الأسلوب المفاجئ. ومع ذلك، اكتفى بهزّ رأسه دون أن يُظهر أيّ انزعاج.
وعند ردّة فعله تلك، استدارت غلينّا على عقبها.
وكانت هيئتها بأكملها تصرخ بأنّها لا تنوي الحديث معه بعد الآن. فابتسم فرانز ابتسامة خافتة عند عدائيتها الواضحة.
‘ستبدو جيّدة بجوار كرايتون.’
كان كرايتون قد أبدى اهتمامًا كبيرًا بجمال غلينّا منذ إعلان خطوبتهما. والآن، بعدما رآها فرانز بنفسه، لم يشكّ في أنّ جمالها المُترف سيلقى استحسان شقيقه.
‘ثنائيّ مثاليّ.’
قدّم فرانز تهنئةً جافّة في ذهنه لأخيه.
فمع عروسٍ فاتنة مثلها، لا شكّ أنّهما مناسبان لبعضهما.
أمّا عن شخصيّتها أو صفاتها الأخرى، فمن يدري كيف سيقيّمها كرايتون؟
‘سوف يكتشف ذلك بنفسه.’
قطع فرانز حبل أفكاره ببرود، وأفرغ كأس الشّمبانيا.
لم يكن في مزاجٍ جيّد منذ استُدعي فجأة إلى ناروت.
كان يقيم حاليًّا في قصر الرّبيع التّابع لعائلة روشاناك، وقد دُعي من قبل الكونت دانيل روشاناك.
‘رحلة صيدٍ ربيعيّة، هه.’
ضحك فرانز ضحكة قصيرة. و ارتسم على وجهه الوسيم ابتسامة باردة، سرعان ما اختفت.
كانوا يُسمّونها “رحلة صيد”، لكن لا أحد كان مخدوعًا بحقيقة الهدف منها.
وكما قالت غلينّا آنفًا، فهذه المناسبة كانت بالأصل مناسبة للتّوفيق بين الزّوجين.
وكان الهدف منها إيجاد شريك زواج مناسب للسيّدة نيريس من عائلة روشاناك.
وبما أنّ عائلة الإمبراطورة — آل روشاناك — كانت بهذه القوّة، فقد امتلأت غرف الضّيوف الفسيحة في هذا القصر عن آخرها.
وقد خُصّصت لفرانز إحدى تلك الغرف بأمرٍ مباشر من الإمبراطورة.
‘المكان مزدحم.’
ناول كأسه الفارغ لأحد الخدم المارّين.
ولمجرد رؤيته لقاعة الحفل مكتظّة بالنّبلاء، شعر بالإرهاق.
كانوا قد اجتمعوا تحت ذريعة “رحلة صيد ربيعيّة” ، لكنّ معظمهم كانوا منشغلين بالقيل و القال. ولم يستطع فرانز إلا أن يظنّ أنّهم اختاروا أكثر النّبلاء فراغًا ليدعوهم.
وبالطّبع، من بين أفراد العائلة الإمبراطوريّة، كان فرانز أكثرهم فراغًا على الإطلاق.
‘هل يوجد مضيعةٌ للوقت أكثر تفاهةً من هذا؟’
نظر حوله في قاعة الحفل، ثمّ أداره ظهره. حتى لو لم يكن لديه ما هو أفضل ليشغل به وقته، فقد اكتفى من هذا الهدر.
كان هذا ما اعتاد فعله طوال حياته — ولعلّه سيظلّ كذلك إلى الأبد.
***
غادر فرانز الحفل وتوجّه إلى غرفة الدّراسة.
فوسط ثرثرةٍ خاوية من المعنى، شعر وكأنّه يُصبح أحمقًا.
فكّر أنّ بعض القراءة الرّاقية قد تُنعش ذهنه.
‘لا بُدّ أنّها هنا.’
لم يستغرق منه الأمر طويلًا ليجد غرفة الدّراسة في الطّابق الثّاني.
وعلى عكس صخب قاعة الحفل، كانت غرفة الدّراسة هادئة.
فمن ذا الّذي يأتي إلى ناروت من أجل صيدٍ ربيعيّ ثمّ ينتهي به الأمر في المكتبة؟
‘يبدو أنّني الوحيد الغريب الأطوار.’
أغلق فرانز باب غرفة الدّراسة الضّخم بهدوء، ونظر حوله.
صفوف طويلة من الرّفوف امتلأت بالكتب.
وقد حاكت هذه المكتبة شكل الأرشيف الإمبراطوريّ، تفوح منها رائحة الغرور العلميّ لعائلة روشاناك.
راح يتجوّل ببطء، يتصفّح العناوين.
وكان أحيانًا يلتقط كتابًا يبدو مثيرًا للاهتمام.
كان يبحث عن طريقة ليقتل بها الملل خلال ما يُسمّى بـ “رحلة الصّيد الرّبيعيّة”.
ثمّ —
“هيك …”
وصل إلى مسامعه نحيبٌ خافت من ركن غرفة الدّراسة.
في البداية، ظنّه مجرّد صوت الرّياح. فقد كان منخفضًا إلى هذا الحدّ.
“هيك …”
لكن عندما سمعه مرّة أخرى، لم يستطع تجاهله. فأعاد الكتاب الّذي التقطه إلى الرّف.
ثمّ، وكأنّ شيئًا ما يجذبه، اتّجه نحو مصدر الصّوت.
‘ما هذه الرّائحة؟’
قطّب فرانز جبينه.
كلّما اقترب من المصدر، ازدادت الرّائحة المُذهلة قوّةً.
كانت حلوة، تسبّب دوارًا.
كانت تفوح منها رائحة الفاكهة … أو الزّهور ربّما. أيًّا كانت ، فقد ازدادت كثافة.
شعر بأنّه على وشك أن يُغمى عليه لمجرّد تنفّسها.
‘هل هو بخور؟’
غطّى أنفه بكمّه ونظر حوله. لكن لم يكن هناك أيّ أثرٍ للبخور.
ومن أصله، من ذا الّذي يُشعل البخور داخل مكتبة؟ فالرّائحة بهذه القوّة قد تُتلف الكتب.
“هرك، هيك …”
وبينما كان يُفكّر في العودة بسبب هذه الرّائحة الطّاغية، حمل صوت النّحيب نبرة ألم.
فتقدّم فرانز عوضًا عن التّراجع.
وقد تذكّر هذا اللّحظة طيلة حياته.
اللّحظة الّتي التقى فيها بنصفه الآخر — المرأة الّتي أحبّها حبًّا يفوق العمر ذاته.
***
كانت امرأة صغيرة جالسة في ركن غرفة الدّراسة، مطويّة على نفسها، تحتضن كتابًا بقوّة إلى صدرها.
“هل أنتِ بخير، سيّدتي؟”
اقترب منها فرانز وجثا على ركبتيه.
كانت ذات شعرٍ أحمر، وعيناها مغمضتان بينما كانت تعانق الكتاب. وقد تناثرت حبّات العرق على جبينها الشّاحب.
“هل تشعرين بتوعّك —”
اتّسعت عينا فرانز فجأة.
فتحت المرأة عينيها، فكشفت عن قزحيّتين صافيتين بلون الزّمرد تحت رموشٍ كثيفة.
وفي اللّحظة الّتي رأى فيها تلك العينين، خلت ذهنه تمامًا من أيّ فكر.
احمرار بشرتها حول العينين، وجفاف شفتيها، والبريق الحزين في نظرتها — كلّها سحرته وأسرته.
نظرت إليه بعينين دامعتين، تفتقران إلى التّركيز — ربّما بسبب الحمّى.
“إنّه مؤلم …”
عندها فقط تذكّر فرانز أن يتنفّس. وما إن استنشق، حتّى هجمت عليه تلك الرّائحة الحلوة مرّة أخرى.
‘عطر؟’
حاول أن يُغطّي أنفه لا إراديًّا — لكنّه توقّف.
فهذا لم يكن عطرًا. لم يكن شيئًا صناعيًّا. كانت رائحتها الطّبيعيّة.
‘كيف لإنسان أن تفوح منه رائحة كهذه؟’
قبض يديه. من بُعد، كانت الرّائحة خفيفة — لكن من قرب، جعلته يشعر بوهنٍ في ركبتيه.
لقد عاش فرانز حياته كلّها منفصلًا عن الشّهوة.
لكن الآن، شعر برغبة جامحة بأن يسرق منها قبلة.
أراد أن يبلّل شفتيها الجافّتين بشفتيه، أن يحتضنها بقوّة.
ولو استطاع، لابتلعها بكاملها.
تحرّك حلقه في غصّة. وقد صُدم فرانز من هذه الرّغبة البدائيّة الّتي اجتاحته لأوّل مرّة في حياته.
راودته أفكارٌ مُخزية لم يعرفها من قبل. وحتّى وهو يرتعد فزعًا من نفسه، لم يستطع التوقّف عن التّفكير.
حتّى —
“هرك …”
عاد صوت نحيبها.
‘أيّها الأحمق.’
عاد فرانز إلى رشده.
لقد راوده فكرٌ دنيء بينما كانت المرأة أمامه تتألّم. لم يكن أفضل من القمامة.
“أين يؤلمكِ؟ هل أستدعي الطّبيب؟”
كان صوته مهذّبًا، لكنّ التوتّر جعله خشنًا. كان يخشى أن تُدرك اضطرابه الدّاخليّ.
ولحسن الحظ، لم تبدُ عليها ملاحظة شيء.
فقد كانت حرارة جسدها أعلى من أن تُدرك أيّ شيء.
“المانا … إنّه … حار … حار جدًّا …”
امتدّت يدها المرتجفة وأمسكت بكتفه، فارتجف هو بدوره.
كانت أصابعها الرّقيقة تحرق بشرته.
حدّقت فيه بشرود، ثمّ ابتسمت بخفوت. وكانت ابتسامة جميلة إلى درجة جعلته يشعر بالعطش لمجرّد رؤيتها.
“…أنتَ بارد.”
انزلقت يدها ببطء من كتفه إلى صدره المشدود.
توقّف الزّمن.
وعندما شهقت ولمست صدره، أمسك فرانز بيدها.
فالتقت برودة لمسته بحرارة كفّها، فابتسمت مرّة أخرى.
ظلّ فرانز يحملق فيها بذهول.
و بينما كان يتأمّل ملامحها ، اقترب وجهها منه ببطء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 48"