تملك العائلة الإمبراطورية حجارة مانا مشبعة بماناهم الخاصة. وموقع الحجر الذي يحتوي جوهر ماناهم يُعدّ من أعظم أسرار الدم الملكي.
إذا تحطّم حجر المانا، تكون حياة صاحبه في خطر.
ورغم هذه المخاطر، يتم الاحتفاظ بتلك الحجارة لسبب واحد فقط: لإدارة الإمبراطورية بسلاسة.
تقع على عاتق العائلة الإمبراطورية مسؤولية إيجاد حلول عند حدوث الكوارث أو الظواهر غير الطبيعية.
والوسيلة التي يستخدمونها لأداء هذا الواجب هي أحجار المانا.
لو كُشف للعلن متى وأين استخدم أفراد العائلة الإمبراطورية ماناهم، فستثور قضايا الإنصاف والتمييز بين النبلاء.
لذا، عند وقوع كارثة، تُرسل العائلة الإمبراطورية الحجر إلى كبير السحرة سرًّا لتفعيله.
بهذه الطريقة، تستطيع العائلة الإمبراطورية الحفاظ على نفوذها دون مغادرة كاليبس، ودون الكشف عن الوقت الذي استخدموا فيه ماناهم.
فلو علم الجميع، لسارعوا بالتوسل لإنقاذ مناطقهم أولًا.
ومن لا ييأس أمام كارثة؟ لكن العائلة الإمبراطورية لا يمكنها تلبية كل تلك المطالب.
التدخل الأعمى في إرادة الطبيعة قد يخلّ بتوازن العالم.
رغم قسوة الأمر، إلا أن أحيانًا، الأمطار الموسمية أو الجفاف أو الثلوج الغزيرة تكون ضرورية.
فهناك أشياء لا يمكن حصادها دون عامٍ من المصاعب، ولا تُبنى السدود إلا بحكمة تُكتسب من موسمٍ ممطر.
الجميع بحاجة لنوعٍ من المحن.
والعائلة الإمبراطورية تُرتّب ذلك بدقّة.
هم يخططون كي يواجه البشر قدرًا يمكن تحمّله من الابتلاءات — فقط ما يستطيعون احتماله، وكل ذلك يجري في الخفاء.
وشخصٌ واحد فقط يعلم بهذا الأمر: كبير السحرة ، هارونيكا ميلاكيزرينا.
> لكن حتى كبير السحرة لا يعلم أين تُخفى أحجار المانا.
تلألأت عينا إليزيا و هي تتفحّص الغرفة الخافتة الضوء.
بما أن فرانز من سلالة ملكية، فلا بدّ أنه يملك حجر مانا.
والأرجح أنه مخبّأ في هذه الغرفة.
لقد سبق لإليزيا أن رأت حجر مانا فرانز — في الحفل الذي اختيرت فيه عروسه المستقبلية.
كان حجر ماناه كهرمانيًا ذهبيًا، كعينَيه تمامًا.
جوهرة دائرية نقيّة بلا شائبة.
ليست كل أحجار المانا أحجارًا كريمة فعلًا.
فقط قلّة من أفراد العائلة الإمبراطورية يملكون حجارة مانا من الجواهر، وفرانز كان من تلك القلّة.
عندما رأت إليزيا حجر ماناه المتلألئ لأول مرة، شعرت وكأن روحها قد سُرقت.
أن يفتنني حجر مانا وحده … فكيف يكون الأمير نفسه إذن؟
داخل الحاجز الذي أقامه كبير السحرة، لمست إليزيا حجر مانا فرانز.
اقتربت منه بقلبٍ مرتجف، فاستجاب الحجر الكهرماني لها.
أضاء بلون ذهبي ساطع، وفي المقابل، توهّج من جسدها نورٌ أحمر.
ثم انتهى كل شيء.
فور أن ظهرت الفتاة التي تجاوبت مع حجر المانا، انتزعها كبير السحرة.
في لمح البصر، اختفى الحجر، وانتهى التقييم.
ومنذ تلك اللحظة، لم ترَ إليزيا حجر مانا فرانز مرة أخرى.
لأنها لم تكن جديرة به.
في حالات نادرة، عندما يكون الرباط الروحي متبادلًا، يمكن للطرفين أن يحمل أحدهما حجر مانا الآخر.
لكن علاقتهما لم تكن بتلك الجمال.
إليزيا كانت مرتبطة بفرانز من طرفٍ واحد. لم يكن هو توأم روحها.
لذلك لم تعرف شيئًا إضافيًا عن حجر ماناه.
> ومن كان يظن أنني سأهتم بذلك يومًا ما؟
فكّرت إليزيا بمرارة وهي تقترب من سرير فرانز.
في حياتها السابقة، لم يخطر ببالها أن تتساءل عن مكان الحجر. ولم تكن تملك حتى الترف لتفكّر بذلك.
كل ما كانت تريده هو انتباه فرانز.
نظرة واحدة، كلمة لطيفة، أي شيء منه — ذلك فقط كان ما يعني لها الحياة.
> على الأقل أنا محظوظة أنه لم يكن توأم روحي.
فكّرت ببرود وهي تُزيح الستائر عن السرير.
ومع تلاشي الشفق، غمرت الغرفة أشعة القمر.
نظرت ببرود إلى فرانز الممدّد على السرير، وجهه شاحب.
> يبدو هادئًا… لا يُصدَّق أنه أصيب بنوبة.
مدّت إليزيا يدها لتلمس خده، لكنها توقّفت.
ما الفائدة من لمسه؟ تساءلت. لا سيما وأنها دخلت الغرفة خلسة.
> لو كان توأم روحي، لكان استيقظ فور ظهوري.
فكّرت بهدوء وهي تنظر إليه دون حراك.
يا لسعادتها أنه لم يكن توأم روحها.
لو كان كذلك، لما صمدت إليزيا في حياتها السابقة عامين — كانت ستموت سريعًا.
الرباط الروحي يستمدّ طاقته من المودة المتبادلة.
وكان فرانز سينعم بقوةٍ كبرى بفضل محبة إليزيا الفائضة.
لكن العكس لم يكن ممكنًا.
لو كان هو توأم روحها ، كانت ستجفّ يومًا بعد يوم.
كانت ستشعر بنفاد ماناها، وتحتمل عذاب التحييد يومًا تلو الآخر.
مجرد تخيّل ذلك كان مرعبًا.
كانت ستضطرّ إلى التوسّل لفرانز … فقط لتعيش.
تغيّرت تعابير وجه إليزيا وهي تتراجع فجأة عن السرير.
> هل يمكن أن يكون عدم استقرار ماناه… بسببي؟
توقّفت في مكانها. الضوء القمري تسلل بين ظلال الغرفة الزرقاء، فيما وقفت هي بلا حراك، تنظر إلى فرانز الراقد.
إن كانت تكرهه، فهو لا يتلقى تقريبًا أي طاقة مانا.
> هل يعقل …؟
توسّعت عينا إليزيا فجأة. ابتلعت ريقها بصعوبة.
> هل تأثيري عليه صار قويًا إلى هذا الحد؟
لم تكن متأكدة. حتى لو كان الرباط يؤثر على المانا، فهذا بدا مفرطًا.
كان فرانز … و كأنه يحتضر!
> صحيح … فأنا أكرهه بما يكفي لأتمنّى موته.
نظرت إليزيا إلى وجه فرانز، الساكن تحت الظلال.
من ملامحه، لم تستطع الجزم إن كان يتألّم أم يرتاح.
> أولًا، عليّ أن أجد حجر المانا.
رفعت عينيها وبدأت تتفحّص الغرفة بعجلة.
كانت قد دخلت غرفة فرانز بحثًا عن حجر ماناه.
إذا تباطأ نبض قلبه، فسيبدأ حجره بالتحوّل إلى السواد.
وحجر المانا هو الوسيلة الأسهل لمعرفة حالته.
وهو أيضًا …
> إن حطّمته، ينتهي كل شيء.
هو الوسيلة لتدمير فرانز.
قبضت إليزيا يدها.
ليست المرة الأولى التي تفكر فيها بالحجر. لكنها لم ترغب أن تمنحه نهايةً سهلة.
أرادت له أن يتعذّب، يتلوّى، ينزف، يبكي — ثم يسقط.
أن يتذوّق ولو ذرة من الجحيم الذي عاشته.
فجأة:
“آه…”
تجمّدت إليزيا وهي تهمّ بفتح درج الطاولة الجانبية. استدارت برأسها ببطء، كدمية مكسورة، ونظرت إلى فرانز.
كان الدم يسيل من فمه.
خطٌ أحمر انحدر من شفتيه الشاحبتين إلى ذقنه.
كان على حافة الموت.
“كح…!”
سعل فرانز فجأة. فارتعشت إليزيا.
أسرعت تفتح الدرج، تبحث بجنون عن زجاجة دواء.
“أين وضع هارون الأدوية؟ أين—”
كانت تعبث بمحتويات الدرج بخشونة، ثم …
“انتظري.”
فتحت شفتيها قليلاً.
ما الذي … أفعله؟
حدّقت بعينيها المشوشَتين داخل الفوضى. وعضّت شفتها بقوة.
لهذا … دائمًا يتم خداعي.
أغلقت الدرج بعنف.
لقد تسلّلت إلى الغرفة لتبدأ الهجوم، لتجد حجر المانا.
لكن سُعاله وحده أنساها كل شيء.
يا لها من حمقاء.
تنفّست بعمق، ووضعت يدها على أسفل بطنها.
رغم كراهيتها لفرانز، كانت تكره هشاشتها أكثر.
عليها أن تتذكّر ما سرقه منها.
زواجها. حبّها. طفلها العزيز.
لا. لا أستطيع الاستمرار هكذا. سأُجرَح مجددًا. سأموت مجددًا.
بدأت ملامحها تعود إلى الهدوء.
أزاحت يدها عن بطنها.
لا يجوز أن تهتزّ بسبب حالته. كونه محطمًا هكذا … أمرٌ يرضيها.
استعادت تماسكها. عيناها الخضراوان أصبحتا جليديتين.
بدأت تلتقط الأشياء التي سقطت على الأرض، متجاهلة أنينه.
“هاه…”
لم تنظر إليه حتى …
إلى أن ناداها.
“ليـ … ـيـز…”
تصلّب ظهر إليزيا وهي تلتقط منديلاً.
تجمّدت، كأنها نسيت كيف تتنفّس.
“هاه … ليـ …”
“توقّف.”
لوّت المنديل بين يديها. دون أن تنظر إليه، تكلّمت بصعوبة: “لا تنادني.”
“…”
“لا تنطق اسمي. فرانز يوستاس”
كان صوتها يرتجف. تجاهلت دموعها ، وتابعت: “ليز ماتت. قتلتها، أليس كذلك؟”
قالت ذلك ببرود، ونهضت.
لكن ساقيها خانتاها، فهوت على السرير.
“آه!”
يدها لمست جسد فرانز وهي تتوازن.
ارتبكت، وتراجعت سريعًا. لكن فرانز أمسك بها.
وفي الغرفة المعتمة، فُتِحَت عيناه الذهبيّتان ببطء.
عينان مذهلتان، ضائعتان، تحدّقان في إليزيا.
كأنما سحرها، فتجمّدت.
لم تستطع التحرّك.
تمامًا كما حدث حين واجهت حجر ماناه لأول مرة.
جذبها نحوه برفق.
لم يكن لمسه قاسيًا.
ومع ذلك، لم تستطع مقاومته. كأن قوة خفية تشدّها إليه.
فمال جسدها نحوه …
و تلاقت شفاههما.
التعليقات لهذا الفصل " 46"