لم تكن إليزيا ترغب في لفت الأنظار في الحفل، إن أمكنها ذلك.
في حياتها السابقة، حين أُقيم حفل عيد ميلاد الأمير كرايتون، لم يكن هذا بالأمر الصعب.
لم يلتفت إليها أحد عند دخولها، ولا حتى زوجها فرانز، الذي لم يُبدِ أيّ اهتمام يُذكر.
كانت زوجة الأمير الثاني شبحًا حيًّا، شخصًا بلا ظل.
لم يكلّف أحد نفسه حتّى عناء الهمس عن رداءة فستانها.
فزوجة الأمير الثاني كانت تافهة لدرجةٍ لا تستحقّ معها الذِكر.
بل كان الحديث يدور عن نيريس.
ابنة أسرة روشاناك النبيلة، وابنة أخت الإمبراطورة.
سيّدة رقيقة، نادرة، تتمايل كالزهرة الكوزمية.
لا تزال إليزيا تتذكّر بوضوح الفستان الذي ارتدته نيريس، وما حدث في ذلك اليوم.
فأحداث تلك الليلة ظلّت تتشبّث بها، رافضةً أن تتلاشى ولو للحظة.
ارتدت نيريس فستانًا ورديًّا باهتًا، بلونٍ أنعم من لون شعرها.
وبتلك العينين الزرقاوين اللامعتين، اللتين كان الناس يمدحونهما كالياقوت الأزرق ، أشرقت وهي تقترب من فرانز.
قدّمتها غلينا، وتحدّثت إلى فرانز بنظرة بريئة وعذبة.
وهي تراقب فرانز يميل نحوها، كانت إليزيا تغرز أظافرها بهدوء في صدرها.
أرادت أن تركض إليه وتصرخ: لا تنظر إلى نيريس! لا تصغِ إلى قصصها!
أرادت أن ترجوه ألّا يلمس نيريس بيده نفسها التي نبذتها، وألّا يرقص واضعًا يده على خصرها.
لكن إليزيا وقفت هناك فحسب، رثّة، وحيدة عند الجدار، تراقبهم.
كانت تعلم أنّها ما إن تقترب، حتى يُسدّد فرانز أنفه ويتجهّم.
لم ترغب أن يراها أحد—خصوصًا نيريس—وهي تُهان بذلك الشكل أمام كلّ النبلاء.
فوقفت تراقبهم—وهم يرقصون، ثم يرقصون، ثم يرقصون مرّةً أخرى.
وحين انتهت كلّ الرقصات، شاهدت نيريس تقود فرانز إلى الشرفة ، ثم تسحب الستائر على النافذة.
لا تتذكّر حتّى كيف عادت إلى القصر في تلك الليلة.
الشيء الوحيد الذي تتذكّره هو الابتسامة التي منحها فرانز إلى نيريس.
ابتسامة جميلة … لم يمنحها إيّاها ولو مرّة.
جميلة بقسوة … ووخالية تمامًا من الرّحمة.
***
“بالمناسبة، أين صاحب السموّ الأمير الثاني الآن؟”
انتفضت إليزيا من شرودها على سؤال لوسيت.
أخذت نفسًا صغيرًا وهي تنظر إلى نفسها في المرآة الطوليّة.
أمامها ، لم تقف زوجة الأمير الرثّة من الماضي ،
بل زوجة أمير أنيقة ، متألّقة في ثوب ساحر.
و انتُزع عقلها الهائم ، و عاد إلى الحاضر.
كانت لوسيت، وهي تضبط جوهرة علقت بطرف فستان أليزيا، تتابع الحديث: “كنتُ أظن أنّ من اللطيف أن نُريه كم تبدين خلّابة.”
“إنّه مشغول حاليًا.”
“حسنًا، لا بأس. مفاجأته في الحفل لن تكون فكرة سيّئة أيضًا.”
منذ نوبته الأخيرة، كان فرانز قد أغلق على نفسه.
أخبرها لوشيوس بأنّه مصاب بنزلة برد.
وقد تظاهرت بتصديقه، لأنها لم تكن ترغب بالخوض في السرّ المحيط بفرانز.
“ثمّ إنّه على الأرجح لا يهتمّ بالفساتين” ، تحدثت إليزيا بهدوء.
لكنّ لوسيت، التي كانت منحنية عند قدميها، رفعت رأسها بسرعة وهزّته بشدّة.
“هذا غير صحيح، يا صاحبة السموّ.”
وقفت لوسيت، تربّت على ظهرها، وأشارت إلى المساعدات ليتفقّدن المجوهرات، ثمّ تابعت: “لقد أعطاني أوامر دقيقة—أن يكون فستانكِ في الحفل الأجمل والأكثر بهاءً. قال لي إنّ التكاليف لا تهمّ على الإطلاق.”
وأومأت لها بعينها مازحة، تنظر إليها بإعجاب واضح.
بدت إليزيا مندهشة. لم تعتد أن يُنظر إليها بذلك الشكل.
لطالما كانت هي مَن تغار، لا مَن يُغار منها. لم تكن تعرف كيف تتصرّف.
“أوه … فهمت”
“بالطبع! بل وقال إنّ التصميم يجب أن يتناسب مع العقد الذي أهدتك إيّاه صاحبة الجلالة الإمبراطورة. ما رأيكِ؟”
وأثناء حديثها، أحضرت سارة العقد، ووضعته حول عنق إليزيا، ثمّ شهقت قائلة: “يا إلهي. يا مدام، إنّكِ عبقريّة. إنّه مثاليّ.”
“هاها، أظنّ ذلك أيضًا” ، ضحكت لوسيت بفخر.
كانت إليزيا تبدو كأنّها خرجت لتوّها من لوحة ملكيّة—جميلة وأنيقة.
ولو فقط زال ذلك الظلّ عن وجهها، لكانت كاملة.
لامست إليزيا العقد بلطف، وملامحها غامضة.
وبينما كانت لوسيت تحاول فهم تعبيرها، قطعت إليزيا الصمت بصوتٍ خافت:
“لم أكن أعلم أنّه أعطى هذه التعليمات.”
“بل وقد طلب عددًا من الأغراض الشخصيّة لكِ أيضًا. كان دقيقًا للغاية.”
وأشارت لوسيت بإصبعها.
فأقبلت إحدى المساعدات تحمل دفتر الملاحظات، وسلّمته إلى إليزيا.
“هذه قائمة الأغراض التي طلبها صاحب السموّ من مشغلنا.”
لو لم تذكرها لوسيت، لظنّت إليزيا أنّها من إعداد لوشيوس أو سارا.
اتّسعت عيناها وهي تقرأ، وبدأ الظلّ على وجهها يتلاشى تدريجيًّا.
ابتسمت لوسيت، سعيدة برؤية النور يعود إلى وجهها.
“مذهل، أليس كذلك؟ لذا أرجوكِ، لا تقولي إنّه لا يهتمّ بكِ.
لو سمعت السيّدات النبيلات هذا الكلام، لأصبن بالغيرة.”
“لِمَ …؟ لِمَ يبذل كلّ هذا الجهد …؟”
“من الواضح لأنّه يحبّك ويعتزّ بكِ.”
“…هذا غير ممكن.”
تمتمت إليزيا بحيرة، وأسقطت الورقة من يدها.
“متى … متى فعل كلّ هذا؟”
وجّهت نظراتها نحو غرفة فرانز. وبينما وقفت بصمت، سارعت لوسيت لتضيف: “ماذا تقصدين بـ‘غير ممكن’؟ أنتما الزوجان المثاليّان في الإمبراطوريّة! ما زلتما في شهر العسل!”
استدارت إليزيا ببطء لتنظر إليها.
وبدت لوسيت مرتبكة، لا تعرف كيف تردّ على ردّ الفعل غير المتوقّع.
“نعم، يا لوسيت.”
ابتسمت إليزيا بلطف، وأعادت المذكرة. ثمّ نظرت مرّة أخرى إلى المرأة في المرآة، وقالت: “صاحب السموّ يعتزّ بي.”
ونحن زوجان حديثان.
فمن الطبيعيّ أن يعتزّ الأمير الثاني بزوجته—قالت تلك الجملة المليئة بالأمل والحمق دون أن تقصد.
***
بعد رحيل لوسيت، جلست إليزيا وحدها في الغرفة الفسيحة.
وقد صبغت أشعّة الغروب كلّ شيء بلونٍ ذهبيّ عميق.
وتوهّج شعرها الأحمر كالذهب الشفّاف تحت الضوء.
“هل من الطبيعيّ أن يعتزّ بي فرانز؟”
ضحكت إليزيا بسخرية على انعكاس صورتها.
امرأة ترتدي فستانًا باهظًا، ومجوهرات ثمينة، وتتباهى بوقفةٍ أنيقة.
امرأة غبيّة كفاية لتُطلق الأكاذيب وتتمسّك بالأمل.
هذه هي إليزيا يوستاس في هذه الحياة.
“لِمَ أتمسّك بالأمل؟”
وضعت يدها على جبينها.
عليها أن تتخلّى عن التوقّعات، وعن الأمل—خصوصًا في مثل هذه الأوقات.
نيريس ظهرت قبل عامٍ من موعدها. عليّ أن أتحرّك سريعًا أيضًا.
وضعت إليزيا يدها على صدرها.
في مركز صدرها تمامًا—حيث طُعنت يومًا بسيف قاتل فرانز.
إن لم ترغب أن يُغرس فيها سيفٌ آخر، لم يكن أمامها سوى خيارٍ واحد.
الخيار الذي ردّدته في نفسها مرارًا وتكرارًا.
الانتقام.
عضّت إليزيا على أسنانها، وقبضت على صدرها.
تجعّد الحرير تحت يدها المرتعشة، واهتزّت كفّها البيضاء.
كانت قلقة. الأمور تتحرّك بسرعة تفوق قدرتها على التحكّم.
ظهرت نيريس باكرًا، ولم يُحيّد مانا فرانز بعد.
هل كان ذلك لأنّها استفزّت غلينا؟ أم لأنّها قرّرت البقاء في قصر الأمير الثاني بدلًا من الإقامة المنفصلة؟
لم تكن واثقة من السبب الحقيقيّ.
أفلتت إليزيا صدرها ببطء.
“لا يمكنني الاستسلام للذعر. عليّ أن أظلّ هادئة.”
كان عليها التفكير فيما يمكن فعله الآن.
هدفها في الانتقام كان اثنين:
أوّلًا: رفض تحييد مانا فرانز.
ثانيًا: جذب عائلة شويلر إلى صفّها، وبناء فصيل معارض لفرانز.
ومن بين الاثنين، وحده التحييد كان يسير حسب الخطّة.
أمّا جذب شويلر، أو إعطاء فصيلهم أيّ قوّة حقيقيّة، فلم يحدث بعد. فالوقت ببساطة لم يكن كافيًا.
لم يمرّ وقت طويل على زواجهما.
عضّت إليزيا طرف ظفرها.
ماذا أفعل الآن؟
كان رأسها يؤلمها.
حتى تحييد المانا لم يعد يسير كما خُطّط له.
وبات الأمر يخرج عن سيطرتها.
كلّ شيءٍ يسير في الاتجاه الخاطئ.
لكنّه ما زال أفضل من أن أُجبر على تحييده رغمًا عنّي.
حاولت أن تُبقي أفكارها إيجابيّة.
وإن لم تستطع التحكّم في مجرى الأمور، فعليها أن تجد وسيلة لاستغلالها.
جمعت إليزيا أفكارها، ونظرت في أرجاء الغرفة المغمورة بالضوء القرمزيّ.
مرّ بصرها على السرير، والطاولة، والمرآة—ثمّ توقّف عند باب غرفة فرانز.
كان فرانز خلف ذلك الباب.
تذكّرت حديثه مع هارون.
لقد حثّه على أن يستخدم شخصًا آخر لتحييد ماناه.
وإن كان فرانز يقدّر حياته، فسيلجأ لذلك عاجلًا.
لا يمكنني السماح بحدوث ذلك.
نهضت إليزيا بهدوء.
ثمّ ، و هي تشقّ طريقها خلال أشعّة الشمس التي غمرت الغرفة ، سارت نحو باب فرانز.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 45"