“الاستحمام؟ أنتِ ، يا صاحبة السموّ الأميرة الثانية؟”
“نعم، أحيانًا أفعل ذلك.”
ابتسمت إليزيا بخفّة وهي تُلقي نظرة على حوض الاستحمام بجانب السرير.
لحسن الحظ، كانت معظم قطع الثلج قد ذابت. وبالنسبة لمن لا يعلم، سيبدو الأمر وكأنّها أنهت لتوّها حمامًا عاديًّا.
رفع كرايتون حاجبًا واحدًا. وبعد لحظة تأمّل قصيرة، زمّ شفتيه إلى الأمام قليلًا.
“لقد كنتُ غير لبق حقًّا. من الوقاحة أن أقتحم غرفة زوجين جديدين.”
“هل كان الأمر عاجلًا؟”
“ليس تمامًا … آه، لكن هذا مناسب. كنت أنوي إخباركِ به على أيّة حال، يا صاحبة السموّ.”
ردّ كرايتون بسلاسة، ثم ابتسم ابتسامة عريضة. مال قليلاً نحوها و همس: “لا أريد أن أُزعج نوم فرانز، فهل نخرج قليلًا؟”
أومأت إليزيا برأسها وأشارت نحو الباب.
ومع إشارتها، سار كرايتون مطيعًا إلى الأمام.
وفي اللحظة التي استدار فيها، دسّت إليزيا خنجرًا تحت وسادة الأريكة. ثم شدّت رداءها جيدًا، وأخذت نفسًا عميقًا.
***
كانت أليسيا تسير في حديقة قصر الأمير الثاني برفقة كرايتون.
نافورة الفناء الأمامي كانت تصبّ ماءً باردًا. ولعلّ لأنّ الوقت كان ليلًا، فقد بدا صوت تدفّق الماء أعلى من المعتاد.
أزاحت شعرها المتطاير بفعل الريح، ونظرت إلى النافورة.
منذ قدومها إلى قصر الأمير الثاني، لم تتوقّف هذه النافورة عن الجريان ولو مرة. ولا حتى في يوم بارد كاليوم.
“هذه النافورة لكِ، أليست كذلك؟”
كانت إليزيا تحدّق في النافورة حين أدارت رأسها.
وكان كرايتون، بابتسامته الوديّة المعتادة، يرمقها بنظرة دافئة.
ابتسمت له بدورها.
“نعم. قدّمها لي سموّ الأمير الثاني كهدية.”
“هذا لا يُشبهه إطلاقًا.”
أطلق كرايتون صفيرًا منخفضًا. ومن تصرّفاته، بدا واضحًا أنّ علاقته بفرانز أقرب إلى علاقة أخوين عاديين منها إلى علاقة أبناء ملوك.
“أرجو أن تُحسن معاملتي.”
خفضت أليسيا بصرها و هي تتكلّم.
مدح فرانز كان يخنقها، لكن كرايتون أساء فهم خجلها و اعتبره حياءً من نوع آخر. بدا على وجهه الفخر، ونظر إليها بحرارة.
“من الجميل أن أرى فرانز يتغيّر للأفضل. كان شخصًا بارد القلب فيما مضى.”
“…إذًا، عمّ كنتَ تريد التحدث معي؟”
سألت إليزيا بحذر، موجّهة نظرها إليه.
رفع كرايتون حاجبه عند سؤالها.
“آه، صحيح. كدتُ أنسى”
ضحك كرايتون بخفة، وكأنّه أدرك لتوّه أنّ الحديث انحرف عن مساره.
“دائمًا ما يحدث لي هذا. أتكلّم كثيرًا. غلينا دائمًا تلفت نظري لذلك، لكنني لا أتغيّر”
ضحك ضحكة محرجة ، ثم أكمل: “حفلة عيد ميلادي ستكون الشهر القادم. هل علمتِ بذلك؟”
“نعم، أعلم. أعلم جيدًا.”
أجابت إليزيا بأدب، وانحنت بانحناءة رشيقة.
“عيد ميلاد سعيد مبكرًا، يا صاحب السموّ الأمير الأول.”
“أوه، لم أذكر الأمر من أجل التهاني، ولكن شكرًا على كلّ حال.”
امتزجت ضحكته الودودة مع صوت المياه المتدفّقة من النافورة.
“في الحقيقة … كنت أفكّر في إرسال دعوة إلى عائلة أمبروز. آمل أن يتمكن كاليب من الحضور”
عدّل كرايتون ياقة ردائه بينما يتكلّم.
“لقد حاولت دعوته عدّة مرات من قبل، لكنها لم تنجح أبدًا. كان يرفض دائمًا، مدّعيًا أنّه لا يستطيع مغادرة قصر أمبروز بسبب شقيقته.”
عند شرحه، تغيّرت ملامح إليزيا.
حتى بعد أن ورث لقب البارون، نادرًا ما كان كاليب يحضر حفلات القصر.
كان يعلم أنّه في كلّ مرة يغيب فيها، تجد باتريشيا حجة لتعذيب إليزيا.
بالطبع، لو حضرت إليزيا الحفلة برفقة كاليب، لكان بالإمكان تجنّب ذلك.
لكنّ الأمر لم يكن بهذه البساطة.
فبعكس كاليب الذي لا يحتاج سوى إلى زيّ أنيق، كان على إليزيا أن تُحضّر نفسها تمامًا مع كلّ خروج.
فستان ، حذاء ، مروحة يد ، زينة ، مجوهرات …
كل حفلة كانت تتطلّب نفقات معتبرة. وقد يبدو الأمر مبالغًا فيه، لكنه جزء أساسي من آداب السلوك المتوقعة من أيّ نبيلة.
والإخلال بها قد يكشف عن الحالة المادية المتعثّرة للعائلة أمام المجتمع.
وذلك ما كانت باتريشيا تخشاه أشدّ الخوف.
فإن شاع أنّ عائلة أمبروز مفلسة، فلن يتمكّنوا من “بيع” إليزيا في زواجٍ فاخر.
ومنذ أول ظهور لها في المجتمع، لم تحضر إليزيا أيّ حفلة.
أو بالأحرى، لم يكن مسموحًا لها بالحضور.
لكنّها لم تشعر بندم كبير لذلك.
لم تكن تحبّ الرقص أو الاختلاط، كما أنّ ظهورها الأول لم يترك لها أيّ ذكرى طيبة.
من كان يظنّ أن فتاة مثلي ستصبح من العائلة المالكة — مركز اهتمام المجتمع؟
عقدت ذراعيها وفكّرت بمرارة.
لا أحد يعلم ما يخبّئه المستقبل، لكن في حالتها، لم يكن شيءٌ يسير كما تتوقّع.
في ربيع عامها العشرين، ذهبت إلى فيلا نارو، دون أن تتخيّل أنها ستصبح الأميرة الثانية.
ذهبت فقط للظهور الاجتماعي الأول.
لو كانت من عائلة نبيلة عظيمة ، لأقاموا لها حفلة فاخرة ، لكن عائلة أمبروز لم تكن مستعدّة لذلك.
فقدّموا لها عرضًا متواضعًا.
فالغاية من الظهور كانت فقط أن تُعرّف نفسها أمام السيدات الراقيات بتموّج رشيق للمروحة اليدويّة.
وهكذا، رافقت كاليب إلى نارو.
وقتها، كانت متوترة للغاية.
كانت تلك أول مرة تخرج فيها من قصر أمبروز، وأول مرة ترى فيها نبلاءً متلألئين بذلك الشكل.
وهناك، أدركت كم كانت صغيرة ومتواضعة.
لم تستطع الترحيب بالآخرين برشاقة كما فعلت السيدات الأخريات، ولم تنساب في المكان كالفراشة.
كانت جامدة كتمثال، وكلّ ما فعلته هو الانحناء بينما كان كاليب يقدّمها للناس.
حتى هذا أرهقها لدرجة أنها أصيبت بالحمّى، واضطُرّت إلى ملازمة غرفة في الزاوية طيلة الحدث.
وعندما عادت إلى القصر، صبّت باتريشيا جام غضبها عليها.
كانت تأمل سرًا أن تحصل إليزيا على زوجٍ ثري من حفلةٍ نظّمتها عائلة روشاناك المرموقة.
لكن إليزيا لم تحصد سوى بضع مجاملات جوفاء عن جمالها.
وكان ذلك كافيًا لإشعال غضب باتريشيا.
وبعد ذلك، استمرّت باتريشيا بتوبيخها لفترة طويلة.
«ذلك الصيد الربيعي جمع كلّ عزّاب الإمبراطورية. حتى الأمير الثاني كان هناك. أراهن أنكِ الوحيدة التي عادت دون عرض زواج واحد. بما أنكِ أضعتِ هذه الفرصة الذهبية ، فسأختار زوجكِ بنفسي»
كلمات مليئة بالإهانة كانت تنهمر عليها دون انقطاع.
و إليزيا … لم يكن بيدها إلا أن تصمت.
ومنذ ذلك الحين، باتت تكره الحفلات.
النفقات شيء، لكن الصدمة النفسيّة اللاحقة كانت أقسى.
ولهذا، بدأ كاليب يتهرّب من تلك المناسبات هو الآخر.
وكان ذلك يُثقل على قلبها كثيرًا.
فرغم صداقته الوثيقة مع الأمير الأول، لم يكن كاليب يحضر حفلات القصر.
وذلك وحده كان يشعرها بالخزي.
“في الواقع ، حصلتُ مؤخرًا على إذن من غلينا لدعوة كاليب. لذا أرسلتُ دعوة إلى عائلة أمبروز”
قالت إليزيا ذلك بأدب، وابتسمت.
“لم أتوقّع أن يتذكّر سموّك أخي. أشكرك نيابة عنه.”
“هاهاها، شكر فقط لأني دعوت صديقًا لحفل عيد ميلادي؟ يبدو الأمر غريبًا قليلًا”
ضحك كرايتون بمرح، ونظر إليها بنظرة دافئة.
“مع ذلك، أنا ممتنّ لكِ. شكرًا، يا صاحبة السموّ الأميرة الثانية.”
بادلت إليزيا الابتسامة بابتسامة أكثر إشراقًا.
فرغم تعارضها مع غلينا، كانت بحاجة لكرايتون. فهو حليف مهمّ في طريقها لإسقاط فرانز.
بما أنه صديق طفولة كاليب من أيام الأكاديمية، فالأمر مثالي.
تألّقت عيناها.
إن استطاعت تعميق العلاقة من خلال كاليب ، فسيكون ذلك أفضل بكثير.
نظرت إليزيا إلى النافورة، وقد بدا على وجهها الانتعاش.
كان تصرّف فرانز غير المتوقّع يربكها، لكن الحديث عن كاليب منحها شيئًا من الراحة.
“أرجو أن تكوني لطيفة مع غلينا. قد تبدو حادّة، لكنها طيبة القلب.”
“سأفعل ما بوسعي لأُحسن إليها.”
ابتسمت إليزيا بلُطف، فأومأ كرايتون برضى.
كان الحديث على وشك أن ينتهي.
تبادلت إليزيا النظرات مع كرايتون ، ثم استدارت عن النافورة عائدةً نحو القصر.
لكن قبل أن تبلغ المدخل، استوقفها صوته.
“أوه، بالمناسبة. الآنسة روشاناك ستحضر أيضًا حفلة عيد ميلادي. آمل أن تزداد الألفة بينكم أنتم الثلاثة”
توقّفت إليزيا فجأة عند سماع الاسم المفاجئ.
استدارت ببطء نحو كرايتون، وقد تجمّدت أطرافها.
كأنّ الشتاء قد حلّ فجأة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 43"