أفلت هارون برفق اليد التي كانت إليزيا قد أمسكته بها.
“اعذريني، يا صاحبة السموّ. لا يمكنني أن أخبركِ”
تكلّم بإخلاص، فضاقت عيناها قليلًا عند اعتذاره.
نظرت إليزيا إلى السيف الذي قد امتلأ بالسحر على يد هارون، ثم رفعت بصرها إليه.
“إلى أيّ حدّ تعرف؟”
“لا أعلم سوى ما سُمح لي أن أعلمه.”
“أي بمعنى أنك لا تستطيع الحديث إلا بما سُمح لك بقوله.”
تنهدت إليزيا و استدارت بجسدها. ظهر لها فرانز المستلقي على السرير ، و كأنه ميت ، غارق في نومٍ عميق.
تأملته للحظة ، ثم جالت بنظرها في الغرفة.
كانت فوضى عارمة. من يدخل قد يظن أنّها نُهبت.
الأواني، والزينة، والكراسي كانت متناثرة على الأرض — و قد طُرحت جانبًا أثناء نوبة الألم التي سببها انفلات مانا فرانز.
و بينما كانت تتفقد المكان ، صَفَق هارون بأصابعه.
في الحال ، بدأت الأشياء المتناثرة تعود إلى أماكنها الصحيحة.
“من المؤسف أن نلتقي في مثل هذه الظروف.”
وبينما الزهرة التي سقطت عادت إلى المزهرية، والمزهرية وُضعت فوق الطاولة، تكلّم هارون.
كانت إليزيا تتابع الطاولة وهي تُعاد إلى موضعها الأصلي.
“ليس لقاؤنا ما يُؤسف له. ما يُؤسف له هو لقائي أنا. لم يكن من المفترض أن نلتقي على الإطلاق.”
وحين عادت الغرفة إلى ترتيبها الكامل، أطلق هارون تنهيدة طويلة.
“…ومن المؤسف أيضًا أنني لا أستطيع أن أخبركِ بالمزيد مما أعرف.”
استدارت إليزيا إليه ببطء.
قبل لحظات، كان لا يحمل ذرة من الإنسانية، أمّا الآن فقد امتلأ وجهه بالندم.
“مؤلم ألا أستطيع مساعدتكِ أكثر.”
“إن كنتَ تملك ذرّة من التعاطف تجاهي، فأعطني نصيحة نافعة.”
نظرت إليه مباشرة ، و تابعت: “من أجل زوجة الأمير الثاني عديمة الجدوى، التي لا تستطيع حتى تهدئة المانا، زوجة مثيرة للشفقة توشك أن تُطرد إلى بيت أهلها أو إلى القصر الفرعي.”
“يا صاحبة السموّ، هذا …”
بدا الارتباك على هارون.
هزّت إليزيا كتفيها بخفة.
“لم أتنصّت عمدًا. فقط … سمعت. وحين أدركت أن الحديث عنّي، لم أستطع التوقف عن الاستماع.”
“كان اقتراحي بدافع القلق عليكِ، يا صاحبة السموّ. لكن … اعذريني، ألستِ لا تثقين بالأمير فرانز؟”
توقّف هارون قليلًا، وانتقى كلماته بعناية.
“أنتِ لا تثقين بالأمير فرانز. وهذا مفهوم، لأن الزواج كان سياسيًّا.”
“عذرٌ لطيف. لكن الزواج السياسي ليس سببًا كافيًا. أنت تعرف هذا ، أليس كذلك؟ الأمير كرايتون والأميرة غلينا أيضًا كان زواجهما سياسيًّا، ومع ذلك فهما مُخلصان لبعضهما. أما أنا — فأنا لا أثق بفرانز يوستاس”
عقدت ذراعيها، ووجّهت عينيها إلى فرانز.
وبينما كانت تحدّق فيه وهو نائم بسلام، خرجت كلمات مريرة من شفتيها: “لا، ليس الأمر أنني لا أثق به. بل إنني أكرهه.”
تكلّمت بثبات، وأخذت نفسًا عميقًا.
“أنا أكره فرانز يوستاس.”
كان تصريحًا واضحًا.
استدارت إليزيا بعينيها الباردتين نحو هارون.
وفي تلك اللحظة، كانت جميع مشاعره قد تلاشت من وجهه.
كان يحدّق بها بحذر، وكأنه يُقيّم إن كانت تُشكّل خطرًا على فرانز.
ابتسمت بسخرية.
“ما هذه النظرة؟ الأمر ليس مفاجئًا. إن كنتَ سمعتَ عنّي من فرانز، فلا بدّ أنك تعرف مسبقًا.”
“كنتُ أظنّ ذلك. ورؤية حالة الأمير الثاني الآن قد أكّدَت لي ذلك.”
“لا تَسِئ الفهم. لم أتعمد أن أفشل في تهدئة المانا. فقط لم تُفلح المحاولة.”
عند توضيحها ، خفّض هارون نظره.
حدّق في الأرض لحظة ، ثم رفع عينيه مجددًا.
“…بالنسبة لكِ، لا بدّ أن القصر الإمبراطوري يُشبه السجن”
اتّسعت عينا إليزيا بدهشة.
للحظة، لم تجد ما تقوله.
السجن.
لا توجد كلمة أدقّ من هذه.
لقد كانت حياتها سجنًا — سجنًا لا تستطيع الهروب منه.
و كلّما حاولت الخروج ، كانت تُجَرّ إلى داخله مجددًا.
لقد وجد الجواب الصحيح من مكان غير متوقّع تمامًا.
أُعجِبَت إليزيا حقًّا بحدس هارون.
و ارتسمت ابتسامة لطيفة على وجهها.
“إن كان الأمر كذلك، فهل تخبرني كيف أهرب من هذا السجن؟”
“… اعذريني ، لكن—”
“يكفي.”
لوّحت بيدها.
ولاء هارون لفرانز كان أكبر مما توقّعت.
طريقة مراوغته لأسئلتها، وتعاطفه دون تقديم مساعدة حقيقية، كلّها دلّت على ذلك.
“كفى ندمًا واعتذارًا. إن كان هذا كلّ ما ستفعله، فقد كان الأجدر بك أن تقول من البداية إنك لا تعرف شيئًا”
“أنا آسف.”
“إذًا، على الأقل افعل لي معروفًا واحدًا.”
“تفضّلي، قولي ما تريدين.”
سارت إليزيا نحو فرانز.
نظرت إلى ابن الشمس المستلقي بشحوب على السرير ، وكان بصرها حادًّا.
ودون أن تُبعد عينيها عنه، تكلّمت: “لا تقف في طريقي.”
تلوّى تعبير وجهها.
ثمّ استدارت إلى هارون بنظرة يائسة.
“دعني أفعل ما أشاء.”
“لا حاجة لأن تطلبي ذلك.”
تنهد هارون بعمق.
“هذا … أمرٌ قد صدر إليّ مسبقًا من الأمير الثاني نفسه.”
عند ذلك ، عادت إليزيا لتُحدّق بفرانز.
لم يكن يعلم شيئًا عمّا يجري حوله من حديث، وبقي غارقًا في نومه العميق.
عدّل هارون عباءته، وتابع: “لقد أمرني الأمير فرانز بأن أضمن أمانكِ وحريّتكِ، يا صاحبة السموّ. وسأبذل جهدي لتنفيذ ذلك الأمر.”
“ولِمَ قد يُصدر فرانز أمرًا كهذا؟ أنا شريكة فاشلة لا قيمة لها بالنسبة له.”
“هذا سؤال يجدر بكِ أن توجّهيه إليه، لا إليّ.”
وعندها، سحب هارون عباءته فوق وجهه.
وسقط ظلّ على ملامحه الشاحبة.
أمام عينيها، تمتم بشيءٍ بصوت منخفض، وتمدّد الظلّ تحت قدميه.
حدّقت إليزيا مذهولة، بينما كان هارون يُبتلَع داخل الظل.
لم تستطع منعه في الوقت المناسب — فقد اختفى داخل الظلام.
ثمّ تقلّص الظل الذي ابتلعه سريعًا إلى نقطة، وتلاشى دون أثر.
“ما الذي رأيته للتوّ؟”
حدّقت إليزيا بذهول في الموضع الذي كان يقف فيه هارون.
شعرت وكأنّها كانت تحلم.
لكن السيف في يدها — والغرفة من حولها — أخبروها بأنّ ذلك كان حقيقيًّا.
نظرت إلى الأسفل ببطء.
السيف الذي في يدها كان يتلألأ بلون فضّي، كأنّ نجمات الليل قد نُقشت عليه.
لا ترتكبي أخطاءً حمقاء.
عضّت إليزيا شفتها بقوة.
لكن الأخطاء ليست شيئًا يمكنكِ تجنّبه فقط لأنك لا ترغبين في الوقوع بها.
أحيانًا، يكرّر الإنسان الخطأ رغم معرفته بكونه خطأ.
و إليزيا … ليست سوى بشر.
***
“أوه، يبدو أنني تأخّرت قليلًا.”
مباشرة بعد رحيل هارون، دوّى صوت طرق على الباب، ثم فُتح.
سارعت إليزيا لإخفاء الخنجر خلف ظهرها.
“كان يجدر بي أن آتي أبكر قليلًا.”
دخل كرايتون، ورأى فرانز نائمًا، ثم وجّه كلامه لإليزيا.
“صاحب السموّ الأوّل…”
انحنت له باحترام، وقد ارتبكت.
لكنّه لوّح بيده بابتسامة ودودة مألوفة.
“لا حاجة للرسميّات بيننا، طالما نحن وحدنا”
مرّ بجانبها، ووقف بجوار سرير فرانز.
ابتلعت إليزيا ريقها بقلق، وهي تراقبه يتفحّص فرانز عن قرب.
لو كان قد وصل أبكر بدقيقة واحدة، لحدثت كارثة.
كما قال هارون، الغرفة قبل قليل كانت تبدو كأنّ إعصارًا قد اجتاحها.
وبفضل ترتيب هارون، بات بإمكانها القول إنّ فرانز قد ذهب إلى النوم باكرًا.
وإلا، لاكتشف كرايتون أنّ فرانز قد تعرّض لنوبة مانا.
وقد رأى إليزيا سابقًا وهي تنقّي المانا أثناء العشاء، ولذا كان سيفهم فورًا أنّ التوقيت غير طبيعي.
ولو حدث ذلك، فلن تُرسَل إلى القصر الفرعي، بل ستُنفى إلى القصر البارد.
“ما الذي جاء بكَ إلى هنا؟”
ابتسمت إليزيا ابتسامة مصطنعة، تحاول التظاهر بالهدوء رغم العرق البارد الذي انساب من جبينها.
“صاحب السموّ الأمير الثاني قد غفا للتو. أظنّ أنّ عليك العودة غدًا.”
استدار كرايتون عن فرانز ونظر إليها.
تأمّلها بعناية، وبقي يراقبها لحظة طويلة.
ثمّ مال برأسه قليلًا.
“لمَ تنادينه بالأمير الثاني؟ وكأنّه ليس زوجك ، بل غريب عنك؟”
هبط قلبها من وقع كلماته المفاجئة.
أربكها تمامًا.
أجبرت نفسها على الابتسام، راجية ألّا يظهر توترها على ملامحها.
“حتى في الزواج، يجب الحفاظ على آداب المخاطبة. السيّدة غلينا قالت لي أيضًا إنني أفتقر إلى اللباقة”
“أفهم.”
أومأ كرايتون برأسه، وقد بدا متفهّمًا عند ذِكر غلينا.
و بينما كانت إليزيا تحاول تهدئة نفسها …
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 42"