بمجرّد أن فتحت إليزيا الباب، وُجِّه نصل بارد إلى عنقها.
أدارت جسدها بسرعة بشكل غريزي ، و اشتعلت مانات النار استجابةً لانفعالاتها ، لتلتفّ حولها.
توهّج أحمر صدّ سيف الخصم ، مُحدثًا مسافة بينهما.
بدا أن المهاجم فوجئ بالمانا خاصّتها ، ولم يتقدّم أكثر.
استغلّت إليزيا تلك اللحظة، وأمسكت الخنجر الذي كانت تحمله بإحكام، ثمّ رفعته إلى صدرها.
تلألأ بريق في عينيها الخضراوين وهي تتّخذ وضعيّة تهديد.
“اذكر هويّتك.”
تكلّمت بهدوء ، رغم أنّ يدها كانت ترتجف قليلًا.
كانت عيناها تتلفّت بقلق، تبحثان عن فرانز.
و كما كانت تخشى، كان قد انهار في حوض الاستحمام.
و عندما رأت وجهه الشاحب المرعوب، عضّت شفتها بقوّة.
‘عليّ أن أطلب المساعدة.’
إن كان هذا الشخص قاتلًا مأجورًا، فلن تستطيع مجابهته بمفردها.
فـ إليزيا لم تتلقّ يومًا تدريبًا حقيقيًّا على استخدام السيف.
كان هذا الخنجر مجرّد أداة أعدّتها لحماية نفسها.
وإن كان خصمها قاتلًا محترفًا ، فكم من الوقت ستصمد؟ ليس طويلًا.
على الأقل، كانت بحاجة إلى كسب الوقت لاستدعاء لوشيوس.
أخذت نفسًا عميقًا ، و رفعت صوتها: “من هناك—!”
“لا بدّ أنّكِ زوجة الأمير الثاني.”
قبل أن ترفع صوتها تمامًا ، جاءها صوتٌ رقيق من الطرف الآخر.
حدّقت إليزيا فيه دون أن تُسقِط حذرها.
كان هناك رجل بشعر أخضر فاتح ناعم، وعينين رماديتين.
مظهر نادر في لوران.
بدأت إليزيا تفحصه بعناية.
كان يرتدي عباءة سوداء داكنة تغطّي جسده بالكامل.
وكان وجهه شاحبًا إلى درجة أنّه جعل العباءة تبدو أكثر قتامة.
كان يحمل طابعًا راقيًا، مختلفًا عن فرانز.
فبينما بدا فرانز وكأنّ جمال العالم قد تَجسّد في هيئة إنسان، كان هذا الرجل يحمل جاذبية غير طبيعيّة، بل تكاد تكون من عالم آخر.
قطّبت إليزيا حاجبيها.
‘من هذا الرجل؟’
لو كانت قد رأته ولو لمرّة واحدة من قبل، لما نسيته — كان يترك انطباعًا قويًّا.
ومع وجه كهذا، لا بدّ أنّ الشائعات عنه كانت لتنتشر في كاليبس أو في القصر الإمبراطوري.
لكنّها لم تسمع به من قبل.
بينما كانت إليزيا تَفحص وجهه اللافت الحادّ بصمت، تكلّم الرجل مجدّدًا: “أعتذر. ظننتكِ قاتلة مأجورة.”
خفض سيفه بأدب.
أجابت إليزيا، وما زالت في حالة من الحذر: “… هارون، أليس كذلك؟”
“كيف عرفتِني؟”
اتّسعت عيناه — كانت الإجابة صحيحة.
عندها فقط تنفّست إليزيا بارتياح، وخفّضت خنجرها.
لم تتعرّف إلى صوته فورًا من خلف الباب، لكن عندما استرجعت الأمر، أدركت أنّه هو بالفعل.
“سمعتك للتوّ. أنا أقيم في الغرفة المجاورة تمامًا.”
نظرت إلى الباب الذي خرجت منه لتوّها.
هارون هزّ كتفيه بابتسامة.
“أفهم.”
ومع أنّها كانت تنظر إليه، شدّت قبضتها على الخنجر أكثر.
لسببٍ ما، جعلتها ابتسامته تشعر بالقشعريرة.
شعرت أنّه قد ينقلب ويهاجمها في أيّ لحظة.
“أعتذر لإزعاج نومكِ في هذه الساعة المتأخرة، يا صاحبة السموّ.”
أعاد هارون سيفه إلى داخل عباءته ، و تابع: “لكن، ما الذي جاء بكِ إلى هنا في هذا الوقت؟”
“لم أكن أعلم أنّني بحاجة إلى إذن لزيارة غرفة زوجي” ، ردّت إليزيا وهي تلتقي نظراته بحدّة.
“أعتقد أنّه يجدر بي أن أطرح عليكَ هذا السؤال. ماذا تفعل أنت هنا في هذا الوقت؟”
“ها ها ها.”
بدت على هارون لمحة من الارتباك، ثمّ أطلق ضحكة خافتة.
لكن حتّى ضحكته بدت غير طبيعية — وكأنّ دمية تحاول التبسّم.
كان فيه شيء لم يرق لها.
“لا تحاول التهرّب من الأمر بالضحك. صاحب السموّ يتألّم بسبب ماناه، وأنت تقف هنا؟ فسّر موقفك”
“أنتِ قلقة على الأمير الثاني، يا صاحبة السموّ.”
تغيّرت ملامح هارون إلى تعبير من المفاجأة المعتدلة.
ثمّ استدار مبتعدًا عنها و تقدّم نحو الحوض.
ثمّ، أمام عينيها مباشرة، رفع جسد فرانز المُغمى عليه.
تدلّى جسده بلا حول ولا قوّة، مرتخيًا تمامًا.
وضع هارون يده على جبين فرانز و بدأ يتمتم بشيء ما.
توهّج ضوء فضّي خافت من راحة يده، والتفّ حول جسد فرانز بالكامل.
أُصيبت إليزيا بالذعر، وأسرعت نحوه: “ما الذي تفعله؟!”
“ششش.”
دون أن ينظر إليها، أسكتها بلطف.
قبضت إليزيا على خنجرها، وحدّقت فيه بحدّة.
لكنّ هارون واصل الترتيل بهدوء تحت نظراتها الحادّة.
و عندما انتهى، تراخى قبض إليزيا على الخنجر.
مهما كان ما فعله، فقد بدا وجه فرانز أكثر هدوءًا بكثير الآن.
كما أنّ جسده المبلّل أصبح نظيفًا وجافًّا تمامًا.
يبدو أنّ هارون بارع في استخدام السحر.
لكن، هل يمكن الوثوق به لمساعدتها؟
فقط قبل لحظات، كان قد نصح فرانز بالابتعاد عنها.
أيًّا كانت نواياه الحقيقيّة، فهي لا تحتاج إلى معرفتها.
إنْ وقف في طريقها، فهو عدو.
حتى وإن كان شخصًا يثق به فرانز، بالنسبة لإليزيا، هو شخص يجب التعامل معه بحذر.
“لا تقلقي. أنا في خدمة الأمير الثاني.”
وضع هارون جسد فرانز برفق على السرير، وتكلّم بهدوء.
وعندما لاحظ إليزيا ما تزال تحدّق فيه بنظرات ثاقبة، عقد حاجبيه قليلًا.
كان يبدو صادقًا في رغبته لكسب ثقتها.
“أنا مَن يصنع الجرعة التي تهدّئ مانا سموّه.”
“ما الذي تكونه بالضبط؟ معالج؟ ساحر؟”
هرش هارون مؤخرة رأسه عند سؤالها، ونظر حوله بتردّد قبل أن ينقر لسانه.
“كيف يجب أن أقدّم نفسي …”
“ولمَ تسألني؟”
“لديّ وجوهٌ كثيرة. لكن لا أعلم أيّ وجه يُسمَح لي بإظهاره لكِ بعد. سيّدي لم يُخبرني.”
ألقى نظرة على الخنجر في يدها، يدرسه باهتمام، ثمّ رفع حاجبه.
“هل أُقدّم لكِ خدمة صغيرة؟”
“ماذا—؟”
قبل أن تُكمل، مدّ هارون يده ولمس خنجرها.
أصدر النصل طنينًا، وانبعث منه توهّج خافت.
تدفّق الضوء على طول النصل وانتشر حتى وصل إلى يد إليزيا.
حدّقت في الخنجر مأخوذة.
كان التوهّج دافئًا.
وفي اللحظة التي لامسها فيها، شعرت بقوّة تتدفّق في جسدها.
لم تكن تعلم ما الخدعة التي استخدمها، لكنّ الرابط بينها وبين السلاح أصبح أقوى من أيّ وقت مضى.
“حتى وإن كان مجرّد خنجر صغير للدفاع عن النفس، من الأفضل أن يحمل بعض القوّة. لقد قمتُ ببعض التعديلات”
بينما كانت ترفع الخنجر وتتفقّده، شرح لها هارون.
ثمّ نظر إلى فرانز على السرير و أضاف: “لا شكّ أن سيّدي سيوافق على المساعدة في حماية زوجته”
“…شكرًا لك.”
“إن كان لي شرف تقديم المساعدة، فهذا فخرٌ لي.”
أبعدت إليزيا نظراتها عن الخنجر، وحدّقت مجدّدًا في هارون.
كان قد وضع يده على صدره وانحنى بأدب — كما يفعل أيّ خادم.
وهي تنظر إليه، نطقت أخيرًا بالشكّ الذي ظلّ يراودها:
“هارون … هل لكَ علاقة بـ هاروناكا رون ميلاكازيرنا؟”
عند سؤالها، تجمّد هارون.
حدّق بالأرض في صمت قبل أن يستقيم ببطء.
توهّج ضوء أزرق في عينيه الرماديتين بينما التقت نظراته بها.
ضيّقت إليزيا عينيها، تراقب التغيير الطفيف في ملامحه.
لم يكن تغيّرًا دراميًّا، لكن ما إن طرحت السؤال، حدث شيء في وجهه.
البرودة غير البشرية في عينيه امتلأت فجأة بالدفء.
“هل أقدّم لكِ نصيحة واحدة، يا صاحبة السموّ؟”
نظر إليها بإخلاص.
كانت تتوقّع إجابة عن هاروناكا رون — لكن سؤاله أربكها.
رغم ذلك، أومأت برأسها.
وحين أعطته الإذن، ارتسمت على شفتي هارون ابتسامة باهتة.
ثمّ تقدّم نحوها بخطًى بطيئة.
“لا تقومي بخطأ أحمق أبدًا.”
“أيّ نوع من الأخطاء؟”
“برأيكِ ، أيّ نوع؟”
جعلها سؤاله تعبّس.
مدّت يدها وأمسكت عباءته بينما كان يهمّ بالابتعاد.
“انتظر.”
تقدّمت نحوه، ورفعت نظرها إليه بحدّة.
تلألأت عيناها الخضراوان.
“هذه ليست نصيحة.”
“عذرًا؟”
“كلمات مبهمة كهذه لا تُعدّ نصيحة.”
بدا الارتباك على هارون للحظة بعد توبيخها.
لكنّها ثبّتت نظراتها عليه.
“جرّب مجدّدًا. أعطني نصيحة حقيقيّة.”
تلألأت عينا إليزيا الخضراوان.
لم تكن تنوي ترك هارون يرحل.
إنْ كان هناك من يعرف أكثر منها — فهي بحاجة إلى التمسّك به.
خصوصًا إن كان يعلم شيئًا عن أسرار فرانز.
فهذا أفضل ما يمكنها فعله في مواجهة مستقبلٍ يلفّه الغموض.
“أخبرني بما تعرف. أيّ نوع من الخطأ يُفترَض أن أرتكبه؟ … هل تستطيع رؤية المستقبل ، يا هارون؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 41"