تدحرجت زجاجات الجرعات على الأرض، وتعالت أوامر الطبيب للخدم، ناشرةً الفوضى في الساعات الأولى من الصباح.
كانت إليزيا تصغي إلى تلك الأصوات بقلبٍ مثقل. أسندت ظهرها إلى الباب، ثم انزلقت ببطء حتى جلست على الأرض.
كانت تشعر بالفراغ.
لقد آلمها أن تعلم أن قيمتها لدى فرانز تكمن فقط في فائدتها له. لكنّ إدراكها الآن أنها ليست حتى بذلك القدر من الفائدة، جعلها تشعر بفراغٍ أشدّ.
‘ما الذي أُمثّله لك، حقًّا؟’
أنزلت إليزيا كمّ ردائها.
الندبة على معصمها الأيمن، التي لم تُشفَ بعد، كانت لا تزال ظاهرة بوضوح. وضعت الشمعدان على الأرض، ولمست الجرح بلطف.
لم يمرّ حتى شهرٌ كامل منذ أن قامت بتنقية فرانز.
والآن، نوبةٌ أخرى؟ هذا التكرار غير طبيعيّ.
لو كانت التنقية قد نجحت، لما حدث هذا.
قطّبت إليزيا حاجبيها وشدّت على معصمها بإحكام.
انتفخت الأوردة في يدها النحيلة.
‘أنا عديمة الفائدة.’
عضّت شفتها بإحباط.
لقد تحمّلت ألَمًا شديدًا لأجل أداء عملية التحييد، ومع ذلك لم تُفلح.
يوجد فرقٌ شاسع بين أن تفشل لأنك لم تحاول أصلًا، وبين أن تحاول — وتفشل مع ذلك.
الأولى تعني أنها ادّعت فقط أنها قامت بالتنقية — وهو أمرٌ ممكن فقط إن كانت تتحكّم بقواها تنقية المانا تحكّمًا تامًا.
أما الثانية، فتعني أنّ عملية التنقية ذاتها لم تُفلح. وهذا إما لأن قدراتها لم تكن كافية — أو لأن ماناها غير متوافقة مع مانا فرانز.
وفي الحالتَين ، النتيجة محبطة.
طأطأت إليزيا رأسها وهي تشدّ على معصمها.
فرانز أبقاها إلى جانبه لسببٍ واحد: تحييد المانا.
لكن، إن كانت قدراتها بهذا السوء، فهل هناك سبب لبقائها في قصر الأمير الثاني؟
هل هناك أي سبب لتكون زوجة الأمير الثاني أصلًا؟
و مع ذلك … لا يزال فرانز يُصرّ على إبقائها قريبة منه.
لِماذا؟
أغمضت إليزيا عينيها بإحكام.
لم تستطع فهم أفكار فرانز في حياتها السابقة — وفي الآونة الأخيرة، بات الأمر أسوأ.
حين يكونان بمفردهما، يعاملها وكأنها أثمن جوهرة في العالم، ويتصرّف وكأن كلّ مشاعرها تُحرّكه.
لكن أمام الآخرين، يبدو أن مجرد ذِكر اسمها يُزعجه.
يتجنّب الحديث عنها تمامًا.
على الأقلّ، فرانز في حياتها السابقة كان ثابتًا في سلوكه.
أمّا الآن، فهي لم تعد تفهمه إطلاقًا.
إن كان يكرهها، فليكرهها فقط.
وإن كان يهتم بها، فليستمر في ذلك.
لكنه ليس هذا، ولا ذاك.
سلوكه المتناقض لا يزيدها إلّا حيرة.
“أيّ نوع من الفوضى هذه؟”
رفعت إليزيا رأسها نحو الصوت الغريب الذي صدر من الجهة الأخرى من الباب. كان صوتًا لم تعهده، لكنه كان يخاطب فرانز بألفة.
وبما أنه لم يُلقِ أي تحية رسمية ، فمن المحتمل أن هذا الرجل يلتقي بفرانز كثيرًا.
“لمَ تزوّجت أصلًا إن كان هذا ما سيؤول إليه الأمر؟ ألم يكن من أجل التحييد؟”
كان صوت الشاب واضحًا وهو يُلقي بكلماته بنبرة انتقاد لاذعة.
لم تسمع إليزيا صوت لوشيوس أو أيٍّ من الخدم — بدا أن فرانز و هذا الرجل الغريب فقط هما من كانا داخل الغرفة.
“الجرعة …؟”
وصلها صوت فرانز الضعيف. ثم تلاه ضحكٌ ساخر.
“هل تُدرك أنك قد تموت بهذه الوتيرة؟”
“الجرعة.”
“لقد حذّرتك. هنالك حدّ لما يمكن للجرعات أن تفعله في كبح النوبات.”
سادت لحظة صمت. يبدو أن فرانز كان يشرب الجرعة.
ألصقت إليزيا أذنها بالباب أكثر. كان هناك سرٌّ عن فرانز — سرّ لم تكن تعرفه — على وشك أن يُكشف.
“أنا بخير.”
“هذا ما تُسمّيه بخير؟ انظر إلى حال هذه الغرفة. حتى الإعصار ما كان ليتركها بهذه الفوضى”
ضحك فرانز بصوتٍ منخفض، بدا فيه أكثر هدوءًا. لكن حتى ضحكته كانت مؤلمة — وكأنها اقتُلعت من أعماقه.
عضّت إليزيا شفتها لا إراديًّا.
“هل ترى في هذا أمرًا مضحكًا؟ من الذي قال إن ليلة الزفاف كانت فقط لأجل تحييد المانا؟ وإنّ الزواج كان لأجل ذلك فقط؟”
سخر الرجل المجهول من فرانز، مقلّدًا نبرته. ثم جاء صوت فرانز الخافت والمتعب: “كفى.”
“أقول هذا لأنني قلق عليك، سموّك.”
“لا أريد أن أسمعك”
أدّت نبرته الحازمة إلى إسكات الرجل لبرهة.
و اختفى من صوته أيّ مظهر من المزاح.
“لا تنسَ لماذا اخترت الأميرة كزوجة لك. ألم يكن من أجل لحظات كهذه؟”
“…”
“إن لم تستدعها سموّك، فسأفعل أنا.”
“هارون!”
حين بدأ الرجل الذي يُدعى هارون بالحركة ، ناداه فرانز على عجل. فتوقّفت خطواته و اقتربت ، ثم بدأت تتراجع.
“لم أرد قول هذا ، لكن …”
نَقَر هارون بلسانه.
“ردّة فعل الأميرة تجاه حجر المانا لم تكن مثاليّة. كانت ضعيفة. هذا يعني أنّ هناك خيارات أُخرى. مثلًا، الليدي نيريس روشانك — لم تُتح لها الفرصة حتى لرؤية الحجر. و كان هناك أخريات أيضًا — زوجات محتملات كان بإمكانهن تحييد ماناك بسهولة.”
‘إذًا، نيريس كانت لتكون خيارًا أفضل له في النهاية …’
شدّت إليزيا على تنورتها بقوّة، وضمّت ركبتيها إلى صدرها.
حسب كلام هارون، لم تكن مؤهّلة لتكون زوجة لأمير.
كان هناك الكثير ممّن يمكن أن يحلّوا محلّها.
وليس فقط بدائل — بل بدائل أفضل بوضوح، قادرات على تخليص فرانز من علّته المانويّة.
“إن كنتَ سترفض السماح للأميرة بتحييد ماناك، فسأبحث عن طريقة أُخرى. سأُسرّع أيضًا عودة الليدي روشانك”
“إن كنتَ ستتفوّه بالهراء ، فارحل.”
“ما المشكلة إذًا؟”
بدا صوت هارون مملوءًا بالضيق.
“هل تكره الأميرة؟ أم تكره الليدي روشانك؟ أم الاثنتين معًا؟”
“ليس الأمر مسألة تفضيل.”
“حتى في الزفاف ، لم تبدُ سعيدًا. أعلم أنه كان زواجًا سياسيًّا، لكن مع ذلك …”
توقّف هارون عن الكلام، وعمّ الصمت. لم يُعلّق فرانز بشيء.
ربما كان يغتسل الآن — فقد سبق له أن فقد وعيه بهذا الشكل.
لا تزال منكمشة على نفسها، كانت إليزيا تحدّق بالشمعدان بجوارها.
عيناها تابعتا اللهب الطويل، ثم نظرتا إلى الشمع الذائب الذي كان يقطر على السجّادة. وفي تلك اللحظة، عاد صوت هارون.
“ما تفعله هذا قاسٍ بحقّ الأميرة أيضًا.”
كان يُوبّخ فرانز.
“إن لم تكن تنوي السماح لها بالمساعدة، فأعدها إلى أمبروز. القصر ليس مكانًا لها. أنت تعلم ذلك. إبقاؤها هنا على هذا النحو … ليس صوابًا.”
“لا أستطيع فعل ذلك.”
“لستُ أطالب بإلغاء الزواج. هذا مستحيل الآن. لكن على الأقل امنحها بعض الوقت. أو ربما انقلها إلى مقرٍّ منفصل. حفلة عيد ميلاد الأمير كرايتون ستكون الشهر القادم. يمكنك أن تجد مرشّحة أُخرى هناك—”
“يكفي. اخرج. أحتاج إلى الراحة”
“سموّك.”
“الجرعة القادمة ستكون جاهزة خلال أسبوع.”
“…”
“ألم تسمعني؟”
عند هذا الطرد البارد من فرانز، تمتم هارون بتذمّر. ثم اختفى صوته، وهو يهمهم بشيء عن عناد فرانز.
رمشت إليزيا ، و ألصقت أذنها بالباب مرّة أُخرى. لكن بدا و كأن فرانز وحده هو من كان في الغرفة طوال الوقت — لم يعد هناك أيّ أثر لذلك الرجل.
‘من يكون؟’
ابتعدت إليزيا عن الباب وغرقت في التفكير.
كان فرانز قد ناداه باسم “هارون.” لكن إليزيا لا تتذكّر أحدًا بهذا الاسم.
كان هناك ساحرٌ كبير من برج السحر يحمل اسمًا مشابهًا بعض الشيء — لكنه لم يكن “هارون”. بل اسمه أطول بكثير وأفخم.
هارناكارون ميلاكيرزنا.
كان شخصية أسطوريّة — مؤسس التقليد السحري في الإمبراطوريّة و باني برج السحر. هزّت إليزيا رأسها.
‘إنه ليس الساحر الأعظم.’
الاسم مختلف، والعمر لا يتطابق.
فالساحر الأعظم كان يحكم البرج حتى قبل ولادة إليزيا.
والصوت الذي سمعته قبل قليل بدا أقرب لعمر فرانز.
أمّا الساحر الأعظم، فكان ليبدو أكبر سنًّا بكثير.
‘لا يمكنني توقّع أن أعرف كلّ شيء عن فرانز.’
كانت إليزيا تحاول تخمين هوية هارون، ومدّت يدها نحو الشمعدان.
الشمعة، التي كانت أطول من راحة يدها، صارت الآن بطول عقلة إصبعين فقط.
وحسب مجريات الحوار، كان هارون على الأرجح طبيبًا.
فقد طلب منه فرانز إحضار جرعة.
وإن لم يكن طبيبًا، فربما ساحر.
لكن هوية هارون لم تكن مهمّة لإليزيا.
فهو شخص لم تلتقِ به في حياتها السابقة — ومن المرجّح ألّا تلتقيه في هذه الحياة أيضًا.
بل و حتى الآن ، لم تعرف عنه شيئًا سوى عن طريق المصادفة البحتة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 40"