ركض كاليب نحو إليزيا و ضمّها بعناقٍ محكم. و رغم أنّه لم يكن بطول فرانز ، إلّا أنّه كان طويلًا بما يكفي ليغمرها بالكامل.
“هل سترحلين حقًّا بهذه السرعة؟ دون حتى أن تقولي وداعًا؟” ، تمتم بتذمّر.
“هذا ما أقوله أنا أيضًا” ، تدخّلت باتريشيا من خلفه بسخرية. وكان الغضب يتسرّب من كلّ مسامّها.
كتمت إليزيا ضحكة.
كانت باتريشيا تغلي غضبًا، لا تدري أين تصبّه. ورؤية هذا المشهد—الذي تخيّلته مرارًا في أحلامها—منحها شعورًا غريبًا بالرضا.
“تفاجأتُ لأنّ سموّه جاء بنفسه. أنا آسفة”
“ستغيبين طويلًا، ولم أحظَ حتى بوداع … آه!”
“يكفي” ، قاطع فرانز بحدّة، وانزلق بينهما.
دفع كاليب جانبًا ووقف مباشرة أمام إليزيا ، حاجبًا إياها عن الأنظار. فتحت إليزيا عينيها بدهشة وهي تنظر إليه من خلفه.
“لن تسمح لي بوداع عائلتي؟” ، قالت بنبرة غاضبة.
“عائلة؟” ، كرّر فرانز الكلمة، وهو ينظر إلى شعر إليزيا الأحمر وخصلات كالب الفضّية بريبة.
“لا حاجة لأن نكون متشابهين لنكون عائلة” ، أجابت إليزيا بأدب، مخفية انزعاجها.
‘ما به؟’
فرانز لم يهتمّ بها قطّ، ناهيك عن عائلتها.
تذكرت جيّدًا كم تجاهل طلباتها المتكرّرة للسماح لكاليب بزيارتها.
قبضت على قبضتها و قالت: “حتى إن لم يكن الدم متطابقًا، أو لم نكن متشابهين في الشكل ، نظلّ عائلة—تمامًا مثل جلالتك والأمير الأول”
“إذًا، أنتِ وهذا الرجل عائلة؟”، سألها بوقاحة.
ألم تكن قد قالت ذلك تَوًّا؟
“عائلة …”
ردّد فرانز الكلمة، وكأنّ طعمها كان مرًّا في فمه.
حاولت إليزيا أن تكبح تصاعد غضبها.
“لا أعلم ما الذي يدور في بالك ، لكن كاليب وأنا إخوة عاديّون، مثل أيّ إخوة آخرين.”
“عاديّون؟”
“نعم. عادةً—”
بدأت إليزيا تشرح ما تعنيه العلاقة الأخويّة الطبيعيّة، ثمّ تردّدت.
كاليب و هي كانا كذلك—أخوين.
رغم أنّهما أخوان غير شقيقين، إلّا أنّ كاليب وقف دائمًا إلى جانبها، حتى حين كانت باتريشيا تعاملها بقسوة.
التقته لأول مرّة وهي لم تتجاوز السنتين من عمرها—لا تزال غير قادرة على القراءة. و كان هو ، الأكبر بعامين فقط ، ليس أكثر تقدّمًا.
معظم أطفال النبلاء كانوا قادرين على القراءة آنذاك ، لكن كاليب وُلد من عامة الشعب.
تداول الناس الإشاعات عن كونه محظوظًا—كيف تغيّرت حياته حين ورث لقب البارون بعد وفاة والد إليزيا.
لكن إليزيا لم تفكّر فيه بتلك الطريقة قطّ.
بغضّ النظر عن طموحات باتريشيا، كان كاليب دائمًا أخاها.
حين كانت تكشط ركبتها، كان ينفخ عليها ويحملها إلى المنزل. كان حضورًا لطيفًا وثابتًا.
ومع ذلك، في عائلات النبلاء، كانت العلاقة الوثيقة بين الإخوة نادرة. ولشخصٍ ملكيّ مثل فرانز، قد يكون مفهوم “الأخوة القريبة” غريبًا تمامًا.
فهو كان غارقًا في منافسة صامتة مع أخيه غير الشقيق ، الأمير الأول كريتون ، على العرش.
لذا قرّرت إليزيا أن تشرح له كما تشرح لطفل:
“العلاقة الأخويّة الطبيعيّة تعني أن نكبر سويًّا—نتناول الطعام سويًّا، نلعب، ندرس معًا. مثل الرفاق في اللعب، أو مثل جلالتك والأمير الأول”
“أفهم.”
أخيرًا، سحب فرانز يده التي كانت تحجب كاليب ، و تحوّل تعبيره إلى ابتسامة خافتة. تلك الابتسامة—التي كانت يومًا أمنية تتمنّاها من أعماق قلبها—صارت سهلة اليوم.
“ليز؟ هل أنتِ بخير؟” ، سألها كاليب ، و هو يُميل رأسه نحوها بعد أن ظلّ صامتًا.
و حين أشار بيده ، طالبًا منها عناقًا آخر بصمت ، ابتسمت له إليزيا ابتسامة مشرقة.
“نعم، كاليب. كن بخير، حسنًا؟”
“لماذا تتحدثين و كأننا لن نلتقي مجددًا؟ سنلتقي … أليس كذلك؟”
‘لا. لن نلتقي’ ، فرانز لن يسمح بذلك أبدًا.
ابتلعت إليزيا تلك الكلمات، وربّتت برفق على ظهر كاليب.
راقبهم فرانز بصمت. وتعبير وجهه المتجمّد فضح عدم رضاه.
لكن إليزيا لم تُعره اهتمامًا.
لقد تحمّلت احتقارًا أسوأ من هذا بكثير.
“هل نذهب، يا صاحب السمو؟”
تجاهلت عمدًا باتريشيا، التي كانت تقف ورأسها مرفوع في انتظار وداع رسميّ. و حين احمرّ وجهها من الغيظ، لم تُبدِ إليزيا أيّ اهتمام.
راقبها فرانز للحظة، ثمّ أشار نحو العربة المنتظرة.
لحقت إليزيا بنظره—فتجمّد وجهها.
العربة الذهبية المخصّصة للأميرة الثانية.
سارت نحوها ببطء.
كان الأمر أشبه بالدخول في فم الوحش.
وبمجرّد أن تدخلها، سيبدأ الجحيم مجدّدًا.
عامان من الوحدة ، الإهمال ، و القسوة.
‘لكن هذه المرّة، لن أكون أنا من يُعاني.’
كلّ خطوة كانت عهدًا.
و كانت عيناها الزمرّدية تتوهّجان بعزمٍ صامت.
***
كانت العربة الإمبراطوريّة أفخم بكثير من أيّ شيء امتلكته عائلة أمبروز. بل كان بالإمكان شرب الشاي بارتياح داخلها.
“هل تشعرين بعدم الارتياح؟ الرحلة ستستغرق حوالي ثلاث ساعات. بإمكاننا استخدام بوّابة سحريّة ، لكن لها آثارًا جانبيّة”
“آثار جانبيّة؟ ظننتُ أنها مجرّد دوار خفيف”
نظرت إليه إليزيا باستغراب.
لطالما فضّل فرانز استخدام السحر.
فكلّما استخدمه أكثر، قلّ عذابه من ضغط المانا.
رغم أنّ البوّابات تستهلك مقدارًا ضئيلًا من المانا، إلّا أنّه كان يستخدمها باستمرار لتخفيف الضغط.
“نعم” ، أجاب فرانز ببرود، ثمّ صمت.
من الواضح أنّه لم يكن مهتمًا بإكمال الحديث.
ولم تحاول إليزيا الضغط عليه.
فإليزيا القديمة كانت ستحاول يائسةً مواصلة الحديث.
أمّا الآن، فلم تعد تهتمّ إلّا بنفسها.
‘وماذا الآن؟’
نظرت إليه من طرف عينها.
كان تمامًا كما تذكّرته.
جميل إلى حدّ يصعب وصفه بالرجوليّ—عينان حادّتان تضفيان عليه مهابة، كتفان عريضان ينحدران إلى خصرٍ نحيل، وساقان طويلتان مستقيمتان.
لا يزال مذهلًا. لا يزال مشرقًا. لكن … فيه شيءٌ مختلف.
‘ليس كلّ شيء يجب أن يتكرّر بنفس الطريقة، على ما يبدو.’
هل يُعقل أنّ فرانز عاد بالزمن أيضًا؟
احتمالٌ ضئيل جدًّا. لكنّها بحاجة لتأكيده.
لو عاد فرانز بذكرياته الكاملة، لكانت خنقته في مكانه.
لكن إن لم يكن …
‘في الحالتين، لا يهمّ. سأنتقم.’
ابتسمت إليزيا بسخرية، تخطّط خطواتها بهدوء.
“آه، لقد نسيت أن أحيّيك كما يجب” ، قالت ، مستقيمةً في جلستها، واضعةً يدها على صدرها.
“سُررت بلقائك، يا صاحب السمو. لِتَحلّ مجدُ الشّمس عليك.”
التفت إليها فرانز. تابعت حديثها بسلاسة.
“أنا إليزيا أمبروز ، و سأصبح قريبًا إليزيا أوستاس—عروسك.”
“…هل هذا كلّ ما ستقولينه؟”، سألها وهو يمدّ يده بصوتٍ جاف، وعيناه الذهبيّتان تخالطهما لمحة يأس.
نظرت إلى يده، ثمّ رفعت رأسها ببطء.
تلاقت أعينهما—الذهبيّة الصافية والخضراء العميقة.
وارتجف بصر فرانز ما إن دخل في نظرتها.
لكن إليزيا تظاهرت بالجهل، وابتسمت له بلُطف.
“هل هناك ما يجب قوله أكثر من هذا لمن ألتقي به لأوّل مرة؟ أم … هل التقينا سابقًا؟”
“لا.”
أدار فرانز وجهه بسرعة، وكأنّ ابتسامتها لا تُحتمل.
“لا، لم نلتقِ.”
تلك الرعشة الطفيفة … كانت مألوفة للغاية.
رفعت إليزيا حاجبها.
إذًا، لم يعُد بالزمن.
لو عاد، لكانت تلك الابتسامة وحدها كافية لتسترجع في ذهنه مشهد موتها—لأنّها ابتسمت له في لحظاتها الأخيرة.
لكان قد تذكّر اللعنة التي نطقتها بعد اعترافها.
ولو كان هذا ما حدث، لما جلس بهدوءٍ في هذه العربة.
لكان قد طالبها بإزالة اللعنة.
لكنّه لم يفعل. وكما توقّعت—هذا الـ فرانز لا يعرف المستقبل.
‘أتمنّى أن تكون اللعنة لا تزال فاعلة. للأسف ، لا يمكنني تكرارها.’
إلقاء نفس اللعنة على نفس الشخص مرّتين سيرتدّ على الساحر. حتى لو كانت اللعنة السابقة قد زالت ، فليس من الآمن المحاولة مجددًا.
ثمّ، تكلّم فرانز فجأة:
“قلتِ … إنّكِ و السيد كاليب إخوة طبيعيّون.”
“…عذرًا؟”، رمشت إليزيا بدهشة.
كان ينظر إليها مباشرة الآن.
‘ما الذي يقصده؟’
“السيد كاليب أمبروز. قلتِ إنّكما إخوة طبيعيّون.”
كان الأمر و كأنّه قرأ أفكارها. فأومأت برأسها.
“نعم، قلتُ ذلك. لماذا تسأل؟”
“أُريد أن نكون زوجين طبيعيّين.”
جعلها العرض المفاجئ تعقد حاجبيها.
ما الذي يقوله؟ و هل هو مدرك لما يعنيه؟
أن يقول أحد أفراد العائلة المالكة إنّه يريد علاقة “طبيعية” مع عروسه؟
“نتناول الطعام سويًّا، نتمشّى، ننام في الغرفة نفسها. هذا النوع من الطبيعي”
ابتسم فرانز ، و إلتوت شفتيه في منحنى مثالي.
تحدّقت إليه إليزيا مذهولة ، غير قادرة على قول كلمة.
لأنّ النسخة من فرانز التي أحبّتها أكثر من أيّ شيء … كانت تنظر إليها أخيرًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"