رغم أنّهم داخل قاعة المأدبة الدافئة، شعرت كأنّها واقفة وسط عاصفة ثلجية.
لكن حتى بعد أن نادت اسمه، بقي وجه فرانز جامدًا، كأنّه سجين داخل سجنٍ من الجليد.
“فرانز!”
نادته مجدّدًا، بنبرة أكثر حدّة.
عندها فقط، ارتجف جسده قليلًا، وأخيرًا، عاد التركيز إلى عينيه.
‘جيد.’
تنفّست إليزيا بارتياح في سرّها حين عاد فرانز إلى وعيه.
تحييد المانا لم يكن شيئًا يُنجز بالإرادة فقط. كان لا بدّ أن تتّصل عقول المُحايد و المُحايَد.
التفتت إليزيا نحو فرانز تمامًا وأمسكت بكلتا يديه المرتجفتين.
انكمش حاجباها قليلًا وهي تنظر إلى يديه.
‘أن أضطرّ لفعل هذا مرّة أخرى …’
كانت تفعل ذلك لأنّها تلقّت أمرًا من الإمبراطورة، لكن القلق كان ينهشها من الداخل.
حتى عندما تكون المانا مستقرة، كان التحييد مؤلمًا. و في هذه الحالة، وهو على شفير الانفجار، سيكون الألم أضعافًا مضاعفة.
لكن لا يمكنها استخدام الخوف من الألم كعذر لتتراجع— ليس أمام العائلة الإمبراطورية.
كان عليها أن تُثبت لهم جدارتها.
فقط حينها، لن تُقصى كما حصل في حياتها السابقة.
بلعت ريقها بصعوبة وأغمضت عينيها. ركّزت كلّ حواسها كأن لا أحد سواهما في العالم.
مع الوقت، بدأت دفء ماناها المتدفّقة في جسدها تتحرّك.
جمعت إليزيا قوّتها ووجّهت المانا نحو نقطة اتّصالها بفرانز.
عبر الأيادي المتشابكة، بدأت مانا اللهب الدافئة بالتدفّق إليه.
شيئًا فشيئًا، بدأت ماناه المتجمّدة تذوب، والهواء الذي كان قارصًا في القاعة عاد إلى طبيعته تدريجيًا.
‘إنّه مؤلم.’
عندما بدأ التحييد فعليًا، اخترقها ألم حادّ كالإبر في قلبها.
لكن إليزيا أبقت تعابير وجهها ثابتة.
لقد اعتادت على ألم التحييد. واعتادت على تحمّل الألم عمومًا.
بدأت خيوط ضوء ذهبية تتشكّل حول أيديهما المتشابكة. توهّجٌ غامض، ممزوج بلونها الأحمر، أحاط بهما معًا.
حتى الخدم الواقفين بالقرب كتموا أنفاسهم وهم يشاهدون المشهد.
الإمبراطورة، بنظرة جافة، راقبت إليزيا وهي تحيّد المانا—تحكم إن كانت مناسبة لابنها الثاني أم لا.
“هاهف…”
“لقد تمّ الأمر.”
حين بدأت عينا إليزيا بالاهتزاز، أعطت الإمبراطورة أمرها بهدوء. وعندها فقط، أفلتت إليزيا يدي فرانز.
“ذلك يكفي.”
“نعم، جلالتكِ.”
أجابت إليزيا بأنفاس ثقيلة وهي تفرك يديها المتيبّستين. شعرت كأنّ كلّ خلية في جسدها قد تجمّدت، وعقلها ملبّد بالغشاوة.
“أنا آسف.”
قال فرانز بنبرة نادمة بعدما استعاد رباطة جأشه. لكن إليزيا لم تنظر إليه، مركّزة على فرك يديها.
وأثناء فرك أصابعها، تجمّدت فجأة.
شحب وجهها.
“إليزيا، هل أنتِ بخير؟”
مدّ فرانز يده نحوها، لكن إليزيا نهضت بسرعة. وصوت احتكاك الكرسي بالأرض الرخامية دوّى في القاعة.
حتى غلينّا المتبلّدة الملامح أظهرت تعبيرًا من الدهشة.
“ما الأمر، يا زوجة الأمير الثانية؟”
“جلالتكِ … ماذا … سيحدث لي الآن؟”
تجاهلت إليزيا سؤال غلينّا ووجّهت استفسارًا عاجلًا للإمبراطورة. جسدها ما زال يرتجف كأنّ البرد لم يغادرها.
رفعت الإمبراطورة يدها إلى ذقنها بلطف وتفحّصت إليزيا.
كان وجهها شاحبًا، تمسك برسغها الأيمن بيدها الأخرى.
منظرها القَلِق جعل الإمبراطورة تعقّد حاجبيها قليلًا.
“يبدو أنّكِ بحاجة للبقاء في قصر الأمير الثاني لبعض الوقت.”
“عذرًا؟ لكن …”
كانت إليزيا على وشك الاعتراض، لكن فكّها ارتجف، فصمتت.
وحين شدّت قبضتها على رسغها، تكلّمت الإمبراطورة بتعبيرٍ متحيّر: “أن تتأثّري هكذا من تحييدٍ واحد … هذا أمرٌ ستفعلينه طيلة حياتكِ. أليس ذلك كثيرًا؟ في الوقت الحالي، ابقي إلى جانب الأمير الثاني و استقرّا المانا معًا”
“أنا… أنا بخير، جلالتكِ. يمكنني تحمّله. لقد رأيتِ بنفسك.”
“بسبب ما رأيته للتوّ، اتّخذتُ هذا القرار. أنا قلقة عليكِ، يا زوجة الأمير الثانية”
“لكن … أنا …”
“جلالتكِ، إن قالت زوجة الأمير الثانية إنّها بخير، أليس ذلك كافيًا؟ التحييد يحدث مرّةً في الشهر فقط. لا ضرورة لبقائها في قصر الأمير الثاني.”
تمتمت غلينّا باستياء، غير راضية عن مسار الحديث.
لكن الإمبراطورة تجاهلتها و تابعت: “هذا من أجل مصلحتها. فهي الآن فردٌ من العائلة المالكة، تحت رعايتي. سيكون قاسيًا أن نتركها في قصرٍ منفصل ولا نستدعيها إلا وقت الحاجة—خصوصًا عندما يكون التحييد بهذا الألم. وإن كان قصر الأمير الثاني صغيرًا، يمكنني توسيعه”
“لا.”
هزّت إليزيا رأسها على عجل. حتى لو توسّع القصر، لن يُغيّر ذلك حقيقة أنّها ستبقى مع فرانز.
على كلّ حال، كانت تخطّط لمغادرة القصر بعد عامين.
لا حاجة لإثارة مزيدٍ من المشاكل.
“سأتّبع أوامر جلالتكِ.”
“خيارٌ حكيم. لننهِ المأدبة هنا.”
ابتسمت الإمبراطورة بلطف ونهضت.
فنهضت معها غلينّا وكرايتون.
رمقتها غلينّا بنظرة حادّة قبل أن تغادر. لكن إليزيا لم تكن في وضع يسمح لها بالاهتمام.
فكلّ تركيزها كان منصبًّا على رسغها الأيمن.
وبعد أن انسحب جميع الخدم، كشفت إليزيا معصمها برفق.
ونظرت إليه بعينين قاتمتين.
جرحٌ حادّ، كأنّه من نصل، تشكّل على معصمها الرقيق.
وارتجفت حدقتاها وهي تحدّق في الجرح الأحمر.
‘لماذا يحدث هذا بهذه السرعة؟’
عادة، لا تظهر هذه الأعراض قبل ستّ جلسات تحييد على الأقل. فلماذا الآن؟
شيءٌ ما يسير بشكلٍ خاطئ.
“أنا آسف ، إليزيا. ما زلتِ مريضة ، ومع ذلك أجبرتكِ …”
“لا تلمسني.”
عندما اقترب منها، أزاحت يده بعنفٍ غريزي.
تمسّكت برسغها ونهضت من مكانها. الكرسي سقط بأزيزٍ عالٍ.
تجمّد فرانز في مكانه وهو يحدّق في الكرسي المقلوب، ثم عاد لينظر إلى إليزيا.
“هذا كلّه … خطئي.”
تعثرت كلماته وهو يحاول شرح نفسه.
“عندما قلتِ إنّكِ تريدين الرحيل، فقدت السيطرة على مشاعري. أنا … لم أحتمل فكرة فقدانكِ.”
“إذًا ، كيف تشعر الآن؟”
“ماذا …؟”
ضحكت إليزيا ببرود على وجهه المصدوم.
“لابد أنّ الأمر مريح لك. في النهاية ، حصلت على كلّ ما تريده—أنا باقية في قصر الأمير الثاني، وأحيّد ماناك. لقد حصلتَ على ما تريده تمامًا.”
“لم أفعل ذلك عن قصد.”
مدّ فرانز يده مجددًا، لكن إليزيا ابتعدت عنها بيأس.
“هل تعتقد أنّ قولك ‘لم أفعلها عن قصد’ سيصلح الأمور؟ هل سيقلّل من الألم؟”
تشقّق صوتها و هي تصرخ.
“ربّما لم تفكّر حتى كم هو مؤلم التحييد. أو كيف شعرتُ وأنا أُختبر أمام الإمبراطورة والأمير الأوّل وزوجته. لا—ربّما فكّرت، لكنّك لم تهتمّ. لأنّ تحييد ماناك هو عملي. ولهذا تزوّجتني—لتستخدمني عندما تحتاج إليّ. أليس كذلك؟”
“…ليز.”
“لا تنادِني بهذا الاسم.”
صرّت إليزيا على أسنانها و هي تمسك برسغها كأنّها ستكسره ، ونظرت إلى فرانز بغضب.
“ليز؟ متى كنت لطيفًا معي بهذا الشكل أصلًا؟ لقد تسبّبت بكلّ هذه الفوضى فقط لأنّكَ خفت أنني لن أُحيّد ماناك”
“هذا ليس صحيحًا. ليس كذلك.”
“إذًا ، ما السبب؟”
تلوّت شفتيها، وغامت رؤيتها.
“إن لم يكن ذلك، فما السبب الآخر لاحتياجك لي؟”
دموعٌ تجمّعت في عيني إليزيا. و وجه فرانز بدأ يتشوّش.
وحين انهمرت دموعها الساخنة على وجنتيها، اقترب منها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 36"