لم يُلقِ فرانز حتّى نظرة على الملعقة التي سقطت منه.
بقيت عيناه مُثبتتين على إليزيا، تخترقان وجهها كالسّهام.
واصلت إليزيا الحديث متظاهرةً أنّها لم تلاحظ.
“بحسب التّقاليد الصّحيحة، كان ينبغي أن أقيم في القصر المنفصل طوال الشّهر الماضي. ورغم أنّني أقمتُ في قصر سموّ الأمير الثّاني بفضل لُطفه، إلّا أنّني لم أتمكّن من تعلّم آداب البلاط كما ينبغي بسبب ذلك.”
“لكن، صاحبة السّمو، القصر المنفصل هو مجرّد مقرّ مؤقّت. إنّه قديم وغير مُناسب لمكانتكِ. ألن يكون من الأفضل أن تبقي في قصر الأمير الثّاني؟”
قالت الإمبراطورة، التي كانت تُحاول تهدئة إليزيا بلُطف، ثمّ التفتت إلى فرانز. لاحظت ملامحه الشّاحبة والمتجمّدة قبل أن تتحدّث بحذر.
“كما أنّ ذلك سيكون أكثر ملاءمة لتنقية المانا ما دمتم في المكان نفسه.”
“حتى لو بقيتُ في القصر المنفصل، لن أُهمل التّنقية. سأُقدّر فرصة التّكيّف مع الحياة في القصر الإمبراطوري.”
كانت إليزيا حازمة. لقد أرادت أن تُبعد نفسها عن فرانز.
لأنّها تخشى أن تذوب من طيبته.
لأنّ إليزيا تعرف المستقبل.
نيريس روشاناك ستظهر بعد عامٍ من الآن في حفلة كرايتون.
و سيتخلّى عنها فرانز ليرقص مع نيريس.
من بداية الحفلة إلى نهايتها، وكأنّه يُعلن أنّه سيحتكر نيريس بالكامل.
بعد ذلك، ستُصبح نيريس عشيقته، وستُقيم في قصر الأمير الثّاني.
كلّ شيء كان مُحدّدًا سلفًا، مثل تتابع الفصول.
وللأسوأ، نيريس كانت حبّه الأوّل. لا مجال لإنكار هذا المستقبل.
قد تنتهي مشاعر فرانز في وقتٍ أقرب ممّا تتوقّعه.
أسبوعٌ واحد … كان أكثر من كافٍ، كما فكّرت إليزيا بمرارة.
لم تكن تُريد أن تُطرَد إلى القصر المنفصل بعد ظهور نيريس.
فإذا انتقلت إليه منذ البداية، يمكنها على الأقلّ أن تتفادى تلك الإهانة.
“إذا كان القصر المنفصل لا يُناسبني، فأنا راضية بأيّ مقرّ آخر. سأقبل بأيّ مكانٍ تُخصّصه جلالتكِ.”
خفضت إليزيا نظرها وتكلّمت بأدب.
كانت تشعر بالبرد ينبعث من جانبها.
كان من الواضح أنّ فرانز غير راضٍ.
لكن لم تكن إليزيا تنوي تغيير رأيها. لم تكن تفكّر في مشاعره.
ما يهمّ هو تقليل الألم المستقبلي.
في البداية، بعد عودتها بالزّمن، كانت تخطّط للاختفاء بهدوء ما إن يجتمع فرانز ونيريس مجدّدًا.
لكن بعد أن اختبرت دفء فرانز، أدركت أنّ الأمر لن يكون بهذه السّهولة.
في كلّ مرّة يبتسم لها، أو يُمسّد شعرها، أو يُقبّلها بلُطف … كانت تشعر بانقباضٍ في قلبها.
كان من المحزن بشدّة أن تعرف أنّ هذه العاطفة لها تاريخ انتهاء.
لن تتمكّن من كره فرانز كُرهًا كاملًا أبدًا. كانت ضعيفة أمام الحبّ.
ولو لم تكن كذلك، لما ماتت بتلك البشاعة في حياتها السّابقة.
لذا — ومن أجل نفسها — عليها أن تبدأ بالابتعاد الآن.
لكي تتألّم أقلّ لاحقًا، كان الانتقال إلى القصر المنفصل أمرًا ضروريًّا.
رغم أنّ القصر المنفصل متّصلٌ بقصر الأمير الثّاني، إلّا أنّه لا يزال معزولًا.
إذا انتقلت إليه، فندرًا ما سترى فرانز. إلّا إذا استدعاها بنفسه أو بحث عنها عمدًا، فلن ترى حتّى ظلّه.
في حياتها السّابقة، سحقها ذلك الشّعور بالوحدة.
كانت تتجوّل في الحدائق، وتتمشّى في اللّيل بلا هدف.
وفي النّهاية، كانت تتسكّع قرب غرفته.
لأنّها كانت تفتقده كثيرًا — كانت تتوق إلى نظرةٍ واحدة منه.
وما نالته بالمقابل كان نظرات احتقار و توبيخ.
في حياتها السّابقة، كان فرانز شخصًا لا يمكن الوصول إليه إلّا بعد مشقّة. لذا في هذه الحياة أيضًا، إذا انتقلت إلى القصر المنفصل، فسوف يبتعدان عن بعضهما طبيعيًّا.
“لكنّكما عروسان جديدان، أليست فترة قصيرة جدًّا لتفترقا؟”
“أنا لا أطلب إقامة مقرّ جديد، صاحبة الجلالة. أطلب فقط أن أبقى في قصرٍ غير مأهول.”
أجابت إليزيا بهدوء، وعبّرت عن كلماتها التي أعدّتها سلفًا.
“فكرة منطقيّة” ، تحدثت غلينّا بابتسامة، ثمّ نظرت إلى كرايتون.
“من الجيّد أنّ صاحبة السّموّ عقلانيّة وواقعيّة تجاه نفسها. أليس كذلك، كرايتون؟”
“إن قلتِ ذلك … ما رأي جلالتكِ؟”
“حسنًا … كنتُ أفضّل أن تبقى في قصر الأمير الثّاني. لكن يجب أن يُقرَّر هذا من المعنيّ بالأمر. ما رأيكَ ، يا فرانز؟”
تحوّلت أنظار الجميع إلى فرانز، الذي كان لا يزال يُطأطئ رأسه في صمت.
نظرت إليه إليزيا بعينين هادئتين.
“سموّه سيوافق بالتّأكيد. لن تكون هناك مشكلة في تنقية المانا.”
أضافت، مُستهدفةً نقطة ضعفه مباشرةً.
رغم حدّة كلماتها، لم يُجب. وكأنّه تجمّد تمامًا في مكانه.
“… أنا …”
وحين بدأ الصّمت الحرج يطول، تكلّم فرانز أخيرًا، بصوتٍ ثقيل. قبض قبضته بشدّة على الطّاولة.
ما الأمر؟ عقدت إليزيا حاجبيها، تُراقبه عن كثب.
هناك شيءٌ خاطئ. كان البرد المنبعث منه قويًّا بما يكفي ليمنحها قشعريرة.
من المفترض أنّ ماناه قد استقرّت. فلماذا …
كانت المانا الهادئة في السّابق قد بدأت تضطرب — ولم تكن إليزيا وحدها هي من لاحظ ذلك.
اهتزّت الطّاولة، وبدأ الخدم يرتجفون.
تحوّل جوّ قاعة الوليمة الدّافئ فجأةً إلى شتاء قارس.
“فرانز؟ ما بك؟ هل أنتَ بخير؟”
نادته الإمبراطورة بقلق. لكنّه لم يتحرّك، جالسًا بانتصابٍ تام.
“جلالتُكِ… أنا…”
تألّم من بين أسنانه المطبقة. حدّقت به إليزيا بصدمة.
تزعزعُ ماناه إلى هذا الحدّ؟ كيف يكون هذا ممكنًا؟
في حياتها السّابقة، هدأت ماناه فورًا بعد إتمام الزّواج.
اختفى الاضطراب مباشرة.
وهذه المرّة، قضيا أسبوعًا كاملًا معًا — يجب أن تكون ماناه أكثر استقرارًا.
فلماذا …
مضطربة، نظرت إليه إليزيا.
وشيئًا فشيئًا، التفت إليها وكأنّ الأمر كلّفه جهدًا هائلًا.
“لا.”
“…؟”
“لا، ليز.”
أمسك يدها ببرودة شديدة.
عبر الطّاولة، تبادل كرايتون وغلينّا نظرات مصدومة.
“سمعت أنّهما أتما الزّواج. فكيف تكون مانا الأمير الثّاني بهذه الحالة؟ هل هذا ممكن؟”
“لستُ واثقة. عادةً، لا يحدث هذا.”
“إذًا، ربّما …”
تحوّل نظر غلينّا المُرتاب إلى إليزيا.
“ربّما ارتبطت ماناه بالشّخص الخطأ؟ لعلّ الآنسة أمبروز غير مُتوافقة مع ماناه؟”
“اصمتي.”
أومضت عينا فرانز الذّهبيّتان بغضب. نظر إلى غلينّا بأسنانه المشدودة.
“ليست آنسة أمبروز. إنّها زوجة الأمير الثّاني. توقّفي عن الكلام.”
“فرانز! كيف تجرؤ!”
احمرّ وجه كرايتون غضبًا من لهجة فرانز القاسية. و صرخ في وجه الإمبراطورة غاضبًا.
“أمّي! ألن تتدخّلي؟ ألم تسمعي ما قاله لغلينّا؟”
“سمعي بخير. التزم الصّمت”
رفعت الإمبراطورة يدها، وأوقفته بسلطة باردة.
ثمّ، بعد أن ألقت نظرة حادّة على الجميع، التفتت إلى إليزيا.
“صاحبة السّموّ. هل أتممتِ زواجكِ بفرانز؟ هل ارتبطت روحاكما؟”
“نعم، يا جلالة الإمبراطورة.”
“إذًا، قومي بتنقية ماناه. الآن. أمامي”
تجمّد وجه إليزيا الدّافئ في لحظة صدمة.
“…عفوًا؟”
“الآن. يجب أن أرى بعينيّ.”
كانت نبرة الإمبراطورة صارمة. ارتجفت عينا إليزيا.
نظرت إلى فرانز.
كان يبادلها النّظر بألم. بدا وكأنّه يريد قول شيء، لكن شفتيه كانتا متجمّدتين.
نظرت إلى يديه.
كان الجليد قد تكوّن على مفرش الطّاولة تحت قبضته.
كانت المانا تستهلكه. وإذا استمرّ الأمر، قد يتجمّد قلبه نفسه.
وهذا ما كانت تريده إليزيا — لكن ليس بهذه الطّريقة.
“صاحبة السّموّ، هذا أمرٌ من الإمبراطورة. قومي بتنقية ماناه فورًا.”
لا يمكنها تركه هكذا.
لماذا هنا؟ ولماذا الآن …؟
أخذت إليزيا نفسًا عميقًا.
هذه كانت المرّة الثّانية التي ترى فيها فرانز في هذا الألم.
في المرّة الأولى، كانت مشوّشة فقط. لكن الآن … كانت مشاعرها أكثر اضطرابًا.
لم تكن واثقة إن كان ما تشعر به هو ندم، أو حزن، أو شفقة — أم شيء آخر تمامًا.
“صاحبة السّموّ. الآن!”
ومع ارتفاع صوت الإمبراطورة مجدّدًا، لم تتردّد إليزيا أكثر.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 35"