“باب غرفة نوم الأمير الثّاني لم يُفتح اليوم أيضًا ، أليس كذلك؟”
“يا إلهي ، ما زال مغلقًا؟ ألم يمرّ أسبوعٌ بالفعل؟”
“لا بدّ أنّ التّوافق بينهما مذهل. حتّى الأمير الأوّل لم يمكث كلّ هذه المدّة في ليلة زفافه”
همست الخادمات المارّات في ممرّ قصر الأمير الثّاني لبعضهنّ البعض. و كان همسهنّ يتردّد كزقزقة العصافير تحت ضوء الشّمس الصّباحي.
“لابدّ أنّها حياة رائعة. تمنّيت لو وُلدتُ بمانا ناريّة”
“و كأنّ ذلك وحده يكفي. التّوافق مهمّ أيضًا! التّوافق!”
“هذا صحيح. لكن هذين الاثنين … بينهما تناغمٌ نادر. أوه، الجوّ أصبح حارًّا فجأة!”
“أوه، أنتِ—!”
وانفجرت ضحكات الفتيات.
كان شابٌّ بشعرٍ بنّي يمشي خلفهنّ ، و قد عبس وجهه بعمق.
سأل الخادمة التي تسير إلى جانبه بنبرةٍ باردة: “هل هؤلاء هم الخادمات الجديدات؟”
“نعم، أيّها المشرف. تمّ توظيفهنّ على عجل لخدمة زوجة الأمير الثّاني.”
“كان تدريبهنّ من مسؤوليّتكِ ، إيزولدي. لا تقولي لي إنّكِ لم تجدي وقتًا لتدريبهنّ؟”
رمق لوشيوس الخادمة بنظرةٍ حادّة ، فاضطربت و أجابت بسرعة: “أعتذر، سأصرفهنّ جميعًا.”
“وماذا بعد؟”
“سأتأكّد من إغلاق أفواههنّ بإحكام، كي لا يتسرّب شيءٌ للخارج. لا داعي للقلق.”
وأخيرًا، حوّل لوشيوس نظره إلى الأمام عند سماعه ردّها الحازم. نظر إلى الخادمات أمامه.
وللإنصاف، لم يكن يستطيع إلقاء اللّوم عليهنّ تمامًا.
فمعظم ما قلنَه كان صحيحًا.
اليوم يُكمل أسبوعًا منذ أمضى الأمير الثّاني ليلة زفافه مع عروسه. و كأنّهما يتفاخران بشهر عسلهما ، لم يخرجا من غرفة النّوم مطلقًا.
ولهذا، اضطرّ لوشيوس إلى ترك وجباتهما أمام الباب في كلّ وقت طعام.
لحسن الحظ ، كانت الصّواني تعود فارغة ، ممّا يدلّ على أنّهما على الأقل يأكلان. لكن لم يدخل أحدٌ أو يخرج من الغرفة.
“آمل أن يخرجا اليوم.”
غمغم لوشيوس وهو يفرك صدغيه.
فحفل التّرحيب الملكي بعضو العائلة الإمبراطوريّة الجديد مُقرّر اليوم، بعد أسبوع من الزّفاف.
إنّه التجمّع العائليّ الأوّل ، و الذي عادةً ما يستضيفه الإمبراطور. لكن بما أنّه طريح الفراش ، ستتولّى الإمبراطورة الاستضافة بدلًا عنه.
وبالتالي، سيكون اللّقاء الأوّل بين الإمبراطورة ، والأمير الأوّل و زوجته ، و الأمير الثّاني و زوجته.
كان قصر الإمبراطورة في حالة استنفار منذ أيّام استعدادًا له — الطّبخ، والزّينة، وتوزيع الموظّفين.
بدت الإمبراطورة تبذل جهدًا خاصًا في التّرحيب بزوجة الأمير الثّاني.
ولا يُعقل أن يتغيّب الأمير الثّاني و زوجته عن مثل هذا الحدث. تنهّد لوشيوس بهدوء.
‘لا بدّ أنّهما، حتّى وسط فرحة شهر العسل، لم يفقدا كلّ حسّ.’
ومع ذلك، لم يكن بإمكانه الطّرق على باب زوجين غارقين في شغف الزّفاف.
تابع لوشيوس سيره، على أمل أن يتذكّر فرانز ما هو اليوم.
***
أيقظ صوت الأطباق المتحرّكة إليزيا. و بينما كانت أهدابها الطّويلة ترفرف، انطلق صوتٌ هادئ بجوارها: “استيقظتِ؟”
استقبلها فرانز بابتسامة مشرقة وقبّل جبينها.
تشنّجت قليلًا عند لمسة بشرته الباردة.
رغم أنّه لمسها مرارًا، لم تعتد على ذلك بعد.
“كيف تشعرين؟ هل ما زلتِ تشعرين بالدّوار؟”
“أنا بخير.”
أجابت إليزيا بجفاء وحاولت الجلوس. فسارع فرانز إلى مساعدتها بطبيعيّة، وأسندها إلى مسند السّرير.
“لوشيوس حضّر لكِ ما تحبّين — التوست الفرنسي.”
راقب فرانز تعبير وجهها وهو يقطع التوست إلى قطع صغيرة.
كانت إليزيا تحدّق بصمت في صينيّة الطّعام أمامها.
اليوم يكمّل أسبوعًا كاملًا.
لم تغادر الغرفة مرّة واحدة. كانت تأكل الطّعام الذي يُجلب إليها، فقط لأنّ فرانز كان قلقًا على حالتها.
لكن ما أزعجها أكثر من وضعها الصّحي، هو وجود فرانز الدّائم.
“أستطيع إطعام نفسي.”
وكان الأكثر إرهاقًا هو رعايته المتواصلة التي لا تتوقّف.
أدارت وجهها عنه محاولةً تأكيد استقلالها.
فابتسم فرانز ابتسامة محرجة.
“ما زلتِ تبدين ضعيفة.”
تنفّست إليزيا بعمق من فرط حمايته المفرطة.
“قلتُ لك — أنا بخير الآن.”
وعندما شدّدت على كلامها، أومأ فرانز ببطء. لكنّه لم يتوقّف عن فحص ملامحها بعينيه.
‘يعاملني وكأنّي مريضة.’
تنفّست إليزيا من جديد وبدأت بتناول التوست.
بدأت تتبلّد من حدّة نظرته المركّزة عليها.
قبل أسبوع، انهارت إليزيا بسبب تأثير مانا فرانز.
وفي اللّحظة التي فقدت فيها وعيها، سحب فرانز ماناه على الفور وبدأ في العناية بها.
وبعد أن استيقظت، قال إنّه بحاجة لتثبيت رابط المانا — واستمرّ في احتضانها.
وتحت ذريعة تهدئة المانا، أمضى فرانز أسبوعًا كاملًا معها — ليلًا ونهارًا.
وكلّما زادت الأوقات التي قضتها في حضنه، تلاشى غثيانها، وتعزّز الرّابط بين ماناهما.
لكن كلّما استقرّ ذلك الرّابط ، زاد الألم داخل إليزيا.
وليس بسبب المانا.
بل نوعٌ آخر من الألم — لا علاقة له بالسّحر.
“اشربي بعض العصير أيضًا. هاكِ”
بدأت إليزيا تعتاد على فرانز — هذا الجانب اللّطيف و العطوف منه، الذي يختلف كثيرًا عن الرّجل الذي تتذكّره من حياتها السّابقة.
وهذا ما جعل الأمر أكثر إيلامًا.
وبينما كانت ترشف من عصير التّفاح، نظرت إليه.
كان منشغلًا بتقطيع المزيد من التوست لها.
سلوكه المُتفاني كان من الصّعب التوفيق بينه وبين فرانز الذي عرفته في حياتها السّابقة.
لقد بدا وكأنّه رجل تغيّر، مصمّم على أن يكون زوجًا صالحًا في هذه الحياة.
وفي أعماقها، بدأت إليزيا تتمنّى أن يكون ذلك صحيحًا.
لأنّها — رغم كراهيتها له — كانت قد أحبّته يومًا بما يكفي لتنشأ تلك الكراهية.
لكنّ الحياة لم تكن بهذا اللّطف.
وعندما استرجعت إليزيا أحداث الأسبوع الماضي، أظلم تعبيرها.
كان فرانز لطيفًا بلا نهاية — لكن دائمًا لهدف.
فهو لم يكن من النّوع الذي يفعل شيئًا بلا فائدةٍ تعود عليه.
كانت تعرفه جيّدًا. هذه الطّيبة لن تدوم طويلًا.
“علينا حضور الوليمة الملكيّة اليوم.”
“أعلم.”
أجابت إليزيا بهدوء وهي تمرّر أصابعها على قطرات الماء على كوبها.
كانت ترغب في تجاهل الواقع. أن تبقى هنا لفترة أطول فقط. لكن …
“إنّها إلزاميّة ، أليس كذلك؟”
بدا فرانز مضطربًا من كلماتها المتذمّرة.
أخذ الكوب من يديها بلطف وقال: “لن تستغرق سوى وقتٍ قصير.”
راقب وجهها وهو يُضيف: “إذا لم تتعافي تمامًا، يمكننا تأجيلها. لا شيء أهمّ من استقرار المانا.”
وعندما شدّد على كلمة “المانا” مجدّدًا، خفّ بريق عيني إليزيا. هزّت رأسها.
“لا داعي لأن تقلق بشأن ذلك. لقد تحقّقتَ منها ليلة البارحة.”
ففي اللّيلة الماضية أيضًا، احتضنها فرانز — بذريعة تثبيت رابط المانا.
أصبحت المانا هي السّبب الذي لا يسمح له بتركها.
وفي كلّ مرّة يعانقها، يهمس بأنّ رابطهما لأجل المانا فقط — لذا يجب ألّا تبتعد عنه.
وكأنّها لم تكن تعرف أصلًا.
“بدأتُ أشعر بالاختناق على أيّ حال. لا بأس.”
ابتسمت إليزيا ابتسامة متكلّفة ونظرت إلى فرانز.
فتح فمه وكأنّه سيقول شيئًا، ثمّ أغلقه مجدّدًا.
“إذاً، ليلة الزّفاف انتهت أخيرًا.”
قالت إليزيا ذلك وهي تراقب تردّده. بقيت نظراته الداكنة معلّقةً بها للحظة، ثمّ انحرفت بعيدًا.
***
“تعلمين، القصر بأكمله يضجّ بالحديث عن مدى انسجامكما”
توقّف شوكة إليزيا في منتصف الطّريق، فوق سلطة السلمون المدخّن.
كانت الآن في قاعة الولائم التابعة للإمبراطورة.
فبعد محادثتها المحرجة مع فرانز صباحًا، عادت إلى غرفة نومها الخاصّة.
ورغم أنّها لا تفصلها عن غرفة فرانز سوى جدارٍ رقيق، شعرت وكأنّ جدارًا سميكًا ارتفع بينهما.
بالطّبع، لم ترَ سارا الأمر هكذا.
أثناء مساعدتها في ارتداء ملابسها، لم تكفّ سارا عن التّذمّر من مدى حبّ الأمير الثّاني لها.
في البداية، لم تفهم إليزيا السّبب.
و ظنّت أنّه مجرّد كلام عن طول فترة شهر العسل.
لكن عندما أحضرت سارا فستانًا بالدّانتيل يصل إلى الرّقبة بالكامل، أدركت إليزيا حقيقة الضجّة.
‘إنّه يضع بصمته عليكِ حرفيًا. مع أنّ الأمر لا يحتاج، الجميع يعلم أنّكِ له.’
كان تعليق سارا الغاضب كفيلًا بجعل وجه إليزيا يحمرّ تمامًا — حتّى أنّها لم تكن بحاجة إلى المساحيق.
“لا بدّ وأنّ الأمير الثّاني يشعركِ بالأمان. هدية الإمبراطورة لكِ كانت عقد روشاناك ، ولديها حبّ الأمير. يا لها من نعمة!”
وبينما كانت تسترجع همهمات سارا، رفعت إليزيا عينيها، فالتقت بنظرات غلينا.
ابتسمت غلينا لها بعينين مقوّستين كالهلال.
التعليقات لهذا الفصل " 33"