كان الشَّعر الأحمر مبعثرًا على السرير.
أنفاس إليزيا المتقطّعة والخفيفة كانت تخرج من شفتيها.
تعلّقت إليزيا بكتفي فرانز، وهي تنتحب.
في كلّ مرّة كانت تكون فيها معه، كان جسدها يرتجف بالكامل.
كأنّها أُلقيت في نارٍ مستعرة.
لم تكن قادرة على التماسك في مواجهة هذه المشاعر ، و هي شيء لم تختبره من قبل.
بصعوبة ، رفعت إليزيا رأسها نحو فرانز.
كان يحدّق بها بنظرة شديدة العمق.
عانقها فرانز بشغف.
شعرت وكأنّ عالمه كلّه لا يحتوي إلا عليها.
وكأنّه كان يُحبّها.
لم يبدُ كفرانز الذي تعرفه.
ما معنى، ‘ليس كفرانز’؟
تساءلت إليزيا بذهنٍ شارد، يغرق تدريجيًّا.
بالنسبة لها، كان فرانز دائمًا رجلًا يمقتها—
رجلًا كان ينفر حتّى من لمسة عابرة لها ،
لا يستطيع تحمّل وجودها في نفس المساحة.
لم تكن تعرف هذا الرجل الآن.
الرجل الذي بدا و كأنّه يائس ليحصل على المزيد منها—
هذا لم يكن فرانز الذي عرفته.
والآن بعدما فكّرت بالأمر، تذكّرت أنّه لم يكن يتصرّف على طبيعته حتى في وقتٍ سابق.
تذكّرت لحظة قبّلها فيها.
حتى في تلك اللحظة ، كان هناك شيءٌ غير مألوف.
كان مهذّبًا، لكنّه لم يتمكّن من إخفاء تملّكه لها.
في ذلك الحين ، ظنّت أنّه مجرد نزوة.
لكنّها الآن لم تعد متأكّدة.
بدأت تكتشف جوانب جديدة منه لم تعرفها من قبل.
فرانز، الذي لم ينظر إليها بكراهية أو ازدراء، بل بشغفٍ متّقد.
فرانز، الذي عانق امرأة يحبّها.
ما إن أدركت ذلك، حتّى تلاها موجة من الحزن.
لم تكن ترغب في معرفة هذا.
لم تكن تريد أبدًا أن تعرف أنّ لدى فرانز هذا الجانب.
في حياتها السابقة، حتّى حين سمعت أنّ فرانز ينام مع نايريس كلّ ليلة ، لم تشعر بالغضب.
كانت العلاقات العاطفيّة أو الجسدية لا تعني لها إلا الرّعب.
وافترضت أنّ نايريس أيضًا كانت تتحمّل ليالي مروّعة مثلها.
لكن هذه الليلة …
هذه اللذّة العارمة …
هل سبق لفرانز أن شارك نايريس ليلة كهذه؟
اللذّة التي شعرت بها الآن ، رافقتها مرارة عميقة.
كانت الوحيدة التي بقيت جاهلة.
الوحيدة التي كانت ترتجف خوفًا في كلّ مرّة تواجه فيها فرانز.
كم مرّة ضحكت نايريس عليها خلف ظهرها؟
لقد كانت تملك الحقّ في ذلك.
والآن، رأت إليزيا نفسها غبيّة أيضًا.
“غبيّة جدًّا.”
تشوّشت رؤيتها، وتبعثرت نظرتها.
تحوّلت أنفاسها المرتعشة إلى شهقاتٍ مكتومة.
“ليز؟”
بينما كانت دموعها تسيل على وجنتيها المحمرّتين، اقترب فرانز منها.
قبّل دموعها ، و همس بلطف: “لا تبكي.”
“هَهه …”
قبْلته المليئة بالمودّة، لم تفعل سوى أن عمّقت حزنها.
بدأت إليزيا تبكي بلا سيطرة، طغت عليها مشاعرها.
كان من الأفضل لو لم تعرف.
لو لم تكتشف هذا الجانب من فرانز ،
لو لم تدرك كم قد تكون لحظاتهم معًا حلوة …
لما شعرت بهذا القدر من البؤس وهي تتذكّر نفسها القديمة.
“توقّف… أرجوك توقّف.”
“هل كان الأمر أكثر من اللازم؟”
حين حاولت إليزيا، والدموع في عينيها، أن تدفعه بعيدًا،
تراجع فرانز كما أرادت.
مسح الدفء من عينيه بخشونة، ومسح خدّها.
“أنا آسف. لا بدّ أنّني آذيتك بسبب غبائي”
كان فرانز يبدو مضطربًا.
رؤيتها له يلوم نفسه جعل قلبها يتألّم.
كانت تظنّ أنّها تعرف كلّ شيء عن فرانز.
لكنّها لم تكن تعرف هذا الجزء منه.
و كان ينبغي ألا تعرفه.
فرانز الطيّب ، الودود.
هذه الليلة المشتعلة معه.
كلّ هذا—ما كان يجب أن تعرفه.
“لا بأس.”
كتمت أليزيا شهقاتها.
لهثت و هي تهزّ رأسها.
شعرها الأحمر، المبعثر فوق الوسادة، التصق بخدّيها.
“تابع.”
همست، وكأنّها على وشك البكاء من جديد.
كان مؤلمًا، لكنّه وجب أن يُستكمَل.
فما دام قد بدأ، فعليه أن يُنهي.
“افعل ما تشاء—دمّرني تمامًا”
وكانت تعنيها حقًّا.
أرادت منه أن يتصرّف كما كان دائمًا.
أن يستسلم لرغبته فقط، ويعاملها كأداة ليس إلّا.
بهذا، حتّى لو تألّم جسدها ، فسيكون قلبها قادرًا على الاحتمال.
“لا يمكنني فعل ذلك. أنتِ تبكين.”
لكن فرانز لم يمتثل.
بل حتّى أطلق سراحها.
نظرت إليزيا إليه بدهشة ، و قد غمرها الذهول المفاجئ.
لو توقّفوا الآن، فلن تكتمل رابطة الأرواح.
كان يجب أن تمضي الليلة بأكملها ليُستوفى طقس الليلة الأولى.
ومع ذلك، بدا فرانز وكأنّه مستعد لتجاهل الطقس—
وكأنّ دموعها كانت أهمّ من رابطة الأرواح.
لماذا؟
اهتزّت عينا إليزيا.
كان فرانز ينظر إليها بتعبيرٍ لطيف.
“لا أريد أن يكون الأمر بهذه الطريقة.”
وضع فرانز يديه على وجهها.
قبّل عينيها المبلّلتين بالدموع، وهمس:
“لن أدمّرك. ليست هذه الرابطة التي أريدها.”
صوته العميق حرّك شيئًا داخل صدرها.
قطّب فرانز حاجبيه قليلًا، كأنّه يحاول كبح نفسه.
أخذ نفسًا عميقًا ليهدّئ صدره العريض ، و تابع ببطء: “أريدك أن ترغبي بي … كما أرغب بك.”
حدّقت إليزيا به مطوّلًا.
وكأنّها تستطيع قراءة قلبه إن تمعّنت كفاية.
تراقص ضوء الشموع في الظلمة، وألقى بظلالٍ متحرّكة على وجه فرانز.
وبينما تتحرّك الظلال، كان تعبيره يتغيّر معها.
أحيانًا بدا غاضبًا.
وأحيانًا حزينًا.
أو قلقًا.
لم تستطع إليزيا التمييز أيّ وجهٍ هو وجهه الحقيقيّ.
الشيء الوحيد الذي كانت متأكّدة منه هو أنّهما كانا بحاجة لإتمام الليلة الأولى.
لذا قالت ما كانت تريده: “…أريدك.”
ذاك الرجل اللطيف، الطيّب إلى حدّ لا يُحتمل—
أرادت إليزيا أن تنتقم منه.
من ذاك الذي مزّق قلبها بلطفه من جديد.
“أريدك، فرانز.”
وما إن انتهت كلماتها، حتّى جذبها فرانز إلى أحضانه.
رفعت إليزيا رأسها، تلهث.
“آه …”
اشتعل جسدها حرارة.
عانقها فرانز بقوّة، ممسكًا بخصرها.
بدأت رؤيتها تتشوّش.
أنفاس ساخنة خرجت من شفتيها، تلتها لهثات متقطّعة.
غرفة الزفاف، المشبعة برائحة الورود، بدأت تسخن بحرارة جسديهما.
“ليز ، ليز …”
ناداها فرانز بأنفاسٍ متقطّعة ، وكأنّه يشتاق إليها حتّى وهو يحتضنها.
بادَلته إليزيا ، ومدّت يدها إليه.
أحاطت بذراعيها كتفيه العريضين، وأغمضت عينيها بقوّة.
تلاصق الجزء العلوي من جسديهما.
لا فراغ بينهما—كأنّهما كيانٌ واحد.
بدأ جسد فرانز البارد يدفأ بملامسته لها، وتناغمت حرارتهما.
بدأ مانا النار داخل أليزيا يُغلف مانا الجليد الذي لطالما عذّب جسد فرانز.
“فرانز …”
وأخيرًا، بدأت رابطة المانا.
“كه…!”
تألّم فرانز وهو ينقل ماناه إلى إليزيا.
شدّ ذراعيه حولها، حتّى التصق جسداهما أكثر.
“آه…!”
ارتجفت إليزيا، وهي تشعر بانتشار مانا الجليد من قلبها.
كان شعورًا كأنّها تتجمّد من الداخل، ثمّ تُبتلَع بالنار مرّة أخرى.
ارتجف جسدها من شدّة الصدمة.
أكان هذا فرحًا؟ أم رعبًا؟
فرح الارتباط بفرانز؟
أم خوف من ألّا تتمكّن من الهرب منه أبدًا؟
أفكار متضاربة لم تمرّ بها في رابطتهما السابقة غزت عقلها الآن.
تشبّثت إليزيا بفرانز بقوّة.
عانقها فرانز بإحكام، وجهه مشوّه بالمشاعر.
حتّى بعد أن نقل ماناه إليها، لم يستطع تهدئة نفسه.
أطراف أصابعه التي كانت باردة، أصبحت الآن متشبّثة بها بهوس.
إليزيا، المتشبّثة به، همست برجاء خافت: “تـ-توقّف …”
دارت رؤيتها.
قلبها، المغمور الآن بالمانا التي أعطاها إيّاها، لم يعد يحتمل.
أكان هكذا في السابق …؟
تعلّقت إليزيا بطرف وعيها المتلاشي.
لا.
هذا الإحساس لم تختبره من قبل.
في الليلة الأولى من حياتهما السابقة ، انتهى الأمر بقبولها لماناه فقط.
“ليز ، أرجوكِ. فقط قليلاً بعد …”
بينما كانت تحاول دفعه، توسل فرانز بيأس.
دفن أنفه في شعرها، واستنشق بعمق، وكأنّه يحاول كبح الرغبة الناتجة عن اتحاد ماناهما.
“أرجوكِ، مرّة أخرى فقط.”
أغمضت أليزيا عينيها عند توسّله.
وبنفس اليدين اللتين حاولتا دفعه، عانقته الآن.
التعليقات لهذا الفصل " 31"