“إليزيا.”
صوتٌ خافت وحنون أحاط بـإليزيا.
نظرت إلى فرانز بعينين مليئتين بالخوف.
رسم ضوء القمر خطوطًا جميلةً على وجهه.
كانت نظرات فرانز مركّزة فقط على إليزيا.
وقلبها، المُتّجه نحوه، بدأ يخفق ببطء… ولكن بقوّة.
“أنت لم…”
تحرّكت شفتا إليزيا قليلاً. تمسّكت بمقبض الباب دون أن تُغلقه حتّى.
“أنت لم تشرب.”
عند تمتمتها الخافتة، تجعّد حاجبا فرانز المستقيمان قليلاً.
بدا وكأنّه يحاول فهم كلماتها.
كان سؤالًا تافهًا جدًّا.
ومع ذلك، بدا عليه وكأنّه يُفكّر في معنى عميق.
“فكّرتُ في الأمر.”
ارتجفت إليزيا.
فقد غطّت يد فرانز يدها على مقبض الباب بلطف.
يده القويّة احتوت يدها برفق.
أبعد يدها عن المقبض بطريقة طبيعيّة.
وبلا أن يُدرِكا، تقلّصت المسافة بينهما.
رفعت إليزيا رأسها وحدّقت بفرانز.
أنفاسها لامست خصلات شعره برقّة.
تأمّلت بخدرٍ شعره الذهبيّ المتمايل بلُطف.
هل سبق أن رأت فرانز عن قُرب هكذا؟
هل سبق أن واجها بعضهما البعض بهذه الحميميّة؟
لو حصل ذلك، لكانت عرفت أنّ عينَيه ليستا ذهبيّتين فحسب.
لكانت رأت الأسود والبنّي والذهب الساطع يتشابكون في قزحيّته.
لكانت عرفت أنّ رموشه سوداء قاتمة.
لكانت أدركت أنّ بشرته الشاحبة سببها انخفاض حرارة جسده …
‘باردٌ جدًّا.’
فجأة، نظرت إليزيا إلى يد فرانز التي كانت تمسك يدها.
وبينما كانت تتأمّل ظهر يده المتوشّح بالعروق، جاءها صوته العميق من فوقها.
“هل لي بالدخول؟”
سؤالٌ مهذّب.
رمشت إليزيا بدهشة. كان فرانز لا يزال واقفًا عند الباب.
ولم تُدرِك إلّا الآن أنّها تركته هناك طوال الوقت.
‘لماذا كنتُ سارحةً هكذا؟’
احمرّ وجهها بحرارة. فقط رؤيته عن قرب جعلها مذهولة.
أين ذهبت تلك الإليزيا التي أقسمت ألّا تتأثّر بجمال فرانز؟
ابتلعت ريقها بصمت، راجيةً أن لا ترتجف نبرتها، وفتحت فمها ببطء.
“هذه غرفتُك، سموّ الأمير. لا تحتاج إذني.”
“من اليوم، صارت أيضًا غرفة زوجتي.”
“غرفتي بجوارها فقط …”
“أرجوكِ، لا تقولي ذلك.”
حين أدارت إليزيا رأسها، اقترب فرانز أكثر، فأغلقت فمها.
دون تردّد، أغلق الباب ودخل الغرفة. وصدى إغلاق الباب دوّى في المكان.
بقيت إليزيا واقفةً، لا تزال تمسك بيده.
رفع فرانز يدها وقبّل ظاهرها.
ونظراته العميقة الآسرة غمرت عينيها.
“من الآن فصاعدًا ، أنتِ سيّدتي. كلّ ما أملكه ، هو لكِ”
أنفاسه لامست بشرتها برقّة.
أمطر يدها بقبلاتٍ ناعمة ، كما لو كانت أثمن ما يملكه في العالم.
ومع كلّ قبلة، كان قلبها يخفق بوتيرة أسرع.
‘ما الذي يفعله؟’
حدّقت فيه إليزيا بدهشة. لم تستطع فهم تصرّفاته.
لماذا يتصرّف كأنّه خادمها؟ وكأنّه لن يفعل شيئًا دون إذنها؟
كانت هذه الليلة الأولى مختلفة تمامًا عمّا تتذكّره-وأصابها ذلك بالحيرة.
أعطاها قبلة أخيرة على يدها و تحدّث بجدّيّة: “رجاءً … اسمحي لي”
“اسمحُ لكَ بماذا؟”
“أن أكون زوجكِ. أن أضمّكِ هذه الليلة”
“وهل هذا شيء يحتاج إلى إذني؟”
عند سؤالها، ترك فرانز يدها.
تراجعت إليزيا خطوةً للوراء بشكلٍ غريزيّ. تسلّل الخوف إلى قلبها من أن ينفجر فجأة.
أن يصرخ فيها ويُعنّفها كما في حياتها السابقة. أن يتغيّر بلحظة.
“لن أفعل شيئًا دون إذنك.”
لكن هل حقًّا سيفعل؟
كان فرانز الواقف أمامها الآن يبدو و كأنّه شخصٌ آخر تمامًا.
ركع أمامها بتواضع.
ارتبكت إليزيا من حركته، فتراجعت خطوة.
فاصطدمت ساقاها بحافّة السرير، وسقطت عليه بخفّة.
وحين ارتطمت، تطايرت بتلات الورد في الهواء.
راقبت إليزيا تلك البتلات تنهمر أمامها.
وقبل أن تلمس الأرض تحت ضوء القمر، كانت قد شهقت من المشهد أمامها.
فرانز يوستاس. ابن الشمس ، الأمير الثاني لإمبراطوريّة لوران ، كان راكعًا أمامها.
“سموّ الأمير!”
“رجاءً … امنحيني الإذن”
ركبته لامست السجّادة الناعمة.
وضع يديه على ركبتيها و توسّل.
“أريد أن أربط أرواحنا معًا، ليز”
ارتفعت يده برفق. مسح خدّها براحة يده الكبيرة.
وأزاح خصلةً من شعرها الأحمر خلف أذنها وهمس: “قولي لي إنّكِ تريدينني.”
أرجوكِ.
عضّت إليزيا شفتها بقوّة.
وكان ذلك هو النّهاية.
مقاومتها … انتهت عند تلك اللحظة.
***
حاولت إليزيا أن تُواسي نفسها.
هذا كان أمرًا لا مفرّ منه.
فقط بكونها الشريكة في طقس الربط الروحيّ، ستحصل على الحقّ في تحييد طاقة فرانز.
وحتى لتتخلّى عن طاقته لاحقًا، لا بدّ من الرّبط أولًا.
لم يكن هناك خيار.
“آه …”
لكن، لماذا كان قلبها يرتجف بهذا الألم العذب؟
وهي مستلقية في السرير، نظرت إليزيا إلى فرانز، الذي كان يعلوها بثقله. كان جسده العلويّ عاريًا، وكان يُحدّق بها باهتمام.
تتحرّك عضلاته المحدّدة برشاقة مع كلّ حركة فوقها.
تنهّدت إليزيا بأنين خافت، وجسدها يتحرّك بتناغمٍ مع إيقاعه. وكان فرانز يتشبّث بها بيأس.
“ليز …”
أنتِ لا تكفيني.
كانت الليلة قد بدأت للتوّ.
فما إن منحتْه الإذن، حتّى انقضّ عليها كوحش.
وكأنّه لم يطلب موافقتها قبل قليل بهدوء.
لم يستطع كبح جوعه، فمزّق ثيابها وافترس شفتيها.
ودفن أنفه في عنقها وكتفيها، يستنشق عبيرها بعمق.
كما لو أنّه لا يستطيع العيش دونها.
مُثبّتةً تحت جسده، بلعت إليزيا ريقها.
أنفاسه الساخنة على عنقها أفصحت بوضوح عن توتّره.
“انتظر …”
“لا.”
حين حاولت التحرّك بعدم ارتياح، جلس فرانز فجأة.
لم يستطع تحمّل إحباطه، ففكّ عنقه بعنف.
ثم، وهو يُقيّدها تحته، نزع ملابسه تحت ضوء القمر.
تكوّمت ثيابه الأنيقة على الأرض بتشوّه.
لهث و هو يتمتم لنفسه: “لا أستطيع التوقّف.”
مستحيل.
حدّقت إليزيا فيه بذهول، ووجهها يحترق وهي تُطالع جسده المنحوت.
لم تره عاريًا بالكامل من قبل. في الماضي، لم يكن يكشف سوى القليل من جسده.
كانت أفعاله دائمًا تقول إنّه يريد تقليل تواصله الجسديّ معها.
وكان ذلك يُحطّم قلبها في كلّ مرّة.
لكنّ هذه كانت المرّة الأولى التي يُظهر فيها فرانز رغبةً لا يستطيع إخفاءها.
“أنا لكِ ، ليز”
فخُذيني.
بزئيرٍ خافت ، انقضّ فرانز عليها من جديد.
فتحت إليزيا فمها بلا قوّة، تتلقّى أنفاسه الساخنة.
قبل لحظات، كان جسده باردًا-والآن صار يحترق.
“آه …”
قبّلها فرانز وأمسك يديها بكلتيه.
ضغطهما على السرير، محاصرًا إيّاها بين ذراعيه.
“فرانز …”
لهثت، تنطق باسمه. كان سلوكه غريبًا عنها.
لم تعرف إليزيا ليلةً كهذه من قبل.
كانت الليلة الأولى فظيعة.
مجرّد اتّصال جسديّ بفرانز كان يعني الإذلال.
لم تعرف يومًا هذا اللهيب المشتعل داخلها.
“ليز …”
ولم تعرف فرانز يشتاق إليها بهذه الدرجة من الجنون.
حين انزلقت يده تحت تنّورتها ، ارتجفت إليزيا.
وجسدها تراخى واحترّ بلا سيطرة.
لقد بدأت ذكريات تلك الليلة البشعة تتلوّن بعاطفة ساحقة.
التعليقات لهذا الفصل " 30"