استدار فرانز، الذي كان يحدّق في إليزيا، عند سماعه الصوت بجانبه. وكان ليندن، الذي التقت عيناه بعينيه، قد رفع حاجبًا واحدًا.
وكان فرانز على وشك أن يُعرض ببصره.
“هل هناك من يهدّد سموّ الأميرة الثانية؟”
إلى أن سمع ملاحظة ليندن المضافة.
ابتلع فرانز ريقه بصمت. ثمّ استدار ببطء نحو ليندن.
كان الرجل في منتصف العمر، ذو الشَّعر الأسود والعينين الحمراوين، يراقب فرانز عن كثب، وكأنّه يختبره.
“وإن وُجد؟”
“فهذا أمرٌ مؤسف، وأيضًا بالغ الخطورة.”
قال ليندن بنبرة متهاونة وهو يرفع كتفيه.
وعندما رأى ردّة فعله، ارتسمت على وجه فرانز ابتسامة خفيفة ساخرًة وهو يُبعد بصره عن إليزيا ، قائلاً: “لا تبدو غاضبًا كثيرًا.”
“أنا صادق في مشاعري، يا صاحب السموّ.”
وضع ليندن يده على صدره وابتسم.
ولم يرفع فرانز نظرته المرتابة عنه حتى اعتدل في وقفته.
“إن كنتَ تحاول السخرية منّي، فتوقّف. لستُ في مزاج يسمح بذلك.”
“كيف لي أن أجرؤ على السخرية من سموّك؟”
“حتى نبرتك تبدو مبتهجة تقريبًا.”
“في الحقيقة، الأمر ممتع قليلًا.”
“ماذا؟”
حدّق فرانز به بنظرة حادّة عند ردّه المستهتر.
ومع تصاعد غضب رجلٍ مُباركٍ بالشمس ، تراجع ليندن خطوة لا إراديًّا.
رمقه فرانز بنظرة تنذر بعدم التسامح ، كأنّه لن يصفح عنه ما لم يسحب كلماته.
“هل حقيقة أن الأميرة الثانية مهدّدة أمرٌ يدعو للضحك بالنسبة لعائلة شويلر؟”
كانت البرودة في صوته كحدّ السيف.
وضع ليندن يده على حلقه بتوتّر.
‘اللعنة. لقد تماديت.’
لقد قرأ مشاعر الأمير الثاني بوضوح شديد، فتجاوز الحدود.
وكان بوسع فرانز أن يُقصي رئيس عائلة شويلر من مجلس النبلاء جرّاء تلك الزلّة.
صحيح أنّ الأمير الثاني كان يكره استخدام سلطته بهذه الطريقة، لكن ذلك لا يعني أنّه لا يملكها.
تنهد ليندن بانزعاج وانحنى معتذرًا.
“يبدو أنّ سموّك قد أساء فهمي. لم أقصد ذلك إطلاقًا.”
ولم يُجب فرانز.
فسارع ليندن بإضافة المزيد قبل أن يتلقّى توبيخًا شديدًا.
“فقط … لقد فاجأني أن أراك مهتمًا حقًا بشخص ما.”
“…هل كان واضحًا إلى هذه الدرجة؟”
تمتم فرانز، فتوسّعت عينا ليندن بدهشة.
أن يتصرّف بهذا الشكل ثم يُفاجَأ بانكشاف أمره؟ بل هذا ما كان صادمًا أكثر.
“أعتقد أنّه أمرٌ مبشّر” ، قال ليندن بحذر.
“فسموّك لم يكن يملك شيئًا يعتزّ به من قبل، أليس كذلك؟”
“الأميرة الثانية ليست ملكًا لي”
“لكن لا شكّ في أنّك تريد امتلاك القوّة لحمايتها”
ساد الصمت على فرانز أمام كلمات ليندن الحادّة.
تنهد بعمق وأبعد نظره عن شعر إليزيا الأحمر.
“ليس كلّ ما تريده يمكنك امتلاكه”
ضيّق ليندن عينيه.
ما الذي يريده الأمير الثاني بهذا القدر من الشغف؟
هل هي الأميرة الثانية؟ أم القوّة لحمايتها؟
كاد يسأل ، لكنه امتنع.
لأنّه إن تحدّث عن رغبة الأمير بامتلاك الأميرة ، فربّما يكون الردّ سيفًا على رقبته.
كان فرانز يراقبه بصمت.
و على الرغم من مظهره الصارم البارد ، كان ليندن أحد القلائل الذين يمكن للأمير الثاني التفاهم معهم.
لم يكونا مقرّبَين دائمًا. بل كانت عائلات مثل كورني أو روشاناك أقرب إلى الأمير الثاني من شويلر.
لكن كلّ شيء تغيّر قبل ثلاث سنوات ، عندما قرّر ليندن الزواج بامرأة تصغره بكثير.
***
‘لماذا سيتزوّج اللورد ليندن من الآنسة بيليسا؟ بسبب صغر سنّها؟ أم لأن وريثة شويلر بحاجة إلى أم؟’
كان هذا ما قاله فرانز صراحةً لليندن أثناء إحدى حفلات القصر.
حينها كانت الشائعات تجعل من قصّة حبّ ليندن و بيليسا فضيحة.
‘لا هذا ولا ذاك’ ، أجابه ليندن بهدوء.
‘لكن إن كان سموّك يرى الأمر كذلك، فهذا يعني أنّ حبّي أصبح فخًّا لبيليسا.’
كان جوابه صادقًا، فقلب الصورة تمامًا.
تحوّلت قصّة الفضيحة إلى أسطورة حبّ.
بعدها، انتقد الناس قسوة الأمير الثاني—كيف يُحرج ليندن بهذا الشكل العلني؟
لكن ليندن لم يرَ الأمر كذلك.
لقد علم أنّ الأمير كان يحاول مساعدته.
ففرانز دائمًا ما يُقدّم المساعدة بهذه الطريقة—بأن يضحّي بنفسه ليرفع الآخرين.
ليست طريقةً استراتيجية ، لكنها طبيعته.
‘لا يهمّ سُمعتي. فشرف العائلة المالكة لا يزول’
هذا ما قاله فرانز حين قدّم له ليندن نصيحة بعد موقف مشابه.
حينها ، أدرك ليندن شيئًا.
فرانز رجلٌ بلا طمع.
ربّما كانت تلك رفاهية من وُلد وفي يده كلّ شيء ، أو ربما يأس من أدرك باكرًا عبثيّة الحياة.
وبالنظر إلى حاله ، فذلك منطقيّ.
فهو الأمير “الثاني”.
حتى لو كانت الإمبراطورة عادلة ، فالإرث محسوم.
ابنها البيولوجي ، الأمير الأوّل كرايتون ، سيخلف العرش.
فماذا عن الأمير الثاني فرانز؟
سيبقى في الظلّ. و إن تجرّأ أن يطمح ، فسيُتّهم بالخيانة.
أن تعيش و كأنّك غير موجود.
ذلك هو مصير أمير لن يصبح إمبراطورًا.
و قد تقبّل فرانز مصيره.
لم يفكّر يومًا في الصراع على العرش.
بل بدا وكأنّه رجل لا يعرف معنى “الرغبة”.
لكن الآن … أصبح لدى الأمير الثاني رغبة.
ومهما كانت، فهي أمرٌ بالغ الأهميّة.
لأنّها نقلة من فلسفة حياة التزم بها طيلة عمره.
***
“إذًا، يبدو أنّك أصبحتَ تملك الطمع.”
قال شويلر بابتسامة خفيّة. و عندما نظر إليه الأمير الثاني بتعجّب، عدّل سترته وأكمل بنبرة عابرة: “أيًّا كان، فالرغبة في شيء أمرٌ جيّد. وخصوصًا القوّة—لا ضرر في امتلاك المزيد.”
“وهل تعلم أي نوع من القوّة أريد؟”
“لمَ؟ هل هي العرش؟”
“ليندن.”
اشتعلت عينا فرانز عند كلمات ليندن المستفزّة.
كانت الشمس في نظراته تومض كالنار.
لكن ليندن قابلها بهدوء ، و قال بصوت خافت: “حتّى لو رغبتَ بالعرش … فلا بأس، أليس كذلك؟ يمكن لسموّك أن يمتلك ما يشاء.”
“يجب أن تتعلّم كبح لسانك. مصير عائلتك يتوقّف عليه.”
“كنتُ فقط أقول إنّ لا شيء يعجز سموّك عن نيله.”
“لننهِ هذا الحديث هنا. مهما كان ما يدور في ذهنك ، فهو ليس كذلك.”
“وما الذي تعتقد أنّني أفكّر فيه؟”
حدّق فيه فرانز بنظرة باردة.
وبعد أن طالع عينيه الحمراوين للحظة، استدار فجأة.
“لا يهمّني.”
“كنت أظنّ أنّ الحديث بدأ يصبح شيّقًا. رغم أنّك أصغر منّي ، إلا أنّك لا تملك شرارة واحدة.”
في مثل سنّك، يجب أن تفيض نارًا.
نقر ليندن لسانه بإحباط.
وتنهد فرانز كأنّه اعتاد على استفزازاته.
هزّ ليندن كتفيه وتظاهر بالحزن: “لا تكن باردًا لهذه الدرجة. أنا مدين لك ، أليس كذلك؟ فلولاك، لما تزوّجتُ من بيليسا بسلام.”
“لم أقصد أبدًا أن أجعلك مدينًا لي، فلا داعي لردّ الجميل.”
دائمًا هكذا.
تنهد ليندن بعمق.
في كلّ مرّة يحاول فيها إظهار ولائه للأمير، يبني فرانز جدارًا. حتّى عندما يمدّ يده، لا يُقابله الأمير بأي بادرة.
كلّما تحدّث عن العرش، تلقّى محاضرة عن أهمية العائلة بدلًا من ذلك.
أنّه لا يحتاج شيئًا.
أنّه لا يرغب في شيء.
ولمّا عجز عن كبح انزعاجه ، قال: “إن استمررتَ في صدّي هكذا، فهذا محبط قليلًا. لقد انتظرتُ فرصة لردّ الجميل، لكن إن كنت تقول إنّك لا تريد شيئًا، فكيف لا أشعر بالاختناق؟”
“إذًا ستظلّ تشعر بالاختناق.”
ردّ فرانز ببرود، ثم فتح فمه قليلًا. بدا عليه الذهول.
وحين تجمّدت ملامحه، تبع ليندن نظراته.
كانت الأميرة الثانية، التي كانت تتحدّث مع بيليسا، قد اختفت. لا بدّ أنّها غادرت دون أن يلحظا.
وبدأ فرانز يبحث عنها في القاعة بقلق، لكنّها لم تكن في أيّ مكان.
رأى ليندن قبضة الأمير المشدودة وقال وهو يهزّ رأسه: “سأقوم بزيارة للأميرة الثانية قريبًا.”
“لماذا؟”
توقّف فرانز، الذي كان على وشك عبور القاعة، عند سماع ذلك. و وقعت نظراته الحادّة على ليندن.
أجاب الأخير بابتسامة عفويّة: “ولِمَ لا؟ لقد دعتني أنا وزوجتي. أظنّ أنّها ستقدّم لي نصيحة طيّبة إن شاركتها قلقي. فهي حكيمة جدًّا، كما تعلم.”
“هل تودّ الذهاب إلى هذا الحدّ لمجرّد معرفة ما أريده؟ اسمعني جيّدًا، ليندن. لا رغبة لي في العرش …”
“أوه، ليس هذا ما أريد معرفته”
تحدّث ليندن مبتسمًا و هو يرى تقطيب جبين فرانز.
أن يفقد الأمير الثاني رباطة جأشه … كان أمرًا مثيرًا للفضول.
الرجل الذي بدا دائمًا كدمية بلا حياة … أصبح بشريًّا أخيرًا.
“الأميرة …”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 28"