“هاهاها، هذا صحيح فعلًا، يا سمو الأميرة الثانية.”
ضحك ليندن ضحكة عالية، فعاد الحاضرون الذين كانوا يراقبون الأجواء بين الأربعة إلى أحاديثهم الجانبيّة.
ومع تتابع موسيقى الرّقص التالية، بدأت قاعة الحفل تستعيد طاقتها المفعمة بالحيويّة.
أمسك ليندن بصينيّة فضيّة عليها كؤوس شمبانيا، وأشار بإصبعه إلى أحد الخدم المارّين.
وعندما اقترب الخادم، تناول كأسًا وناوله إلى إليزيا.
“هل لي بشرف تقديم نخب التهنئة لسموكِ؟”
“إن كان من زوج الليدي بيليسا ، فأقبل”
نظرت إليزيا إلى بيليسا بلُطف، فأومأت لها بيليسا بوجهٍ مشرق.
نظر ليندن إليها ثمّ تحدّث: “بصفتي زوج ييليسا، ودوق عائلة شويلر”
ثمّ نقر كأسه بكأس أليزيا برفق.
“تهانينا على تعيينكِ أميرةً ثانية.”
“شكرًا لك، دوق ليندن.”
ابتسمت إليزيا بخفّة وارتشفت من كأس الشمبانيا.
ارتشفت قليلًا من السائل الذهبيّ المتلألئ بالفقاعات، وابتسمت بهدوء.
‘ليندن شويلر لم يُظهر موقفًا واضحًا بعد.’
في إمبراطوريّة لوران ، تمثّل الشمس الإمبراطور.
ولذلك يستخدم النبلاء تحيّات تتعلّق بالشمس عند لقاء أفراد العائلة الإمبراطوريّة.
لكن حاليًا، لا شمس حقيقيّة في لوران. فالإمبراطور طريح الفراش، والإمبراطورة تتولّى الوصاية مؤقّتًا، ولكنها وصاية مؤقّتة فقط.
النبلاء ينتظرون بشغف تعيين وليّ العهد رسميًا قريبًا.
عندما ذكر ليندن “صيفًا بلا حرّ” ، فقد كان يقصد صيفًا بلا شمس ، أي إمبراطوريّة بلا إمبراطور.
وتساؤله عن حرارة الصيف القادم يعني أنّه يتساءل إن كان سيتمّ تعيين الإمبراطور القادم بحلول ذلك الوقت.
لا يمكن لفرانز أن يجهل هذا المعنى الخفيّ.
لكن بما أنّه لا يملك قاعدة سياسيّة حاليًا ، لم يُظهر موقفًا واضحًا، بل تحدّث بتحفّظ وكأنّ الموضوع لا يتعدّى الطقس.
شعرت إليزيا بالأمر نفسه.
فالآن، كونها أميرة ثانية، قد تُعتبر كلّ تصرّفاتها انعكاسًا لإرادة الأمير الثاني.
إليزيا كانت تنوي تقوية نفوذ عائلة شويلر لتكون قاعدة دعم لفرانز ضدّ بيوت روشاناك و كورني.
لكن من غير المناسب أن تخلق الأميرة الثانية قوىً تعادي الأمير الثاني.
لذا من الأفضل ألّا تُظهر موقفها الآن.
كلّ ما عليها هو كسب دعم ليندن ، و التأكّد من أنّه مدين لها بجميل.
ويمكن إظهار النيّات الحقيقيّة لاحقًا.
ويبدو أنّ دوق شويلر أدرك أنّ إليزيا فهمت المغزى الخفيّ وراء حديث “الشمس”.
نظر إليها بإعجاب و قال: “مبارك لكِ يا سموّ الأميرة. لقد استقبلت العائلة الإمبراطورية أميرةً جميلةً وذكيّة بحق”
“هذا لطفٌ مبالغ فيه. أنا لا أزال غريبة عن المجتمع في كاليبس، ولديّ الكثير من النّقائص. لولا بيليسا، لما أعددتُ هذا الحفل بشكلٍ لائق.”
“لم أقدّم مساعدة تُذكر!”
لوّحت بيليسا بيدها ردًّا على كلمات إليزيا المتواضعة.
فأمسكت إليزيا يدها بلُطف و قالت: “لقد أرسلتِ الورود من دفيئة عائلة شويلر.”
نظرت إليزيا من حولها. كانت الورود الحمراء الزاهية تزيّن كلّ أرجاء قاعة الحفل.
“كلّ ذلك بفضل بيليسا.”
“أنتِ تجعلينني أُحرَج كثيرًا.”
احمرّ وجه بيليسا بخجل. وعندما حاولت إليزيا مواصلة المديح، انكمشت كتفاها.
يبدو أنّها لم تكن معتادة على تلقّي الثناء، وإن كانت تجيده مع الآخرين.
“بالمناسبة، لقد وعدتِ بدعوة عائلة شويلر إلى القصر لاحقًا، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
ردّت إليزيا موافقة، ثمّ نظرت إلى ليندن.
“كنت أتمنّى لو حضرت الآنسة شويلر اليوم. في المرّة القادمة، سيكون من الجميل أن تأتوا أنتم الثلاثة إلى قصر الأمير الثاني. هل يمكن ذلك؟”
“في أيّ وقتٍ تستدعينني فيه، سأحضر على الفور.”
قال ليندن بأدب مع ابتسامة. لم يعُد يبدو متجهّمًا كما كان قبل قليل. تبادل نظرات مع بيليسا وابتسمت بدورها بفرح.
استدارت إليزيا عن الزوجين شويلر ونظرت إلى فرانز.
كان وجهه خاليًا من التعبير.
كالعادة، من الصّعب قراءة ما يفكّر فيه.
بدت ملامحه وكأنّه منزعج، لكنّها كانت توحي أيضًا برضًى خفيّ.
وإن كان منزعجًا، فربّما لأنّ الحديث مع ليندن قُطع.
أمّا إن كان سعيدًا …
‘فهذا ليس من شأني تخمينه.’
سحبت إليزيا نظرتها بهدوء. و بينما كانت ترشف ما تبقّى من الشمبانيا، رمشت بيليسا بعينيها نحوها.
“يا إلهي، يبدو أنّي سبّبتُ الملل لسموكِ. بما أنّكِ حيّيتِ ليندن، فلنتحدّث الآن عن شؤوننا نحن.”
بدّلت بيليسا الموضوع بسلاسة، ونظرت إلى فرانز وليندن.
وعندما أومأ الرجلان، جذبت إليزيا معها.
“حسنًا.”
تبعتها إليزيا على مضض.
كانت تنوي الانسحاب قريبًا على أيّ حال.
بيليسا كانت مفيدة بشتّى الطرق.
“ما الذي تقصدينه بـ’شؤوننا نحن’؟”
سألت إليزيا بفضول أثناء ابتعادهما عن ليندن و فرانز.
تلمّعت عينا بيليسا.
نظرت حولها واقتربت من أذن إليزيا و همست: “لديّ ما أُخبركِ به عن ليلة الزّفاف.”
فتحت إليزيا فمها قليلًا عند سماع الهمسة.
ليلة الزفاف.
الموضوع الذي كانت تتجنّبه بشدّة.
قطّبت حاجبيها بانزعاج.
بيليسا كانت مفيدة، لكنّها لم تكن ترغب بطلب مساعدتها حتّى في أمورٍ كهذه.
صديقتها الجديدة ربّما كانت مفرطة الحماسة والاجتماعيّة.
***
“أنتَ تتظاهر — لم أرك تمدح أحدًا بهذا الشكل من قبل.”
قال فرانز بصوتٍ خافت بعدما افترقت إليزيا مع بيليسا.
كان يحدّق في امرأة فاتنة بثوبٍ بلون المشمش.
لاحظ ليندن نظرات الأمير الثاني وهو يحتسي الشمبانيا، فابتسم ساخرًا.
ابتلع ما تبقّى من كأسه وتحدّث ببرود:
“ولِمَ تظنّ أنّها مجاملة؟”
“مدح المرأة بأنّها جميلة وذكيّة عادةً ما يكون عبارةً مجاملة.”
“أنت تُقلّل من صدقيّتي.”
قطّب ليندن جبينه بشكلٍ مبالغ فيه.
ناول الصينيّة لأحد الخدم المارّين، وهزّ رأسه.
“ألا تفهم المغزى الحقيقيّ من مدحي؟”
“ماذا تقصد؟”
راقب فرانز ليندن بحذر. جعلت نظرته الباردة ليندن يعبس.
أن يتّسم بالتحفّظ من مجرّد بعض المديح — ظنّه مبالغة في الحماية، حتّى وإن كان حديث عهدٍ بالزواج.
نظر ليندن إلى الأمير الثاني بتعجّب.
حين كانت مسألة الزواج قيد النقاش ، أبدى فرانز تردّدًا.
لكن فجأة، بدا وكأنّه مصمّم على الاعتزاز بالأميرة الثانية.
تساءل عمّا إذا كان قد حدث تغيير في قلبه أثناء ابتعاده عن كاليبس.
وبالنظر إلى الأميرة الثانية، لم تبدُ وكأنّها تسعى للإغواء أو التلاعب به.
فهي لا تبدو من ذلك النّوع من النّساء، بل بدا أنّها تضمر عداءً واضحًا للأمير الثاني، إذ ما إن تلتقي نظراتهما حتّى تُشيح ببصرها.
‘ولهذا يبدو قلقًا إلى هذا الحدّ.’
استنتج ليندن ذلك.
وفي تلك الحال، فالأمر ليس صعب الفهم.
الأميرة الثانية كانت أجمل امرأة في هذا الحفل.
جمالها كان نادرًا ونبيلًا.
ولو أنّها ظهرت رسميًّا في المجتمع الراقي في كاليبس ، لكان كثيرٌ من النبلاء قد وقعوا في حبّها.
لكن لم يكن مظهرها هو وحده اللافت.
مشيتها، طريقة تلقيها للتحايا، كيفيّة حملها لكأس الشمبانيا وارتشافها — كلّها مثاليّة.
تبدو رقيقة ونقيّة، لكنّ نظراتها كانت ثابتة.
كانت تدرك تمامًا معنى كلّ كلمة تنطق بها.
ألم تكتشف فورًا أنّ حديثه مع فرانز لم يكن مجرّد كلامٍ عن الطقس؟ لم تكن صاحبة ذكاء عاديّ.
وفوق ذلك، سلوكها — كانت تلتقي عيون الآخرين دون تردّد، دون أن تكون متعجرفة أو متكبّرة. كانت تتحلّى بالوقار.
بدا و كأنّها وُلدت لتكون أميرة — أو بالأحرى، إمبراطورة.
كان من الطبيعيّ أن يكون الأمير الثاني مهووسًا بها.
‘فلماذا تنظر إلى سموّه بذلك النوع من النظرات؟’
فرك ليندن ذقنه بتأمّل. رغم أنّ الأميرة الثانية أظهرت الودّ له ولـبيليسا، إلا أنّها بدت وكأنّها تمقت الأمير الثاني.
‘حتى وإن كان الزواج سياسيًا، فإن كراهيّتها له تبدو عميقة.’
عائلة أمبروز نادرًا ما غادرت إقليم أمبروز ، لذا من المرجّح أن لقاءها الأوّل بفرانز كان بعد أن تمّ اختيارها ونُقلت إلى القصر.
وفي تلك الحالة، لا بدّ أنّها بدأت تكره الأمير بعد قدومها.
لكن، هل هذا ممكن؟
نظر ليندن بطرف عينه إلى فرانز.
بزّته العسكريّة كانت متقنة، وكان وسيمًا كلوحة فنيّة اليوم.
ورغم أنّه متزوّج حديثًا، إلا أنّ جميع النساء في الحفل كنّ يُلقين عليه نظرات الإعجاب.
كنّ يتمنّين نظرةً واحدة منه.
وقد انبهر ليندن نفسه بجماله حين رآه أوّل مرّة.
من الصعب أن تضمر كراهيّة لرجلٍ مثله.
‘لا بدّ أنّ هناك شيئًا ما يحدث.’
ضيّق ليندن عينيه وهو يراقب فرانز، الذي لم يُبعد ناظريه عن الأميرة الثانية.
كان أمرًا مثيرًا للاهتمام.
التعليقات لهذا الفصل " 27"