حرّكت إليزيا ذراعها لتتخلّص من قبضة فرانز، لكنّه لم يتحرّك.
بل الأسوأ، أنّه صعد فوقها وثبّت يديها الاثنتين.
“لن أدعكِ ترحلين أبدًا.”
تدلّت خصلات شعرها الأحمر على الوسادة، وجسدها كان محاصرًا تحت جسد فرانز.
كانت تلهث من الغضب، تحاول التحرّر منه.
“دعني! قلتُ لك دعني!”
لكنّ قوّتها لم تكن قد عادت بالكامل بعد فقدانها الوعي ليومٍ كامل، وكان الهرب من رجلٍ يتدرّب على فنون القتال يوميًّا شبه مستحيل.
“هل عليّ أن أحضر امرأةً أخرى إذًا؟”
نظر إليها فرانز بنظرةٍ مشتعلة.
ودون أن يُفلت معصميها، همس بصوتٍ خفيض مبحوح: “هل كنتِ تفكّرين بهذه الطّريقة دائمًا؟ تخطّطين دومًا للهرب منّي؟”
“دعني!”
“هل كانت رابطة الأرواح بيننا شيئًا مريعًا لهذه الدّرجة؟ هل كرهتِني لهذه الحدّ؟”
صوته المملوء بالعذاب ضغط على قلبها. توقّفت إليزيا عن المقاومة، ورفعت عينيها تحدّق فيه، تلتقط أنفاسها.
كان وجهه الوسيم مشوّهًا بالألم، وعيناه تغمران بالحزن، وكأنّهما على وشك الانهمار.
“لم نتزوّج بعد. ومع ذلك تطلبين منّي أن آخذ عشيقة. إليزيا … هذا قاسٍ”
“قاسٍ؟”
ضحكت إليزيا بسخرية.
كم هو سخيف.
من ينعت من بالقسوة الآن؟ هو الذي استدعى خادمةً ملكيّة لمجرّد المظاهر ثمّ حاول إخفاء الأمر؟ هو الذي يحاول تملّكها رغم إرادتها؟
من هو القاسي الحقيقي …؟
“سموّ الأمير الثّاني.”
“فرانز.”
نظرت إليه بنظرة باردة حين صحّح لها اللقب.
حتّى الآن، ما زال يتشبّث بتفاهاتٍ كهذه—كان أمرًا يدعو للسّخرية. شعرت بتمرّدٍ داخليّ يتصاعد.
كتمت رغبتها في البصق على وجهه المتعجرف، وفتحت فمها لتتكلّم: “سموّ الأمير، لم تكن نيّتي سوى تقديم النّصيحة لما فيه مصلحتك. وإن أغضبتُك بها، فأرجو منك السّماح.”
رغم أنّ كلماتها كانت مهذّبة، إلا أنّ صوتها كان لاذعًا.
وحين أنهت اعتذارها السّاخر، خفّت قبضة فرانز على معصميها ببطء.
أفلتها أخيرًا، ونظر إليها بنظرة خاوية.
وأضافت إليزيا ، لتزيد من طعنته: “من الآن فصاعدًا، لن أفعل ما يُسيء إلى سُمعة سموّكم. ولن أتدخّل مجدّدًا في أمر اتخاذ عشيقة.”
“…هاه.”
ضحك فرانز ضحكة خاوية. نزل عن السّرير وجلس على طرفه، يدير لها ظهره، رأسه مُنحنٍ.
حدّقت إليزيا في ظهره بنظرة باردة.
كم مرّة رأت هذا الظّهر من قبل؟
لكنّها لم تره هكذا من قبل—لم يكن يومًا بهذا الانكسار.
“افْعلي ما تشائين.”
مكث في مكانه طويلًا قبل أن يتمتم بهذه الكلمات، ثمّ نهض ببطء.
راقبت خطواته الثقيلة وهو يسير نحو الباب الجانبي.
كان يبدو … غريبًا.
بائسًا.
شعور لم تتخيّل يومًا أن تشعر به نحوه، بدأ يضغط على صدرها.
‘لماذا أشعر … بالشفقة تجاهه؟’
ارتبكت إليزيا من مشاعرها.
إن كان هناك من يستحقّ الشّفقة بينهما، فهي إليزيا بلا شكّ.
عاشت في عزلة تحت بروده، فقدت طفلها دون مواساة، وفي النّهاية قُتلت بيديه.
ولم تبدأ انتقامها بعد حتّى. ومع ذلك، كان قلبها ثقيلًا.
لماذا؟
هل كان عطشها للانتقام ضحلًا لهذه الدّرجة؟
هل قلبها ضعيف إلى حدّ أن تهزّه بضع كلمات منه؟
‘لا يمكن. لا يجوز. لن أسمح بذلك.’
تماسكت وحدّقت بفرانز. كان قد وصل إلى الباب.
“هذا الشيء الوحيد الذي لن أفعله كما تريدين”
لن تكون هناك امرأة أخرى.
وحين أدار مقبض الباب، تمتم لنفسه.
بقيت إليزيا تُحدّق في ظهره حتى اختفى خلف الباب.
وظلّ ضوء الشّمس يتدفّق من النّافذة.
***
“يقولون إنّه يتشاجر مع الليدي أمبروز لمجرّد تبادل النّظرات؟ أخي المسكين. أليس من المفترض أن يكونا متحابّين مع اقتراب الزّفاف؟”
ضحك كرايتون ضحكةً ساخرة، قائلًا شيئًا لا يقصده.
لم يكن يستطيع كتم ضحكته كلّما وصله خبر من جناح الأمير الثاني.
رفعت غلينا حاجبًا تجاه كلامه.
“أحقًّا أنت قلق عليه؟”
“بالطّبع، يا عزيزتي. إن لم أقلق على شقيقي الصّغير، فمن سيفعل؟”
ابتسم كرايتون ابتسامة ساحرة وهو جالس خلف مكتبه.
تبادلت غلينا معه نظرةً ذات مغزى، وابتسمت برقّة.
“بالفعل. أنا قلقة عليه أيضًا.”
تبادلا النظرات كمتآمرين يتبادلون المجاملات.
واصل كرايتون التّذمّر من الزّفاف الملكي القادم في الأسبوع المقبل، بينما التقط ظرفًا بين يديه.
كان الظرف بلا ختم.
فتحه بلا مبالاة وبدأ يقرأ ما بداخله.
شيئًا فشيئًا، تحوّل البرود في عينيه إلى لهبٍ مشتعل.
راقبته غلينا من الأريكة، وأمالت رأسها حين رأت وجهه يشرق بتوقّعٍ غامض.
“ما الأمر؟ إن كانت أخبارًا سارّة، عليك مشاركتي بها، يا كرايتون.”
“بالطّبع. لكن … ما زال الوقت مبكّرًا قليلًا.”
أجابها بصوتٍ عسليّ ، و أعاد الورقة إلى أعمق درج في مكتبه، وهمس: “حين تبدأ الأمور حقًّا، سأُخبركِ.”
“أتطلّع إلى ذلك.”
أهدته غلينا ابتسامةً مشرقة.
زفاف الأمير الثاني بات وشيكًا.
قريبًا، ستُصبح الليدي أمبروز رسميًّا أميرة ثانية.
وحينها، ستكون تحت مرتبة غلينا الملكيّة.
فبعد أن كانت تتباهى بقوّتها تحت حماية الإمبراطورة ، ستكون غلينا قادرة على سحقها بسُلطتها الملكيّة.
كانت غلينا عازمة تمامًا على دعس الليدي أمبروز المتغطرسة تحت قدميها.
“لا أستطيع الانتظار للزّفاف. أنا متحمّسة لحصولي على كنّة.”
كان صوتها عذبًا لدرجة أنّ أيّ شخص قد يظنّها تحبّ إليزيا أمبروز حقًّا.
لكن كرايتون يعرفها جيّدًا. حين تتحدّث غلينا بهذه الطريقة ، فهذا يعني أنّها تُخطّط لإسقاط أحدهم.
“لن تنتظري طويلًا.”
أومأ لها و هو يبتسم بابتسامة غامضة.
بالنّسبة لهما، التسلية الحقيقيّة على وشك أن تبدأ.
***
كان زفاف الأمير الثاني عظيمًا.
أُقيم في الكاتدرائيّة داخل القصر الإمبراطوري، وحضره النّبلاء وكبار الأسرة المالكة.
كانت إليزيا ترتدي ثوبًا أبيض من الحرير، وتضع تاجًا مزيّنًا بجواهر لامعة.
غطّى وجهها حجابٌ مطرّز بدقّة.
وفي يديها باقة من زهور الكالا الكريميّة والورود الزهريّة الباهتة.
أخذت نفسًا عميقًا، محاولة تهدئة توتّرها.
كلّ ما كانت ترتديه وتحمله مختلف عمّا في حياتها السّابقة.
فقد تولّت لوسيت، بتكليفٍ من الأمير، إعداد كلّ شيء بأقصى درجات العناية.
لكن لم يكن هذا الاختلاف الوحيد.
فهي لم تُدفع من القصر المعزول إلى الكنيسة.
بل استراحت براحة تامّة في صالون مزدان بالورود في قصر الأمير، قبل أن تُقلّها عربة ذهبيّة إلى المراسم.
لقد عوملت كجوهرة ثمينة.
“تفضّلي بالدّخول.”
بإرشاد من لوسيت، فُتحت أبواب الكاتدرائيّة.
وقف الحاضرون جميعًا حين ظهرت العروس.
لقد بدأت المراسم.
على أنغام الأرغن، بدأت إليزيا تسير ببطء على السجّادة الحمراء.
كان الكاهن الأعلى يقف عند المذبح، وإلى جانبه فرانز ينتظرها.
كان فرانز يرتدي نفس الزّي الذي ارتداه في حياتها الماضية—بذلة احتفاليّة بيضاء مزيّنة بالشّارات ، مع حبال ذهبيّة تُبرز عرض كتفيه.
كلّ شيء كان كما السابق …
عدا نظراته.
كان يحدّق فيها بعينَين متوتّرتين ، تشتعلان قلقًا و توقًا.
كان متوتّرًا.
في حياتها السّابقة، لم يُخفِ عدم رغبته في الزّواج منها.
لكن الآن، بدا وكأنّه لا يستطيع الانتظار لوصولها إليه.
تطلّعت إليزيا إليه بدهشة.
ثمّ أدركت السبب، وأخفضت عينيها.
حتّى البارحة، كان فرانز يتألّم من اضطرابات المانا.
طيلة الأيّام التي سبقت الزّفاف ، كان يعاني يوميًّا. الطبيب يدخل غرفته و يخرج، والخدم يحملون المياه السّاخنة كلّ ليلة.
‘بالطّبع هو متوتّر.’
ابتسمت إليزيا بسخرية.
فبمجرّد اكتمال الزّفاف وقضاء اللّيلة الأولى، سينتهي ألم رابطة المانا.
لابدّ أنّ فرانز يتشبّث بهذا الأمل.
لابدّ أنّه يائس لإنهاء الزّفاف بأسرع وقت.
وقفت إلى جانبه، ونظرت بهدوء إلى يده البيضاء الممدودة نحوها.
إن أمسكت بها، ستُصبح الأميرة الثانية.
وستعود لتكون أداة في يد فرانز—وهو آخر ما تُريده في حياتها.
حاولت جهدها للهروب، لكنّها في النّهاية، لم تستطع.
هل كان هذا هو الطّريق الوحيد المتبقّي لها؟
ألم يكن هناك مهرب من فرانز ومن هذا البؤس؟
“ليز ، خذي يدي.”
ظلّت تنظر إلى يده الممتدّة، ثمّ رفعت يدها ببطء.
وحين التقت يداهما، دوّى صوت الكاهن الجليل في أرجاء القاعة: “في اليوم السّابع والعشرين من الشّهر الحادي عشر، من عام ٥٤٩ للإمبراطوريّة اللورنتسيّة، وباسم الشّمس، أُعلن اتّحاد فرانز يوستاس و إليزيا أمبروز.”
زفرت إليزيا زفرة استسلام بصمت.
لقد بدأ زفافها أخيرًا.
و معه … بدأت حياتها الثانية فعلًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 24"