تحدّثت إليزيا إلى سارا بوجهٍ صارم: “سارا ، أنتِ الشخص الوحيد الذي أثق به في القصر الإمبراطوري. وآمل ألا تُخفي عنّي شيئًا أبدًا. وإلّا … سأشعر بالوحدة حقًّا.”
“سيّدتي …”
سحبت إليزيا يدها من يد سارا، وعلى وجهها خيبة أمل.
“إن لم ترغبي في الحديث، لا بأس. لن أُجبرك.”
“لا، سأُخبرك.”
قالت سارا بوجهٍ حازم.
وبعد لحظة تردّد، التفتت وأخذت زجاجة الدواء.
ناولتها لإليزيا وفتحت فمها لتتحدّث.
“في الحقيقة … لقد استُدعِيَ الطبيب الملكي.”
“وماذا بعد؟”
“هذا كلّ شيء. لا شيء آخر أخفيه.”
قطّبت إليزيا حاجبيها، ونظرت إلى سارا بنظرة شكّ، فأشارت الأخيرة بيديها معًا محاولة إثبات براءتها.
“حقًّا، هذا كلّ شيء.”
“وكانت هذه الزيارة البسيطة تستحقّ منكِ أن تُخفيها عنّي؟ لماذا؟”
“سموّ الأمير الثّاني طلب منّي ألّا أُخبركِ بشأن الطبيب. ليس اليوم فقط—بل قال ألّا أذكر الأمر مستقبلًا أيضًا.”
ضيّقت إليزيا عينيها وأخذت تقلّب زجاجة الدواء في يدها.
كان السائل الأزرق يتمايل داخل الزجاج الشفّاف.
تابعت سارا تراقب ردّة فعلها بتوتّر.
“أنا آسفة. كان يجب أن أضع أوامركِ فوق أوامره، لكن … سمعت أنكِ حسّاسة جدًّا تجاه موضوع الأطباء، فلم أدرِ ما الذي يجب أن أفعله.”
“…بالفعل كنت كذلك.”
تمتمت إليزيا بمرارة.
ظنّت أن ذكريات حياتها السابقة قد دُفنت.
ألم عدم قدرتها على استدعاء طبيب، وخيانة فرانز لها عندما أدار ظهره—كلّها لم تحدث في هذه الحياة بعد.
لكن مجرّد أنّها لم تحدث لا يعني أنّها لم توجد.
إليزيا لم تتحرّر من ألم الماضي بعد.
وضعت يدها بلطف على بطنها. كانت أصابعها ترتعش وهي تمرّرها على موضع لم يحمل الحياة بعد.
“سيّدتي ، ما بكِ؟ لا تبدين بخير أبدًا. لم يكن عليّ قول شيء … ماذا أفعل الآن …”
قفزت سارا من مكانها في هلع. وبينما كانت تهمّ بالخروج لاستدعاء الطبيب مجددًا، أمسكت إليزيا بذراعها بسرعة.
“أنا بخير، سارا.”
“لكن—!”
“أنا حقًّا—”
“إن كانت خادمتكِ ، فيجب أن تثقي بها. دعيها تستدعي الطبيب إن لزم الأمر.”
قبل أن تُكمل إليزيا تهدئة سارة، قُطع حديثها بصوتٍ آخر.
التفتتا لترَيَا رجلاً يدخل من الباب الجانبي.
“فرانز.”
عبست إليزيا فور أن عرفته.
“هل عليّ التّعوّد على هذا الآن؟ لم أكن أعلم أنّ كونك فردًا من العائلة الملكيّة يعني أنّك بلا خصوصيّة.”
قالت ذلك من بين أسنانها.
راودها جزء منها أن تُحكم إغلاق ذلك الباب، فقد صار فرانز يستخدمه دومًا لاقتحام غرفتها، وهذا الأمر يثير غضبها.
“على الأقل، كان يمكنكَ أن تطرق الباب.”
“طرقتُ. مرّتين.”
ردّ فرانز بهدوء وهو يقترب من السرير.
ومع اقتراب خطواته، وصلها عبيره البارد و المنعش ، كغابة من أشجار السنديان. أحاط بها بلُطف.
تجاهلت إليزيا العطر الجذّاب و قالت: “أنت السبب في أنّني لم أعد أثق بسارا. لماذا أجبرتها على إخفاء أمر الطبيب؟ لقد كممتَ فم إحدى خادماتي!”
جلس فرانز على طرف السرير، فهبطت المرتبة قليلًا تحت وزنه. ولم يُجب، بل التفت نحو سارا.
تلبّكت سارا تحت نظراته.
وحين أومأ لها، انحنت وغادرت الغرفة بهدوء.
وبعد أن أُغلق الباب، ظلّ الصّمت الثقيل مخيّمًا بينهما.
“هذا جسدي. ويجب أن أعرف ما يحصل له أكثر من أيّ أحد.”
اهتزّت نظرة فرانز قليلًا. وحين همّ بالابتعاد، أمسكت به.
تجمّد جسده. توتّرت عضلاته، لكن إليزيا لم تُفلته.
“هل تُخفي عنّي شيئًا آخر؟”
“وإن كنتُ أفعل؟”
خرج صوته مبحوحًا، مليئًا بالمرارة، وكأنّه يلومها.
عجزت للحظة عن الردّ على سؤاله المعاكس.
‘ومن تكون لتغضب الآن؟’
عضّت إليزيا شفتها السفلى و قالت:
“إن كنتَ كذلك ، فرجاءً أخبرني”
“أتهتمّين فعلًا بما أخفيه؟ لم أظنّكِ تكترثين لأمري”
“لم أعلم أنّك تريدني أن أكترث.”
“أنتِ …”
تنهد فرانز من كلماتها اللاذعة.
مرّر يده على وجهه بخشونة، ثم بدأ يتكلّم: “مهما فعلتُ ، ستكرهينني. أنا ذلك الرجل الوقح الّذي يحاول إجباركِ على الزواج منه. ذاك الذي يستخدمكِ لتثبيت ماناه. لا بدّ أنّكِ تجدين لمسي مقزّزًا”
خرجت كلماته كالسّيل الجارف.
استمعت إليزيا وفكّرت بمرارة: ‘إذًا، هو يعلم.’
فرانز كان أكثر وعيًا ممّا ظنّت.
وقد أدهشها ذلك—وأغاظها أيضًا.
فهذا يعني أنّه يفهم ألمها، ومع ذلك يتجاهله.
‘مقزّز.’
كلّما عرفته أكثر، ساءت مشاعرها نحوه. نظرت إليه ببرود.
أخذ فرانز نفسًا عميقًا وهزّ رأسه، ثمّ قال بنبرة هادئة مستسلمة: “لا شيء أُخفيه.”
عادت البرودة إلى عينيه.
تابع كلامه وكأنّه لم يبح بما في قلبه قبل لحظات: “طلبتُ من سارا ألّا تُخبركِ عن الطبيب حفاظًا على كرامتكِ.”
خفّ بريق الذهب في عينيه.
“خطيبة الأمير الثاني أُغمي عليها أثناء اختيار فستان زفافها و اضطرّت لاستدعاء الطبيب الملكي—لو انتشر ذلك، فلن يخرج منه شيء جيّد. وظننتُ أنّه سيكون أفضل ألا تعرفي أيضًا.”
“تقول إنّك فعلت كلّ هذا لحماية كرامتي؟”
“ليس من اللائق استدعاء الطبيب لشخص لم يُصبح فردًا رسميًا من العائلة الملكيّة بعد. ظننتُ أنّ ذلك سيزيد عبئكِ ، فحاولتُ أن أكون حذرًا.”
“لأنّ كرامتي من كرامتك، قرّرتَ التصرّف دون أن تُخبرني، صحيح؟”
عند تعليق إليزيا البارد، ارتعش حاجبا فرانز.
كانت عيناه تفتّشان في كلّ كلمة قالتها.
وقبل أن تُشيح بنظرها، رفع ذقنه بتكبّر، وكأنّه يؤكّد كلامها.
“وإن كان ذلك صحيحًا؟”
“ماذا؟”
حدّقت إليزيا فيه مذهولة.
كانت تعرف أنّ فرانز يوستاس مغرور. لكنّها لم تدرِ أنّه يُعلي صورته إلى هذا الحدّ.
“لِمَ لا تتخلّى عنّي إذًا؟”
خرجت الكلمات منها دون وعي.
نزعت يدها عنه بعنف، وقالت بحدّة: “انسَ امرأة مثلي، صعبة المراس. ابحث عن فتاة مطيعة. سيّدة نبيلة من عائلة مرموقة—تلك التي تليق بصورتك الثمينة. لا شكّ أنّهنّ يصطففن للفوز بك.”
“… حجر المانا الخاص بي لم يتفاعل إلّا معكِ.”
“آه، رابطة الرّوح.”
ضحكت إليزيا بمرارة عند ردّه المنخفض.
تلك الرّابطة الملعونة. سئمت سماعها.
لو لم تكن هناك مانا—لو لم تكن هناك رابطة أرواح—لما وُجدت هذه المأساة.
‘لكن لا يهمّ كم مرّة أموت وأعود، ذلك لن يتغيّر. إنّه قدري.’
ابتسمت إليزيا رغمًا عنها، وانحنت شفتاها ببطء.
“إذًا، دعني أعطيك خيارًا آخر.”
حدّقت في فرانز بعينين دامعتين من شدّة الغضب.
وصوتها يرتجف: “احتفظ برابطتك. وخذ عشيقة. امرأة أنيقة ونبيلة، تمامًا من ذوقك. وبهذا، لن تقلق بشأن سمعتي بعد الآن. ما رأيك؟”
وما إن أنهت حديثها، حتّى اشتعلت نيران في عيني فرانز.
قبض على يدها بقسوة، وصرّ على أسنانه. كان فكّه يرتجف.
“هذا لن يحدث أبدًا.”
نظرته الحادّة اخترقت أعماقها.
“ليس هناك امرأة لي سواكِ. لذا ، توقّفي عن تمنّي شيء آخر”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 23"