ابتسم إيليان بمكرٍ و تابع: “سمعتُ أنّك كنتَ صديقًا مقرّبًا من الآنسة روشاناك في صغرك؟”
أجاب فرانز ببرود: “كان لديّ كثير من أصدقاء الطّفولة. لا أذكرهم جميعًا.”
“لا بدّ أنّك لم تنسَ. فالآنسة روشاناك تمتلك مانا النّار، تمامًا مثل جلالتك …”
“وماذا في ذلك؟”
“عذرًا؟”
“ما غايتك من ذكر امرأة أخرى لي ، و أنا على وشك الزّواج؟ هل تقترح أن أُفسد ‘رابطة الرّوح’ التي أكّدتها حجارة المانا؟”
“لا، بالطّبع لا!”
فزِع إيليان من حدّة السّؤال و لوّح بيديه بسرعة.
“كلّ ما أردتُه هو إيصال رسالة من الآنسة روشاناك … فهي تشتاق إليك كثيرًا—كصديقة قديمة ، لا أكثر. فبعض صداقات الطّفولة تستمرّ للأبد ، أليس كذلك؟ حتّى بين الجنسين المختلفين.”
“… أليس من المفترض أن تكون في قصر الأمير الأوّل الآن؟”
فرك فرانز صدغيه بتكاسل، ونظره انصرف عن إيليان نحو النّافورة في الخارج.
“لن يكون من اللّائق أن تُبقيهم في الانتظار.”
رغم لباقة كلماته، فإنّها حملت وضوحًا في طرده.
نهض إيليان من مقعده بتوتّر، وضحك ضحكةً جافّة:
“نعم، لديّ موعد مع زوجة الأمير الأوّل.”
“أتمنّى لك وقتًا ممتعًا مع العائلة”
“شكرًا، يا صاحب السّمو.”
انحنى إيليان باحترام وغادر الغرفة.
حافظ على ابتسامته حتّى أُغلقت الأبواب خلفه ، ثمّ بدأت ملامحه تتجمّد شيئًا فشيئًا و هو يسير في ممرّات قصر الأمير الثّاني.
و حين بلغ النّافورة التي كان فرانز يراقبها ، كانت ملامحه قد تشوّهت بالغضب.
‘يا له من وغدٍ متكبّر …’
أن يُهان من أميرٍ لم يتجاوز السّادسة و العشرين—ابن الإمبراطورة الرّاحلة ، و الذي لا يملك أيّ دعم يُذكر من العائلة الإمبراطوريّة—كان إهانةً بالغة.
كان يعرف مسبقًا أنّ فرانز مغرور. لكن على عكس ابتساماته الرّقيقة السّابقة ، فإنّ تصرّفاته مؤخرًا أصبحت باردة ، و هو ما أثار شكوك إيليان.
‘هل كشف خطّتي بالفعل؟’
راحت الأفكار تتسارع في عقل إيليان بينما كان يسير نحو قصر الأمير الأوّل.
مؤخرًا ، غادر ليندن شويلر إلى دافا.
من الواضح أنّ ليندن التقط بسرعة خبر نضوب منجم ناروت.
و قد علم إيليان ، من خلال الإمبراطورة ، أنّ مصدر المال لعائلة روشاناك—منجم ناروت—بدأ ينضب هو الآخر.
وبالاستعطاف العاطفيّ، تمكّن من الحصول على وعد من الإمبراطورة بأن تُساعده في الحصول على حقوق منجم مانا جديد.
لكنّ إيليان كان يخطّط لأبعد من ذلك.
إن تمكّنت نايريس من الوقوف إلى جانب الأمير الثّاني ، فلن تكون هناك حاجة حتّى لتدخّل الإمبراطورة.
لأنّ قرار ملكيّة المنجم الجديد بيد فرانز نفسه. و كان من السّهل استغلال علاقة نايريس القريبة منه كورقة ضغط.
‘قبل أيّامٍ فقط ، كانت الأمور بخير’
قبل أشهرٍ قليلة، كان الأمير الثّاني يُظهر علنًا استياءه من زواجه الوشيك من الآنسة أمبروز.
كان إيليان يعتقد أنّه من السّهل وضع نايريس إلى جانبه.
لكن الآن ، حين بدأ يتحرّك فعليًّا ، شعر أنّ الأمور تغيّرت.
لقد تغيّر فرانز.
بات يبدو كجدارٍ هائل ، لا يمكن زحزحته مهما حاول.
“تشه”
نقر إيليان لسانه و هو يرفع نظره نحو قصر الأمير الأوّل.
وعلى عكس بساطة قصر فرانز الأنيقة ، كان قصر كرايتون فاخرًا و مبالغًا فيه.
كان الهدف من كلّ ذلك واضحًا: أن يُظهِر للقاصي و الدّاني أنّ ساكن هذا القصر في قمّة السّلطة.
لكن ما نفع المظاهر الفخمة دون قوّةٍ حقيقيّة؟
كان إيليان غير راضٍ عن صهره ، كرايتون.
حين زوّج ابنته للأمير الأوّل ، كان يتوقّع أن يصبح كرايتون وليّ العهد بسرعة. لكنّه ما يزال يتنافس مع فرانز على المنصب. يا للعار.
بل والأسوأ من ذلك، رغم أنّه الأمير الأوّل، لم يكن يملك حتّى سلطة تقرير من يملُك منجم المانا، لأنّ الإمبراطورة أقصته عمدًا، كون زوجة الأمير الأوّل هي ابنة إيليان.
لذلك، لم يكن أمام إيليان خيار سوى الانحناء أمام فرانز، الأمير الثّاني، رغم أنّ زوجته من ابنة بارون فحسب.
أصاب ذلك كبرياءه في مقتل. لكنّه مضطرّ لتحمّل غرور فرانز … على الأقلّ حتّى يفوز بحقوق منجم دافا.
***
“أبي!”
دخل إيليان قصر الأمير الأوّل و ملامحه متجهمة ، لكنّه ابتسم فور سماعه صوت ابنته المبتهج. رغم كلّ شيء ، كان فخورًا بابنته و هي تنعم بهذا المجد.
“ولية العهد”
“أوه، بحقّك. تحدّث بطلاقة ما دمنا وحدنا.”
غمزت غلينا بمودّة. و كانت عيناها الزّرقاوان ، الشّبيهتان بعينيه ، تتلألآن إشراقًا.
“نعم ، غلينا. هل كنتِ بخير؟”
“مم، إلى حدٍّ ما.”
هزّت غلينا كتفيها برشاقة و قدّمت له مقعدًا. و بعد أن صرفت الخدم الذين جلبوا الشّاي ، أطلقت زفرة ضيق صغيرة.
ضيّق إيليان عينيه و هو يلاحظ تعبير وجه ابنته.
ذلك الوجه لم تكن ترتديه إلا حين ترغب بشيءٍ و لم تحصل عليه بعد.
لكن … ما الذي يمكن أن ينقص زوجة الأمير؟ تساءل باستغراب.
سحب يده عن فنجان الشّاي ، و تحدّث برفق: “ما الذي يجعل حياتكِ ‘عاديّة’ فحسب؟ لقد وفّرتُ لكِ كلّ شيء لتعيشي بالكمال.”
“لقد فعلتَ أكثر من كافٍ ، يا أبي”
تكلّمت غلينا بنبرة متزنة ، و مدّت يدها برشاقة لتتناول قطعة ماديلين. و بينما كانت تأكلها بنعومة ، انكمشت ملامحها بانزعاج.
نعم، ثمّة ما يُزعجها حتمًا.
“هل المشكلة مع الأمير الأوّل؟”
“لا، لا على الإطلاق …”
“هاها، يؤلمني أنّك ظننتَ ذلك عنّي.”
وبينما كانت غلينا تهزّ رأسها نفيًا، انفتح الباب فجأة.
“ما الذّنب الذي يمكن أن أقترفه بحقّ زوجتي العزيزة؟”
جذّابان للغاية، ويسرّان النّظر حين يقفان سويًّا. كما أنّ طموحهما متساوٍ، وكلاهما معتادٌ على نيل كلّ ما يرغب فيه.
جلس كرايتون إلى جوار غلينا، ولفّ ذراعه حول كتفيها، متصنّعًا الغضب وهو يخاطبها: “هيا ، غلينا ، قولي لي. والدكِ قد يسيء الفهم.”
تكوّرت غلينا في حضنه بلطف ، و تكلّمت بدلال:
“زوجي لطالما كان وفيًّا لي.”
“إذًا، ما المشكلة بالضّبط؟”
“حسنًا …”
تنهدّت غلينا بتأثّر، تحت أنظار الرّجلين.
وكان تعبيرها دراميًّا وجميلًا، وكأنّها تحمل حزنًا لا يُحتمل.
“تعرفان العقد الماسيّ الذي تملكه جلالة الإمبراطورة؟ الإرث العائليّ لعائلة روشاناك؟”
“بالطّبع. لقد أحببته من أوّل نظرة”
كان إيليان يومئ موافقًا، لكنّه تيبّس قليلًا، وملامحه اسودّت وهو ينظر إلى ابنته.
“هل رفضت جلالتها إعطاءه لكِ؟”
كان صوته مشبعًا بالخذلان.
“لقد ذهبتُ إلى حدّ ترشيح الآنسة روشاناك للأمير الثّاني”
“أنا متأكّدة أنّ جلالتها تفصل بين المسألتين. أنتَ تعرف طبعها.”
تنهّدت غلينا، مستعرضةً أظافرها المقلّمة بعناية.
“هي تحرص دائمًا على معاملة الجميع بعدل. حتّى أنّها لم تُعيّن ابنها وليًّا للعهد بعد”
“أمّي مصمّمة على العدالة—أحيانًا بشكل مفرط”
طمأنها كرايتون و هو يداعب كتفيها. راقب إيليان ذلك باستغراب ، إذ كان الاثنان يدافعان عن الإمبراطورة.
“ثمّ؟”
“ذلك الكنز الذي لا يُقدّر بثمن … أُعطي لتلك الفتاة ، أمبروز”
رفعت غلينا ذقنها بفخر ، و عيناها مليئتان بالاحتقار.
“تلك الجاهلة القرويّة التي لا تدرك حتّى قيمته، قبلته دون تردّد.”
“يا للعجب …”
تمتم إيليان بهدوء. الآن فهم ما حدث.
حين تدخل أميرة جديدة إلى العائلة الإمبراطوريّة ، تُقدّم لها الإمبراطورة قطعة مجوهرات. و تؤثّر القطعة المُهداة كثيرًا في مكانة الأميرة داخل القصر.
كانت قطعة غلينا ثمينة ، لكنّها لم تقترب من العقد الماسيّ ، الإرث العائليّ الذي لا يُقدّر بثمن.
من الطّبيعي أن تشعر بالضّغينة.
لكن ، ما العمل؟ العقد انتقل ليدٍ أخرى.
نقر إيليان لسانه بأسى. كان يتمنّى منح غلينا ما تشتهيه ، لكنّ هذه المسألة خارج قدرته.
“لو أنّ الآنسة روشاناك أنهت تعافيها في وقتٍ أبكر …”
“من؟”
اتّسعت عينا غلينا بدهشة.
و فجأة ، انفرجت أساريرها بحماسٍ شديد.
“أتتحدّث عن نايريس روشاناك؟”
“كنتِ تلعبين معها أحيانًا في طفولتكِ ، ألا تذكرين؟”
“بالطّبع أذكر.”
أشرقت ابتسامة غلينا فورًا ، و عاد الثّبات إلى وقفتها.
“علينا فقط أن نُرسل نايريس لتُغري الأمير الثّاني. لقد كانت تُعجب به حتّى في صغرها—وقد وصفته ذات مرّة بأنّه أمير أحلامها. إن وقفت نايريس بجانبه ، فستُطرَد تلك الفتاة القرويّة عائدةً إلى بيتها”
شبكت غلينا يديها و تكلّمت بحلمٍ حالِم:
“عندها … سيصبح العقد الماسيّ لي أخيرًا”
كانت خطّةً مثاليّة. نافعة لكلّ الأطراف.
ما عدا الفتاة المزعجة … أمبروز.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 16"