لقد كانت إليزيا حاملاً ذات مرّة ، لكنّها لم تضع طفلًا.
لقد فقدت الجنين.
كان الطّفل شعاع الأمل الوحيد في حياتها ، هديّتها الثّمينة ، و السّبب الوحيد الذي جعلها تحتمل الحياة في القصر.
من المُرجّح أنّ الطفل قد تمّ الحمل به في تلك الليلة التي زارها فيها فرانز مخمورًا بشدّة.
في تلك الليلة ، دخل حجرتها و هو ثمل ، تعامل معها ببرود و خشونة ، تمامًا كما فعل في ليلة الزّفاف.
بالنّسبة إلى إليزيا ، كانت العلاقة الحميمة مؤلمة دائمًا.
و عندما غادر فرانز في الصّباح ، كانت تذرف الدّموع بصمت.
كان البكاء بهدوء هو التّرف الوحيد المسموح لها.
لكن، بعد فترة قصيرة، طرق الأمل بابها بصمت.
في البداية، انقطع دورتها الشّهريّة المنتظمة فجأة.
في البداية، ظنّت أنّه توتّر، لكن الأسابيع مرّت دون عودة.
ثمّ بدأت تشعر بالغثيان الشّديد من روائح الطّعام.
وقد عرفت إليزيا تلك الأعراض بالفطرة.
حاولت استدعاء الطّبيب الإمبراطوري، لكن لم يأتِ أحد.
لم يكن أحد من أطبّاء القصر ليزور أميرة مُهملة في جناحٍ منسيّ. لذا، وبمساعدة سارا، استدعت طبيبًا مدنيًّا بشكلٍ سرّي.
“مبارك يا صاحبة السّمو. لقد مضى على حملك نحو خمسة أسابيع.”
يا له من ذهول و فرحٍ اجتاحاها عند سماع تلك الكلمات.
بكت إليزيا فرحًا طوال ذلك اليوم.
طفل حُبل به من فرانز—وريث شرعيّ يحمل دمهما معًا.
‘يا ملاكي، لقد أتيت إليّ.’
‘هديّة من السّماء، أُرسلت رأفةً بمعاناتي.’
كانت تمسح بطنها المسطّح مرارًا بلطف ، تهمس بكلمات رقيقة. شعرت و كأنّ الجناح المُعتم قد أشرق فجأة بهذا الأمل الجديد.
لكنّ تلك السّعادة كانت مشروطة بوصول الطّفل إلى العالم سالمًا.
“عليكِ أن تكوني حذرة للغاية. الحمل في بداياته هشّ؛ أيّ صدمة بسيطة قد تُسبّب الإجهاض. حالتكِ خاصّة يا صاحبة السّمو”
أبقت إليزيا الخبر في طيّ الكتمان التّام.
أمرت الطبيب و كذلك الخادمتين—سارا و إيزولدي ، اللتين بقيتا معها—بألّا يفشين سرّ الحمل.
وحين يستقرّ وضع الجنين، ستُخبر فرانز.
ربّما يعود إليها حين يسمع بالخبر، ويترك نايريس.
بدأ الأمل يتفتّح بهدوء داخلها.
كانت تمسح بطنها غير الظّاهر مرارًا بحنان.
“يا صغيري، يا جوهرتي، يا ملاكي الصّغير.”
لم تكن قد اختارت له اسمًا بعد، لكنّها سكبت عليه أرقّ الكلمات وأعذبها. كانت في قمّة السّعادة. شعرت بقوّة تمكّنها من تحمّل رسائل باتريشيا المُزعجة أو شائعات لقاءات فرانز مع نايريس.
لأنّها كانت تحمل الطّفل.
ولأنّ فرانز سيعود حتمًا من أجل طفلهما.
على الأقل، حتّى فقدت الطّفل.
ذلك الأمل المشرق في حياة إليزيا انقلب فجأة إلى يأسٍ قاتل في يومٍ بدا عاديًّا. الحدث الوحيد غير المألوف في ذلك اليوم كان زيارة نايريس.
كانت نايريس تزور الجناح أحيانًا، وغالبًا ما تُهين إليزيا.
لم يكن ذلك بالأمر الغريب. لكنّ المشكلة ظهرت لأنّ غثيان الحمل في ذلك اليوم كان شديدًا على نحو غير معتاد.
حين تقيّأت إليزيا أثناء احتساء الشّاي، اعتبرت نايريس ذلك إهانة شخصيّة، وظنّت أنّ إليزيا تُبدي اشمئزازها منها علنًا.
“آنسة نايريس، أرجوكِ، لقد أسأتِ الفهم—أقسم أنّه ليس كذلك!”
“وما عساه يكون؟ هل تظنّينني مثيرة للاشمئزاز لأنّني مع فرانز؟ من تظنّين نفسكِ، وأنتِ تعيشين في هذا الجناح البائس؟”
“آنسة نايريس!”
“أنتِ لا تستحقّين حتّى هذا الجناح. سأجعلكِ تندمين على هذه الإهانة.”
غادرت نايريس وهي تغلي غضبًا.
وخوفًا من أن يصل غضبها إلى فرانز، لحقت بها إليزيا بلهفة.
تتبّعتها إلى الدّرج الأكثر انحدارًا في الجناح.
“سيّدة روشاناك، أنا آسفة بحقّ. لم أقصد ذلك—”
“أبعدي يدكِ عنّي!”
دفعت نايريس يد إليزيا بعنف، فاختلّ توازن الأخيرة وسقطت من أعلى الدّرج.
وأثناء سقوطها، كانت إليزيا تضمّ بطنها بكلّ ما أوتيت من قوّة. لم تكن تكترث إن ماتت، لكنّ طفلها—كان لا بدّ أن ينجو.
“صاحبة السّمو!”
“الطّبيب! بسرعة!”
آخر ما رأته قبل أن تُغمى عليها كان وجه نايريس المتجمّد شحوبًا، ويدي سارا الملطّختين بالدّم.
الطّفل، الذي دخل حياتها بصمت، رحل منها بنفس الصّمت.
و غرقت إليزيا في انهيارٍ عاطفيّ ، وسط شعورٍ ساحق بالذّنب واليأس.
‘لو أنّني لم أمسك بنايريس.’
‘لو أنّني لم أشعر بالغثيان أمامها. لو أنّني احتملت الغثيان.’
‘ربّما ما كنتُ لأفقد الطّفل.’
تآكلت إليزيا بالذّنب، فانسحبت كليًّا، تخجل حتّى من الخروج من غرفتها.
كانت تعتبر نفسها مجرمة.
ومنذ ذلك اليوم، بدأت نايريس بالبقاء علنًا في قصر الأمير الثّاني. قيل إنّها كانت مصدومة من “نوبة الغضب العنيفة” التي شهدتها من الأميرة الزّوجة.
فأخذها فرانز إلى القصر ليُواسيها.
نوبة غضب عنيفة.
رغم أنّه أمرٌ عبثيّ، إلّا أنّه أصبح الرّواية الرّسميّة. و صُوّرت إليزيا كزوجة غيورة جرحت نفسها من شدّة الغضب.
وظلّ فرانز قاسيًا لا يلين.
حتّى عندما علم بإصابتها، لم يزرها.
ولو أخبرته أنّها فقدت الجنين، لاتّهمها بالكذب وطلب الانتباه.
تعلّمت إليزيا أن تستسلم بهدوء تحت بروده المُميت.
حتّى أرسل فرانز فجأة في طلبها.
حين تلقّت رسالته المختومة بخاتمه، عاد الأمل لينبض في صدرها. لعلّه يريدها مجدّدًا، وربّما يمكنها إنجاب طفل آخر.
هذه المرّة، ستحميه مهما كلّف الأمر.
لكنّ كلّ آمالها كانت عبثًا.
وثقتها بفرانز من جديد سرقت منها تلك الفرصة الوحيدة، وقادتها نحو موتها التّعيس والمأساوي.
***
“…صاحبة السّمو؟”
أعاد صوت بيليسا العذب إليزيا إلى الواقع.
كانت بيليسا تمسك بفنجان الشّاي، تنظر إليها بقلق، وتضع منديلًا في حجرها.
“يبدو أنّ الليدي ناتاليا تُحبّكِ كثيرًا، يا دوقة.”
“أجل ، حسنًا …”
كانت بيليسا على وشك أن تضيف: “لأنّني والدتها” ، لكنها امتنعت. كانت تشعر أنّ دموع الأميرة ستنهمر فور أيّ ذِكر إضافيّ للأمومة.
فأشارت سريعًا إلى مربية ناتاليا.
“نات ، اذهبي إلى ميغي قليلًا. أمّك تحتاج أن تتحدّث مع صاحبة السّمو.”
“حسنًا، ماما!”
“هيّا يا صغيرتي.”
راقبت إليزيا الطّفلة بشغف وهي تبتعد، تمسك يد مربّيتها الصّغيرة بثقة.
كانت قد دعت بيليسا وابنتها فقط لبناء علاقة وديّة.
لكنّها، حين رأت ناتاليا، أدركت أنّها كانت تخدع نفسها.
كانت ترغب فعلًا في رؤيتها—طفلة بريئة، محبوبة منذ ولادتها، مدلّلة وهي تكبر.
“الليدي ناتاليا فاتنة حقًّا.”
لم تستطع إليزيا التّحدّث حتّى اختفت ناتاليا عن ناظرها، وكان صوتها يتهدّج رغم محاولاتها التّماسك.
“يا إلهي. ربّما شربتُ الشّاي بسرعة.”
ضحكت بخفّة، وأدارت وجهها بعيدًا، تحاول جاهدًة أن تكبت دموعها.
‘لا يمكنني أن أبكي هنا.’
لقد استدعت بيليسا لهدفٍ مُعيّن. و لم تكن تُريد أن تضيّع تلك الفرصة بانهيارٍ عاطفيّ في لقائهما الأوّل.
وبينما كانت إليزيا تكافح لاستعادة توازنها، رشفت بيليسا من شايها بهدوء، تمنحها وقتًا لتجمّع شتاتها دون أن تُحرجها.
من الواضح أنّ الأميرة لم تستدعها لتؤنّبها على إهمالٍ أو قلّة احترام.
“لا بدّ أنّكِ تُحضّرين لحفل الزّفاف قريبًا، أليس كذلك يا صاحبة السّمو؟”
وضعت بيليسا فنجانها برفق، وتابعت بنبرة هادئة:
“الزّواج يُغيّر أشياء كثيرة— ليس فقط بالنّسبة للفرد، بل لمن حوله أيضًا.”
“لقد كنتِ محظوظة بحصولكِ على الليدي ناتاليا مع زواجكِ. لا بدّ أنّه شعور رائع، أن تلتقي بطفلةٍ بهذه الرّقة.”
رفعت بيليسا حاجبيها بدهشة من كلمات الأميرة التي قالتها بنبرة خافتة.
كان في صوت إليزيا شيء لا تخطئه الأذن—حسدٌ ناعم، وحنينٌ صامت. ونظرتها السّابقة لم تكن مجرّد وهم.
‘غريب … الليدي أمبروز لم تتزوّج بعد، ولم تُنجب طفلاً. ما القصّة الّتي تُخفيها؟’
غامرت بيليسا برفق: “يبدو أنّكِ تحبّين الأطفال كثيرًا، يا صاحبة السّمو. ربّما قريبًا—”
“ذلك الحظّ لا يُمنح للجميع.”
استعادت إليزيا رباطة جأشها، وقطعت حديث بيليسا بأناقة.
“ولا أظنّ أنّني محظوظة إلى هذا الحدّ”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 13"