2. الأرق
* * *
بعد خروجي في الفجر، تمكّنتُ أخيرًا من النّوم. لكن لأنّني نمتُ متأخرة، استيقظتُ في الصّباح و أنا أتذمّر متشبّثة بذراع ليلي بينما أطلب خمس دقائق إضافيّة، وكدتُ أغرق في نوم أبدي.
كان صوت ليلي، و هي تقول إنّنا سنبدأ قريبًا، لطيفًا و لكنّه مخيف.
غسلتُ وجهي بالماء البارد عمدًا، لكنّ الإرهاق لم يتلاشَ بسهولة.
يبدو أنّ لقائي بالدّوق الزّومبي، أقصد قابيل، جعلني زومبي أيضًا.
إنّـه فيروس معدٍ بالتّأكيد.
لكن بما أنّنا سنرتاح ليومٍ واحد بعد تجاوز هذا الجبل، كان هذا أملي الوحيد.
على الرّغمِ من إجراء الاستطلاع بالأمس، تقرّرَ إجراء استطلاع صباحيّ آخر لأنّ هذا الجبل يتطلّب حذرًا إضافيًا.
ستذهب مجموعة من ستة أشخاص للتّفتيش السريع، وإذا لم يكن هناكَ شيء غير عادي، سنبدأ جميعًا.
كنتُ لا أزال متعبة و في حالة شبه غائمة، فتحرّكتُ بخطواتٍ بطيئة. رأيتُ الجنود يستعدّون للاستطلاع خلف الخيمة.
…آه، سنبدأ التّسلّق قريبًا.
توقّفتُ أثناء عودتي إلى خيمة الكهنة وقمتُ بتمارين تمدّد خفيفة. استخدمتُ العلاج على ساقيّ خلسة بالأمس، لكنّني كنتُ لا أزال قلقة.
“مرحبًا، الكاهنة رينيشا.”
بينما كنتُ أثني ساقيّ وأفردهما، سمعتُ صوتًا مليئًا بالضّحك. رفعتُ رأسي ورأيتُ إلفينيراز.
“مرحبًا. صباح الخير.”
نهضتُ و كأنّ شيئًا لم يكن و ألقيتُ التّحية.
بالطّبع، كانت التّحيّة هادئة، لكن عندما واجهتُ وجهه الشّبيه بالتّمثال، شعرتُ بانتشاء خفيف. كنتُ صادقة جدًا في ردّ فعلي تجاه مظهره.
“هل نمتِ جيّدًا اللّيلة؟”
“…أممم، نعم. وأنتَ، هل نمتَ جيّدًا؟”
“نعم، نمتُ جيّدًا، لكنكِ تبدين متعبة قليلاً.”
ربّما لاحظَ تردّدي الطّفيف، فضحك إلفينيراز بهدوء. بدا كما لو كان يعرف سبب نومي السيّء، فحاولتُ تذكّر إحراج الأمس.
أدرتُ عينيّ بسرعةٍ لتغييرِ الموضوع.
“بالمناسبة، هل ستذهب للاستطلاع؟ ألن يذهب جنود آخرون؟”
لحسنِ الحظّ، وجدتُ موضوعًا آخر بسرعة، لكنّني كنتُ حقًا متعجّبة. كان يرتدي درعه بالكامل.
سمعتُ أنّ الاستطلاع سيستغرق ساعة أو اثنتين فقط، لكن لن يرتدي درعه مبكرًا للرّحلة القادمة. لذا، من المؤكّد أنّ إلفينيراز يشارك في استطلاع الصّباح.
هل يذهب قائد فرسان أبفنيل بنفسه؟
نظرتُ إليه متفاجئة، فأومأ برأسه.
“إذا قمتُ بالاستطلاع بنفسي، سينتهي بسرعة. لمَ أتركه لغيري و أؤخّـر الوقت؟”
“آه…”
كان كلامًا منطقيًا لكنّه بدا مثيرًا للإعجاب. أومأتُ برأسي بإعجاب دونَ أن أجد ما أضيفه. ثمّ قال إلفينيراز بنبرةٍ مرحة:
“وإذا عدتُ بسرعة، ستتمكّنين من تجاوز الجبل و الرّاحة مبكرًا.”
“…آه، نعم. شكرًا على التّفكير بي.”
…أردتُ أن أظنّ أنّه لا يقصد، لكن الآن أصبح واضحًا.
كان يسخر منّي بسببِ ما حدث بالأمس. لولا ذلك، لما كرّرَ كلامًا عن الإرهاق و الرّاحة.
عندما ألقيتُ نظرةً جانبيّة عليه، ابتسمَ ابتسامة ودودة. تلألأت عيناه الذّهبيّتان تحتَ أشعّة الشّمس.
“يُقال أنّ هناك فيلا بناها اللّورد سابقًا تحت الجبل. بما أنّنا لم نتناول وجبات لائقة منذُ أيّام، سيكون من الرّائع الاستمتاع بمأدبة هناك و الرّاحة.”
“آه، نعم. صحيح. يبدو ذلك رائعًا حقًا.”
“إذًا، إذا تجاوزنا الجبل بسلام، هل نتناول العشاء معًا؟”
“…أيّها القائد، لا يجب أن تقول هذا.”
تفاجأَ إلفينيراز بردّي الحازم.
في الحقيقة، كلامه كان مفرحًا جدًا، و من المؤكّد أنّه يقصد مأدبة مع الجنود جميعًا، لكن اقتراحه بابتسامة أن نتناول العشاء معًا جعلني أشعر بالحماس.
ومع ذلك، كان آخر ما قاله جملةً يجب ألّا يقولها أبدًا.
“…ماذا؟”
“تلك الجملة بمثابةِ تعويذة تجلب الأحداث.”
كما لو أنّك في زنزانة زعيم، عندما تفكّر ‘هل هزمناه؟’ ينهض الزّعيم الذي كان ساقطًا…
جمل مشابهة مثل ‘عندما تنتهي هذه الحرب، سأقول لكِ شيئًا’ أو ‘هل انتهى الواجب؟’
في الحالة الأولى، قد تصبحُ تلك الكلمات وصيّة أخيرة، و في الثّانية، بمجرّد أن تشعر بالرّاحة لانخفاض الواجبات، تتلقّى رسالة تخبرك بالتّحقق من إعلان واجبٍ جديد.
شعرتُ بشيء من الدّيجافو المؤلم…..
على أيّ حال، لم يفهم إلفينيراز كلامي على الفور، فنظر إليّ بهدوء ثمّ ابتسمَ أخيرًا.
“تعنين أنّه يجب ألّا أفقدَ حذري حتّى النّهاية، أليس كذلك؟”
…كما يُقال، التّفسير أجمل من الحلم.
لم أشعر بالحاجة لشرحِ الأسباب بالتّفصيل، فأومأتُ برأسي موافقة بشكلٍ عام.
ضحكَ إلفينيراز وقال إنّه سيضع ذلك في اعتباره.
كان ضحكه لا يزال ساحرًا.
* * *
لحسنِ الحظّ، انتهى الاستطلاع بسلام و بسرعة.
بسببِ الجملة السّحريّة التي نطقَ بها إلفينيراز عن طريق الخطأ ، كنتُ أشعرُ بالقلق حتّى عادت فرقة الاستطلاع، لكن رؤيتهم يعودون بأمان جعلتني أرتاح.
و مع ذلك، قيل إنّ هذا الجبل يتطلّب الحذر حتّى النّهاية، لذا تقرّرَ أن يتقدّم فرسان أبفنيل، يتبعهم الكهنة، ثمّ فرسان الإمبراطوريّة النّيكيل في المؤخّرة.
إذا أُصيبَ المعالج، لن يتمكّن من استخدام قوّته المقدّسة حتّى يتعافى، كما أنّه مورد لا يجب أن يقع في يد العدوّ.
كان هذا التّرتيب مطمئنًا للسّير بأمان، لكن كانت هناك مشكلة واحدة…
كنتُ أبطأ الكهنة في السّير، و كان قابيل يقود فرسان نيكيل من الأمام.
اللّعنة.
“ليلي… من فضلكِ، لا تتركينني…”
كان الجبل وعـرًا كما توقّعت ليلي. على الرّغمِ من استعدادي و تمارين التّمدّد التي قمتُ بها، كانت ساقاي ترتجفان بسرعة من شدّة الانحدار و الوعورة.
الطّريق لم يكن مستويًا، و الدّرجات الحجريّة كانت عالية جدًّا لدرجة أنّني كدتُ أزحف لأصعدها.
كان الآخرون يسيرون بسهولة، بينما كنتُ ألهث وأسقط على الصّخور… شعرتُ بنظراتِ ازدراء واضحة من الخلف. لم أحتج للالتفات لأعرف من صاحبها.
عندما تجاوزنا جبلين سابقًا، كان الكهنة في المؤخّرة مع بعض الجنود، فلم تكن حركاتي البطيئة ملحوظة. لكن الآن، مع فرسان النيكيل بزيّهم الأزرق الدّاكن الذين يتبعونني مباشرة، لم أستطع إبطاء السّير، و شعرتُ أنّني سأموت.
كانت قدماي تحترقان، و ساقاي من السّاق إلى الفخذ مشدودتان.
رغمَ مرور عشرة أيّام من السّير، لماذا لم تتكيّف عضلاتي، أيّتها السّيقان اللّعينة…!
حتّى ليلي، التي كانت تنتظرني، بدأت تلاحظ نظرات فرسان النيكيل، فأمسكتني بين الحين والآخر و همست لي أن أسرع.
جمعتُ كلّ قواي، الموجودة و غير الموجودة، لأسير، لكنّني سمعتُ تنهيدةً قصيرة من الخلف.
اللّعنة، حتّى التّنهيدة كان لها مصدر واضح.
“حقًا…”
تردّدَ صوتٌ منخفض بوضوح.
“…تبدين مرتاحة.”
كان كلامًا لا أعرف إن كان إعجابًا أم تنهيدة. لكن رأسي انخفض تلقائيًا، و أنا أبكي داخليًا.
بسببِ بُـطأي، أصبحَ فرسان نيكيل يسيرون ببطءٍ أيضًا.
كنتُ أبذل جهدًا يائسًا، لكن مَنٔ خلفي بدَوا مرتاحين، حتّى أنّهم بدأوا ينظرون حولهم بهدوء.
أخيرًا، أخفضتُ رأسي و استدرتُ نصف استدارة و قلتُ: “أنا آسفة.”
“ليس…”
كان يبدوا و كأنّه سيقول إنّه لا داعي للاعتذار، لكنّه لم يكمل.
بدلاً من ذلك، جاءَ صوت نائب قائد النيكيل مرحًا:
“من الرّائع التّمتع بالمشاهدة بهدوء! لا داعي للقلق، أيّتها الكاهنة!”
…شعرتُ بمزيدٍ من الإحراج.
لحسنِ الحظّ، تجاوزنا نصف الجبل وكانت هناك استراحة قصيرة. لكن الرّاحة لعشر دقائق مرّت بسرعةٍ دونَ أن أشعر بها، و اضطررتُ للسّير مجدّدًا. جلستُ على صخرة لعشر دقائق، لكن عندما نهضتُ، شعرتُ بتعبٍ أكبر من قبل.
أخيرًا، اتّخذتُ القرار الأخير.
نظرتُ إلى ظهر ليلي التي ابتعدت، ثمّ استدرتُ بحذر لأنظر إلى قابيل.
“أعتقد… أنّني أبطئ الجميع كثيرًا.”
لم يأتِ ردّ، لكن نظراته بدَت و كأنّها تقول ‘تعلمين ذلك’.
شعرتُ بالإحراج لكنني مددتُ رقبتي لأتأكّد من وجود المرتزقة خلفَ فرسان النيكيل.
“بسببي، يتأخّر الفرسان، لذا سأذهب إلى المؤخّرة. هناك فرقة المرتزقة، سأسيـر معهم…”
آه.
توقّفَ كلامي فجأة. من بعيد، سقطَ أحد المرتزقة خلفَ الفرسان فجأةً.
―صرخة مدوّية هزّت الجبل.
بينما كنتُ أنظر بذهول إلى المرتزق السّاقط، سحبَ قابيل سيفه فجأةً.
لم يكن لديّ وقت للإعجاب بصوتِ الاحتكاك الحادّ و مظهر السّيف خارج الغمد.
تـمّ تلويح السّيف أمامي مباشرةً.
شوااك
سمعتُ صوتًا مـرّ بجانبي.
شيءٌ ما اخترقَ شجرةً بجانبي بعمق.
كان سهمًا.
لولا أنّ قابيل صـدّه بسيفه، لكان الشّهم قد أصابني. اخترقَ الشّهم الشّجرة بعمق، و من الصّدمة، لم أستطع إخراج أنفاسي.
أصبحَ عقلي فارغًا.
من بعيد، سمعتُ صوتًا يصرخ “كمين!” بصوتٍ خافت. بـدَت الأصوات حولي و كأنّها مكتومة و غارقة في الماء.
في لحظة، غمرني الخوف و بدأتُ أرتجفُ بشدّة. شعرتُ أنّ ساقيّ ستنهاران.
لم أستطع محو صورة المرتزق الذي أُصيب بالشّهم و سقط. ثمّ ظهرَ جنود فيوس، الذين كانوا مختبئين على الأرجح، و بدأوا بقطع المرتزقة.
تناثر الدّم الأحمر في الهواء.
سقطَ النّاس من حولي.
“انتبهـي.”
―فجأةً، أظلمـتْ رؤيتي. شيء ما غطّـى عينيّ، و أدركتُ بعد لحظة أنّها يـد قابيل.
في لحظة، غمر الضّجيج المنطقة، حتّى محيط قابيل أصبح صاخبًا.
سمعتُ صوت نائب القائد، الذي كان يضحك مرحًا منذُ قليل، يعطي الأوامر بصوتٍ متصلّب…
لكن في هذه اللّحظة، بدَت كلّ الضّوضاء معزولة.
لم أعد أرى النّاس يسقطون وهم ينزفون. كانت يـد قابيل، التي تغطّي عينيّ بإحكام، هي الشّيءَ الوحيد الواضح بالنّسبةِ لي.
كنتُ أرتجف حتّى و أنا أخرجُ أنفاسي، و كلّما زادَ ارتجافي، ضغطَ عليّ أكثر.
“استديري الآن، انظـري للأمام و اركضي.”
رنّ صَـوته المنخفض بـحزمٍ في أذني.
“الآن.”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 9"