كلّ الابتسامات التي رأيتها حتّى الآن كانت إمّا ابتسامات رسميّة أو ضحكاتٍ خفيفة عندما يكون الحديث ممتعًا، لكن هذه المرّة الأولى التي أراه فيها يضحكُ بهذا الشّكل، فشعرتُ بالارتباك الشّديد.
ازداد شعوري بالخجل أكثر.
“إذًا، ظننتِ أنّني أُصبتُ؟”
“…نعم، نعم. ألم تستدعني لأعالجكَ…؟”
لا مفرّ من هذا.
قرّرتُ أن أعالجه بسرعة و أهرب. أردتُ أن أفرغ قوّتي المقدّسة وأنهي العلاج بسرعة لأعود إلى الخيمة. أردتُ أن أركل البطانيّة على الفور.
“لم أُصب أيّتها الكاهنة. يبدو أنّكِ أخطأتِ الظنّ بسببِ الدّماء على عباءتي، لكنّها ملطّخة فقط لأنّني ساعدتُ جنديًا.”
…آه، شعرتُ أنّ وجهي سينفجر.
كنتُ أحاولُ الحفاظ على صورة كاهنة هادئة و بسيطة ذاتُ قدرات علاج قويّة، لكن في هذه اللحظة، تحطّمت تلكَ الصّورة تمامًا.
دخلتُ الخيمة و اعترفتُ فجأةً كما لو كنتُ ارتكبتُ خطيئة كبيرة، لكنّه كان مجرّد عرض تدمير ذاتيّ رائع.
شعرتُ بحرارة وجهي ترتفع دونَ أن ألمسه.
في هذه الأثناء، كان إلفينيراز لا يزال يحاول كتم ضحكه، بينما يسعلُ بصوتٍ عالٍ، ثمّ غطّى وجهه بيده الكبيرة و أطلق تنهيدةً طويلة.
كان واضحًا أنّه يحاول كتم ضحكه، أردتُ أن أدفن نفسي في الأرض.
كانت رؤية شخصٍ طويل القامة و كبير البنية ، يضحكُ هكذا ، أمرًا ممتعًا بحدّ ذاته.
خلالَ عشرة أيّام تقريبًا، كنتُ أراه بوجهٍ جادّ بسببِ قيادته للحرب، لكن رؤيته يضحك بمرح كانت مبهجة… لكن ليس عندما يكون السّبب هكذا. لم أكن سعيدةً على الإطلاق.
بينما كنتُ أنظر إلى الأرض و أشعر بكلّ المشاعر السّلبيّة، سمعتُ صوت إلفينيراز:
“استدعيتكِ لأنّني سمعتُ أنّ كهنة أبفنيل يضايقونكِ، و أردتُ الاعتذار.”
“…ماذا؟ لماذا تعتذر أنتَ…؟”
“لأنّ الأشخاص الذين ينتمون إلى نفس المعبد الذي أنتمي إليه فعلوا ذلك، ولأنّني لو كنتُ أكثر انتباهًا، لما حدثَ هذا.”
لكن هذا خطأهم، فلماذا…؟
لم يكن يتجاهل الأمر عمدًا، هو فقط علِم به للتوّ.
بينما كنتُ أقول له أنّه لا داعي لذلك بوجه محتار، قال بجديّة:
“سأتحدّث إلى الكهنة بنفسي. لذا، أرجوكِ، تقبّلـي اعتذاري.”
“لا، القائد، لستُ رافضة لاعتذاركَ، لكنّني أقول إنّه لا داعي لاعتذاركَ . لستُ أطالب بمسؤوليّة جماعيّة، و أنتَ لم ترتكب خطأً، فلماذا تقلّل من نفسكَ و تطلب منّي قبول اعتذاركَ؟”
وعلاوةً على ذلك، أليس الكهنة و فرسان أبفنيل مختلفين قليلاً؟
صحيح أنّهم ينتمون إلى المعبد ذاته، لكن لا يوجد سبب يجعل قائد الفرسان مسؤولاً عن هذا الأمر.
واصلتُ الرفض، لكنّه أصـرَّ على قبول اعتذاره، فشرحتُ رأيي بالتّفصيل.
بينما كنتُ أتحدّث، كان إلفينيراز ينظر إليّ بهدوء، و ظلّ صامتًا لفترةٍ بعد انتهائي.
كانت نظراته المباشرة إليّ محرجة قليلاً. تساءلتُ إن كان يحاول قراءة أفكاري لمعرفة إن كنتُ صادقة، فقد كانت نظراته قويّة جدًا.
“…نعم، كلامكِ صحيح.”
لكن في النّهاية، ابتسمَ إلفينيراز بعينيه الممتدتين و قال إنّ كلامي أعجبه كثيرًا، رغمَ تأخّر ردّه لبضع ثوانٍ.
“خشيتُ أن تكرهي أبفنيل إذا شعرتِ بالإهانة.”
“…حسنًا، هذا هو السّبب إذًا.”
نظرًا لقلقه من سبب غريب، نظرتُ إليه باستغراب و أطلقتُ تعجّبًا لا معنى له، فضحك مجدّدًا.
لا أفهم حقًا، لكن يبدو أنّ زرّ الضّحك لديه قد ضُغط منذُ قليل.
والسّبب… آه، اللّعنة.
أردتُ الاختباء مجدّدًا.
أمسكَ يدي وأنا أشعر بالخجل. كانت يده، التي تركها عندما ضحك، قد عادت لتغطّي يدي بحذر. كانت يده كبيرة جدًا لدرجة أنّها غطّت يدي بالكامل تقريبًا.
نظرتُ إلى يدي مرتبكة، فنظرَ إليّ إلفينيراز بحذر و رفعَ.يدي ببطء.
“في الحقيقة، العلاج بالقوّة المقدّسة يتطلّب إخلاصًا كبيرًا. إذا كان هناك أيّ نفور من الشّخص، فلن يتمّ إلا نصف القدرة العلاجيّة…”
قبّـلَ ظهر يدي بأدبٍ شديد.
“لا يمكن أن يدير تدبير الحاكم ظهره لنا.”
بعد القبلة الخفيفة، رفعَ رأسه و التقت عيناي بعينيه الذّهبيّتين مباشرةً. كنتُ مرتبكة و محرجة جدًا، فشعرتُ بحرارة في خدّيّ مجدّدًا.
ابتسمَ بلطف.
“في المرّة القادمة، سأتأكّد من أن أُصاب لأستدعيكِ. هكذا يمكنكِ رؤيتي عن قرب أكثر.”
…شعرتُ ببرودةٍ في خدّيّ فجأةً.
يبدو أنّني لن أنام اللّيلة بسببِ ركل البطانيّة.
* * *
لم أستطع النّوم حقًّـا.
كان الكهنة في الخيمة نائمين منذُ ساعات، لكنّني كنتُ مستيقظة منذُ ساعات.
لا يوجد ضوء لأرى السّاعة، لكن أظنّ أنّه حوالي السّاعة الواحدة أو الثّانية بعد منتصف اللّيل.
لم أنم بسببِ الذّكريات المحرجة التي جعلتني أركل البطانيّة، لكن القلق بشأنِ جدول الغد والمستقبل كان يسيطر عليّ أكثر.
اليوم، أو بالأحرى بالأمس، كان هناك جريحان فقط، لكن قيل إنّ الاستطلاع قد انتهى.
كانت الأماكن التي يمكن أن تُستخدم للكمين كثيرة، و الجبل نفسه شديد الانحدار، ممّا استغرق وقتًا في الاستطلاع، لكن تـمّ التأكّد من الأمان، لذا سننتقل إلى الجبل التّالي.
بعد تجاوز الجبل الثّالث، هناك سهل يمكننا الرّاحة فيه ليومٍ واحد قبل مواصلة التّسلّق. قيل إنّ الدّوق ويلارد قد زارَ هذا الجبل من قبل، لذا سيكون استكشافه أسهل.
بالطّبع، الجبل وعر، لكن بما أنّه معروف، يمكن تحمّله، لهذا شعرَ الكهنة بالإطمئنان.
ومع ذلك، كنتُ مضطربة. كان الجميع يتوقّع النّصر السهل على فيوس، لكنّنا لا نزال نواجه صعوبات.
الحدود الغربيّة ليست مؤلّفة من مبانٍ ضخمة أو تضاريس خاصّة، بل المنطقة نفسها عبارة عن سلاسل جبليّة وعرة تُعتبر حصنًا.
يقولون إنّ تجاوز هذا الجبل سيسهّل الدّخول إلى أراضي فيوس…
لكنّني أرى جنودًا ينزفون أمام عينيّ منذُ ستّة أيّام. لم يظهر مصابون بجروح خطيرة جدًا بعد، لكن رؤية الجنود ينزفون و يعرجون جعلتني مضطربة.
لحسنٌ الحظّ أنّ المعالجين موجودون، و إلّا لكانت الإصابات تزداد بينما يزداد الطّريق صعوبة، وهو أسوأ سيناريو.
و علاوةً على ذلك، كان استنفاد القوّة المقدّسة للمعالجين واضحًا يوميًا. في اليوم الأوّل، كانت قوّتنا ممتلئة بنسبة 100%، لكن الآن، حتّى بعد النّوم، لا تتجاوز 60-70%.
هل سنعود بأمان…؟
شعرتُ برغبة في التّذمّر من الذين طمأنوني.
عندما أعود إلى المعبد، سأصرخ على الكاهن ديموتيو أن يحضر “ثلجًا ساخنًا”.
قالوا إنّها حرب آمنة، لكنّها كانت كذبة واضحة.
ربّما كانوا يستخدمون السّخرية لنقل رسالة قويّة ضدّ التّعامل مع الحرب كلعبة.
تنهّدتُ بعمق. لم أستخدم قوّتي المقدّسة اليوم، لذا شعرتُ بتعب أقلّ، و لم أستطع النّوم.
بعد عشر دقائق من التّقلّب، نهضتُ أخيرًا.
سأتجوّل قليلاً.
ارتديتُ حذائي بحذر و خرجتُ من الخيمة. بمجرّد رفع ستارة المدخل، هبّت نسمة باردة، فأغلقتُ الستارة بسرعة و تأكّدتُ من إحكامها لمنع دخول الهواء.
“ها…”
كان هواء الفجر في الجبل باردًا. بسببِ الأشجار والأعشاب المحيطة، كان الهواء مشبعًا برائحة النّباتات و قليلاً من الرّطوبة.
هل يمكن رؤية النّدى في اللّيل…؟ نظرتُ إلى السّماء شاردة، ثمّ أحكمتُ معطفي مع هبّة ريح أخرى.
خارجَ الخيمة، كانت هناك نار مشتعلة على أكوام الحطب بفواصل منتظمة. رأيتُ جنديين يقومان بالحراسة اللّيليّة، لكنّهما بدَوا متعبين جدًا و كانا يغفوان واقفين.
شعرتُ بالشّفقة عليهما و نظرتُ إليهما بحزن، ثمّ تحرّكتُ بحذر.
سأتجوّل داخل المعسكر الأساسي و أعود.
بدأتُ أعتاد على هواء اللّيل، وكان شعورًا لطيفًا.
خطوة، خطوتان، ثلاث خطوات.
عندما كنتُ على وشكِ الخطوة الرّابعة، سمعتُ صوتًا باردًا من الخلف:
“ما الذي تفعلينه في هذا الفجر؟”
كان الصّوت باردًا كما لو كان برد الفجر مركّزًا فيه.
لم أتحدّث معه كثيرًا، لكن تعرّفتُ على الصّوت فورًا، فارتجفت كتفاي.
“آه، مرحبًا.”
استدرتُ بابتسامةٍ متردّدة. كان القمر مكتملاً و مشرقًا، ممّا جعل الرّؤية واضحة رغمَ أنّه الفجر.
لكن عينيه البنفسجيّتين كانتا مظلمتين كأنّهما تحتضنان الظّلام.
كان ذلكَ بسببِ الإرهاق حول عينيه.
مواجهة شخص بهذا الإرهاق في الفجر جعلتني أشعر بالخوف قليلاً.
“لقد سألتُكِ، ماذا تفعلين؟”
نظراته المتشكّكة زادت من خوفي. بما أنّنا في حرب مع فيوس، كان خروجي من الخيمة في الفجر يبدو مُريبًا.
“لم أستطع النّوم، فخرجتُ للتجوّل قليلاً.”
أوضحتُ نيّتي بأدب شديد. تفاجأتُ بظهوره المفاجئ، لكن شكوكه كانت مبرّرة، فأجبتُ بأدب دون إظهار ارتباكي.
لكن رغمَ تفسيري، بدا الدّوق ويلارد غير مقتنع، فأمال رأسه قليلاً و نظرَ إليّ.
كانت نظراته المتمعّنة مرعبة حقًا.
“الكهنة عادةً ينامون مبكرًا بسببِ الإرهاق.”
“آه، اليوم كان عدد المصابين قليلاً و إصاباتهم خفيفة، فلم أعالج أحدًا.”
“…وأنتِ، كنتِ تبدين متعبة من التّسلّق عادةً. هل أصبحتِ مرتاحة بعد ثلاثة أيّام فقط هنا؟”
عبسَ الدّوق قليلاً و أكمل.
خفقَ قلبي خوفًا من عبوسه الخفيف، لكنّ كلامه التّالي فاجأني،
فأصدرتُ صوت “آه…” بغباء.
كيفَ عرفَ الدّوق ذلك؟
لا، بالطّبع، كنتُ الأكثر تأخّرًا و تعبًا في التّسلّق بين الجميع.
كنتُ أتشبّث بليلي خوفًا من أن أتخلّف عن الآخرين، و كانت هي تضحك و تنتظرني قليلاً.
حسنًا، من المنطقي أن يعرف…
شعرتُ بالإحراج و ابتسمتُ بتكلّف، لكنّ الدّوق لم يظهر أيّ ابتسامة، فمحوتُ ابتسامتي أيضًا.
طـالَ الصّمت. كان صوت الحشرات و هدير الأعشاب مع الرّيح يتردّد. كان صوت الأشجار المتمايلة غريبًا و مهدّئًا في آنٍ واحد، فتحدّثتُ أخيرًا:
“في الحقيقة، هذه أوّل حرب أشارك فيها.”
“….”
“بالطّبع، قلتَ إنّها لا تُسمّى ‘حربًا’… لكن رؤية النّاس يتأذّون أمام عينيّ تجعلني مضطربة.”
‘لقد مـتّ في حياتي السّابقة . رغم ذلك ، لم أرَ أحدًا يموت أمامي…’
ابتلعتُ هذه الكلمات و أظهرتُ تعبيرًا شاردًا، فـردَّ الدّوق بالصّمت.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 7"