* * *
في الحقيقة، لم تؤثّر مضايقات كهنة أبفنيل الصبيانية عليّ كثيرًا، ليس لأنّني هادئة الطّباع، بل لأنّني كنتُ متعبةً جدًا من الرّحلة الشّاقة.
بدأ الأمر في اليوم الذي أُصيبَ فيه أحد فرسان أبفنيل بجروحٍ خطيرة.
منذُ اليوم التّالي، أصبحت الجبال التي دخلناها، كما تنبّأت ليلي، وعرة جدًا.
قيل إنّ جيش فيوس لديه العديد من الأماكن للاختباء، ممّا أدّى إلى هجمات مفاجئة متكرّرة. كانت السّهام تطير فجأةً من أماكن غير متوقّعة، وكانوا يهاجمون من الخلف.
زاد عدد الفرسان المصابين بشكلٍ ملحوظ. لم يقتصر الأمر على فرسان أبفنيل، بل بدأ فرسان نيكيل أيضًا يعودون مصابين بمعدّل خمسة أو ستة في كل مرّة. لذا، كان المعالجون في حالة تأهّبٍ دائم عند عودة الفرسان من الاستطلاع، ثمّ ينشغلون بالتّنقل بعدها.
استمرّ هذا الوضع لثلاثة أيّام. وفي خضمّ ذلك، بسبب طلب إلفينيراز السّابق منّي مباشرةً لعلاج أحد الفرسان، بدأ الفرسان يتوافدون إليّ.
كنتُ أتولّى علاج الفرسان المصابين بجروح خطيرة أوّلاً، وعندما كان لديّ وقت فراغ، كان الفرسان يأتون إليّ بهدوء و يطلبون العلاج.
كان الكهنة الآخرون قد أنهوا جولة العلاج وأصبحوا مرهقين، لذا كنتُ أبدو، نسبيًا، في حالة جيّدة. كانوا يمدحونني و يمدّون أذرعهم المصابة بحذر. لم أستطع قول “انتهى العمل”، فاستخدمتُ قوّتي المقدّسة لعلاجهم.
بحلولِ اللّيل، كان جميع الكهنة ينهارون من الإرهاق. حتّى بعد الرّاحة، وبما أنّ المعبد بعيد، كانت استعادة القوّة المقدّسة بطيئة، فكان الجميع في الصّباح يبدون مرهقين.
يبدو أنّ فيروس الزّومبي ينتشر.
الآن أدركتُ أنّ الدّوق ويلارد لم يُصب قطّ. وكذلك نائب قائد فرسان نيكيل لم يحتج إلى علاج.
حتّى نائب قائد فرسان أبفنيل أُصيب، لكن إلفينيراز، القائد، لم يُصـب. في الأيّام التي كانت إصابات الفرسان فيها خطيرة، كانا هما دونَ أيّ خدش.
بالطّبع، هناك فرسان آخرون لم يصابوا، لكن هؤلاء كانوا بارزين بشكلٍ خاص، فشعرتُ بالدّهشة والإعجاب.
“شكرًا على العلاج، الكاهنة رينيشا.”
بينما كنتُ أتجوّل حولَ المعسكر لأنّ البقاء في الخيمة كان مملًا، اقتربَ منّي أحد فرسان أبفنيل بحذر و تحدّث إليّ. كان غادييل، الفارس الذي عالجته بالأمس.
كان كتفه قد أُصيبَ بجرحٍ طويل، لكن لحسنِ الحظّ لم يكن عميقًا، فتعافى كثيرًا أثناء العلاج. بالطّبع، العلاج بالقوّة المقدّسة لا يشفي تمامًا، لذا يجبِ أن يكون حذرًا لبضعة أيّام…
“ستذهبون للاستطلاع مجدّدًا، أليس كذلك؟ ألا تشعر بالخوف؟”
كنتُ أشعر بالخوف تدريجيًا… كنتُ مطمئنة لأنّ الجميع توقّع النّصر السهل، لكن مع رؤية الفرسان المصابين، كان قلبي يخفق بقوّة كلّما رأيتُهم. لم أستطع النّوم جيّدًا في اللّيل.
بينما كان الكهنة يغطّون في نوم عميق، كنتُ متعبة جدًا لكن لا أستطيع النّوم، لذلك أنا أتحوّل إلى زومبي بسرعةٍ أكبر.
“هاها، حتّى لو أُصبتُ، ستعالجينني، أليس كذلك؟ لا داعي للقلق!”
“لا… من الأفضل أن تكونَ حذرًا لتجنّب الإصابة.”
“في ساحة المعركة، إذا حافظتُ على نفسي، سيتعرّض مَنٔ خلفي للخطر. أليس من الضّروري تحمّل الإصابة؟”
ضحكَ غادييل مازحًا. كانت نبرته خفيفة، لكن معنى كلامه جعلني عاجزةً عن الضّحك.
كان يقف في الخطّ الأوّل لهذا السّبب، ويبدو أنّني قلتُ شيئًا غير مدروس. تنهّدتُ و اعتذرتُ، فقال إنّه لا داعي لاعتذاري وقفز بحماس.
كان من أكثر فرسان أبفنيل حيويّة.
“وعلاوةً على ذلك، القائد يقضي على الأعداء بسرعة، فلا أخاف كثيرًا. بركة النّور ستنقذنا.”
لم أرَ إلفينيراز يستخدمُ سيفه المقدّس من قبل، لكنّني استطعتُ التّخيّل.
مقبض السّيف المرصّع بالجواهر و المزيّن بشعار أبفنيل كان استثنائيًا، ومظهره عند إخراجه من الغمد يجب أن يكون رائعًا. السّيف نفسه كان كبيرً جدًا.
أومأتُ برأسي موافقة وأنا شاردة، فاقتربَ غادييل وهمسَ لي كما لو كان يشاركني سرًّا.
لم يكن هناكَ أحد حولنا ليسمعه، لكن قرّرتُ مواكبته.
“في الحقيقة، تحدّثَ القائد عنكِ.”
“…ماذا؟ لماذا؟”
“قال إنّ وجودكِ هنا أمر رائع. هذا يعني أنّ قوّتكِ المقدّسة هائلة.”
…آه، شعرتُ بالحرج الشّديد. بينما كنتُ أرمش بعينيّ دونَ أن أردّ، ضحكَ غادييل بصوتٍ عالٍ وقال إنّه سيذهب للتّعامل مع فيوس دونَ قلق.
قلتُ له إنّني لا أستطيع إحياء الموتى، بينما كنتُ أرغب في ركل بطانيتي من الإحراج.
أن يقول الشّخص الذي يشبه الشّخصيّة المقدّسة إنّ وجودي أمر هنا مذهل كان وصفًا مبالغًا فيه. شعرتُ فجأة أنّ اسمي “رينيشا”، الذي اخترته بعناية ليبدو راقيًا، أصبحَ متواضعًا مقارنةً بهذا الوصف.
تساءلتُ فجأةً إن كنتُ أريد رؤية تلكَ الشّخصيّة المقدّسة عن قرب مجدّدًا. مرّت عشرة أيّام على الحملة، ولم أتحدّث معه سوى يوم اللّقاء الأوّل ويوم علاج الفارس المصاب.
وجهه يستحقّ الرّؤية عن قرب…
يشبه الأمر النّظر إلى تمثال متقن في كاتدرائيّة. لكن للقاء إلفينيراز عن قرب… أممم، ربّما فقط إذا أُصيب. إذا أُصيبَ بجروح خطيرة، سأعالجه.
فكّرتُ في الأمر، لكنّه بدا قاسيًا، فألغيتُ الفكرة بسرعة. بالطّبع، حتّى لو تمنّيتُ إصابته، فهو قويّ جدًا ولن يُصاب.
* * *
لكن، حدثَ ذلكَ فعلاً!
لا أصدّق.
كان قلبي يخفق بجنون.
هل لأنّني فكّرتُ أنّه لو أُصيبَ مرّة واحدة سيكون أمرًا جيّدًا، هو قد أُصيب فعلاً؟
هل وصلت قوّتي المقدّسة، التي قيل إنّها استثنائيّة، إلى درجة تحقيق أفكاري؟!
لم أستطع أن أهدأ. كانت ساقاي ترتجفان وأنا أتوجّه إلى الخيمة، وشعرتُ أنّني سأنهار في أيّ لحظة.
كان الحادث كالتّالي: كالمعتاد، خرجَ جميع الكهنة من الخيمة لاستقبال الفرسان العائدين من الاستطلاع.
عادةً، يتولّى معالجان كلّ جندي مصاب، فكنّا نجهّز الماء الدّافئ، المناشف النّظيفة، والأقمشة للضّغط على الجروح.
حتّى لو كان المعالج ماهرًا، لا يمكنه شفاء جرح ينزف بشدّة تمامًا.
ربّما يستغرق الجرح الذي يحتاج عشرة أيّام للشّفاء أربعة أيّام مع العلاج، و يكون العلاج لوقف النّزيف و تسريع الشّفاء قليلاً.
بينما كنّا نجهّز لما بعد العلاج، كان هناك اليوم جريحان فقط، لحسنِ الحظّ.
أحدهما أُصيب بسبب وقوعه في فخّ و تدحرجه، فاحتاج إلى علاج جروح طفيفة.
لكن كتف الآخر كان في حالةٍ سيّئة، وكان وجه إلفينيراز، الذي يساعده، شاحبًا.
شعرتُ أنّ شيئًا غريبًا يحدث، و عندما اقتربتُ لعلاج الجندي، طلبَ إلفينيراز من كاهن آخر علاجه وطلب منّي الذّهاب إلى خيمته.
تفاجأتُ وقلتُ “نعم؟” بردّ فعل غبيّ. لم يقل شيئًا ودخلَ خيمته.
رأيتُ ظهره… كان مغطّى بالدّماء.
منذُ تلك اللحظة، توقّف عقلي عن العمل من الصّدمة.
يبدو أنّه أُصيبَ بجرح كبير، لكنّه لم يطلب العلاج على الفور، ربّما خوفًا من أن تكتشف الفرقة إصابته، ممّا قد يؤثّر على معنوياتهم. إذا أُصيب الشّخص الذي يعتمد عليه الجميع، سينتشر القلق.
وقفتُ أمام خيمة إلفينيراز و أخذتُ نفسًا عميقًا. حاولتُ أن أهدأ، لكن حتّى التّنفّس كان مرتجفًا.
لم تمرّ ساعات منذُ أن فكّرتُ بفكرةٍ غير لائقة في أنّ إصابته ستتيح لي رؤيته عن قرب.
لم يُصب بسببِ أفكاري، لكنّ شعور الذّنب كان لا مفرّ منه.
رفعتُ ستارة الخيمة بيد مرتجفة، ورأيتُ عباءة إلفينيراز ملطّخة بالدّماء، فشهقتُ.
“آه، الكاهنة.”
“آسفة، آسفة!”
صرختُ دونَ وعي.
كان كلامًا غير منطقي، لكن عندما رأيتُ وجهه الشّبيه بالشّخصيّة المقدّسة، شعرتُ أنّني يجب أن أعترف بخطيئتي و أطلب الغفران. فهمتُ الآن لماذا يتمّ الاعتراف في الكاتدرائيّات.
“…ماذا؟”
“أنا… لقد فكّرتُ بأفكارٍ غير لائقة. لم يكن يجب أن أفكّر بهذا، لم أكن أعلم أنّ تمنّي شيء كهذا سيجعله يتحقّق هنا…”
شعرتُ بدفءٍ يغمر يدي المرتجفة. اقتربَ إلفينيراز منّي، و نظرَ إليّ بوجه متفاجئ قليلاً وقال بهدوء:
“الكاهنة رينيشا، اهدئي أوّلاً.”
شعرتُ كأنّني أواجه ملاكًا. قال لي أن أهدأ، لكن رؤية شخص يلمع كالذّهب أمامي جعلتني عاجزة عن الشّعور بالهدوء.
كان شخصًا مضرًّا قليلاً لقلبي.
لكن الدّفء كان له تأثير كبير. أدركتُ مدى سخافة كلامي.
شعرتُ بالخجل الشّديد.
“…لا، لقد تفوّهتُ بالهراء.”
“ماذا؟ لكنكِ قلتِ إنّك فكّرتِ بأفكار غير لائقة.”
آه، لقد سمعَ ذلكَ بوضوح. شعرتُ بمزيد من الخجل.
لكنّ شخصًا أكبر منّي بكثير يمسك يدي و يهدّئني، ثمّ يميل برأسه قليلاً و يسألني عما حدث، جعلَ تأثير الشّخصيّة المقدّسة يعود فتحرّك فمي دونَ وعي.
يبدو أنّ إلفينيراز يملك مهارة خاصّة.
في النّهاية، و بوجهٍ محمرّ، أخفضتُ رأسي وبدأتُ أعترف بتلعثم:
“…فكّرتُ أنّه سيكون جيّدًا لو أنّكَ أُصبتَ.”
“…لماذا؟”
“لأنّني… سأتمكّن من رؤيتكَ عن قرب. لكن، من فضلك، لا تسيء الفهم. ليس لديّ نوايا غريبة، فقط لأنّكَ تبدو مثل شخصيّة مقدّسة، أردتُ رؤيتكَ عن قرب، لكن هذا يجعل الأمر يبدو و كأنّ لديّ نية غريبة…”
لقد دمّرتُ نفسي.
لا يمكن القول إنّ هذا ليس تدميرًا ذاتيًا.
حتّى لو كنتُ أعترف، لم يكن عليّ أن أكشف كلّ شيء بهذا الشّكل… شعرتُ بالنّدم و الخجل الهائلين، لكن يده التي تمسك يدي كانت ترتجف.
“ههمم؟”
بينما تساءلتُ، انفجرَ فجأةً بالضّحك.
كانت ضحكة عالية تناسب تعبير “انفجر ضاحكًا”.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 6"