* * *
لذا، مع اقتراب وقت عودة الجنود من الاستطلاع، خرجَ الجميع من الخيمة و وقفوا بشكلٍ طبيعي خلف كهنة أبفنيل.
وقفتُ أنا و ليلي في الصّف الأخير و تبعناهم.
كنا ذاهبين لتفقّد حالة الفرسان العائدين من الاستطلاع، لكن رأسي كان ممتلئًا بالقلق بشأنِ تسلّق الجبل في اليوم التّالي.
بعد أربعة أيّام دونَ أيّ أحداث تُذكر، كنتُ قد بدأتُ أشعر بالأمان.
“أسرعوا، أسرعوا، نحتاج إلى كاهن!”
صارت الأجواء في الخارج صاخبة. هرع كهنة أبفنيل، الذين كانوا في المقدّمة، نحو المكان.
كانت دروعهم البيضاء مشوّهة عند منطقة البطن، و كانت الدّماء تغطّي الشّعارات الذّهبيّة. كما كانت الأذرع مصابة، وكان هناك ثلاثة جرحى آخرين.
لم يصب فرسان الإمبراطوريّة “النيكيل”، الذين ذهبوا للاستطلاع غربًا بأيّ أذى، لكن يبدو أنّ هجومًا مفاجئًا وقعَ من الشّرق، حيث كان الأعداء مختبئين.
كان الرّجل الأكثر إصابة، الذي كان إلفينيراز ينظر إليه بوجه متصلب، ينزف من بطنه و ذراعه.
هرعَ كاهن من أبفنيل، كان دائمًا في الصّدارة، إلى الفارس المصاب و حاولَ رفع يده فوق الجرح بعد أن شمّر عن كمّه.
لكن صوت إلفينيراز المنخفض رنّ:
“الكاهنة رينيشا.”
“…نعم؟”
كان استدعاءًا غير متوقّع، فتفاجأتُ أنا و الجميع. نظرَ الكاهن الذي كان على وشكِ البدء بالعلاج إلى إلفينيراز بتعجّب.
نظرَ إلفينيراز إليّ و إليه بالتّناوب، ثمّ قال بهدوء:
“أريد أن تعالجيه أنتِ.”
“…القائد، يمكنني أن أعالجه.”
“نعم، أعلم أنّك تستطيع أيّها الكاهن فارسي، لكن سيكون من الأكثر كفاءة لو عالجته الكاهنة رينيشا.”
كلامه غير مفهوم.
خبرتي ككاهنة لا تتجاوز ثلاث سنوات، بينما قيل إنّه يملكُ عشر سنوات من الخبرة. إذًا، لمـاذا طلبني أنا؟
لكن لم أستطع تجاهل طلبه، فتحرّكتُ.
كانت وجوه كهنة أبفنيل الواقفين في المقدّمة متصلبة.
شعرتُ بنظراتهم تتبعني مع كلّ خطوة.
شعرتُ كأنّ ظهري يُثقب.
* * *
تبيّن سبب تلك النّظرات في اليوم التّالي.
لم يكن هناك حاجة لتحليل طويل: الحسد، الغيرة، و الشّعور بالنّقص.
كان كهنة أبفنيل، المعبد الرّسمي، يفتخرون بمكانتهم و يتولّون الصّدارة دائمًا، و توقّعوا أن يكونوا هم الأبطال في هذه الحرب.
لكن فجأةً، استُدعيتُ أنا، القادمة من معبدٍ صغير، تحت كلام كوني الأكثر كفاءة، وهو ما كانَ إهانة لهم.
علمتُ لاحقًا من ليلي أنّ إلفينيراز يستطيع استشعار قوّة الكهنة المقدّسة إلى حدٍّ ما.
رأى أنّ قوّتي المقدّسة أقوى من قوّة فارسي، فاعتبر أنّ استخدامي لـ30% من قوّتي مع إرهاقٍ خفيف أكثر كفاءة من استخدام فارسب لـ90% من قوّته مع الشٌعور بالإرهاق التّام.
لحسنِ الحظّ، تعافى الفارس الذي عالجته في يومين. لم تكن الإصابة قد أضرّت بأعضائه الدّاخليّة، فتعافى بسرعة.
شكرني، فطلبتُ منه بأدب أن يحمينا بنوره.
لكن أثناء هذا الحديث القصير، استمرّت النّظرات الحادّة التي شعرتُ أنّها تثقب ظهري.
في عالم خيالي يحتوي على هالة السّيف، ربّما تكون قوّة النّظرات أيضًا حقيقيّة… كانت النّظرات شديدة جدًّا.
لم يُظهر الكاهن فارسي، الذي أُجبِـر على التّنحي، حسدًا واضحًا، لكنّه كان ينظر إليّ أحيانًا بنظراتٍ مليئة بالشّعور بالنّقص، كما لو كان خجلاً من التّنحي.
و كونه كان مركزيًا بين كهنة أبفنيل، كان هناك العديد من الكهنة الذين استاءوا منّي لأنّه شعرَ بالإحراج بسببي.
كانت النّظرات شديدة لدرجة أنّني شعرتُ أنّه قدْ يتمّ استدعائي إلى السّطح يومًا ما للتّنمر عليّ، لكنّهم لم يتحدّونني أو يفتعلوا معي مشاجرة.
ظننتُ أنّ الأمر سيقتصر على النّظرات فقط، لكن…
“الكاهنة رينيشا، الكاهن فارسي ليس على ما يرام و يحتاج إلى طعام إضافي للتّعافي. هل يمكنكِ التّنازل عن حصّتكِ؟”
أخذوا طعامي بطريقةٍ خسيسة.
كان هناك العديد من الكهنة الآخرين، و كهنة أبفنيل يشكّلون اثني عشر من العشرين، فكان بإمكانهم التّنازل بينهم، لكنّهم طلبوا منّي أنـا بالذّات أن أتنازل لهم.
قالوا إنّ من لديه قوّة مقدّسة قويّة يتعافى بشكلٍ أسرع، و هو كلام سخيف. لو كان ذلك صحيحًا، لما كنتُ أرتجف من التّسلّق!
في المرّة الأولى، تفهّمتُ الأمر. لم يكن الطّعام في الحرب فاخرًا أو وفيرًا، لكن خبزًا واحدًا لن يجعلني أموت جوعًا. فتنازلتُ، لكن هذه المرّة الثّالثة.
عندما رأيتُ أربعة منهم يحدّقون بي و يطلبون منّي التّنازل، بينما كان فـارسي يسعب بصوت عالٍ في الخلف، شعرتُ بالشّفقة.
يا لجهدهم…
قرّرتُ أن أتفهّم “فارسي الخبز” بتسامح. كان يأخذ الخبز فقط، فأصبح بالنّسبة لي “فارسي الخبز”، لكنّني ابتسمتُ بإشراق وسألتُ عن حاله.
“أتمنّى أن تتعافى قريبًا.”
بابتسامتي النّقيّة، بدا أنّ ضميره تأنّب، فأشاح بنظره.
لم أرَ داعيًا للحديث أكثر، فتوجّهتُ إلى كرسي خشبي مع وعاء الحساء. كانت ليلي قد أخذت طعامها وجلست بالفعل.
جلستُ بجانبها و ألقيتُ تحيّة بعينيّ، لكن ليلي نظرت إليهم بوجهٍ بارد جدًا وسألت:
“ريني، هل كنتِ تُعطين طعامكِ لأبفنيل منذُ الأمس و حتّى اليوم؟”
لم أكن قد أعرتُ الأمر اهتمامًا عندما طلبوا منّي التّنازل، لكن يبدو أنّ ليلي لاحظت الوضع من حديثنا القصير.
عدّلت ليلي نظارتها و سألت مجدّدًا بنبرة غاضبة:
“هل أُخِـذ طعامكِ؟”
تفاجأتُ ، لكنها قامت فجأةً و توجّهت نحوهم بخطى واثقة.
آه، لا!
“مرحبًا، أيّها الكهنة. لقد رأيتُ للتوّ مشهدًا مؤسفًا، فهل يمكنني طرح سؤال؟”
“…إذا كنتِ تتحدّثين عن الخبز، فالكاهن فارسي ليس على ما يرام، و قد تنازلت الكاهنة رينيشا له.”
“تنازلت؟”
انحنت شفتا ليلي بابتسامة. أمام خمسة من كهنة أبفنيل، كانت ليلي تبتسم دونَ أيّ ارتباك، لكن عينيها خلف النّظارة لم تكونا تضحكان.
بدأ كهنة أبفنيل الآخرون يتجمّعون، إذ شعروا أنّ الجوّ غريب.
هذا خطير جدًا…
“لقد تـمَّ تعليمنا أنّ قبول التّضحية غير الطّوعيّة ليس من شيم خدم المعبد. بالطّبع ، هذا تعليم إلـنور، فهل يعلّم أبفنيل استغلال تضحيات الآخرين؟”
“…ماذا؟”
“وحتّى لو لم نكن كهنة، أعتقد أنّ هذا من أخلاق أيّ إنسان عادي. أم أنّ آراءكم مختلفة؟”
لم أكن قلقة على ليلي من أن يتمّ مضايقتها من الكهنة، بل كنتُ قلقة على صحّتهم العقليّة.
لأنّ ليلي، بعبارة عاميّة، كانت مقاتلة لفظيّة أسطوريّة.
“قلتم أنّه تنازل، لكن أربعة أشخاص يحدّقون و يأخذون الخبز ليس تنازلاً، بل سَلـبًا. آه، لكنني لا أعتقد أنّ كهنة أبفنيل يفعلون شيئًا هكذا، ربّما فقط اختلط عليكم الأمر، أليس كذلك؟”
“……”
“لا أظنّ أنّ كهنة أبفنيل العظماء لا يميّزون بين التّنازل الطّوعي و التّضحية القسريّة. ذلكَ مستحيل، أليس كذلك؟”
تفاجأ الكهنة من كلام ليلي المتدفّق و لم يتمكّنوا من الرّد.
كانت تتحدّث عن واجبات خدم المعبد، وهي تعاليم أساسيّة مشتركة بين مختلف المعابد.
كانت ليلي تستخدمها ببراعة لتوجيه نقد لاذع.
أخذت ليلي الخبز من فارسي، الذي كان يبدو مذهولاً، و ابتسمت ابتسامةً صادقة.
“من المؤسف أنّ الكاهن فارسي مريض. أتمنّى له الشّفاء العاجل.”
“…آه، نعم، نعم. شكرًا.”
ردّ فارسي بتلعثم و هو مذهول. انحنت ليلي قليلاً لإنهاء الحديث و توجّهت نحوي، ثمّ التفتت نصف التفاتة و قالت بقلق:
“كونوا حذرين أنتم أيضًا. قالت الكاهنة لينيا إنّ القوّة المقدّسة القويّة تسرّع التّعافي، لكن بما أنّ الكاهن فارسي يتعافى ببطء، أخشى أن تكون حالة الآخرين أسوأ إذا مرضوا.”
كانت خطوات ليلي وهي تعود خفيفةً بشكلٍ لافت.
…يجبُ ألّا أزعجَ ليلي أبدًا.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 5"