* * *
رأيتُ عدّة عربات محمّلة بالمؤن اللّازمة للقمع. كما رأيتُ العديد من الكهنة يرتدون زيّ أبفنيل المميّز… لا أصدّق، هل تأخّرتُ منذُ البداية؟
لحسنِ الحظّ، لم نكن قد تأخّرنا تمامًا، إذ لم تتّجه الأنظار نحونا عندما نزلنا من العربة. بما أنّنا الوحيدتان القادمتان من إلـنور، كان علينا فقط الإبلاغ للقائد العام بوصولنا.
بينما كنتُ أنظر حولي لا أعرف إلى أين أذهب، أمسكت ليلي بي وقادتني بثقة كما لو كانت معتادة على ذلك.
“ريني، انظري هناك. ذلكَ هو قائد فرسان أبفنيل.”
كنتُ متوترة بسببِ العدد الكبير من الأشخاص المتجمّعين . كان أكثر ممّا توقّعتُ، لكن لياي همست بهدوء. تحرّكت عيناي تلقائيًا نحو الاتّجاه الذي أشارت إليه، و دونَ وعي، أطلقتُ تعجّبًا:
“واو…”
لفتَ انتباهي على الفور قامته الطّويلة و بنيته القويّة، لكن ما جذبني أكثر كان شعره الأشقر البرّاق.
كنتُ أعلم أنّ أفراد العائلة الإمبراطوريّة غالبًا ما يكون لون شعرهم أشقر، لكن هذه المرّة الأولى التي أرى فيها لونًا ذهبيًّا يناسب شخصًا بهذا الشّكل.
كانت جبهته قصيرة و مشذّبة بعناية، تعطي انطباعًا أنيقًا، و كانت ملامح وجهه واضحة.
علاوةً على ذلك، كان ضخمًا، ومع درعه الكبير الخاص بفرسان أبفنيل، بدا أكبر بكثير.
إلفينيراز كريشيمير، ولي العهد و قائد فرسان أبفنيل. كريشمير هو اسم العائلة الإمبراطوريّة، ويعني “نور العالم”. و إلفينيراز يعني “نور النّاس”، اسم رنّـان حقًا. لكن عندما رأيته، بدا شخصًا لامعًا يليق تمامًا بهذا الاسم.
كان يحملُ سيفًا طويلاً رائعًا يُعرف بسيف أبفنيل المقدّس، وكان يبدو مناسبًا له بشكلٍ مثالي، كأنّه صُنع خصيصًا له قبل ثلاثمئة عام.
في عالمِ الخيال هذا، رأيتُ العديد من الأشخاص، ولم يكن الوسيمون قليلين، لكن أن أمدح شخصًا بهذا الشّكل يعني أنّه حقًا مذهل.
حتّى الآن، كان الدّوق ويلارد هو الوحيد الذي تركَ فيّ انطباعًا بوسامته في اللّقاء الأوّل.
آه، بالطّبع، انطباعي الحالي عن الدّوق هو أنّه “ملك الزّومبي”…
بينما كنتُ شاردة للحظة، التقت عيناي فجأةً بعينيّ إلفينيراز. كان يتحدّث مع فرسان آخرين، لكنّه أدار رأسه و نظرَ إلينا.
بما أنّه سيّد نادر في الإمبراطوريّة، ربّما شعرَ بوجودنا…؟ بطريقةٍ ما، بدأتُ أفكّر في سادة السّيف كأجهزة استشعار بشريّة.
“آه، أنتنّ الكاهنات القادمات من إلنور.”
اقترب إلفينيراز منّا، وقد تعرّف على شعار زيّ الكاهنة، و انحنى قليلاً كتحيّة لنا.
شعرتُ بالذّهول قليلاً، كأنّ شخصيّة من لوحة مقدّسة تقترب، لكن لحسنِ الحظّ، تمكّنتُ من تحيّته دونَ أن أرتجف.
حسنًا، ربّما ارتجفت نهاية صوتي قليلاً.
كان وسيمًا بشكلٍ مذهل.
“هل أنتِ رينيشا إلـنور…؟”
عندما أكّدتُ أنّني أنا، أومأ قليلاً و قدّم تحيّةً لـليلي أوّلاً. ردّت ليلي بأدبٍ شديد أيضًا.
بعد ذلك، نظر إليّ إلفينيراز و ابتسمَ بهدوء. كانت ابتسامته النّاتجة عن طيّ عينيه الممتدتين مشرقة.
آه، حتّى عيناه كانتا ذهبيّتين مبهرتين. كان شخصًا رائعًا لدرجةِ أنّ فناني الأجيال القادمة سيحتاجون إلى ذهبٍ مذاب بدلاً من أصباغ ذهبيّة لرسمه.
“سمعتُ الكثير عن الكاهنة رينيشا.”
“…شكرًا.”
لم أفعل شيئًا يستحقّ انتشار الحديث عني، لذا شعرتُ بالحرج قليلاً من قوله إنّه سمع الكثير. على الرّغم من أنّ قوّتي المقدّسة عالية، فإنّه، بصفته قائد فرسان أبفنيل، ربّما رأى أشخاصًا أكثر تميّزًا في أبفنيل…
شعرتُ بالخجل، فأخفضتُ رأسي قليلاً و شكرته، ثمّ تساءلتُ فجأةً لماذا أشكره. لم أكن أنا مَنٔ نشـرَ الحديث… شعرتُ أنّني أضع تعبيرًا محتارّا على وجهي. بعد تفكيرٍ قصير، ابتسمتُ بابتسامتي العمليّة و قلتُ:
“سمعتُ الكثير عنكَ أيضًا.”
وخزتني ليلي في خصري. كان واضحًا أنّها تعني “لا تقولي شيئًا غريبًا”.
لم أقل شيئًا غريبًا! إنّه حوار عاديّ تمامًا!
شعرتُ بالظّلم و نظرتُ إلى ليلي بنظرةٍ غاضبة، لكن إلفينيراز ضحكَ بصوت عالٍ من الأمام.
كانت ضحكة صريحة و واضحة.
لم يكن يسخر منّي، بل بدا أنّ ردّي أعجبه، فضحك بمرح و قال إنّه تشرف بذلك، فتبعتُه بالضّحك.
لا يمكنني إلّا أن أشعر بالسّعادة عندما يضحك شخصٌ وسيم أمامي.
كان الحديث الذي تَـلا ذلك أكثر جديّة.
منطقة الحملة هي الحدود الغربيّة للإمبراطوريّة، حيث استولت فيوس مؤقّتًا على حصن هناك. سنتجمّع بالقرب من الحدود لتجهيز الحالة، ثمّ ننفّذ الهجوم.
إذا نجحنا، سنتقدّم إلى أراضي فيوس من اليوم التّالي، و شرحَ لنا أين سيتمركز المعالجون و كيفيّة التّعامل في حالات الطّوارئ.
بدأ التّوتّر، الذي خـفّ قليلاً أثناءَ مواجهة مثلِ هذه الشّخصيّة المقدّسة، يضغط عليّ مجدّدًا.
أومأتُ برأسي بوجهٍ متصلب، لكن إلفينيراز ، الذي لاحظَ حالتي، ابتسمَ قليلاً.
“لا داعي للقلق. فرساني سيقومون بحمايتكما باسم أبفنيل و كريشمير، و بـنورنا.”
بشكلٍ سخيف ، شعرتُ بالرّاحة مجدّدًا بسببِ هذا الوعد الجادّ.
كنتُ أتنقّل بين التّوتّر و الرّاحة عشرات المرّات، لكن هذه المرّة كانت الأولى التي شعرتُ فيها بالأمان التّام.
مجرّد حوارٍ قصير معه جعلني أشعر بالاطمئنان.
ضحكتُ ببراءة و شكرته.
طريقة رفع نسبة بقائي لم تكن عبرَ الدّوق، بل عبر التعرّف على قائد فرسان أبفنيل.
شعرتُ أنّ الرّحلة ستكون مريحة.
* * *
لكن تبيّن بعد ساعاتٍ قليلة أنّ ذلك كان وهمًا كبيرًا.
“آه، آه… أشعر أنّني سأنهار.”
ركّزتُ كثيرًا على الحرب و غفلتُ عن حقيقة مهمّة جدًا: الحدود الغربيّة تتكوّن من سلاسل جبليّة وعرة للغاية.
كنتُ أركبُ العربة، لكن عندما اقتربنا من الوجهة، بدأت تهتـزّ بجنون بسببِ الطّريق الحجري غير المستوي. لذا نزلَ الجميع و بدأوا بالمشي، و هو أمر لم أتمكّن من تحمّله بسببِ لياقتي البدنيّة الضّعيفة.
هل أنـا هنا للحرب أم للتّدريب على التحمّل؟
كنتُ ألهث و أمشي، بينما كانت ليلي تتوقّف بين الحين والآخر و تتنهّد بعمق. هي هي أيضًا كانت متعبة.
لكن بالمقارنة بنا، كان كهنة أبفنيل لا يزالون هادئين نسبيًا، ربّما لأنّ لديهم خبرة في مناطق الحرب كمعالجين.
معالجون و لديهم لياقة بدنيّة عالية؟ هذا غشّ حقًّـا.
في النّهاية، كنتُ متعبة جدًا، فتمسّكتُ بشجرة قريبة و أطلقتُ تنهيدة طويلة. كان الأمر صعبًا للغاية.
“البيت… أريد العودة إلى البيت…”
“البيت؟ أنتِ ليس لديكِ بيت؟”
“…ليلي، هل يمكنكِ افتراض أنّني أعتبر المعبد بيتي؟”
رحلةٌ مقرّرة لشهرين جعلتني أرغبُ في العودة بعد خمس ساعات فقط بسببِ التّسلّق.
* * *
بعد جهدٍ كبير، وصلنا إلى قلعة اللّورد المحلّي في منطقة الحدود، حيثُ استراح الجميع و أجرينا تفقّدًا أخيرًا للحالة قبل الهجوم.
لحسنِ الحظّ، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الأعداء حتّى منتصف الجبل، فكان هناك جريحان فقط، و كانت إصاباتهما طفيفة في الذّراع.
عالجَ المعالجون الجرحى في القلعة، ثمّ حملنا أمتعتنا و انتقلنا إلى مكانٍ جديد.
بمعنى آخر، واصلنا تسلّق الجبل.
اللّعنة! اللّعنة! كنتُ أعلم أنّ المكان وعر، لكن لم أتوقّع أن يكون بهذا الشّكل.
كان من الأفضل إقامة معسكر عندَ سفح الجبل، لكن المنطقة لم تكن جبلًا واحدًا، بل سلاسل جبليّة بمئات القمم، لذا كان التّخييم في الجبل أكثر كفاءة.
في اليوم الرّابع، تجاوزنا الجبل الثّاني بسلاسة. حتّى الآن، لم تكن هناكَ خسائر كبيرة.
في هذه المرحلة، بدأتُ أشعر بالشّفقة على فيوس بجديّة.
لقد كانت الأزمة الاقتصاديّة في فيوس شديدةً لدرجة أنّهم اتّخذوا قرارًا يائسًا بمهاجمة هذه السلسلة الجبليّة العنيفة.
كانَ اختيار الإمبراطوريّة هدفًا مؤسفًا، لكن من منظور قصير الأمد، كان الهجوم على حصنٍ مجاور ذو حراسةٍ متراخية و لم يشهد حربًا منذ مئـة عام قرارًا معقولًا نوعًا ما.
عندما أفكّر في الثلاثمئة ذهبيّة، أشعرُ بالقوّة، لكن خوفي من الحرب لم يكن بسببِ خبرتي في بلـدٍ كانَ يعيش في هدنة في حياتي السّابقة، بل لأنّني كنتُ أشعرُ أنّني سأموت.
سأنهار بالتّأكيد بسببِ نقص اللياقة.
كان على المعالجين الانتظار في الخلف حتّى يعود الجنود من استطلاع الأوضاع، ثمّ معالجة الجنود العائدين، و بعد التأكّد من أمان الطّريق، يتحرّك الجميع معًا.
حتّى الآن، لم يكن هناك فرسان مصابون بجروح خطيرة، لذا لم يكن لديّ أنا و ليلي أيّ عمل تقريبًا.
ومع ذلك، كنتُ أرتجف من تعب التّسلّق لأربعة أيّام متتالية.
ظننتُ أنّ ليلي كانت تهتمّ بصحّتها لأنّني رأيتها تمارس الرّياضة خلالَ العشرة أيّام الماضية، لكنّني كنتُ غبيّة.
آه، آه.
عادةً، للمعالج كميّة محدودة من القوّة المقدّسة يمكنه استخدامها يوميًا، و خلال الحرب، يُنصح باستخدامها فقط في الحالات الطّارئة أو عند الضّرورة القصوى، لأنّ إهدارها قد يسبّبُ مشاكل إذا حدثَ شيءٌ مفاجئ.
لكنّني كنتُ مختبئة في زاوية أعالج ساقيّ.
بالنّسبةِ لي، كان الجلوس فجأةً بسببِ فقدان قوّة ساقيّ أثناء التّسلّق هو الحالة الطّارئة الأكثر احتمالاً.
نظرت ليلي إليّ وهي تُصدر صوت استهجان، لكن بما أنّها رأت ساقيّ ترتجفان، لم تمنعني.
“حتّى هذا الجبل، كان من السهل استطلاع التّضاريس، لكن من الجبل القادم، ستصبح الأمور أكثر صعوبة.”
“ماذا؟ لماذا؟ هل هذا بسببِ وعورة الجبل؟”
“هذا جزء من الأمر، و أيضًا بسببِ وجود العديد من الكهوف.”
تنهّدتُ بعمق و قلت أنّني فهمتُ عند سماع كلام ليلي.
احتمال إصابة شخصٍ ما، إلى جانب وعورة الجبل، أصبحا مصدر قلق مزدوج بالنّسبةِ لي.
بحلول ذلكَ الوقت، لن أتمكّن من معالجة ساقيّ بهدوء كما أفعل الآن.
بما أنّه لم يكن هناك عمل لنا لأربعة أيّام متتالية، كنتُ أنا و ليلي نرتاح في الخيمة أو نتجوّل في حدود المعسكر الأساسي.
كان المعالجون العشرون المشاركون في الحرب موزّعين على خيمتين، عشرة في كلّ خيمة، لكن لم تكن هناك محادثات وديّـة تُذكر.
مع ذلك، كان اثنا عشر من العشرين من كهنة أبفنيل، وبما أنّ أبفنيل هو المعبد الرّسمي، كانوا هم من يتولّون مركز الصّدارة في المحادثات بشكلٍ طبيعي.
لذا، عندما اقتربَ وقت عودة الجنود من الاستطلاع، خرجَ الجميع من الخيمة و وقفوا خلف كهنة أبفنيل بشكلٍ طبيعي.
وقفتُ أنا و ليلي في النّهاية و تبعناهم.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"