3
* * *
منذ أن اكتُشف أنّ قوّتي المقدّسة قويّة في معبد إلنور، زاد عدد الزّوار، ذلكَ بالمقارنة بالماضي، لكن في الحقيقة، لا يزال العدد قليلاً.
كنتُ أجني بعضَ المال، لكن معظم النّبلاء كانوا يفضّلون كهنة أبفنيل، المعبد الرّسمي، و كل ما يمكنني تقديمه مقارنةً بهم هو السّعر المنخفض، لذا كان عليّ تقديم العلاج ذاته بسعرٍ أقـلّ.
لذلك، على الرّغم من أنّ معبد إلنور دخلَ مرحلة الاستقرار، إلّا أنّه لم يكن غنيًا تمامًا، بل كان في وضع غامض.
مع ذلك، ظهرَ مصدر تمويل ضخم لمعبد إلنور: الدّوق الإمبراطوري.
قابيل ويلارد، وريث عائلة دوقيّة ويلارد و قائد فرسان الإمبراطوريّة. لم يرث لقب “الدّوق” رسميًا بعد، لكن تمّ تأكيد ذلكَ منذُ شهر، لذا كنّا ندعوه بيننا بالدّوق.
منذُ صغره، شاركَ في المعارك وحقّقَ انتصارات عديدة، و كان يُقال إنّ سيفه دائمًا ملطّخ بالدّماء، ممّا أكسبه لقب شبح ساحة المعركة.
هذا الشّخص زار معبدنا. منذُ حوالي ثلاث سنوات، منذُ أن أصبحتُ كاهنة رسميّة…
كان يأتي إلى هنا للنّـوم.
في البداية، تفاجأتُ. لمـاذا يفعل شيئًا كهذا؟
لكن التّبرعات الضّخمة التي كان يقدّمها للمعبد محت كلّ تساؤلاتي.
كلّ ما كان عليّ فعله هو رعاية نوم الدّوق بإخلاص دونَ أسئلة أو أفكار. بفضلِ قوّتي المقدّسة، كنتُ أستطيع تخفيف توتّره و جعله يشعر بالرّاحة.
لكن في الحقيقة، حتّى دونَ الحاجة إلى السّؤال، كان السّبب واضحًا. الهالات السّوداء تحتَ عينيه كانت تُظهر بوضوح أنّه لا ينام جيّدًا عادةً.
كانت عيناه عميقتان و مظلّلتان، و قد يبدو للوهلة الأولى مجرّد شخصٍ مرهق جدًا، لكن مستوى الإرهاق كان شديدًا، كأنّه فيضان.
انطباعي الأوّل عن الدّوق هو أنٌه كان يشبه ملك الزّومبي.
بشرته البيضاء الشّاحبة و شعره الأسود القاتم ذكّراني بمصّاصي الدّماء، لكنّه كان مرهقًا أكثر من أن يكونَ مصاص دماء.
بطريقةٍ ما، ذكّرني بنفسي عندما كنتُ أموت تحتَ ضغط الواجبات… شعرتُ بنوعٍ من التّعاطف الغامض.
في الواقع، لم يكن من النّادر أن يزور النّبلاء الذين يعانون من الأرق المعابد.
النّبلاء وحدهم هم مَنْ يستطيعون تحمّل ترف استخدام القوّة المقدّسة بدلاً من الأدوية لمشاكل النّوم.
على أيّ حال، هو زبونًا كنتُ ممتنّةً له، لكن عادةً، كان هؤلاء النّبلاء يتوجّهون إلى معبد أبفنيل.
معبد أبفنيل، الذي كان المعبد الرّسمي منذُ تأسيس الإمبراطوريّة، كان قويًا جدًا، و كان من الصّعب التغلّب على احتكاره. لذا، لم يسبق أن جاءَ أحد إلى إلـنور بسببِ الأرق، لكن الدّوق كان الأوّل.
أعتقد أنّ السّبب قد يكون أنّ أبفنيل مزدحم جدًا وصاخب. و إذا انتشرت شائعات عن زيارات الدّوق، فقد يسبّب ذلكَ إزعاجًا لـه.
الآن عندَ التّفكير في الأمر، يبدو أنّه وقّع على شرط حفظ السريّة مع تقديم تبرّعات ضخمة… تذكّرتُ هذه المعلومة عابرة و أسرعتُ بخطواتي. تأخّرتُ في الخروج من السّكن بسببِ حديثي مع ليلي.
“آه، لقد وصلتَ.”
كان الدّوق قد دخلَ المعبد بالفعل و هو يتحدّث مع الكاهن الأعلى ديموتيو.
كالعادة، كان وجهه شاحبًا و مرهقًا اليوم أيضًا. في كلّ مرّة أراه، أشعر أنّني سأراه منهارًا في المرّة القادمة. في الحقيقة، مجرّد وقوفه الآن يبدو إنجازًا، نظرًا للإرهاق الهائل الذي يبديه.
“لقد تأخّرتِ، ريني.”
“أعتذر.”
اعتذرتُ للكاهن الأعلى، ثمّ انحنيتُ مرّتين للدّوق. بدا و كأنّه لا يريد الرّد، أو ربّما كان يرغبُ في النّوم على الفور، فاكتفى بإشارةٍ بذقنه لأقوده.
كان يرتدي زيًا رسميًا أنيقًا، كما لو أنّه جاءَ مباشرةً من فرقة الفرسان، لكن لم يكن لديّ وقتٌ للنّظر إليه عن كثب، فتحرّكتُ على الفور.
توجّهتُ إلى الغرفة التي تحتوي على الأغطية التي جمعناها أنا و ليلي قبل ساعة. كانت غرفة الرّاحة في نهاية الممرّ الطّويل بالمعبد، و هي مخصّصة تقريبًا للدّوق.
بالطّبع، كانت أيضًا الغرفة التي قد أموت فيها في أيّ لحظة.
في المرّة الأولى التي استقبلتُ فيها الدّوق، كدتُ أموت حقًا.
كان الدّوق سيّد سيفٍ نادرًا في الإمبراطوريّة يستطيع استخدام طاقة السّيف، و كان حسّاسًا بشكلٍ مخيف لأيّ حركة.
وحتّى بغضّ النّظر عن كونه سيّد سيف، كان يتفاعل بحساسيّة شديدة مع أيّ حركة أثناءَ راحته.
ربّما يعاني من نوعٍ من التّوتر العصبي.
لم أكن أعرف ذلكَ في البداية، لذا عندما انطفأت إحدى الشّموع التي تضيء الغرفة و حاولتُ إشعالها مجدّدًا، أمسك بذراعي و كدتُ أُلقى على الحائط.
لحسنِ الحظّ، انتهى الأمر بتعثّري فقط…
منذُ ذلك الحادث، كان عليّ الجلوس ساكنة في الغرفة لساعات. حتّى قراءة كتاب كانت تتطلّب حذرًا شديدًا—ذات مرّة، قلبّتُ صفحة بسرعة، ففتح الدّوق عينيه فجأة، و كاد قلبي يتوقّف.
لذا قرّرتُ تخصيص ذلك الوقت للتّأمّل.
كأنّها غرفة زمنيّة و مكانيّة تجلبُ مالاً ضخمًا…
دخلتُ الغرفة و أشعلتُ الشّموع واحدةً تلو الأخرى، بينما خلعَ الدّوق سترته و علّقها على الشّمعدان.
عادةً، لا يوجد حديثٌ يُذكر بيننا.
كنتُ أحاولـ التّغلب على الإحراج بالسّؤال عن أحواله أو الحديث عن أمور تافهة، لكنّه كان يقول إنّني مزعجة أو يتجاهلني. لكن اليوم، كان لديّ شيء أريد سؤاله عنه، فتحدّثتُ بحذر شديد:
“أممم، دوق… لا، سيّدي الفارس.”
كنتُ سأناديه “دوق”، لكن بما أنّه لم يرث اللّقب رسميًا بعد، تردّدتُ ثمّ قرّرتُ مناداته “سيدي الفارس”.
لحسنِ الحظّ، نظرَ إليّ. عيناه البنفسجيّتان، المظلّلتان بالإرهاق، بدتا أعمق بسببِ الإرهاق المحيط بهما.
“هذه المرّة، ستذهبُ إلى الحرب، أليس كذلك؟”
“……الحرب؟”
مالَ رأسه قليلاً. نظرَ إليّ بعدم فهم، فشعرتُ فجأةً بالقلق من أنّه ربّما لن يذهب.
الحرب التي شعرتُ بالأمان بشأنها لأنّ قائد فرسان أبفنيل و قائد فرسان الإمبراطوريّة سيذهبان، ماذا لو غابَ أحدهما؟!
“سمعتُ أنّ فيوس أشعلت حربًا…”
“لا يمكن تسمية ذلكَ بحربٍ حتّى”
تحدّثتُ بقلقٍ كبير، لكن جاءني ردّ هادئ جدًا.
آه، فهمتُ. كنتُ قلقة لأنّني اعتقدتُ أنّ الدّوق لن يذهب إلى الحرب، لكن من وجهة نظره، لا يُعتبر ذلك “حربًا” حتّـى.
حسنًا، صحيح. بعد خوضه حروبًا مع ممالك كبيرة عدّة مرّات، معركة مع دولةٍ صغيرة مثل فيوس لا تُعتبر حربًا. ربّما يراها قمـع؟ أو فتـح؟
على الرّغمِ من أنّني وافقتُ بجرأةٍ على الحملة بسببِ الثلاثمئة ذهبيّة، إلّا أنّ القلق كان يراودني، لذا حاولتُ زيادة الـودّ مع الدّوق لزيادةِ فرص بقائي. لكن مجرّد هذه الكلمات القليلة جعلت فرص بقائي ترتفع، فشعرتُ بسعادةٍ كبيرة.
“أرجو أن تعتني بي جيّدًا، سيّدي الفارس!”
ابتسمتُ بإشراق و أنا أضع ابتسامتي العمليّة، لكن الدّوق عبس.
حسنًا، إذا أظهرتَ ردّ فعل صادق كهذا، سأشعر بالإهانة قليلاً…
“لماذا تطلبين منّي ذلك؟”
“آه، سأشاركُ أيضًا كمعالجةٍ في فيوس.”
عند ردّي، عبـسَ مجدّدًا. وجهه الآن يشبه الورق المجعّد تمامًا.
“لا تكوني مزعجةً هناك.”
مـاذا؟ لقد كنتُ أجلس بجانبكَ مثل التّمثال في كلّ مرّة، و أنتَ تقول لي الآن ألاّ أتصرّفَ بإزعاج؟
شعرتُ بالغضب، لكن لو أظهرتُ ذلكَ هنا، ستقلّ فرص بقائي، فاكتفيتُ بإيماءةٍ برأسي.
ربّما حتّى في هذه اللحظة، في هذا المكان، قد تصل نسبة بقائي إلى السّالب.
“سأتذكّر ذلك.”
و أكثر من أيّ شيء، أدركتُ موقعي كـ”جزء من الهرم”، فأجبتُ بأدب و لباقة.
في هذه الأثناء، استلقى الدّوق على السّرير أمامي دون أن ينظر إليّ وقال:
“أنتِ صاخبة.”
“…….”
يبدو أنّ جهاز التّحكّم الخاصّ بهذا الرّجل يحتوي فقط على زرّ كتم الصّوت.
* * *
مرّت عشرة أيّام بسرعة. كنتُ قلقةً جدًا بشأن الحرب، لكن الأجواء في العاصمة لم تكن كذلك على الإطلاق.
كان الجميع يظنّون أنّهم سينتصرون و يعودون، بل و كانوا يمزحون مع الأشخاص الذين سيذهبون إلى الحرب.
من المؤكّد أنّ الإمبراطوريّة تحتَ حكم كريشيمير الثّاني عشر ستُسجّل كعصر ذهبي، لكن خارجيًا، لم تتوقّف الحروب الكبيرة و الصّغيرة. كانت الإمبراطوريّة ترسل الدّعم بسهولةٍ إلى حروب الممالك الأخرى، و توسّع أحيانًا بعضَ أجزاء أراضيها.
السّبب الأكبر لهذه الإنجازات كان قائد فرسان أبفنيل، وليّ العهد، و قائد فرسان الإمبراطوريّة، الدّوق. كانا يُرسَلان إلى دولٍ مختلفة، يقومان بالقمع، و يعودان منتصرين.
لكن ما يؤسفني قليلاً هو أنّ الدّوق يُعرف بـ”شبح ساحة المعركة” و يُعتبر مصدر خوف، بينما يُطلق على قائد فرسان أبفنيل “البطل” و يُكرّم في كلّ أنحاء الإمبراطوريّة.
لم أقابل قائد الفرسان بشكلٍ صحيح من قبل، فقط رأيته من بعيد بشكلٍ عابر، لذا من الصّعب تكوين انطباع عنه.
لكن من المحزن قليلاً أنّهما يحقّقان إنجازات مشابهة لكنهما يُعاملان بشكلٍ مختلف.
لكن لهذه السّمعة المرعبة خلفيّة معقولة. يُقال إنّ عائلة ويلارد كان لها ابـنٌ آخر، لكن تـمّ العثورُ عليه ميتًا فجأةً في القصر. و في الوقت نفسه تقريبًا، انهار ربّ عائلة ويلارد.
كان ذلكَ منذُ ثلاث سنوات. عندما وقع الحادث، صُدمت الإمبراطوريّة بأكملها، لكن لم يجرؤ أحد على سؤال قابيل ويلارد عن تفاصيل الحادث. لأنّه في تلك الفترة، أكملَ بنجاحٍ انتصارًا كبيرًا ضدّ مملكةٍ عظيمة.
كلّ ما انتشر هو إشاعة مرعبة تقول أنّ السّكاكين الزّخرفيّة في القصر كانت تَقطـر دمًا في الأيّام الممطرة منذُ ثلاث سنوات.
في الحقيقة، لا أؤمن كثيرًا بهذه الإشاعات، لكن بطريقةٍ ما، زيارات الدّوق للمعبد في الأيّام الممطرة جعلتني أشعر بالقلق.
“ليلي، نحن ذاهبون إلى الحرب، لكن السّاحة تبدو مفعمة بالحياة. كأنّنا انتصرنا وعدنا بالفعل.”
“كما قلتُ مرارًا، لا يمكننا أن نخسر، رينـي.”
ما يخيفني بالضّبط ليس الهزيمة، بل القلق من رؤية شخصٍ يموت أمام عينيّ مباشرةً… لكن، سواء كانت ليلي تعرف قلقي أم لا، كرّرت تأكيدها.
قالت أنّ البطل و شبح ساحة المعركة سيذهبان معًا.
حتّى لو حدثَ شيء كبير، فلن يكون بسببِ فيوس، بل ربّما بسببِ نزاع بين قائد فرسان أبفنيل و قائد فرسان الإمبراطوريّة قد يؤدّي إلى انقسام.
بطريقةٍ ما، كان هذا احتمالاً معقولاً، فأضيف عنصر جديد إلى قائمة مخاوفي.
كنتُ أنا و ليلي متّجهتين إلى ضواحي العاصمة للانطلاق نحوَ الحدود الغربيّة اليوم.
بما أنّ الإمبراطوريّة شاسعة جدًا و لا يمكن السّفر إليها سيرًا، كان من المقرّر أن يستخدم الجميع بوّابة سحريّة.
بما أنّ الإعلان كان عن التّجمع في ضواحي العاصمة، كنا نسافر في عربةٍ من أمام المعبد، و كان عدد النّاس خارج النّافذة يزداد تدريجيًا.
كان الفرسان يقفون في صفوف منتظمة، وكان من الواضح التّمييز بين فرسان أبفنيل و فرسان الإمبراطوريّة من خلال تباين ألوان أزيائهم.
الـزّي الأبيض والذّهبي مقابل الزّي الأزرق الدّاكن، كلّ منهما يعطي إحساسًا مختلفًا.
كانت هناك أيضًا عربات محمّلة بالمؤن اللّازمة للقمع. رأيتُ عدّة كهنة يرتدون زيّ أبفنيل المميّز… لا أصدّق، هل تأخّرتُ منذُ البداية؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"