* * *
كنتُ ألهث. لم يكن مجرّد لهاث، بل شعرتُ أنّ حلقي سينشقّ.
كانت خطواتي نحوَ الأمام متعثرة و كأنّني سأنهار، وساقاي ترتجفان بشدّة. ركضتُ لفترةٍ طويلة، طويلة جدًا، حتّى كدتُ أتعجّب كيفَ.لم أتدحرج إلى الأسفل.
ركضتُ دونَ أن ألتفت للخلف و لو لمرّةٍ واحدة، حتّى لم أعد أسمع صراخ النّاس أو صوت الاحتكاك الحادّ.
لا أتذكّر جيّدًا كيف وصلتُ إلى الأسفل.
في حالةٍ من التّوتّر الشّديد، أصبح عقلي فارغًا، وكلّ ما أتذكّره هو أنّني ركضتُ و أنا أفكّر إن كانَ سيُغمى عليّ من ضيق التّنفّس أو من الخوف.
تحتَ الجبل، كما سمعنا، كانت هناك فيلا كبيرة.
حدثَ الكمين من الخلف، فبقي بعض فرسان أبفنيل في المؤخّرة، بينما اضطرّ الباقون لحماية الكهنة للوصول بأمانٍ إلى الأسفل.
في خضمّ هذا الفوضى، وصلت ليلي أولاً وكانت قلقة عليّ. عندما رأتني أتعثّر و أهبط من الجبل، ركضت نحوي.
نظرتُ إليها بوجهٍ مذهول و هي تسألني إن كنتُ بخير، ثمّ انهارت ساقيّ و جلستُ على الأرض.
شعرتُ أنّ ساقيّ ستنفجران. ظنّت ليلي أنّه أُغمـي! عليّ، فصرختْ صرخةُ قصيرة و حاولت فحص حالتي لمعالجتي.
عندما ركضتُ بجنون، سقطتُ أكثر من خمس مرّات و خدشني أغصان الأشجار، فلم أكن بحالةٍ جيّدة . لكنّني منعتها.
بعد أن رأيتُ أشخاصًا يسقطون وهم ينزفون، لم أستطع استخدام قوّتي المقدّسة على نفسي.
“رينـي، لكنكِ قد تنهارين الآن.”
“…لا، لن أنهار.”
عندما تذكّرت تلكَ اللحظة، توقّفت أنفاسي فجأةً، وشعرتُ بإحساس يد تغطّي عينيّ بوضوح.
لمستُ وجهي متردّدة و أطلقتُ ضحكةً سخيفة. بينما كنتُ أضحك و أنا جالسة، بدت ليلي مرتبكة، لكن ضحكاتي الهامسة لم تتوقّف بسهولة.
كلّ هذه اللّحظات بدت كحلم، كابوس سيترك أثرًا طويلاً.
فكّرتُ بسخافة أنّني لن أمـوت لأنّ هذا المكان ليس زقاقًا، و نهضتُ بمساعدة ليلي.
في هذه الأثناء، اقتربَ فرسان آخرون للتأكّد من سلامتي.
من بينهم، حاول غادييل مساعدتي مع ليلي، فرفعتُ يدي لأقول إنّني بخير، لكنّه رأى يدي ترتجف و لم يسألني مجدّدًا، بل ساعدني مباشرةً.
كدتُ أُحمل إلى كرسيّ خشبيّ طويل بالقرب من الفيلا. في الحقيقة، لم أستطع السّير من شدّة ألم ساقيّ.
بعد ذلك، أحضرت ليلي بطانيّة و غطّتني بها، و أحضرَ غادييل شايًا دافئًا و وضعه في يدي.
شكرتهما بذهول، لكن ليلي استمرّت في الاعتذار لأنّها سبقتني. قالت إنّها أخطأت، فحاولتُ التّخفيف عنها مازحة بأنّه خطأي لأنّني كنتُ بطيئة، لكنّني شعرتُ بجسمي يرتجف مجدّدًا، فتنفّستُ بعمق. كان وجه ليري مليئًا بالقلق.
تأثير السّهم الذي طارَ نحوي عادَ متأخّرًا. لو لم يكن قابيل هناك، هـل كنتُ سأُصاب؟ هل كان سيقتلني ذلكَ السّهم مباشرة؟ تداعت الأفكار إلى ذهني.
والمرتزق الذي أُصيبَ بالشّهم وسقطَ متعثّرًا… كنتُ أعرفه. كان يشجّعني بوجهٍ مشرق كلّما تأخّرت و أنا ألهثت.
…هل مـات؟ لو ركضتُ إليه واستخدمتُ العلاج، هل كان سيعيش؟ لكن حتّى لو كان بإمكانه العيش… هل كنتُ سأستطيعُ الرّكض إليه؟
كنتُ مصدومةً جدًّا من المشهد أمامي لدرجة أنّني لم أستطع التّنفّس، و ربّما لو بقيتُ هناك مذهولة، كنتُ سأموت أيضًا.
لكن حتّى مع هذه الأفكار السّلبيّة، ظلّت صورة قابيل و هو يغطّي عينيّ تتكرّر.
في الظّلام الذي غطّـى رؤيتي، كنتُ أتشبّث بحرارة يده و أنا أرتجف.
كانت يده كبيرةً، تغطّي عينيّ و أنفي، فشعرتُ بارتجافِ أنفاسي بوضوح.
كنتُ أتنفّس بشكلٍ متقطّع و كأنّه سيُغمـى عليّ، لكنّه غطّى عينيّ أكثرَ ليمنعَ أيّ ضوءٍ من التّسرّب.
أصبحَ عقلي فوضويًا، كان يتأرجح بين الفوضى و الظّلام عشرات المرّات. لم أستطع شرب الشّاي الذي أعطاني إيّاه غادييل، فقط أمسكتُ الكوب بإحكام، و عندما شعرتُ ببرودة الكوب، رفعتُ عينيّ من الأرض.
“…الكاهنة رينيشا.”
كان غادييل أمامي قبلَ قليل، لكن الآن كان إلفينيراز جاثيًا على ركبةٍ واحدة أمامي.
فحصَ حالتي بعناية، ثمّ أظهر تعبيرًا حزينًا بعيون متدلّية.
شعرتُ بالإرتباك من رؤيته.
ما فاجأني أكثر هو أنّه جثـا أمامي. حاولتُ النهوض، لكنّه أمسكَ ذراعي و أبقاني جالسة. شعرتُ بحرارة يده الكبيرة.
نظرتُ إليه مذهولة، و أدركتُ حالتي. بغضّ النظر عن الخدوش الصّغيرة على وجهي و جسمي، كان شعري و ملابسي في حالة فوضى.
كانَ رداء الكاهنة متسخًا و مبعثرًا، و شعري، الذي أربطه عادةً عاليًا أثناء العمل، كان منسدلاً حتّى خصري، و رباط الشّعر مفقود.
حاولتُ ترتيب شعري المشعّث، لكن إلفينيراز مـدَّ يده نحوي.
اقتربت يده الكبيرة بحذر و مُرّرت على شعري بلطف.
شعرتُ بالغرابة بينما كانت أصابعه الغليظة تمـرّ بين خصلات شعري.
“سمعتُ أنّ الكمين حدثَ مباشرةً خلفكِ. لا بدّ أنّكِ خِفتِ كثيرًا.”
“….”
“هل أنتِ بخير؟ لا، أنتِ الآن بخير. أنتِ في أمان، أيّتها الكاهنة.”
نظرتُ إلى عينيه الذّهبيّتين الموجّهتين نحوي، و شعرتُ بدمعة تكاد تسقط. لم أستطع محو تلك اللّحظة من ذهني.
كيف وصلتُ إلى هنا و أنا ضعيفة هكذا؟
شعرتُ بالأسف على نفسي، و كان جسمي يؤلمني كما لو أنّني تعرّضت للضّرب.
كنتُ أصعد الجبل بصعوبة، ثمّ ركضتُ بجنون إلى الأسفل، و الآن ضربتني آثار ذلكَ الهجوم كلّها دفعة واحدة.
“…السّهم، السّهم… طارَ نحوي مباشرة.”
عندما رأى إلفينيراز عينيّ الحمراوين، غرق تعبيره. عبسَ بحزن و طبطب على يدي التي يمسكها بلطف ليهدّئني.
“السّهم؟”
“نعم… لو لم ينقذني القائد، أنا… أنا…”
حاولتُ إكمال كلامي، لكن حلقي انسدّ. شعرتُ أنّني يجبُ أن أشرح ما حدث: السّهم الذي طار فجأةً من الخلف، المرتزق الذي سقط، و جنود فيوس الذين خرجوا من الكمين. لكن صوتي استمرّ في الارتجاف.
بينما كنتُ أتلعثم، أمسكَ إلفينيراز يدي و قال إنّه لا داعي للكلام.
كانت يده التي ترتّب شعري قد تحرّكت بحذر لتغطّي خدّي. لكن قبل أن تلامسه، سمعنا صوتًا حادًا من بعيد.
ارتجفتُ فجأةً. كنتُ حسّاسة حتّى للأصوات الصّغيرة. نقلتُ نظري مرتجفة و رأيتُ فرسان النيكيل يهبطون من الجبل.
كان الصّوت من احتكاك سيوفهم التي كانت مشهرة . عندما تأكّدوا من الأمان، أعادوها إلى أغمادها.
من بينهم، رأيتُ قابيل يسير في المقدّمة بوجهٍ خالٍ من التّعبير. لم أصدّق أنّه كان يقاتل جنود فيوس في الكمين.
ومع ذلك، أو بالأحرى، هذا الوجه جعلني أشعر بالأمان، فقمتُ من مكاني دونَ وعي.
شعرتُ أنّ أصابع إلفينيراز لامست خدّي قليلاً، لكن نظري كان مثبتًا على قابيل.
ركضَ مساعد إليه ليبلغه بشيء، فأومأ قابيل برأسه كـردّ.
ثمّ، و هو يسير نحو الفيلا، نظرَ حوله ربّما ليحدّد مكان قائد فرسان أبفنيل، و التقت عينيّ بعينيه مباشرةً.
عبسَ قابيل قليلاً.
“شكرًا.”
كان لديّ الكثير لأقوله، لكن كلمات الشّكر خرجَت أوّلاً. انحنيتُ نصف انحناءة و شكرته، لكن لم يأتِ ردّ من قابيل.
كان ردّ فعله يشبهه، فشعرتُ بالأمان بشكلٍ غريب. رفعتُ رأسي و نظرتُ إليه مجدّدًا، لكنّه لا يزال يبدو غير راضٍ.
كان إلفينيراز قد نهضَ معي، وسألَ قابيل عن الوضع بوجهٍ متصلب.
فقال: ” قتيل واحد، و اثنا عشر مصابًا، ثلاثة منهم في حالة خطيرة.”
توقّعتُ أن يكون الضّرر أكبر بسببِ الكمين، لكن الخسائر كانت أقلّ ممّا تخيّلت.
ومع ذلك، كلمة “قتيل” ظلّت تتردّد في أذني. شعرتُ ببرودة في دمي. هل هو ذلكَ المرتزق؟
بعد انتهاء حديثه مع إلفينيراز ، نظرَ قابيل إليّ مجدّدًا. كان الإرهاق واضحًا حول عينيه الدّاكنتين.
فكّرتُ فجأةً بأنّه يبدو و كأنّ الإزعاج أكثر إجهادًا له من الصّدمة بسبب كمين.
“لماذا لم تتلقّي العلاج بعد؟”
“هناك مصابون قادمون، لا يمكنني تلقّي العلاج…”
أطلقَ قابيل سخرية قصيرة، كما لو كان يجدُ كلامي مثيرًا للشّفقة.
“هل الكاهنة لا تُعتبر مصابـةً إذا أُصيبت؟”
لم أفهم كلامه للحظة، فنظرتُ إليه مذهولة. ثمّ نقل نظره إلى إلفينيراز وقال:
“سأصحّح كلامي. قتيل واحد، و ثلاثة عشر مصابًا.”
انتهى كلامه فاستدارَ قابيل و توجّه إلى الفيلا. أمسكت ليلي ذراعي بقوّة.
“هيا، أنتِ الآن مصابة، فلنعالجكِ.”
لم أوافق على الفور على كلام ليلي الحازم، بل نظرتُ إلى ظهر قابيل بذهول.
عندما قامت ليلي بـهزّي، أومأتُ أخيرًا موافقة.
شعرتُ برغبةٍ في البكاء قليلاً.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 10"