استمتعوا
***
كانت هناك بذور جزر معروضة بجانبها.
فهل يمكن أن تكون هذه أيضًا بذور جزر؟
“أظن أنه سيكون من الجيد شراء هذه أيضًا، باا!”
“لماذا؟”
عندما طرحت سؤالي بدا “لور” مرتبكًا للحظة.
عينيه الكبيرتان تراقصتا في المكان قبل أن يجيب بصوت خافت، يفتقر إلى الثقة:
“فقط… أشعر أنها بذور جيدة، عزيزتي…”
يشعر؟ هذا لا يبدو كمعلومة مفيدة إطلاقًا.
“أممم… ربما سيحدث شيء جيد إذا زرعناه…”
“شيء جيد؟ مثل ماذا؟”
“سيكون… سيكون لذيذًا فحسب!”
تنهدت، كان بإمكانه قول ذلك منذ البداية.
لكن بما أنني جئت لشراء بذور للحديقة، فلا ضضر بإضافة كيس آخر.
ثم إن “لور” تنين في نهاية المطاف.
وبحسب كتاب «الكائنات الأسطورية داخل البوابات – النسخة المختصرة»،
فإن التنانين تمتلك حكمة وبصيرة تفوق البشر.
ربما شعر فعلًا بشيء مميز في تلك البذور…
“أغغ؟”
رغم ملامحه البريئة، لم أكن مقتنعًةً تمامًا.
أخذت الكيس القماشي الصّغير ووضعته على الطاولة.
لكن ما إن فعلت ذلك حتى عبس صاحب المتجر العجوز بتردد.
“لا، لا يمكنك شراء هذا. إنه غير معروض للبيع.”
“آه، حقًا؟”
“شخص ما تركه هنا دون إذن… آسف.”
“آه، مستحيل…”
انخفض رأس “لور” بخيبة أمل واضحة.
حسنًا، طالما أنه ليس للبيع فلا حيلة لي في الأمر.
استدرت لأعيد الكيس القماشي إلى مكانه، لكن—
“م-مهلًا! أيهتا الشابة !”
“نعم؟”
أوقفني العجوز صاحب المتجر على عجل.
“قلت إنك انتقلت حديثًا إلى قرية قريبة من هنا، صحيح؟ هليعقل انك تعيشين في قرية “غيهوَا” صدفةً؟”
“نعم.”
“ذلك المنزل ذو السقف الأزرق أمام الوادي مباشرة؟”
“صحيح، هذا هو.”
أومأت دون تفكير، ثم فجأة تساءلت في داخلي:
“انتظر… كيف يعرف مكان سكني؟”
ربما كان يعرف السيدة المسنّة التي كانت تملك المنزل سابقًا؟
“أوه… إذًا هذا هو منزلك…”
تمتم العجوز في نفسه، وقد بدت عليه ملامح الحزن.
وجهه المجعّد حمل شيئًا من الأسى العميق، كأنه يسترجع ذكرى بعيدة .
“هممم… حسنًا… إن كان الأمر كذلك… ربما ستكونين قادرًة على التعامل معه.”
أوه لا… لماذا بدأ يتحدث وكأنه شخصية جانبية في لعبة فيديو؟
“خذيه. لا حاجة للدفع، اعتبريه خدمة.”
ماذا؟!
“هاه، عدنا أخيرًا.”
“هيااااا!”
أوقفت الدراجة الصّغيرة أمام البوابة، وبدأت بإفراغ أكياس التسوّق على الشرفة.
وجبات خفيفة، حاجيات يومية، مواد غذائية… كل شيء نحتاجه تقريبًا.
بعد كل هذا الشراء، امتلأت الشرفة الى آخرها.
كانت رحلة تسوِّق ناجحة بحق.
حتى صاحب المتجر أهداني كيسًا من السماد كمكافأة.
لا بد أن أزوره مجددًا في المرة القادمة.
لكن، بصراحة، ما زلت لا أفهم لماذا سلّمني ذلك الكيس الغامض من البذور الذي لم يكن معروضًا للبيع أصلاً.
على أي حال بما أنني حصلت عليه، فلا بأس… سأزرعه كما ينبغي.
“لور، ابقَ هنا وراقب المنزل، سأعيد الدراجة إلى مكانها “
“حاضر! نعممم!”
ما إن أخرجته من البطانية، حتى قفز إلى الشرفة وبدأ بتمزيق كيس الدونات اللزجة بحماس.
هززت رأسي وتنهدت، ثم توجهت إلى منزل شيخ القرية لأعيد الدراجة.
كنت قد قابلته سابقًا أثناء توزيع الهدايا على كبار السن بعد انتقالي إلى هنا.
ورغم أنني لم أقرر بعد كم سأبقى، إلا أن الاندماج مع أهل القرية كان أمرًا مهمًا في الوقت الحالي.
معظم الشيوخ رحّبوا بي بلطف… باستثناء بيت واحد فقط: الجيران الذين يسكنون بجوارنا مباشرة.
قال شيخ القرية إن امرأة مسنّة تعيش هناك بمفردها،
لكن مهما طرقت الباب لم يجبني أحد.
كنت أفكر في المحاولة مجددًا ومعي هدية صغيرة، عندما—
“…أوه؟”
ها هي واقفة أمام باب منزلها.
امرأة صغيرة الحجم، صارمة الملامح، تحدّق بي بنظرة خاطفة، ثم سألت:
“أأنتِ من انتقل للمنزل المجاور؟”
“آه، نعم! مرحبًا، أنا—”
لكن قبل أن أتمكن من إتمام تعريفي المهذب—
بانغ!
نظرت إليّ العجوز بنظرة مقتضبة، ثم استدارت واختفت داخل منزلها.
…هل قلت شيئًا خاطئًا؟
في تلك الظهيرة وقفت أمام الحديقة المهملة.
وبما أنني اشتريت البذور على أي حال قررت أن أبدأ العمل فورًا.
أول خطوة: إزالة الأعشاب البرية الضّارة.
الحديقة لم تُمسّ منذ زمن طويل—كانت أشبه بحقل من الأعشاب البرية.
الأدوات الوحيدة التي امتلكتها كانت *معولًا*صغيرًا ومِجرفة وجدتها تحت الشرفة.
لكنني كنت صيادةًسابقًا.
فكم يمكن أن يكون الأمر صعبًا؟
……….بعد ساعة.
“آغغ…”
ألقيت المعول جانبًا ألهث من التعب.
“هذا… قاسٍ فعلًا…”
مع دوائر المانا المعطوبة في جسدي لم تعد قدرتي على التحمل كما كانت.
حتى نزع الأعشاب بات أمرًا مرهقًا.
ورغم كل هذا الجهد التقدّم كان بطيئًا جدا.
بهذا المعدل سأحتاج اليوم بأكمله لإزالة جزء صغير فقط.
“هيه، هيه! لا تقلقي، أيتها الوصية ! لا تقلقي، أيتها الوصية! سأساعدك، بيا!”(هنا هو مكرر لست من كرره)
انضم “لور” إليّ متخذًا هيئته البشرية، وبدأ في نزع الأعشاب معي.
“آغغ! لماذا لا تخرج هذه؟!”
لكن يديه الصغيرتين لم تستطع سوى نزع الأوراق، تاركة الجذور في مكانها.
وسرعان ما بدأ يتدحرج على الأرض من شدة الإحباط، وقد غطاه التراب وبقع العشب.
قدّرت جهده لكنني أرسلته إلى الداخل.
لا داعي لأن نعاني نحن الاثنان معا.
تنفست بعمق وانحنيت مجددًا لأتابع العمل—
“آغغ!”
فجأة!، انطلقت وخزة ألم حاد في يدي اليمنى.
سقط المعول من بين أصابعي.
“اللعنة على هذا الجسد العاجز…”
وبينما كنت أزحف لالتقاط المعوِّل تجمّدت في مكاني.
“كح، كح…؟”
كانت هناك واقفة بصمت—العجوز من المنزل المجاور.
لم ألحظ حتى متى اقتربت.
كانت تحدّق في الحديقة بصمت، ونظرتها حادة كالنصل.
قفزت واقفًةً وحاولت أن أحييها بلطف.
“مرحبًا، سيدتي. هل هناك ما يقلقك—”
“هل تظنين أن هذه هي الطريقة الصحيحة؟”
“هاه؟”
“ناوليني ذلك المعول.”
“آه، نعم…”
لكنها لم تنتظر حتى .
تقدّمت بخطى ثابتة، وسحبت معولًا آخر من تحت الشرفة، ثم بدأت بشرح كيفية فعل ذلك.
‘طعخ!’ (صوت المعول)
“تحفرين هكذا بهذه الطريقة ستخرج بسرعة.”
كانت حركة معصمها قوية ونظيفة.
وبضربة واحدة خرجت النبتة كاملة، بجذورها وأوراقها.
“والآن، جرِّبِي أنتِ. “
“ه-هكذا؟”
قلّدت حركتها بتردد، لكنها أومأت لي بإيماءة صغيرة فيها شيء من الرضا.
“نعم، هكذا. لا بأس.”
“ش-شكراً لكِ…”
كانت في الواقع….لطيفة جدًا!
تابعتها خطوة بخطوة وقبل أن أدرك، كنا نعمل جنبًا إلى جنب تحت شمس المغيب.
وبفضل مساعدتها أنهيت نزع الأعشاب وزراعة البذور بسرعة فاقت توقّعاتي.
طبعًا، لم نعمل سوى على جزء صغير—فقد حذّرتني من المبالغة في أول يوم.
“هل أزرع هذا الجزء بهذه الطريقة؟”
“هل تريدين أن تريه يتجمّد ويموت؟”
“آه—لا، آسفة! إذًا… هنا؟”
“ذلك الجانب أفضل.”
رغم نبرتها الجافة كانت ترشدني بصبر.
ربما لم تكن كثيرة الكلام، لكنها كانت طيبة فعلًا.
وحين انتهينا وضعت المعول جانبًا، واستدرت لأشكرها مجددًا.
“شكرًا جزيلا سيدتي،لم أكن لأتمكن من ذلك بدونك.”
“…همف.”
تجنّبت النظر إليّ، متظاهرة بالتحديق في الأفق—لكن زوايا فمها التي بالكاد ترى ارتفعت قليلًا .
متى انتقلتِ إلى هنا؟”
“بالأمس يا سيدتي، اسمي لي هي-سو.”
وكان اسمها بارك دوك-هي، وكانت تعيش وحدها، تعمل في الزراعة بمفردها.
“من سيول تقولين؟”
“نعم.”
“إذًا أنتِ واحدة من أولئك… الصيّادين، أو أيًّا كان ما يسمّونكم؟”
-_________________________________________-
المعول: أداة للحفر والكسر، هي أداة شبيهة بالفأس، تُستخدَم لكسر الصخور أو حفر الأرض.تُستعمل عادة في البناء، الزراعة، والتنقيب.
وكانت معكم المترجمة ✨ 𝓡𝓸𝓈𝓮
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"