5
استمتعوا
***
في النهاية قمت بوضع قبعة على رأس “لور” لأخفاء القرن، ولففته ببطانية صغيرة كي لا تظهر أجنحته ثم قررت اصطحابه إلى السوق.
وهكذا وأنا أحمله بين ذراعي وصلنا إلى سوق البلدة…
“وااااااه…”
“…بيااا!”
يبعد سوق “دانتشونغ” حوالي عشرين دقيقة بالسيارة من المنزل.
واتضح أن اليوم… هو يوم السوق الأسبوعي.
حسنًا لقد أحسنتُ صنعًا حين قررتُ القدوم على السكوتر (دراجة نارية مع ايطار داخل الهيكل) بدلًا من السيارة.
رغم أنه سوق ريفي الا انه كان مزدحمًا بشكل غير متوقع، حتى أن مدخل موقف السيارات كان مكتظًا بالكامل.
لو جئتُ بالسيارة لكنتُ قضيت وقتًا طويلًا فقط في البحث عن مكان لركنها.
“حسنًا، لنبدأ الجولة.”
ركنتُ السكوتر في زاوية موقف السيارات وانطلقتُ لاستكشاف السوق.
على جانب الطريق، كانت الجدّات يعرضن الخضروات والأعشاب الطبية في أحواض حمراء…
اللافت في هذا السوق أن بعض المتاجر الصغيرة كانت تبيع أحجارًا سحرية مستخرجة من البوابات أو بقايا وحوش، أو حتى جرعات علاجية من الدرجة الدنيا.
رغم كل شيء لا يبدو انَّ هذا المكان وجهة معتادة للصيادين.
“هممم…؟”
ما إن التففتُّ(درت) حتى وقعت عيناي على لافتة ضخمة عند مدخل السوق. كُتب عليها:
«سوق دانتشونغ».
وتحتها، كانت هناك لوحة صغيرة تقول:
«بالتعاون مع بوابة دانتشونغ».
“آها…”
عندها فقط بدأت أفهم سبب وجود هذه المتاجر الغريبة.
قد يبدو التعبير مبالغًا فيه، لكن…
في وقتٍ ما، لم تكن كوريا فحسب بل العالم بأسره يعيش في ذروة “هوس البوابات”.
مدى كفاءة التعامل مع البوابات كان يعني مباشرةً مدى أمان الدولة.
لذا من الطبيعي أن يتركّز اهتمام الناس على البوابات وعلى أولئك القادرين على إيقافها: الصيادين.
وحيثما يتجمّع الاهتمام… يتجمّع المال أيضًا.
وهكذا بدأت موجة جديدة: كل شيء صار يحمل اسم “بوابة” حتى لو لم يكن له أي علاقة بها.
تعويذات أمان بوابة، فيتامينات شاملة للبوابات، مهرجان ثقافي للكيبوب خاص بالبوابات، وحتى مهرجان الماكغولي مع الصيادين {وكانت المشاركة فيه إلزامية}.
ماهو الهدف؟ ميزانية إدارة البوابات بالطبع.
فقط أضف كلمتي “بوابة” و”صياد”،وستحصل على الاهتمام… وربما التمويل أيضا.
ويبدو أن هذا السوق أيضًا… من بقايا تلك الحقبة.
“أوه…”
مازلت اتذكّر تلك الأيام التي كنت أُسحب فيها إلى فعاليات سخيفة فقط لأنني كنت تابعةً لنقابة وطنية رسمية.
لا أظن أن هذا السوق سيجذب الصيادين بنفس الطريقة، أليس كذلك؟
“هممم… هذا غير مريح بعض الشيء.”
تخيلوا فقط أن أصادف أحد الصيادين الذين يعرفون وجهي هنا…
سيكون الأمر محرجًا للغاية خصوصًا بعد أن تركت الصيد فجأة وانتقلت للريف.
كيف سأشرح ذلك؟ كم سيكون الأمر مربكًا.
“آه، لا، مستحيل.”
الصيادون ليسوا بهذا الانتشار.
في مكان لا توجد حتى فيه نقابة صيادين رسمية، من المستبعد أن أصادف أحدًا يعرف وجهي.
قلقٌ لا داعي له على ما يبدو.
“…بياا؟”
احم، احم ، على أي حال…
ما سأشتريه اليوم هو: بعض المكونات الغذائية، وبذور للحديقة، وبعض *الشتلات*.
بعد بحث طويل، اتَّضح أن متجر البذور يقع في الجهة المقابلة من موقف السيارات داخل مبنى السوق.
ويبدو أنني سأمرّ بالسوق لشراء المكونات في طريقي إليه.
وبما أنني جئت إلى السوق فلا بد من اقتناء بعض الخضروات الطّازجة…
اعتقد انه سيكون من الجيد أن أشتري بعض الخضروات الورقية(أوراق نباتات خضراء مثل السبانخ، سبانخ مش اللحم) أيضًا.
“دونات الأرز اللزج! ثلاث قطع بألفي وون!”
دونات الأرز؟!
كلمات كهذه كفيلة بإيقاف قدمي دون وعي.
لكن لا ، لا يجب أن أستسلم لمثل هذه الإغراءات، تماسكتُ وتابعت طريقي نحو الهدف .
لكن في تلك اللحظة…
“باااا!”
كان “لور” حتى الآن ساكنًا داخل البطانية لكن رائحة الدونات جعلته يشمها بأنفه الصغير…
رأى البائع الذي كان يبيع المكسرات المشهد، فسارع للحديث معنا.
“يا إلهي، ما أروع هذا الطفل!”
“هاها، شكرًا لك.”
“كم عمرك يا صغيري؟”
“بياا؟ لقد قضيتُ دهورًا لا تُحصى نائمًا داخل البيضة، فأنا العظيم…”
“أربعة! عمره أربع سنوات!”
يا إلهي، كدتُ أقع في مأزق…
لحسن الحظ بدا أن الرجل اعتبر كلام “لور” مجرد ثرثرة طفولية غريبة.
“واو، يتحدث بطلاقة رغم أنه في الرابعة! تعال يا صغير، جرّب هذا، فقط تذوّق.”
قطع الرجل الدونات إلى أجزاء صغيرة وقدمها ولم يمنح “لور” حتى فرصة للرفض، إذ فتح فمه على الفور والتهمها بشغف.
“هوه! حلوة ومطاطية! ما هذا الشيء؟”
“إنها تُدعى دونات الأرز اللزج.”
“دونات الأرز! أريد المزيد! اشترِ لي منها!”
لكنني هززت رأسي بحزم.
“لا.”
“بااااا…”
انخفض رأس “لور” بخيبة أمل وقد بدت عليه علامات الحزن.
حتى لو حدّقتَ بي بهذه الطريقة فالجواب سيبقى “لا”.
لم أشترِ شيئًا بعد ولم آتِ إلى هنا لأتناول وجبة خفيفة.
“تفضل. أنتِ أيضًا جرّبِي واحدة، هذه قد خرجت للتو من الزيت.”
لكن الرجل مدّ إليّ قطعة من الدونات المقطّعة، فلم أتمالك نفسي… أخذت قطعة واحدة وتذوّقتها.
هممم… لذيذة فعلًا؟
الدونات كانت ساخنة خارجة للتو من المقلاة،
بطراوتها ومذاقها المطاطي… كانت ببساطة مذهلة.
ما زاد الطعم حلاوة هو السكر الذي غطّى سطح الدونات بسخاء.
ذلك القوام المطاطي جعلني دون أن أشعر أرغب في تناول قطعة أخرى.
…بما أن “لور” يحبها أيضًا، ربما أشتري القليل منها؟
صحيح أنني لم أبدأ التسوّق بعد لكن كيسًا واحدًا من الدونات لن يضر.
خصوصًا وهي بهذا الطعم الرائع.
“إذًا، أعطني الدونات بقيمة عشرة آلاف وون .”
“هاها! شكرًا لك!”
“وااا، رائع!”
وهكذا وبعد شراء الدونات واصلتُ السير في السوق…
“خبز الذرة المخمّر! القطعة بخمسة آلاف وون!”
“هووووه، يا له من عطر شهي! أيتها الوصية أريد أن أتذوّق هذا، بااا!”
“لا، لا يجوز لقد تناولنا الغداء للتو.”
“لكن الغداء والوجبات الخفيفة شيئان مختلفان!”
“……”
“اشتروا شراب السِّكه المصنوع من اليقطين! منزلي الصنع!”
“أريد هذا أيضًا! أريد ذاك أيضًا!”
“يا إلهي ما أروع هذا الطفل! تعال وجرّب كعكة البخار هذه.”
“مممم، هذا أيضًا لذيذ للغاية!”
…
وعندما وصلت أخيرًا إلى متجر البذور كانت يداي محمّلتين بتلال من الوجبات الخفيفة.
“بااااا…”
أطلق “لور” صوتًا راضيًا وقد لمع فمه من كثر التذوّق.
هل كانت زيارة السوق دائمًا بهذه المشقة؟
بسبب موجة التسوّق غير المخطط لها، وصلت إلى متجر البذور متأخرةً… لكن على الأقل كان “لور” سعيدًا.
ما إن رنّ الجرس المعلّق على باب المتجر، حتى خرج صاحب المكان بخطوات هادئة، رجل مسنّ ذو شعر أبيض كثيف.
“أهلًا وسهلا ما الذي ترغب بشرائه؟”
هممم… بما أنني مبتدئةٌ في الزراعة من الأفضل أن أشرح له وضعي وأطلب نصيحته.
“مرحبًا، أود شراء بعض البذور لزراعتها في حديقة المنزل.”
“حديقة؟ وماذا كنت تزرع فيها من قبل؟”
“في الواقع، لقد انتقلتُ حديثًا إلى هنا… وسأبدأ بالزراعة الآن.”
“هممم، حسنًا. ماذا ترغب أن أُحضّر لك؟”
“أمم، أريد بذور عنب الشاين ماسكات، وتوت بلوبيري…”
لكن ما إن نطقتُ باسم البذور حتى تغيّرت ملامح وجه الجدّ صاحب المتجر بشكل طفيف.
أطلق تنهيدة طويلة امتزجت بصوت خافت: “هوووه… هممم…”
ذلك التعبير المعقّد… بدا مألوفًا بشكل غريب.
لو أردتُ تشبيهه فهو يشبه تمامًا ذلك الوجه الذي يراه المرء حين يبالغ صياد مبتدئ في الثقة بنفسه.
فالصيادون الجدد بعد لحظة الإستيقاظ ، غالبًا ما يغمرهم شعور بالزهو.
الناس من حولهم يرفعونهم فوق رؤوسهم، وأجسادهم تصبح أقوى من البشر العاديين…
فمن الطبيعي أن يشعروا بالفخر.
لكن المشكلة تبدأ حين يثقون بقدراتهم أكثر مما ينبغي…
كان الوضع أشبه بمحاولة دخول بوابة من الدرجة العليا دون أي استعداد حقيقي.
تلك النظرة التي ارتسمت على وجه الجدّ … كانت تشبه تمامًا نظرتي حين أراقب صيادًا مبتدئًا يندفع بثقة زائدة.
‘هل خطتي بدت بهذا السوء؟’
يا لها من صدمة.
“أمم… لا، أعطني بذور خس من فضلك”
كما هو متوقّع، بداية الزراعة في الحديقة لا بد أن تكون بالخس.
فكل القصص الهادئة تبدأ بزرع الخس في التراب، أليس كذلك؟
حتى تلك الرواية التي أشعلت حُمّى العودة للريف بين الصيادين: «أنا مزارع في الريف، لكنني في الحقيقة صياد خارق؟!» فيها يبدأ البطل بزراعة الخس أولًا.
“الهندباء، وبعض خضروات السَّم، يمكن زراعتها الآن أيضًا.”
“حسنًا، أضفها إلى القائمة.”
لم أشتري كميات كبيرة، فالفكرة كانت أن أزرعها كهواية، وللاكتفاء الذاتي في بعض الوجبات.
ما إن غيّرت طلبي بسرعة حتى ارتسمت ابتسامة لطيفة على وجه الجدّ.
“هاها، خيارا موفق.”
ثم أضفت بذور الهندباء وبعض خضروات *السَّم*بناءً على نصيحته، دون أن أشتري كميات كبيرة.
كنت أنوي زراعتها كهواية، وللاكتفاء الذاتي في بعض الوجبات.
فكّرت: لا شيء يضاهي طبق بيمباب أو لفائف السَّم الطازجة من حديقة المنزل.
اقتربت من المحاسب لأدفع ثمن البذور معتقدةً أن المهمة انتهت…
لكن “لور”، الذي كان هادئًا داخل البطانية طوال الوقت أطلّ برأسه فجأة،
وبدأ يحدّق حوله بحماس، ثم أشار إلى كيس صغير في زاوية المتجر وسأل:
“أيهتا الوصية، ألا تنوي شراء هذا؟”
“هاه؟ هذا؟”
نظرت إلى الكيس الذي أشار إليه “لور” وكان عبارة عن كيس قماشي صغير يحتوي على بذور.
لكن الغريب في الأمر هو انه … لم يكن عليه أي اسم.
لا صورة، لا نوع النبات، لا اسم الشركة المصنعة.
على عكس باقي الأكياس المغلّفة بالبلاستيك والمليئة بالمعلومات…
ما هذا الشيء؟
_________________________________________
الشتلات الزراعية : هي النباتات الصغيرة التي يتم زراعتها فى المشتل، تُعد الشتلات الزراعية مهمة في الزراعة الحديثة حيث تساعد في زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المحاصيل.
نبات السّم : هي أوراق النباتات التي تستخدم للفِّ اللحوم أو الأرز أو الخضروات، وتعتبر جزءا أساسيا من الطبخ الكوري التقليدي
وكانت معكم المترجمة ✨ 𝓡𝓸𝓈𝓮.
التعليقات لهذا الفصل " 5"