2
” أعلم أنكَ لا تقبل مثل هذه الأمور… لكن تحسبًا…“
حدّقت تيليا في ملاحظاتها المختصرة، ثم أدارت رأسها نحو الصوت القادم من خلف زاوية الجدار. كانت أرضية الطابق الرابع من مبنى الثقافة مكانًا نادرًا ما يرتاده الناس. ولكن أين يلفحُ الهواء بارد في المباني الحجرية ، وقفت شابة بوجه شاب يدير ظهره.
راقبت تيليا الفتاة ، التي لم تبدُ أكثر من طالبة في السنة الأولى، ثم حولت نظرها جانبًا. تألق شعر الرجل الأشقر في الضوء الضبابي المتسلل من النافذة الشمالية.
“ أ.. أضعت المفتاح في الرسالة ! “
اعترافٌ آخر شائع.
رأت أنها اختارت المكان الخطأ للدراسة ، فكادت أن تستدير عندما تردد صدى صوت الفتاة اليائس مرة أخرى.
“ إنه مفتاح غرفتي في السكن الجامعي. حتى لو لم تكون مهتم باعترافي، فقد يعجبك…“
ما الذي دفعها إلى هذا الحد معـه ؟ أمالت تيليا رأسها قليلًا، متشوقة لتأكيد وجه الرجل.
وكما هو متوقع.
ما إن رأت وجهه المعروف، حتى فكرت تيليا في الأمر دون أن تُدرك.
لم يكن الرجل سوى أليكس دافنبورت، الابن الثاني لعائلة دافنبورت الشهيرة.
بالطبع سيأخذ المفتاح. فهو في النهاية، زير النساء سيئ السمعة في الأكاديمية.
بابتسامة ساخرة، استدارت تيليا ومشت، تاركة الدرج خلفها.
“ أؤكد لكم ، تيليا أمبروز مثالية لذلك.”
لم تكن قد نزلت حتى إلى الطابق الثاني، حيث قاعات المحاضرات، عندما أوقفها اسمها.
هل اليوم يوم التنصت؟
بوجهٍ خالٍ من التعابير، نظرت تيليا إلى المتجمعين أمام حمام الرجال، يهمسون. مرة أخرى، عرفت الوجوه المعنية بالفعل. هؤلاء الذين دخلوا الأكاديمية صدفةً لكنهم فشلوا في اجتياز امتحانات التخرج، وهم الآن عالقون في دوامة التمديد الأكاديمي.
“ أؤكد لك ، إنها هي. يمكنك أخذها والتصرف معها كما يحلو لك دون أي عواقب.”
في اللحظة التي تقدمت فيها تيليا، عازمةً على البصق في وجه غريغوري مايرز لشرحه بشغفٍ مدى سهولة النوم معها —
” انظروا من هنا ! اللورد الشاب الذي اعتُرف له مجددًا ؟ “
رحّب مايرز بفرحٍ بأليكس، الذي نزل من الدرج المقابل.
” يا رجل ، كم مرةً تكرر هذا؟ أأعطتك مفتاحًا مجددًا ؟ “
قبل لحظات ، كان غريغوري مايرز يتبختر مثل قائد قطيع، لكنه الآن يهز ذيله ككلبٍ وجد سيده راكضًا نحو أليكس بحماس.
” الحياة ظالمةٌ جدًا. الفتيات يُلقين بأنفسهن عليك ، بينما عليّ أن أنفق المال… أوه! “
توقف تيليا في مكانها مراقبة أليكس دافنبورت وهو يُلقي صندوقًا أحمر على مايرز المُتملق. كان الصندوق نفسه الذي سلمته له طالبة السنة الأولى بخجلٍ سابقًا.
“ أهذا لـي ؟ “
عندما رأت وجه غريغوري يشرق فرحًا بالهدية غير المتوقعة ، لم تتمالك نفسها من الضحك بازدراء.
دائمًا ما فاق الرجال توقعاتها. ظنت أنّ تجاهلهم للمشاعر سيعوّض تقديرهم الجانب المادي المبذول عليهم. لكن أن يمرروا لبعضهم حتّى ذلك هكذا ؟ يا لهم من حثالة متلهّفين للتحول إلى كلاب أكثر قذارة!
كانت ضحكتها أعلى مما شعرَت ، لأن بمزاحهم أمام الحمام استداروا جميعًا لينظروا إليها.
“ أوه… آه ، تيليا…”
شحب وجه غريغوري مايرز فور تذكره ما قاله.
“ مرحبـا غريغوري مايرز.”
” مـرحـبـا ، تيليا.”
” لكن يـا غـريغـوري…”
استرخت تعابيره وكأن التحية المهذبة قد طمأنته بأنها لم تسمع المحادثة السابقة ، لتكمل مرة أخرى بنبرة لطيفة. ” لـن أنام معك أبدًا.”
“…ماذا ؟ “
“ حتى لو نمتُ مع كل رجل في العالم ، لن أنام معك أبدًا.”
ابتسمت للذي احتقن وجهه حُمرَة.
“ أُفضّل أن أنقب في سلة المهملات على أن أنام في مرحاض.”
تركت تيليا غريغوري ، الذي تقلّب ملامحه مثل ضفدع غاضب وأكملت سيرها في الردهة. وبينما مرّت بوجه أليكس دافنبورت الصامت ، ظنّت بأنها رأت منه نظرة خاطفة نحوها ، ولعلّ ذلك خيالها. لأنها لم تعد تنظر إلى سلة المهملات مرة أخرى.
*
*
*
أمام مبنى قاعة المحاضرات البيضاء ، حيث تُعقد الدراسات الثقافية الإلزامية ، نُصبَت نافورة برونزية منحوتة من ثلاثةِ رجال يحملون كرة أرضية عملاقة. مُحاطة بأشجارِ سروٍ مستديرة ومنفتحةً على شارعٍ تصطف على جانبيهِ أشجارِ سرو عتيقة جرداء.
سارَت تيليا في الممرِّ الطويل المؤدي إلى المكتبة المركزية ، ثمّ سرعان ما التفتت عند سماعها ضجيجًا مفاجئًا قادمًا من الملعب الرياضي ، أينَ اندفعت أشعة الشمس بلا هوادة عبر جذوع الأشجار العالية.
وظهر رجلان يتبارزان.
” إنّه أليكس دافنبورت.”
رفعت جودي ويلز التي تحاذيها نظارتها السميكة وبدأت بالثرثرة.
” لنرى… هممـم ، يبدو بارعٌ جدًا. تحركاته توحي إلى كسله ولكنّ أساسياته متينة. يُلوّح بسيفه دون حركات استعراضية ضائعة.”
استمرَت جودي – الابنة الصغرى لعائلة ويلز ، التي أنجبت العديد من الفرسان البارزين بإدلاءِ تعليقها دون توقف.
” من خصمه ؟ على هذه البُنية ، لا بد أنه…“
“ تملكين وقت فراغ طويل. اختباراتنا اقتربت.”
على عكس رفيقتها التي وقفت على أطرافِ قدميها لترى بوضوح ، لم تُبدِ تيليا اهتمام بهم وركّزت على ما قالته تاليًا.
“ لنسرع ، مقاعد المكتبة فرُغَت بعد قدوم الجميع للمشاهدة.”
“ أنتِ دائمًا لا تُبالين بهذه المشاركات…” ضحكت مُديرةً رأسها نحو خطوات المُتعجّلة. ” لكن لا يُمكنكِ إنكار وسامته ؟ “
أسرعت ذات الشعر الحالك مُحيطًا بعينيها الخضراوين الحادتين خطواتها دون إجابة.
“ هيا، يجب أن تُقرّي بذلك. لا شكّ بأنّ أليكس دافنبورت جذاب.”
واصلت الثرثرة وهي تُسرع للحاق بصديقتها.
انحنت كأنها تُفصح عن سر. ” أدخل أليكس دافنبورت فتاة أخرى إلى سكنه الجامعي في الـأمس. ما اسمها ؟ لا بد أنها من الطلبة الجدد.”
حسنٌ ، أعتقد أن تلك الطالبة كانت واثقة بما يكفي لتمنح نفسها له.
دون محاولتها إخفاء ازدرائها ، أجابت تيليا بفتور : ” بتمتّعه بطاقةٍ كبرى ، عليه أن يكونَ مرهقًا.”
“ صحيـح ! بينما يُكافح بعضنا لتجنب الرسوب في امتحاناتنا ، ينشغل دافنبورت كل يوم بالفتيات وفن المبارزة…”
زفرَت جودي أنفاسها ، بينما واصلت تيليا غير مُتأثرة بالمديح أو بالنميمة.
” حقًـا…”
لكن الكلمات التالية لفحتها عاطفة عابرة.
“ أليس العالم ظالمٌ حقًا ؟ ”
حثالةُ الأكاديمية ، سيّئ السمعة. تمتمت تيليا بلقبه الشهير أثناء وقوع مقلتيها على الرجلِ المعني – أليكس دافنبورت ، الابن الثاني لعائلة دافنبورت ، الذي لا يُضاهى في الثروة والشهرة في المملكة.
لاحَ شعره الأشقر لامعًا حتّى في الملعبِ المُغبر ، مُتحركًا بجسده المتين في خفّةٍ كما لو يسخر من خصمه. وبانَ مظهره متألقًا على بياضِ زيّ تدريبه الناصع ، متفوّقًا على الرجال العاديين المحيطين به.
صابَ العبوس ملامحها ومقوّسًا طرف شفتيها.
ما فائدة إتقان استخدام السيف في الأكاديمية الملكية ؟
كانت المبارزات بالنسبة للنبلاء الذين لم يحصلوا على لقبِ فارس بلا معنى. لكن الغريزة غالبًا ما فضّلت العاطفة على العقل. خلف أليكس سريع الخفّة، وقفت مجموعة من الطالبات ، يتظاهرن بعدم رؤيته وهنّ عكس ذلك لا يستطعن إبعاد أنظارهن عنه ، مثل قطيع من العصافير.
أليس يعرفن ذلك ؟ ثمّ ما يلفت الانتباه ؟
ألقَت نظرات سُخرية إلى الرجل المُعجب به والذي تصرّف بلا اكتراثٍ باهتمامهن. لكن هذا عكس نيّته ، لو لم يرد أن يُلاحَظ ، لما تنافس في الملعب الرياضي الكبير. ففي النهاية ، وُجدَت العديد من مجالات التدريب الخاصة للاختيار من بينها.
ربما كان يجمع مفاتيحهن بهذه الطريقة.
بينما استمرت أفكارها الساخرة، لعنته في داخلها.
اخسر.
اخسر خسارة نكراء ، ولا تربح شيئًا – لا المفاتيح ، ولا درجاتك ولا شيء.
فهمت تيليا ازدرائها الشديد لأليكس وسط كل حثالة الأكاديمية جيدًا. أسفلَ ازدرائها لرجلٍ سطحيٍّ عابث ، يكمن شعورٌ عميقٌ بالدُونيَّة اتجاهه.
احتقرت تيليا أمبروز أليكس دافنبورت.
لم يكن بسبب الشائعات أو الحادثة الرئيسية التي شهدتها. بل بدأ الأمر قبل ذلك بكثير – منذ اللحظة التي نظرت إليه فيها خلال حفل الدخول. منذ زمن طويل ، كرهتـه.
كان بمثابة تجسيدٍ لظلم العالم. رجلٌ يستطيع بسهولةٍ ويسرٍ أن يأخذ كل ما تريده بشدة.
عرفت أن الغيرة والشعور بالهزيمة اللذين شعرت بهما اتجاهه كانا قبيحين. لكن في هذا العالم ، ثمة ضغائن لا يمكنك إلا أن تحملها ، حتى وأنت تعلم خطئها.
ليته يُصاب بأذى. أن يُكسر ساقه أو ما شابه.
بينما تتمنّى بشدة ، أدار أليكس رأسه ناحيتها وهو يحاصر خصمه بسهولة ، وكأنه شعر بما يدور في خلدها.
ووسط الهتاف الصاخب ، التقت أعينهما.
***
مرحبا للقراء الأعزاء
يعتبر هالفصل بمثابة الفصل الأول التعريفي للسمات الشخصية لتيليا دودة العلم والتفوق وأليكس مُشوّه… أم سيئ السُمعة ؟
اهخ متحمسة للترجمة ، شاركوني وجودكم
دمتم بأمان
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"