1
الجزء الأول
خلفَ الضباب الرمادي
” أجبني. أستفعلهـا أم لا ؟ “
رغم إحكامها قبضَ ارتعاش جسدها حتى ابيضّت مفاصلها ، إلا أنّها فُضحَت بارتجافِ صوتها.
” أسرع وأجبني. عليّ اتخاذ القرار.”
تناثرَت الشمسُ على أجسادهما عبر ظِلال أوراق الشجر ، أينَ رفعَ أليكس دافنبورت المتّكئ بصره إليها. عينانٌ تلاطمَت فيهما زُرقةُ البحر وضباب السماء ، مثل كرات زجاجية باهتة في جمالٍ مهجورٍ في الملعب وبين أحضانِ رموشه الطويلة.
عبسَت ملامحه المُتّزنة إثرَ الشمس الساطعة ظهرًا ، والتي رغم الظلال تسلّلت كارهة مُغادرة وجهه الذي يشبه نورها ، وشعره الأشقر مثل انعكاسها ، ثمّ أنفه المنحوت وفكّه الذي أكمل مثاليّته في الجمال.
وخلال صمتهما لم تمرُّ سوى نظرات لم ترَ فيهما معنى.
لماذا لا يُجيب؟
أثنى جذعه عن المقعدِ ببطئٍ محدّقًا في الفتاة التي طالبته بالفُحش ، محترقةً أحشاؤها ومُتلوّية مثل سمكة أُلقيت على اليابسة.
أحتاج إلى أحدٍ آخر..
في اللحظة التي تعجّلت فيها الالتفاف والمغادرة أوقفها صوته الخافت ، كأنه يُحادث أسفلَ الماء.
” إذا لم أنم معكِ…”
وكانت كلماتٌ لم تتوقّعها.
“…أستنامين مع غيري ؟ “
صُدمت بما نطقته شفتاه
” ماذا؟ “
هربَ الصوتُ من تيليا محدّقةً فيه تستوعب صحّة ما سمعته منه.
” إذا لم أوافق ، أستتدحرجين مع وغد آخر؟ “
أأخطأت في السمع؟ لكنّه كررها بعد لطف بكلماتٍ أكثر فظاظة.
إذا لم يوافق ، أأنام مع وغد آخر؟
قضمَت شفاهها الحمراء تخبّئ وجهها جانبًا. بينما راقبها أليكس من انحنائهِ مُضيّقًا عيناه كما فعل مع الشمس.
“نعم.”
آنذاك… لم تلاحظ تيليا تعبيره ، فأدارت رأسها متأخرًا وأجابت :
“سأفعلها مع غيرك.”
بدا تصريحها مهيبًا.
عند كلماتها ، تغيّرت تعابيره الهادئة. وكأنّها لم تُدرك أهمية صفاء السماء إلا بعد تدمّر الأرض بعاصفة ، لاحظت تيليا فجأة أنّ إيليكس كان يحافظ على رجاحته التي اختفَت.
ومثل ورقة رقيقة تمتص الطلاء ، سرعانَ ما أظلمت عيناه الزرقاوان الرماديتان بانفعالٍ غامض.
” أهكذا إذن؟ “
تبسّمت شفتاه المُغايرة لتقاسيمه التي أبعد عن الفرح.
” ثمّ ، أظن علينا النوم معًا.”
كذّبت نبرته اللعوبة ثقلَ كلماته.
نهض دافنبورت ، الذي أربكها تناقض رقّة صوته وحدّة رمقاته. وبينما هو واقف ، لمعت في ذهنها صورةٌ ما.
غابةٌ مهجورة. ثعبانٌ أسود يزحف ببطء من كهفٍ مظلمٍ كاشفًا عن أنيابه السّامة ورافعًا رأسه مستعدًا للهجوم.
لم ترَ هذه الصورة حتّى نهض بارزًا حجمه الحقيقي. كان إيليكس دافنبورت طويل القامة وصلب البُنية. الوقوف أمامه أشبه بالوقوع في ظل جدارٍ شاهق، وشعرت تيليا بخطرٍ داهم.
هل يمكنني حقًا استخدامه كأداة؟ هل يمكنني التخلص منه متى شئت بعد أن أستخدمه كما يحلو لي؟
” نامي معي.”
أمسك بها إيليكس قبل أن تتراجع غريزيًا. تحت نظراته الباردة الرمادية ، ارتسمت ابتسامة ملتوية على شفتيه.
” لا يمكنني أن أدعَ المتعةُ لرجلٍ آخر.”
لا شعوريًا، أخفت تيليا راحتيها المتعرقتين خلف ظهرها. لحل مشكلتها قبل تحطّم أحلامها، كان عليها أن تنام مع أحدهم. وفي هذه اللحظة، لم يكن بحوزتها خيار أفضل من هذا الرجل.
ثمّ لماذا…
…على الرغم من اختيارها له بدافع الضرورة ، لم تستطع التخلص من شعورِ وقوعها في فخِّه.
وبينما انسكبت أشعة الظهيرة على إيليكس دافنبورت ، همسَ بصوتٍ ساطع مثل شمس السماء :
” لطالما أردتُ النومَ معكِ.”
*
*
*
لم تحجب ستائر غرفة إيليكس ضوء الشمس تمامًا. وتحت الضوء الخافت المتسلل كانا متشابكان.
” لم تكوني تعلمين…”
اخترق صوته الخافت ضباب حواسهما
“…أنكِ ستفعلين بي شيئًا كهذا، أليس كذلك؟”
انتابها شعورٌ ما من تصرفه هذا. لكن كعادتها، بدلًا من أن تنفجر باكية، اختارت تيليا أن تهاجم بكلماتٍ لاذعة.
” هل فكرتَ يومًا أن أفعل معكَ شيئًا مقرفًا كهذا؟ “
كلماتها، الممزوجة بالحقد، محت ابتسامته المتغطرسة. وحين تلاشى تعبيره المرح، وازدادت عيناه ظلمةً ، همس بهدوء :
” كنتُ أعلم.”
ومن خلال الرؤية الضبابية، ظهر وجهه الغامض.
لم يكن غضبًا أو فرحًا، ولا حتى بلا تعبير. كان شيئًا لم تستطع فهمه.
” كنت أعرف منذ البداية. أنتِ وأنا… سننتهي هكذا دائمًا.”
قبل أن تفقدَ وعيها استطاعت أن تلقطَ آذانها صوته الذي بدا مرتجفًا بعاطفةٍ غريبة وعابرة.
***
مرحبا
أقدم لكم هالعمل إلي أدمنته من فترة وانصدمت بمستوى السلو برن في رومانسيته والأوصاف التعبيرية فيها ، خاصة لما توصلوا لبوف البطل إلي مثل اللوحة الفنية.
أبطالنا أذكياء وغرين فلاقز ورح أترككم تغوصوا بدون حرق في مشاعرهم الرهيبة
قراءة ممتعة
التعليقات لهذا الفصل " 1"