1- النهاية
زوجها يرقد على اليسار، وأطفالها على اليمين.
إنهم موتى.
جروح لا حصر لها، متفاوتة العمق، تتقاطع على أجسادهم.
تجلس لين جيا في المنتصف، بظهرٍ منحنٍ كظهر عجوز شاحب. تخفض رأسها لتنظر إلى يديها—جافتين، نحيلتين، أظافر متشققة، ملطخة بالطين والدم.
يرتعش ضوء مصباح الكيروسين على الطاولة، ويخفت تدريجيًا…
بينما في الخارج، تعصف عاصفة هوجاء. وهذا المنزل الهش يتسرب منه الماء مع كل قطرات مطر، تختلط المياه المتسربة برائحة الدم النتنة. و تحدق لين جيا في أطفالها الذين ماتوا منذ وقت طويل، بوجهها الخالي من التعبير، لا فرح ولا حزن.
تنزل من عن السرير الطيني، تجلس عند الطاولة المكسورة. بحذر تضع مرآة بين يديها و تمسح الدم عن وجهها ورقبتها بمنشفة. ينعكس في المرآة وجه امرأة—شاحب، هزيل، جفون متدلية كجثة هامدة.
تمسك بمشط، تفك تشابك شعرها المتناثر كالأعشاب البرية ثم تربطه بعناية بشريط شعر أسود، ثم تضع لمسة من اللون الأحمر على شفتيها بورقة صبغ، ثم تنهض وتتجه نحو الخزانة لتخرج سترة قطنية قرمزية لترتديها، إذ تفتح الباب وتجلس على العتبة.
القمر يرتفع عاليًا. تجلس وحيدة كأميرة تنتظر فارسها، مخلصة وجليلة.
الساعة 9:00 مساءً—يتردد في الأفق صوت صفارات الشرطة.
الساعة 9:15 مساءً—تصل سيارة الشرطة إلى بوابة الفناء.
الساعة 9:16 مساءً—يترجل ضباط الشرطة بزيهم الرسمي، يقتربون منها على شكل أزواج إذ يحيطون بها.
“المتوفون: رجل بالغ يبلغ من العمر 60 عامًا، وطفلان صغيران—صبي في السادسة وفتاة في الثالثة، جميعهم قُتلوا طعنًا حتى الموت. اكان السبب الرئيسي للوفاة هو النزيف الحاد.” يتحدث الطبيب الشرعي بنبرة هادئة.
تضيء مصابيح الكشاف ساحة الفناء وكأنها نهار. يخرج القرويون الذين كانوا نائمين و يشكلون دائرة للمشاهدة.
يتم تقييد يدي لين جيا واقتيادها إلى سيارة الشرطة.
بعد بضع خطوات، تندفع امرأة مسنة في الثمانينيات، مستندة إلى عصا، والدموع تنهمر على وجهها. “أيتها المرأة الشريرة! لقد قتلتِ زوجك وأطفالك! ستنالين عقابك! ستنالين عقابك!”
إذ توقف الشرطة المرأة العجوز لتمنعها من الاقتراب.
تتوقف لين جيا للحظة ثم تنحني قليلاً دون أن تنظر إلى الوراء، وتصعد إلى سيارة الشرطة.
الساعة 8:40 مساءً—يتم نقل لين جيا إلى مركز الاحتجاز في المدينة A.
في غرفة التحقيق
شعرها غير متناثر، و ظهرها مستقيم، ساقاها متلاصقتان، لا تبدو كمجرمة.
“الاسم.”
“لين جيا.”
“العمر.”
“26 عامًا.”
يتوقف القلم في يد كاتب المحضر ليرفع رأسه بعدم تصديق. تبدو أكبر من عمرها، شعرها عند الصدغين غزاها الشيب، خطوط التجاعيد تحيط بعينيها، شفتيها مشدودتان في خط مستقيم بلا أي تعبير زائد.
“لماذا طعنتِ زوجك وأطفالك؟”
تتوقف لحظة، ثم تقول:
“إنهم ليسوا زوجي وأطفالي.”
تتوقف للحظة أخرى، ثم تضيف:
“لقد تم اختطافي.”
يتوقف القلم مرة أخرى، يضع الكاتب القلم وينظر إليها مجددًا.
“فلننهي التحقيق اليوم. خذوها إلى الحجز.”
*
انتشر خبر مقتل رجل وأطفاله على يد امرأة ريفية بسرعة على المواقع الإخبارية الكبرى. تحول الأمر إلى قضية رأي عام هزت الناس، حيث صوّر الصحفيون موت الضحايا الثلاثة بطريقة مأساوية أدمت القلوب. انهالت الإدانات على القاتلة، صلّوا من أجل أرواح الضحايا، وتمنوا عالمًا خاليًا من المجرمين.
لكن لم يذكر أحد—أن لين جيا كانت ضحية اتجار بالبشر.
نظرًا لبشاعة الجريمة، حُكم على لين جيا بالإعدام.
بعد تسع سنوات
كان قد مضى تسع سنوات منذ أن رأى والدا لين جيا ابنتهما آخر مرة. أحدهما بقي خارج السجن، والآخر بداخله. بعد اليوم، سيفصل بينهما الموت.
لقد تقدموا في العمر.
وكذلك لين جيا.
جلس والداها خارج قاعة الزيارة، ينظران إليها بصمت. بعد لحظة، أخرجوا صورة قديمة مصفرة. فتاة صغيرة ترتدي فستان باليه، يغمرها ضوء الشمس، مفعمة بالحيوية. رفع والدا لين جيا رأسيهما لينظرا إلى ابنتهما خلف القضبان—امرأة تختبئ في الظلال، وجهها شاحب، وعيناها خاليتان من الحياة.
فتحا فميهما، لكنهما لم يستطيعا مناداتها.
بقيا جالسين بصمت حتى انتهت مدة الزيارة.
عند مغادرتهما السجن، رفعت والدتها رأسها نحو السماء وقالت:
“جياجيا… ماتت منذ زمن.”
هز والدها رأسه موافقًا.
“لقد أخطأوا. هذه ليست ابنتنا.”
“نعم، هذه ليست ابنتنا.”
انفجر الزوجان في الضحك، ضحكا حتى انهمرت دموعهما بلا توقف.
في 16 يونيو، تم تنفيذ حكم الإعدام بحق لين جيا.
كان التنفيذ مقررًا في الساعة 9:00 صباحًا، عندما كانت أشعة الشمس الدافئة تتسلل بلطف. رفعت لين جيا رأسها إلى السماء الصافية.
لقد كانت يومًا فتاة صغيرة؛
لقد ارتدت يومًا فستانًا أبيض ورقصت “بحيرة البجع”؛
لقد خرجت يومًا لتلعب مع صديقاتها؛
لقد حلمت يومًا بفارس أحلامها؛
لقد حلمت يومًا بحفل زفافها؛
لقد تطلعت يومًا للزواج؛
لقد كانت تملؤها الآمال يومًا؛
لقد كانت…
لقد كانت…
كان ذلك اليوم، الساعة 9:00 مساءً، عندما خرجت من متجر المستلزمات اليومية، فاختُطفت إلى داخل شاحنة…
كان عمرها 17 عامًا حينها.
ومنذ ذلك الحين…
لم يكن هناك ضوء.
< النهـاية >
تـرجمة : سـنو.
Chapters
Comments
- 1- النهاية 2025-03-22
التعليقات لهذا الفصل "1- النهاية"