2
قراءة ممتعة~~~
الفصل الثاني
“كلا، أنا أيضًا أحبكِ… ولكن كصديقة فحسب.”
“……”
“ثم أنّ فكرة أن نواعد بعضنا… أليست مبالغًا فيها بعض الشيء حتى في رأيكِ، يا داهي؟”
“آه.”
ما إن سمعتُ تلك الكلمات، حتى عاد إليّ كل شيء.
كيف نسيتُ هذا؟
ولا بدّ أن الجملة التالية ستكون…
“لقد رأيتِ الفتيات اللواتي واعدتهنّ، أليس كذلك يا داهي؟ ألم تشعري بشيء وأنتِ تراقبينهنّ؟ كيف خطر لكِ أن تعترفي لي؟ الفرق بينك وبينهم… لا، لن أكمل هذه الجملة.”
نعم، كان لا بدّ لتلك العبارة أن تُقال.
إنها الجملة التي سحقت كبريائي، وأغرقتني في مستنقع من اليأس.
نظرتُ إلى الفتى الواقف أمامي متأملة ملامحه.
كان طويل القامة، ناعم الشعر، ذا ملامح ناعمة الملمس ومتناسقة لدرجةٍ قد تجعله يُلقّب في الجامعة بلقبٍ سخيف من نوع “من بين الثلاثة الأوسم في الجامعة”.
أما على وجهه، فارتسمت ملامح تقول بوضوح: “أنا غاضب، لكنّي أحاول التماسك.”
“…سيو جايغيوم.”
“نعم؟”
رفع رأسه قليلًا عند ندائي له.
نعم، إنّه سيو جايغيوم.
كان أكثر فتى مشهور في المدرسة قبل أن ينتقل المتدرّب الأيدول “جونغ أونسونغ”.
وحتى بعد انتقاله، لم يفقد شعبيته، بل ظلّ يشارك أونسونغ في نيل إعجاب الفتيات.
إنه حبي الأول.
كانت أمي تعمل خادمةً في منزل سيو جايغيوم فيما مضى.
وحين كنتُ أذهب في بعض المهمّات إلى ذلك البيت، كان سيو جايغيوم المشرق دائمًا هناك.
ذلك الفتى الوسيم الذي في سني، يعيش في بيتٍ واسعٍ نظيف لا يُقارن بمنزلنا المتواضع.
يسكن مع والدته وحدهما في أرقى أحياء المنطقة وأكبر بيوتها.
وكانت الشائعات تملأ المكان بأنّه الابن غير الشرعي لرئيس شركةٍ كبيرة.
وأنا من القلائل الذين يعرفون أنّ تلك الشائعة حقيقية.
“مرحبًا، كانغ داهي.”
“كانغ داهي، جئتِ مجددًا.”
رغم معرفتي بسرّه، لم يُبدِ سيو جايغيوم أي انزعاجٍ من وجودي.
كان يُلقي التحية في المدرسة، وأحيانًا يعرض أن يرافقني إلى المنزل إذا تأخرتُ — وإن لم يفعلها يومًا، فالعرض وحده كان كافيًا لأُسيء الفهم.
“هل تواعدين سيو جايغيوم؟”
“لا تتفوهي بالهراء.”
كانت البيئة مثالية كي أُخطئ الفهم.
لكن الواقع ليس دراما، وأنا لست البطلة.
لقد كان ذلك مجرد وهم.
“إنّه حقًا سيو جايغيوم…”
تأملتُ وجهه بدهشة، إذ لم أره منذ سنتي الأخيرة في الثانوية.
وكحال معظم أصدقائي، انقطعت الصلة بيننا فور التخرّج.
كنتُ وحدي من تبادر بالاتصال، وحين فشلتُ في امتحان القبول بالجامعة شعرتُ بالخزي واختفيتُ، فانقطعت كل الجسور.
وسيو جايغيوم… لم يبحث عني ولو مرة.
“سو جاي غيوم، متى اعترفتُ لك؟”
“مم؟ لا أذكر ذلك جيدًا.”
أجاب باستخفاف، ومن جوابه وحده أدركتُ أنه لم يكن يكنّ لي شيئًا.
نحن الآن في شهر مارس،
في بدايته، ولم يمضِ أسبوع على بدء العام الدراسي الجديد.
سؤال: أليست الاعترافات بالحب تتم عادة في أيام مميزة مثل عيد الفالنتاين، أو مهرجان نهاية العام، أو الرحلة المدرسية؟ لذل لماذا اخترتِ أن تعترفي له في بداية الفصل الدراسي؟ خصوصًا وأنكما في نفس الصف الآن؟
جواب: لا، لم أعترف الآن.
لقد اعترفتُ في نهاية العام الماضي، تحديدًا ديسمبر الماضي.
لكنه يردّ عليّ الآن فقط.
“هاه؟ أنتِ؟ لي أنا؟”
“جايغيوم! أسرع، إن تأخرنا فلن نجد مكانًا!”
“آه، عليّ الذهاب الآن. سأتصل بك لاحقًا، حسنًا؟”
ثم صمتَ طيلة العطلة الشتوية.
لم يحضر حفل الختام، قال إنه مسافر إلى الخارج.
أما أنا، فكنتُ أمضي الليالي ممسكةً بالهاتف، أتردّد بين إرسال رسالةٍ له أو التراجع عنها، أتحرّق شوقًا وأنا أتابع حسابه في “الفيسبوك” كل يوم، حيث ينشر صوره وهو يتزلج على الأمواج في شاطئ مانلي.
يقولون أن لا إجابة تعني لا.
ومع ذلك، ظللتُ أرجو معجزة.
حتى في يوم ميلادي في فبراير، لم تصلني منه رسالة واحدة.
ثم حين رآني بعد العودة إلى المدرسة، تذكّرني وقال ببساطة: “آه.”
واليوم فقط قرّر أن يجيبني.
في حياتي السابقة، بكيتُ طويلًا بعد هذا.
أما أنا الآن…؟
“داهي، أنتِ ذكية. لا حاجة أن أشرح أكثر، صحيح؟ دعينا نعتبر الأمر لم يحدث من الأساس.”
“حسنًا.”
رفعتُ يدي مقاطعةً كلامه.
“فهمت قصدك. لننسى الأمر وكأنه لم يكن، أليس كذلك؟ حسنًا.”
ربما كانت تلك المشاعر في الماضي حبًا من طرفٍ واحد جعلني أبكي كل ليلة،
أما الآن، وأنا في التاسعة والعشرين، فهي لا تثير فيّ إلا الضحك.
يا كانغ داهي، كنتِ تملكين رادارًا يلتقط الوسيمين فقط.
لكن، كيف خطر لكِ أن تعترفي من الأساس؟
ألم يكن في العالم رجلٌ وسيمٌ سواه؟ كان الأجدر بكِ ألا تحبي أحدًا.
لو أنّكِ نظرتِ خطوةً إلى الوراء فحسب، لرأيتِ بوضوح من التي في قلبه.
“لا بأس، سنفترق بعد التخرّج على أي حال.”
لديّ الآن ما هو أهم من سيو جايغيوم.
نفضتُ الغبار عن زيي المدرسي ونظرتُ إليه بثبات.
عندها تقلصت ملامح وجهه قليلًا.
“كانغ داهي؟”
“آسفة لتجاوزي الحد. لن أكرر ذلك.”
“آه….”
“سأعود إلى الصف الآن.”
“حسنًا.”
“نعم.”
“……”
“……”
“……”
“لكن، يا سيو جايغيوم.”
“مم؟”
“إن كانت عبارتك «كيف تجرئين على الاعتراف لي بعد أن رأيتِ جميع الفتيات اللواتي واعدتهنّ» لا تُعد قاسيةً، فماذا تُعد القسوة عندك إذًا؟”
ولم أنتظر جوابه، بل عدتُ إلى الصف.
تجوّلت قليلًا لأنّي لم أتذكر رقم الصف، حتى عرفتُه من وجوه زملائي.
“خزانتي… آه، هذه هي.”
كان القفل مغلقًا، ولم أتذكر الرقم السري.
“سأكسره فحسب.”
طَق!
“هاه!”
“يا إلهي!”
حدّق بي زملائي مصدومين وأنا أحطم القفل بالمكنسة.
“داهي، ما بكِ؟ أأنتِ بخير؟”
“نعم، أنا بخير. بل في غاية السعادة الآن.”
أخرجتُ كل كتبي من الخزانة وحملتها بين ذراعي.
ثم التفتُّ إلى فتاةٍ نظرت إليّ وسألتها؛
“يا صديقتي.”
“هـ… هاه؟”
“هل يمكن إخباري أين مقعدي؟”
قلتُ لها إنّي لم أنم جيدًا الليلة الماضية لذا نسيت.
فأشارت دون تردد: “الصف الثاني، المقعد الثالث.”
“شكرًا.”
جلستُ وبدأت أراجع الكتب واحدًا تلو الآخر:
اللغة الكورية.
حسنًا، لم أنسَ لغتي الكورية، لذا يكفيني فقط أن أتمرن مجددًا على حلّ المسائل. مقبول.
اللغة الإنجليزية.
أنا حاصلة على الدرجة الكاملة في اختبار التويك، لذا لا بأس. مقبول.
التاريخ الكوري.
أتذكر الخطوط العريضة للأحداث، لكن التفاصيل الدقيقة لا تخطر ببالي. معلّق مؤقتًا.
الرياضيات.
هاه؟ ما هذا الرمز أصلًا؟ كيف تُحل هذه المسألة؟
اللغة الثانية، الفرنسية. (ليست مادة إلزامية لغيري، لكن بما أنني أطمح إلى دخول جامعة كوريا، فلا مفرّ منها.)
كل ما أتذكره من الفرنسية هو: جان دارك، نابوليون، وجامبون بير.
انتظري، الرياضيات؟!
كانت تُسمّى آنذاك “القسم الحسابي”، وأنا لا أذكر منها شيئًا…
“لقد انتهيت.”
أنا في ورطة.
كانت تلك النتيجة الوحيدة الممكنة.
“يا إلهي، لا أذكر شيئًا على الإطلاق.”
حتى معادلة الجذر التربيعي نسيتها.
كم بقي حتى امتحان القبول الجامعي؟
سنة وسبعة أشهر؟ ثمانية؟
لكن النجاح لا يعتمد على الامتحان وحده، فالتقديرات الداخلية مهمة أيضًا.
أيعقل أن عليّ أن أراجع كل ما نسيته وأتعلم الجديد في آنٍ واحد؟
قطرت دمعة.
“داهي! لماذا تبكين؟!”
“هاه؟ داهي تبكي؟!”
“إنها تبكي!”
“لماذا؟”
“لا أدري!”
“أأنتِ بخير يا داهي؟”
“ما الأمر؟”
“يا جايغيوم، داهي تبكي!”
“تبكي؟”
التفت سو جايغيوم الذي دخل للتو، ونظر إليّ.
وحين رآني أذرف الدموع، قطّب حاجبيه قليلًا، ثم تنهد.
وكأنّ الأمر لم يفاجئه.
لابدّ أنه وجدني مزعجة كالعادة.
كنت أود أن أصرخ: “أنا لا أبكي لأجلك!”
لكن، ما الفائدة؟ سيظنها تبريرًا سخيفًا.
يا للإحراج.
“سأذهب إلى الحمّام قليلًا.”
أخذت هاتفي وغادرت الصف.
أسندت ظهري إلى الجدار في الممر وأخذت نفسًا عميقًا.
“لا بأس.”
ما زال هناك وقت.
لقد منحتني الحياة فرصة ثانية لا يحظى بها أحد، بالعودة أحد عشر عامًا إلى الوراء…
أفأقضيها في البكاء؟
“البكاء ممنوع. هذه دموع سعادة.”
مسحت دموعي بظهر كفي، وفتحت هاتفي القديم باليد الأخرى.
كان ثقيلاً، سميكًا، بطيئًا… فآخر مرة استُخدم فيها كانت قبل أحد عشر عامًا.
“لنرَ… ما التطبيقات التي كنت أستعملها آنذاك؟”
“همم، ما زال تطبيق الموسيقى نفسه موجودًا. ما هذا؟ قائمة تشغيل الحب من طرفٍ واحد؟”
[قائمة تشغيل كانغ داهي: حب من طرف واحد]
- ليتنا أصبحنا صديقين.
- لو كنتُ أنا من تحب… لو كنت أنا ذلك الشخص.
- كنتُ دائمًا خطوةً خلفك. ☆
- أريد أن أقول “أحبك”، لكنّني أكره عجزي عن النطق بها.
- حتى لو كان لقاءنا صدفةً، سأكون سعيدةً إن رأيتك مجددًا ولو للحظة.
- اعتراف الصديق. ☆★☆
- يبدو أنّك تشعر بالراحة معي فحسب.
- حبٌّ أعيشه وحدي. ㅠ
- ماذا أفعل؟ ما زلتُ غافلة….
ملاحظة: هل يصعب عليك أن تتناول معي وجبة واحدة فحسب؟ إنّي أجنّ! يا نجوم السماء… أريده. جاي.
“آآآااااه!”
ما هذا بحق الجحيم!
رميتُ الهاتف بعيدًا.
تدحرج حتى توقّف عند قدمي شخصٍ ما.
انحنى ذلك الشخص ببطء، وأمسك بهاتفٍ يُضيء على شاشته تاريخي الأسود كلّه.
يتبع في الفصل القادم^^
ترجمة نينا @justninaae
Chapters
Comments
- 2 - الفصل الثاني منذ 9 ساعات
- 1 - الفصل الأول منذ 11 ساعة
التعليقات لهذا الفصل " 2"