إذا ذهبنا، سيأتي هيرشل هوبكنز بالتأكيد. تلقى أوين الداليا. إن كان هو الهدف هذه المرة، فسيكون بإمكانهم معرفة مكانه أينما ذهب. لكنه جاء بنفسه، بل وأحضرني معه. يا لها من فرصةٍ مواتية؟ فرصة للتخلص من شخصين يتعقبان هذه القضية في آنٍ واحد.
“أوين، هل…”
نظر إليّ أوين. رسمتُ ابتسامةً مترددة.
“هل بدا الأستاذ هيرشل غريبًا بأي شكل؟”
“هيرشل؟ فجأة؟”
“لا، ليس أمرًا كبيرًا… لكنه لم يكن يرتدي خاتمه. لم أره يخلعه أبدًا.”
غرق في التفكير للحظة، يمسك ذقنه.
“خلع خاتمه؟”
“نعم، خاتم زواجه.”
“هذا غريب. ليس من النوع الذي يتخلى عن تعلقه فجأة.”
هيرشل هوبكنز؟ تمتم أوين مجددًا، وبدا عليه عدم التصديق.
“مستحيل. إنه من النوع الذي لن يتخلى عن خاتمه حتى لو قُطعت أصابعه. لا تعرفين كم أحب زوجته. ذلك العجوز العنيد لا يتخلى عن أي شيء يتعلق بزوجته. من المؤكد أنه سيطلب دفن خاتمه معه في قبره.”
رمشتُ بعينيّ للحظة. لم يخبرني ليام ولا هيرشل شيئًا عن زوجة هيرشل هوبكنز. لذا، لم يكن لدي طريقة لمعرفة ما حدث له. هيرشل لن يشاركني أمور حياته الخاصة.
“زوجته…”
“توفيت.”
كان الجواب جافًا. عندما ارتعدتُ، عبس أوين ورفع زاوية فمه.
“كانت جريمة قتل. تعرضت لهجوم بينما كان هيرشل خارج البيت. كان ذلك في يوم ذكرى زواجهما. بعدها، عاش كالمجنون، غارقًا في الحزن، حتى ساعده آرثر وليام ليستعيد شكله البشري. لكنه من المؤكد لم ينسَ زوجته بعد. هذا هو طبعه… هل زرتِ بيت هيرشل؟”
ترددتُ، ثم أومأتُ برأسي.
“كانت زوجة هوبكنز تحب الحديقة. لذا، كان يزرع نباتاتٍ جديدة كل عام لتراها. عندما يفتح النوافذ، تمتلئ بالزهور، وأحيانًا، إذا كانت هناك زهرة تتفتح في الشتاء، كان يهديها واحدة دائمًا.”
هل كان هذا هو معنى الحديقة المعتنى بها جيدًا؟ شعرتُ بقليل من الذنب لمعرفة قصة لم أكن أعرفها. شعرتُ وكأنني تجسستُ على أمور هيرشل دون إذن.
“الأشخاص من حولنا دائمًا يواجهون هذه النهاية.”
دفع أوين يديه في جيوبه بهدوء، ودفع الباب بقدمه، وقال لي. انفتح الباب بسهولة.
“…غرينيتش؟”
“لأننا نعمل في أمورٍ خطرة. لدينا أعداء كثيرون. هذا هو سبب محاولتنا عدم تكوين أحباء، أو اتخاذ قرار بالعيش مختبئين طوال الحياة، لكن النهاية ليست جيدة عادةً. ولهذا السبب.”
التفتت كرمةٌ حول أصابع أوين كاسبير. كان تعبير الرجل، الذي بدا في منتصف الثلاثينيات أو أواخرها، يحمل مرارةً ما. أضاء الضوء الذهبي الظلام بهدوء. كانت عيناه لا تزالان تحدقان في الكرمة.
“دائمًا ما يفقدون من يحبون.”
ثم قال أوين كاسبير بهدوء إن هذا يبدو كلعنةٍ أُلقيت على أمثالنا.
هل ينطبق هذا على ليام وعليّ أيضًا؟ فكرتُ في ذلك للحظة.
تمتم أوين بكلماتٍ لستُ متأكدة إن كانت موجهةً لنا أم لا، ثم بدأ يسير إلى الأمام. كانت خطواته سريعة، لكنني أستطيع مواكبته. على أي حال، كانت الوجهة محددة، وكنتُ أعرف إلى أين يجب أن نذهب.
وجدتُ طريق المدفأة دون صعوبة. مدّ أوين كاسبير يده إليّ. تمنيتُ في قرارة نفسي أن تمر الأحداث القادمة دون أن تمسك. تقدمتُ بخطواتي.
رأيتُ سلالم لا حصر لها. وكما هو مألوف، رأيتُ رسمًا يشع ضوءًا. مع هدوء الصدمة، أصبح بإمكاني استكشاف المحيط. لو لم تكن الجثث موجودة، لكان المشهد يبدو مهيبًا. كان يبدو ساحقًا أيضًا.
“ويليام سيكون مختلفًا.”
سمعتُ كلماتٍ غامضة.
“ماذا؟”
لم أستطع رؤية وجه أوين كاسبير لأنه كان يتقدم، لكنني سمعتُ للتو كلماتٍ ستبقى معي لوقتٍ طويل.
“…أنتِ وويليام ستكونان مختلفين.”
يا إلهي. السلالم. عاد إلى تصرفه المرح بسرعة، وأخرج الطباشير من جيبه. أدارها بين أصابعه، ثم وضعها في فمه. ماذا؟ لماذا الطباشير؟ عندما نظرتُ جيدًا، تحولت إلى سيجارة. تمويه. غمز بعينه، ثم قضم السيجارة غير المشتعلة.
“سيد أوين.”
“ناديني أوين فقط.”
“هل هناك طريقة لتجنب الإصابة إذا سقطنا هنا؟ شيء مثل تقنية السقوط.”
نظر إليّ أوين كاسبير بتعبيرٍ مرتبك.
“هناك طريقة، لكن لماذا؟”
“لأننا سنحتاجها الآن.”
ثم ركلته، حاملةً كل امتناني.
“آآآآآه!”
طار أوين بعيدًا. في اللحظة ذاتها، مرت قوةٌ هائلة من المكان الذي كان يقف فيه. لو تأخرتُ قليلاً، لكنتُ قد جُرفتُ معه.
ومض ضوءٌ ساطع مرةً واحدة. ثم سمعتُ صوتًا يصرخ بقوة. من قوة صوته، بدا أن أوين هبط على الأرض بسلام.
من خلفي، سمعتُ ضحكة.
【يا لها من خدعةٍ ذكية.】
سمعتُ صوت رجل. لم يكن صوت هيرشل. كان في الصوت قوةٌ تستدعي الخوف البدائي للبشر من أعماقه. شعرتُ وكأن عنقي تجمد.
“آه…”
تجاهلتُ صراخ غريزتي وأدرتُ رأسي. وأخيرًا، واجهته.
كان رجلاً ذا بشرةٍ داكنة. كان جسد هيرشل هوبكنز مرميًا كدمية ماريونيت مقطوعة الخيوط، وكان الرجل الذي داس عليه ينظر إليّ بابتسامةٍ متوهجة ومستفزة.
كان طويل القامة بشكلٍ ملحوظ، ونحيفًا جدًا. كان شعره الأسود المجعد يتطاير رغم عدم وجود ريح. لو صُنع الليل على هيئة إنسان، لكان هكذا. كان جميلاً بشكلٍ مخيف، لكنني شعرتُ أنه لا يجب أن أنخدع به. كانت كل الظلال تخضع له.
قاومتُ رغبتي في الركوع وسألتُ وأنا أتراجع.
“آنسة!”
صرخ أوين من الأسفل.
“لا تنظري إليه! لا يجب أن تريه!”
لكن كلماته لم تصلني.
كان الرجل يرتدي رداءً أسود، يتموج كأنه حي.
كانت كل حواسي مسلوبةً إليه قسرًا. التفكير، البصر، السمع، كل شيء سُرق. شعرتُ به كحاكمٍ يتربع على عرش. كانت هيئته تنضح بسلطةٍ طبيعية. تجمعت الظلال وشكلت تاجًا من القرون خلف رأسه.
سمعتُ صرخة. صرخةٌ أعمق من الجحيم، فوضى، كصراخ تارتاروس.
ملاحظة : تارتاروس (Tartarus) في الميثولوجيا اليونانية هو أعمق جزء من العالم السفلي، أعمق حتى من الهاوية التي يُحبس فيها الأشرار والعمالقة والتي كانت مكان العذاب الأبدي.
【أنتِ…】
حدقت بي عينان صفراوان كعينيْ وحش. لا تنظري، لا تنظري، أعرف ذلك، لكن جسدي لا يرفض. كشف عن أسنانه وضحك الملك.
【يا لكِ من طفلةٍ مسلية. هل أُعددتِ لتكوني لعبتي الجديدة؟】
كان فمه مليئًا بالدم الأسود. كان يمسك بي، يهمس إليّ، وسيحبسني في الظلام إلى الأبد!
【يا لكِ من مسكينة. لا تعرفين ما أفعله، ولا تعرفين إن كان ما أُعطي لي نعمةً أم لعنة.】
اقترب وجهه فجأة. تساقط الدم الأسود على وجهي. انتفض جسدي رعبًا. شعرتُ وكأن نملًا يزحف داخل أوردتي.
أردتُ الصراخ. لكن ذلك لن يكون لائقًا أمام الملك. صراخ الظلال التي تصيح بي أصم أذنيّ.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 65"