تحت وطأة النكهة القوية التي دغدغت لسانه، رسم ليام ابتسامةً مترددة ووضع الكوب جانبًا. هل كانت القهوة صباحًا محفِّزةً أكثر من اللازم لبراعم ذوقه؟
حسنًا، دعنا نتحدث عن القضية. جذبْتُ الجريدة التي كنتُ قد أبعدتها إلى الزاوية، وأشرتُ إليها بسكين الزبدة.
“لا يبدو كمن ألقى بنفسه من جسر، أليس كذلك؟”
“مهما نظرت، لا يبدو كذلك.”
“هل حدث ذلك قبل الوفاة أم بعدها؟”
“لو تحقَّقنا من الرئتين، لكان الأمر أسرع.”
الغرقى يمكن تمييزهم بفحص رئتيهم، إذ تختلف تمامًا عن رئتي من أُلقي به في الماء بعد الموت لإخفاء الجريمة.
المشكلة أن التحقق من هذا يتطلب إجراءاتٍ معقدة للغاية. في لندن، هناك قانون التشريح، الذي يمنح الأقارب الحق في التشريح، لكننا لسنا من الشرطة، بل مجرد محقق خاص ومساعدته، وهذا ما يعقِّد الأمور.
“لا خيار أمامنا. نأمل أن يتولى الأمر من يهتم به. أتمنى أن يكون هناك طبيب تشريح متفرغ، لأن الأيدي العاملة ناقصة.”
“ربما يوجد. مع مثل هذه الجثة، سيركضون وهم يرفعون حواجبهم!”
الجثة التي عُثر عليها هذه المرة كانت جافة تمامًا، خالية من أي قطرة دم، كأنها ماتت جفافًا. والأغرب أنها، على الرغم من أنها طُرحت في نهر التايمز، لم تكن تحمل أي أثر للبلل.
بفضل ذلك، أُطلق عليها عنوانٌ غريب ومبالغ فيه: “عودة نوسفيراتو!” أتمنى فقط ألا يكون هناك من يصدِّق إشاعات هذه الصحف الرخيصة. مصاص دماء في القرن التاسع عشر!
ملاحظة : “نوسفيراتو” (Nosferatu) هو اسم يُطلق عادة على مصّاص الدماء، وأصله من الثقافة الأوروبية القديمة، لكنه اشتهر خصوصًا بعد ظهوره في السينما والأدب القوطي.
لحظة، عندما أفكر في الأمر، ألم أرَ شيئًا مشابهًا من قبل؟ لا أعرف إن كان عليَّ الضحك أم لا.
“ما الذي سنفعله؟”
سألتُهُ.
“عليَّ الخروج قليلاً.”
أجاب ليام.
في منتصف النهار تقريبًا؟ منذ عودته من الخارج، قلَّ كلام ليام مور بشكلٍ ملحوظ. يبدو أنه تحدث مع أعضاء النادي الاجتماعي كما في السابق، لكنه في المنزل لم يفتح فمه كثيرًا.
ليس أنه لم يتكلم على الإطلاق.
— استيقظتَ؟ لقد نمتَ حتى وقتٍ متأخر.
— كنتُ متعبًا بعض الشيء.
تبادلنا مثل هذه الحوارات القصيرة. لكن حتى هذه كانت متقطعة، مما جعلني أشعر بالحرج فأغلقتُ فمي أولاً.
استمر الأمر على هذا النحو. لأيام، كان يعود متأخرًا في الليل، يمكث في غرفة الجلوس قليلاً، ثم يعود إلى غرفته. يستيقظ متأخرًا، أو ينهض بعد ساعات قليلة من النوم ويغادر المنزل مجددًا. أصبحت اللحظات التي نراه فيها تقلُّ شيئًا فشيئًا.
بدا الرجل هشًّا للغاية، لكنني لم أعلِّق على ذلك. ربما كان هذا أفضل. لم أكن أرغب في رؤية ليام مور يتظاهر بالمرح قسرًا. لذا، كنتُ أكتفي بمراقبته من خلال الباب المفتوح قليلاً، وأخمِّن.
ربما كان الشخص الذي عُثر عليه هذه المرة عضوًا في النادي أيضًا. كان يتصرف بطبيعية، لكنه يتوتر كلما ذُكر النادي الاجتماعي، فلم أستطع سؤاله أكثر.
اليوم كان كذلك أيضًا. خرج ليام مور من غرفته متثاقلًا، يفرك خده بتعب. كان قد شمَّر أكمام قميصه بعشوائية، وارتدى معطفه بطريقةٍ تبدو غير واعية. سألته:
“إلى أين؟”
توقف ليام لحظة، ثم أجاب متأخرًا:
“… إلى بعض الأصدقاء.”
“ستتأخر؟”
“ربما.”
ثم غادر هكذا. هل يحاول الابتعاد عني الآن؟ نظرتُ إلى ظهره وهو يعود في الفجر ويغادر في وقت متأخر من الظهيرة. كانت ماري، التي كنا نشرب القهوة معًا، تعبس.
“السيد مور يتصرف بشكلٍ غريب.”
هزَّت ماري رأسها وهي تحتسي قهوتها المحلاة. لاحظتُ أنا أيضًا غرابة تصرفه، لكنني لم أتوقع أن تلاحظها ماري أيضًا. لكن، بالطبع، كان من عادة ليام أن يذكر دائمًا وجهته عندما يغادر.
“ربما الأمور لا تسير على ما يرام. تبدين قلقة، أليس كذلك؟”
“قلقة؟! لا، بالطبع لا!”
قفزت ماري وهي تنفي، لكن قلقها كان واضحًا، فضحكتُ. احمرت أذناها من ضحكتي، ولوَّحت بيدها محاولةً إبعاد النظر عنها.
“أقصد، لم يكن يتصرف هكذا من قبل، ففوجئت فقط… حتى أنه لا يتحدث معكِ، يا آنسة.”
“حسنًا، حسنًا، أصدقكِ.”
“أقسم إنني لا أقلق عليه!”
شعرتُ وكأنني أرى أختًا صغيرة تتخاصم مع أخيها الأكبر. لو قلتُ لها ذلك، لصرخت ماري وهربت بالتأكيد. أما ليام… لا أعرف. كان موهوبًا في الاعتناء بالأطفال، كمن نشأ مع أخ أو أخت.
لكن قبل أن أواصل، نظرت إليَّ ماري بحذر وقالت: “في الحقيقة، أنا قلقة قليلاً، قليلاً جدًّا.” ثم هربت مسرعة. ضحكتُ طويلاً.
“ماذا الآن؟”
لا قضايا للتحقيق، ليام غادر، ماري هربت، وأنا وحدي في المنزل. الشخص الوحيد الذي قد يأتي هو ساعي البريد. هل كان لديَّ رسائل لإرسالها؟ عندما أفكر في الأمر، لم أكتب رسائل تذكر منذ وصولي إلى لندن. ولم أعرف حتى لمن أرسل شيئًا.
فجأة، خطرت لي فكرة. تساءلتُ عن حال أخي الصغير. متى كانت آخر مرة تواصلتُ فيها معه؟ لا أتذكر جيدًا. كنا مقربين عندما كنا صغارًا. هل سيرد إذا أرسلتُ رسالة الآن؟
ترددتُ طويلاً، ثم أخرجتُ ورق الرسائل الذي كنتُ أؤجل استخدامه.
شعرتُ بالحرج. لا أعرف ماذا أكتب. حدَّقتُ في الورقة الفارغة لفترة، لكن الفراغ فقط ازداد. لو كنتُ قد جربتُ هذا من قبل، لكنتُ علمتُ. مؤخرًا، كنتُ أرسل برقيات تحتوي على طلبات مثل “دعنا نراجع سجلات القضية.”
“ليس باليدِ حيلة.”
أولاً، التحية. يجب أن أبدأ بالتحية.
قضيتُ النهار في الكسل، منتظرة عودة ليام في هذا الوقت تقريبًا، لكنني انتهيتُ بتناول العشاء وحدي. حتى تلك اللحظة، لم يعد ليام. قررتُ أننا بحاجة إلى محادثة جدية هذه المرة.
هل أنا واهمة إذا شعرتُ أنه يتجنبني؟ يتفادى النظر إليَّ، ويتجنب لقاءاتنا. لماذا غيَّر سلوكه فجأة كمن يقلب كفه؟
في وقتٍ متأخر، سمعتُ صوت عودة ليام. توقفَ للحظة أمام باب غرفتي، ثم دخل غرفته مباشرة.
ألم يكن لديه شيء ليقوله؟ ألم يقف أمام الباب لهذا السبب؟ لماذا ذهب هكذا؟
تساءلتُ. فكرتُ في ملاحقته، لكن، كيف أقول؟ لم أستطع تحريك قدميَّ. على الرغم من عزمي على إجراء محادثة جدية، لم أجد الشجاعة لفتح الباب. ربما كان ليام يفكر بالمثل.
بعد ساعتين من إطفاء أنوار غرفة الجلوس، خرجتُ من غرفتي بهدوء. كان هناك ضوء خافت يتسرب من غرفة ليام، لكن دون أي صوت.
أطللتُ برأسي من الباب المفتوح قليلاً.
“ليام؟”
لم يأتِ رد. اعتبرتُ ذلك موافقةً ضمنية ودخلتُ الغرفة.
“يا إلهي، ما حال الغرفة هذا؟”
انفجر تنهدٌ مني تلقائيًا.
الملابس المعلقة بعشوائية على الكرسي قد تُغتفر، لكن الكتب كانت مكدسة على الأرض. كان هناك ثلاثة أبراج من الكتب. على المكتب الخشبي، كانت مواد كيميائية تتلألأ، وفي ميزان النحاس الذي يستخدمه أحيانًا، كان هناك كتلة معدنية.
تجولتُ في الغرفة الفوضوية حتى وجدتُ ليام مور أخيرًا. كان متكورًا في زاوية السرير، نائمًا. بدا نومه غير مريح، لكن أن ينام هكذا كان مذهلاً بحد ذاته.
‘هل قضى أيامًا ينام هكذا؟’
لا عجب أن وجهه يزداد سوءًا.
التقطتُ ورقة كانت على الأرض. كانت قائمة بالوفيات الغامضة خلال السنوات الأخيرة، مع قصاصات من الصحف. هل نهب المكتبة؟ أعدتُ الورقة إلى مكانها بحذر، واقتربتُ من السرير.
كان ضوء المصباح على الطاولة الجانبية يخفت. بين الضوء المتلاشي، ظهر وجهه النائم. حتى في نومه، كان وجهه الوسيم مشدودًا بالتوتر.
ما الذي يجعلك هكذا؟
رفع سؤالٌ لا يمكنني طرحه على نائم رأسه فجأة. كانت هناك ظلال داكنة تحت عينيه. لماذا يركض هكذا؟ شعرتُ بالإحباط والأسى لرؤيته يتحمل وحده ما لا أستطيع سؤاله عنه.
جلستُ بحذر على حافة السرير، خائفًا من إيقاظه. لم أستطع إصدار صوتٍ عالٍ. جلستُ هكذا، أنظر إليه لفترةٍ طويلة.
كان صوت أنفاسه الخفيفة هو الصوت الوحيد. عندما اعتادت أذني على الهدوء، شعرتُ بوجود إنسان في الغرفة. أنفاسه الناعمة، وحرارة جسده الدافئة قليلاً، أخبرتني أن هذا الشخص حقيقي.
عندما توقف عقلي عن اعتبار ليام مور شخصية لعبة، أصبح شيءٌ ما أكثر وضوحًا.
انظري، هذه هي الحقيقة. الحضارة التي تتذكرينها أصبحت الآن ذكرى بعيدة. لقد أصبحتِ الآن جزءًا كاملاً من هذا العالم.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 52"