الحلقة الثانية : ماري الدموية
عادةً ما تطول مراسم الزفاف التقليدية. ففي اليوم السابق، يُقام حفل توديع العزوبية، وفي اليوم التالي، إذا افترضنا أن الزفاف يُعقد في الكنيسة عند العاشرة صباحًا، فإن موعد الانتهاء يتغير تبعًا لطول كلمات التهنئة. ثم يتبع ذلك احتفال طويل آخر في الحفلة اللاحقة. يقضون يومين أو ثلاثة أيام في احتفال متواصل كأنه مهرجان، للاحتفاء بأعظم حدث في الحياة، وهذه عادة الزفاف في بريطانيا. ولعل الزواج، الذي يحدث مرة واحدة في العمر، يدفع الجميع إلى بذل أقصى جهدهم.
كان ليام مور مدعوًا بصفته صديق العريس، وبالتالي… كان عليه حضور حفل توديع العزوبية. وهذا يعني أنه يجب أن يبيت في منزل ذلك الصديق منذ الليلة السابقة.
وبمجرد أن علم بهذا الأمر، أمسك ليام رأسه وأطلق أنينًا من الضيق.
بالطبع، ظننتُ أن هذا الصداع ناتج عن الدخان الكثيف المنبعث من الأنابيب الزجاجية والقوارير التي كان يحدق بها طوال الوقت. فمن منا لا يصاب بالصداع وهو يرى سائلًا مجهولًا يغلي أمام أنفه مباشرة؟ وبقلب رحيم، فتحت النافذة قليلًا لتهوية المكان.
لكن هذا الموقف، حيث كنت أتناقش معه وأنا أحمل بطاقة الدعوة، كان كفيلًا أيضًا بإثارة الصداع. فقد أجّلنا القرار وماطلنا حتى أصبح الزفاف على الأبواب، وما زلنا نتساءل: هل سنذهب أم لا؟ كان هذا الوضع لا يُعقل.
“ستذهب معي، أليس كذلك؟”
سألته مرة أخرى.
“لن أذهب.”
ردّ بنبرة متذمرة كطفل يرفض شيئًا بعناد، ووجهه يعكس ضيقه:
“لن أذهب أبدًا.”
وكالعادة، كان تهدئة ليام مور في مثل هذه الحالة من مهامي.
“لكنه صديقك!”
قلتُ بنبرة رقيقة كمن يراضي طفلًا.
“…لا أتذكر أن لي صديقًا كهذا.”
“إنه زواجه الأول في حياته!”
“ولو كان الثاني لكان هذا تعددًا للزوجات، أليس كذلك؟”
هذا صحيح. لا، بل توقفت عن محاولة الإقناع.
“يجب أن تذهب لتهنئته.”
“سيكون هناك الكثيرون لتهنئته حتى بدوني. إنه نبيل أيضًا.”
هذه المرة كدتُ أستسلم فعلًا. يا لعناده الشديد! كنت أتمنى أن يتمتع بحياة اجتماعية طبيعية ولو لمرة واحدة، لكنه في مثل هذه الأمور يتصرف كجدار صلب لا يُخترق.
لكنني، بطبيعة الحال، أتقن التعامل معه. وضعت يدي على كتفه وقلت:
‘آسفة، لكن عليّ الانتقال إلى الحلقة التالية.’
كان بإمكاني الموافقة دون تفكير، لكنني اكتشفت من خلال سلسلة من الأحداث أن بقائي مع ليام مور يرفع معدل بقائي على قيد الحياة بشكل مذهل. لا أعرف السبب، ولا يهمني معرفته. كل ما يعنيني هو البقاء حية حتى أرى النهاية، وهذا هدفي الوحيد.
“إن لم تكن تنوي تركي وحدي، فاذهب معي.”
صيغة مثالية. اهتزت عيناه الرماديتان بقوة تحت وطأة ندائي العاطفي، ثم مرر يده على جبهته.
نظر إليّ طويلًا كأنه يقيّمني، ثم انحنت عيناه المستديرتان بابتسامة مترددة. تمتم الرجل المحرج:
“أنتِ حقًا تعرفين كيف تتعاملين معي.”
بالطبع، من أنا؟ أنا جين أوزموند!
وضع القارورة جانبًا كمن يعلن استسلامه، بينما ارتشفتُ الشاي البارد منتشية بانتصاري.
مع بزوغ الفجر، بدأنا بتجهيز أمتعتنا.
حزمتُ بعض الملابس، ومسدسًا صغيرًا أحمله دائمًا للدفاع عن النفس، وقفازات، ومظلة.
أتمنى ألا تمطر بغزارة فهذا يتطلب معطفًا واقيًا. أما الدفتر فلا داعي للقلق بشأنه، فهو يعود إلى جيبي دائمًا حتى لو ضاع.
أما ليام… فلا أدري لماذا، لكنه كان يعبئ سوائل غامضة من القوارير على مكتبه في زجاجات محكمة الإغلاق، ويضعها واحدة تلو الأخرى في حقيبته. شعرتُ بقلق خفي، كأن حفل توديع العزوبية قد يتحول إلى جلسة مخدرات.
“ما الذي تجمعه هناك؟”
سألته، فتوقف عن الحركة وابتسم:
“قد نحتاجه يومًا ما.”
ردّ بهدوء، لكنني لم أستطع تخمين سبب حاجتنا لهذه الأشياء، فلم أعترض.
لا أعرف كيف فسر صمتي، لكن ليام مور أمسك يدي ووضع زجاجة بين أصابعي.
“هاكِ، جين. هذا دواء له مكونات توقف النزيف. يشبه مبدأ المطهرات التي تُرش. إذا أصبتِ بجرح أو خدش أو نزيف، اسكبيه عليه. الجروح الصغيرة ستتوقف عن النزف سريعًا.”
كان السائل شفافًا كماء الأكسجين أو الكحول. لا أعلم لماذا يفترض أنني سأتأذى، لكنه بدا مصممًا على الاستعداد لأي طارئ. من يُصاب برصاصة في حفل زفاف؟ لكن الاحتياط لا يضر.
“وماذا عن هذا؟”
اخترتُ سائلًا أزرق باهتًا، فأشار ليام إلى ملصق على الزجاجة وقال:
“دواء لحماية جدار المعدة.”
يا إلهي! كان مستعدًا تمامًا. ليام مور العزيز لم يكتفِ بالاستعداد للجروح، بل خطط أيضًا لمواجهة الكحول في حفل توديع العزوبية. لم أتخيله سكرانًا قط. أتمنى فقط ألا يكون جيمس ستراندن، الذي يدّعي صداقته، من النوع الذي يجبر ليام على الشرب.
كانت حقيبة ليام، بعد أن أضاف إليها بعض الأشياء، تشبه حقيبة طبيب يقوم بزيارة منزلية أكثر منها حقيبة ملابس أو أمتعة رجل نبيل.
“كنتَ ستنجح كصيدلي.”
تمتمتُ، فضحك ليام:
“ربما، لكنني راضٍ تمامًا عن عملي الحالي.”
أعرف ذلك. لو تم قياس الرضا الوظيفي، لما تفوق علينا أحد في لندن.
قراءة آثار الجرائم، والدماء المتناثرة، والعشق المميت، واستخلاص هوية القاتل من بقايا الموتى، كل ذلك كان متعتي.
وكسر صمت القدر، ذلك الحظر القسري، بانتزاع الاعترافات، هو اللحظة التي أشعر فيها أنني على قيد الحياة.
نحن من طينة واحدة. لذا لم يطلب أحدنا من الآخر التخلي عن هذا العمل المليء بالمخاطر والموت.
تناولنا الإفطار، وفي التاسعة صباحًا توجهنا إلى محطة كينغز كروس. كان ليام يبدو متضايقًا، لكنه لم يعترض أكثر. اكتفى بالسير بهدوء وهو يتفحص المنصة. أمسكنا تذكرتي القطار وبدأنا البحث عن القطار الذي سيغادر.
بالنظر إلى الوراء، كان مظهر ليام مور آنذاك لا يوحي أبدًا بأنه صديق عريس متجه إلى زفاف. بل ربما ظنه أحدهم ذاهبًا إلى جنازة.
ارتديتُ بلوزة مكوية بعناية مع بدلة سميكة من قطعتين، جاكيت وتنورة خضراء، وقبعة صغيرة.
أما هدية الزفاف، فقرر ليام أن تكون شيئًا قديمًا، فاخترنا نبيذًا فرنسيًا صُنع على يد حرفي، عمره خمسة عشر عامًا، محفوظًا منذ ما قبل لقاء العروسين.
كان هذا النبيذ من مقتنيات ليام الثمينة، لكنه على الرغم من تذمره بأنه لا يعرف هذا الصديق، أحضر شيئًا نفيسًا، وهو ما لم أفهمه. ظل يسير بتعبير غامض.
عندما دوّت صفارة القطار، شعرتُ بتوتر خفيف. شعرتُ باهتزاز المحرك البخاري تحت قدميّ.
“هل أنتِ متوترة؟”
سألني. لا، لم أكن كذلك. كنتُ أفكر فقط في مدى اتساع هذا العالم.
خارج لندن؟ بريطانيا؟ أم العالم بأسره؟ ما الذي سيحدث؟
كنتُ أظن أن الخريطة تقتصر على مواقع الأحداث الرئيسية، لكن رؤية المناظر تمتد مع القطار جعلتني أتساءل: أليس هذا عالمًا مفتوحًا؟
استغرق الوصول إلى ريف لندن ساعة وخمسًا وأربعين دقيقة.
وصلنا عند الظهيرة، وكانت عربة تنتظرنا في المحطة بفضل البرقية التي أرسلناها مسبقًا. كان السائق شابًا مرحًا يرتدي ملابس نظيفة، ولم يتوقف عن الحديث لإمتاعنا.
“في لندن تمطر رذاذًا خفيفًا كثيرًا، لكن هنا الشمس دافئة جدًا. مكان مثالي لزوجين يبدآن حياة جديدة.”
قال وهو يحرك اللجام بمهارة.
كان محقًا. رغم أنه ريف، بدا مثاليًا للعيش. الحقول تمتد بعيدًا، وطاحونة هواء بعيدة بدت كأنها من رواية ريفية.
عبرنا جسرًا مقوسًا فوق جدول بارد في نوفمبر، متجهين إلى قصر جيمس ستراندن. الشمس كانت لا تزال مشعة رغم اقتراب الشتاء. شعرتُ بغيرة من العروس التي ستقضي شهر عسلها هنا.
“وصلنا!”
قال السائق بنبرة متحمسة، كأنه المالك. كان فخورًا بعمله ومكانه.
بينما كان يساعدني على النزول، تجاهل ليام ذلك، وأمسك خصري وأنزلني بنفسه. ما هذا التصرف الغريب؟ ساد صمت محرج للحظة، لكننا وصلنا إلى المدخل دون تعثرات.
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 18"